المسائل التفسيرية في الكتب الأدبية

علي البشر

New member
إنضم
16/01/2011
المشاركات
225
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد ، فإن المطالع لكتب الآداب العربية ، يجد أن أصحابها كان لهم اهتمام متفاوت ، في الاستشهاد بآيات القرآن الكريم ، في شرح النصوص الأدبية ، وكانوا أثناء استشهاداتهم بنصوص التنزيل يولون هذه الاستشهادات شيئاً من التفسير ، أو يبيِّنون وجه الاستشهاد بهذه الآية الكريمة .
وقصدي من إثارة هذا الموضوع هو أن ألفت انتباه من لهم اهتمام بهذا الجانب ، ومن يبحثون عن مواضيع لرسائلهم العلمية في الدراسات القرآنية ، إلى أن من كتب الأدب ما يحوي مخزوناً تفسيرياً هائلاً ، يمكن جمعه والاستفادة منه في تأسيس مشروع علمي فريد .
هذه مشاركتي البكرية ، في هذا الملتقى ذي النسمات الأريحية . والله ولي التوفيق ....
 
حياك الله وبياك .
اقترحت هذا الموضوع على إحدى الباحثات فكتبت فيه بحثاً للماجستير هو في طور المناقشة الآن . وقد درست النويري صاحب نهاية الأرب أنموذجاً . ويحتمل غيره من شروح الشعر بحوثاً متوسطة .
 
جاء في شرح المرزوقي على حماسة أبي تمام ، قول عبد الله بن عَنَمَة :
أبلِغْ بني الحارثَ المرجُوَّ نصرَهُمُ والدهرُ يُحدِثُ بعد المِرَّةِ الحالا
إنا تَركنا ، فلم نأخذ به بدلاً عزاً عزيزاً ، وأعماماً وأخوالا
قوله : ( والدهر يحدث ) اعتراضٌ حصل بين ( أبلغ بني الحارث ) ، وبين مفعوله الثاني وهو قوله : ( إنا تركنا فلم نأخذ به بدلا )
قال المرزوقي : ومثله مما دخل الاعتراض بينه وبين المفعول .... وفي القرآن { ولئن أصبكم فضل من الله ليقولن كأن لم يكن بينكم وبين مودة ياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً} لأن قوله { ياليتني } مفعول { ليقولن } ؛ و{كأن لم يكن } اعتراضٌ . وكذلك الدهر ذو تبدُّل اعتراضٌ .انتهى كلام المرزوقي .
وفي تفسير هذه الآية يقول العلامة ابن عطية رحمه الله (2/601 ط.قطر الثانية)مبيناً مسألة الجملة الاعتراضية التي تظهر حالة نفسية المنافق الحاسدة كما فسره بذلك الطبري (7/222 ط. التركي) :
وقوله تعالى : { ولئن أصابكم فضل من الله } الآية ، المعنى : ولئن ظفَرتم وغنِمتم ، وكلُّ ذلك من فضل الله ، ندم المنافقُ أن لم يحضر ويصب الغنيمة ، وقال : { يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً } متمنياً شيئاً قد كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده ، لأن المؤمن إنما يتمنى مثلَ هذا إذا كان المانعُ له من الحضور عُذراً واضحاً ، وأمراً لا قُدرةَ له معه ، فهو يتأسف بعد ذلك على فوات الخير ؛ والمنافقُ يعاطي المؤمنين المودةَ ، ويعاهد على التزام كُلَف الإسلام ، ثم يتخلَّفُ نفاقاً وشكاً وكفراً بالله ورسوله ، ثم يتمنى عندما يكشفُ الغيبُ الظفرَ للمؤمنين ، فعلى هذا يجيء قوله تعالى : { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } التفاتة بليغة ، واعتراضاً بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم .
 
ينتبه إلى أن القرءة التي ذكرها المرزوقي في الآية المستشهد بها وهي :{ كأن لم يكن } هي قراءة القرّاء العشرة ؛ عدا ابن كثير ، وحفص عن عاصم ، ورويس عن يعقوب فإنهم - أعني الثلاثة - قرؤوا بالتأنيث : {كأن لم تكن } .
لذا جرى التنبيه .
 
مالكُ بنُ الرَّيبِ يَرثِي نَفسه

مالكُ بنُ الرَّيبِ يَرثِي نَفسه

قال مالك بن الريب رحمه الله ( أمالي القالي 3/135) :
1- ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً = بجنب الغضى أُزجِي القِلاص النَّواجيا
2- فلَيتَ الغَضَى لَم يقطَعِ الرَّكْبُ عَرْضَهُ = ولَيتَ الغَضَى ماشَى الرِّكَاب لَيَاليا
3- لَقَد كان في أهل الغضى لودَنَا الغضى = مَزارٌ ولكنَّ الغَضَى ليس دانيا
4- ألم تَرَني بِعتُ الضَّلالةَ بالهدى = وأصبحت في جيش ابن عفَّان غازيا
5- وأصبحت في أرض الأعاديِّ بعدما = أرانِيَ عَن أرض الأعاديِّ قاصيا
6- دعاني الهوى مِن أهلِ أُوْدَ وصُحبتي = بذِي الطِّبَسَينِ فالتَفَتُّ ورائيا
7- أجبتُ الهَوى لما دَعاني بِزَفرَةٍ = تقَنَّعتُ مِنها أنْ أُلَامَ رِدائيا
8- أقولُ وقَد حالت قُرَى الكُرْدِ بيننا = جزى الله عَمْراً خير ما كان جازِيا
9- إِنِ اللهُ يُرجِعْني مِنَ الغَزْوِ لا أرى = وإِن قلَّ مَالي طَالباً ما وَرَائيا
10- تقولُ ابْنَتي لمَّا رأتْ طُولَ رِحلتي = سِفَارُك هَذا تارِكِي لا أبا ليا
11- لعمري لئِن غالتْ خُراسَانُ هَامَتي = لقد كنت عن بَابيْ خُرَاسان نائيا
12- فإنْ أَنْجُ مِن بَابيْ خُرَاسان لا أعُدْ = إليها وإن منَّيْتُمُوني الأمَانيا
13- فلله دَرِّي يومَ أتركُ طائعاً = بَنِيَّ بأعلَى الرَّقْمَتَين ومَالِيا
14- ودرُّ الظِّباءِ السَّانحاتِ عشِيَّةً = يُخَبِّرنَ أنِّي هَالكٌ مَنْ وَرَائيا
15- ودرُّ كبيرَيَّ الَّلذَينِ كِلاهُما = عليَّ شفيقٌ ناصحٌ لو نَهَانيا
16- ودرُّ الرجالِ الشاهدِين تَفَتