ملخص لما جاء في الكتاب عن المسألة الأولى المسألة الأولى : (الصدرية) .
وهي أن الكُتاب يقولون في صدر كتبهم : بسم الله الرحمان الرحيم ، صلى الله على محمد وآله . لقد أنكر بعض النحاة عطف الصلاة على البسملة وذلك لأسباب منها :
01-عدم ورود ذلك في السنة المأثورة .
02-عدم موافقة المعطوف في حكمه للمعطوف عليه ، فالجملتان مختلفتان ؛ لأن إحداهما فعلية والأخرى تحتمل الوجهين بتقدير متعلق الجار والمجرور وعليه يكون الاختلاف من حيث اللفظ .
03-أن الجملة الأولى خبرية والجملة الثانية معناها دعاء ، ولما كان من شأن واو العطف أن تشرك الثاني مع الأول لفظا ومعنى لم يصح عندهم عطف هاتين الجملتين بعضهما على بعض لاختلافهما لفظا ومعنى . أما بخصوص السبب الأول : فهو قول ابن السيد البَطَلْـيوسي ولعله يقصد – على حسب ما أشار المحقق- عدم ورود الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الماضي معطوفا بالواو ، وليس إنكار الأثر الوارد بالصلاة على النبي على غير هذه الصيغة . أما السبب الثاني فيرده صاحب الكتاب بقوله : إن تشاكل الإعراب في العطف إنما يراعى في الأشياء المفردة المعربة خاصة وأما عطف الجمل على الجمل فهو نوعان :
-أحدهما : أن تكون الجملتان متشاكلتين في الإعراب
-والثاني : ما لا يراعى فيه التشاكل في الإعراب (وظاهر قوله أن مسألة عطف الصلاة على البسملة تدخل ضمن ما لا يراعى فيه التشاكل في الإعراب .) أما السبب الثالث : فيرده صاحب الكتاب أيضا من عدة وجوه منها :
01- أن جميع الكتاب الذين ألفوا الكتب منذ القديم كانوا يفتتحون تصنيفاتهم بــ : (الحمد لله الذي .......) ثم يقولون بعدها : (وصلى الله على محمد) . فيعطفون الصلاة على التحميد ولا فرق بين عطفها على التحميد وعطفها على البسملة لأن كلتا الجملتين خبر وهذا ليس مختصا بكتب الضعفاء في العربية دون الأقوياء ، ولا بكتب الجهال دون العلماء ، بل ذلك موجود في كتب المتقدمين والعلماء المبرزين : كالفارسي ، وأبي العباس المبرد ، والمازني وغيرهم . فلو لم يكن بين أيدينا دليل يدفع به مذهب هؤلاء إلا هذا لكفى عن غيره ، فتأمل خطبتي كتاب الإيضاح للفارسي ، وصدر الكامل لأبي العباس المبرد وصدر كتاب سيبويه .....
02- ومنها أيضا أن قولنا : (وصلى الله على محمد ) بإثر البسملة متصرف إلى معنى الخبر ولذلك تأويلات مختلفة :
-أحدها : أن يكون تقديره (أبدأ بسم الله الرحمان الرحيم ، وأقول : صلى الله على محمد ) فتضمر القول وتعطفه على (أبدأ) ، وذلك مما يصرف الكلام إلى الإخبار ، والعرب تحذف القول حذفا مطردا ........
- أو على معنى : (أبدأ بسم الله ، والصلاة على محمد) فيكون من الكلام المحمول على التأويل ........
- وإن شئت كان التقدير : (أبدأ باسم الله وأصلي على رسوله محمد) فيكون محمولا أيضا على المعنى .
03- ومنها أنه لا يستحيل عطف الدعاء على الإخبار ، لأنا وجدنا العرب يوقعون الجمل المركبة تركيب الدعاء والأمر والنهي والاستفهام -التي لا يصلح فيها (صدق ولا كذب)- مواقع الجمل الخبرية التي يجوز فيها الصدق والكذب ، وهذا أشد من عطف بعضها على بعض ، كنحو ما أنشدوا من قول الجميح بن منقذ :
ولو أصابت لقالت وهي صادقة .... إن الرياضة لا تـُنْصبك للشيب
فأوقع النهي موقع خبر( إن ) كما نبه صاحب الكتاب الإمام محمد بن طولون إلى أن قول النحويين (الواو يعطف بها ما بعدها على ما قبلها لفظا ومعنى ) قول ٌ أخرج مخرج العموم وهو في الحقيقة خصوص وإنما يعطف الواو الاسم على الاسم في نوع الفعل أو في جنسه لا في كميته ولا في كيفيته .
وقد مثل لذلك بقوله : (ضربت زيدا وعمرا) فيجوز أن تكون ضربت زيدا مرة وعمرا مرتين ، كما يجوز أن تكون ضربت زيدا جالسا وعمرا واقفا .
وبقوله تعالى :( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) سورة المائدة الآية 06 . حيث كانت الواو توجب الاشتراك في نوع الفعل وجنسه ، لا في كميته ولا في كيفيته ، فالنضح والمسح جمعهما جنس الطهارة .
وهكذا قولنا : (بسم الله الرحمان الرحيم ، وصلى الله على محمد ) -وإن كان الإخبار والدعاء قد اختلفا – فإنهما قد اتفقا في معنى التقدمة والاستفتاح وفي معنى التبرك والاستنجاح .
لقد علمت بالأخضر كلامي
ملخص لما جاء في الكتاب عن المسألة الثانية المسألة الثانية : (المسكية)
((ليس الطيبٌ إلا المسكـُ))
وسميت بالمسألة المسكية نسبة إلى كلمة (المسك ) التي دار حولها الخلاف ، وهذه هي المسألة الثالثة من (المسائل العشر المتعبات إلى الحشر ) وهي من تأليف (أبي نزار) الملقب بــ (ملكـ النحاة).
يرى أبو نزار أن في تخريج المسألة وجهين هما :
01-أن (ليس الطيبُ) ليس واسمها ، و(إلا) ناقضة للنفي و (المسكُ) مبتدأ خبره محذوف تقديره : (ليس الطيب إلا المسكـُ أفخـَرُهُ) والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر ليس ,
02-والوجه الآخر هو أن تكون (إلا) بمعنى غير وذلك وجه في (إلا) معروف والتقدير : (ليس الطيبُ غيرُ المسك مفضلا أو مرغوبا فيه )....
• وقد رد على الوجهين الإمامُ محمد بن طولون رحمه الله مُعنفا بعدما شنع على أبي نزار ما وقع فيه من تخبط في أثناء ذكر المسألة وهو ينسب قولين – على غير وجههما –لسيبويه والسيرافي قائلا :
-إن تقدير خبر المبتدأ ب (أفخره) لا يقتضيه اللفظ ولا يدل عليه .
-وأن تقديره -في الوجه الآخر- (إلا) بمعنى (غير) يشير إلى أنها وما بعدها صفة لــ(الطيب) على حد قوله عز وجل (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) الأنبياء:22 . أي غير الله ، وجعل الخبر محذوفا – مفضلا، مرغوبا فيه– فيكون المعنى : أن الطيب لا يرغب الناس فيه وإنما يرغبون في المسك ؛ لأن هذا هو تقدير قوله : (ليس الطيب غيرُ المسك مرغوبا فيه) .... ويخاطب أبا نزار غاضبا فيقول :
ولو وجهت – أيها المتعسف – هذه المسألة على ما وجهه النحويون لأرحت واسترحت ، وهو أن تجعل (الطيب) اسمَ ليس ، و (إلا المسكُ) بدل منه ، والخبر محذوف تقديره : (ليس في الدنيا الطيبُ إلا المسكُ (وعلى ذلك حملوا قول الشاعر :
لهفي عليكــ للهفة من خائف .... يبغي جوارك حين ليس مجيرُ
يريد حين ليس في الدنيا مجيرُ . اقتباس:
هكذا ورد في الكتاب بالرفع ؛ لعله على سبيل القطع وإلا فالنصب أولى
*وظاهر قول المؤلف أنه يعرض لنا رأيا آخر يـُتوهم في البداية أنه يميل
إليه وذلك ليس صحيحا لأنه سيناقشه في النهاية ويبين رفضه له .
- وقد أجاز أبو علي الفارسي أن تكون اللام زائدة – يقصد (ال) أداة التعريف – في كلمة (الطيب) ، فيكون التأويل (ليس في الوجود طيبٌ إلا المسكـُ (
- كما أن لأبي علي الفارسي تخريجات أخرى هي :
-أحدها أن في (ليس) ضمير الشأن ، ولو كان كما زعم لدخلت (إلا) على أول الجملة الاسمية الواقعة خبرا فقيل (ليس إلا الطيب المسك) .... ، فأجاب – أبو علي الفارسي – بأن (إلا) قد توضع في غير موضعها مثل قوله تعالى : (إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا) الجاثية 32 .
أي : إن نحن إلا نظنه ظنا .
-الثاني :أن (الطيب) اسمها وأن خبرها محذوف أي في الوجود وأن (المسك) بدل من اسمها .
الثالث : أنه كذلكــ - أي مثل الوجه الثاني الذي ذكر آنفا – ولكن (إلا المسك) نعت للاسم ؛ لأن تعريفه تعريف الجنس أي : (ليس طيب ٌ غير المسكـ طيبا)
* لقد أورد المحقق ما جاء في كتب المناظرات والمجالس من أن عيسى بن عمر الثقفي سأل أبا عمرو بن العلاء عن هذه المسألة فأجابه عمرو قائلا : (نمت يا عيسى وأدلج الناس ، ليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب وليس في الأرض تميمي إلا وهو يرفع ) ولعل الإمام محمد بن طولون يرجح ما نقل عن أبي عمرو بن العلاء ؛ لأنه قال في آخر الحديث عن المسألة : (وما تقدم من نقل أبي عمرو أن ذلك لغة تميم يرد هذه التأويلات ) . والله أعلم .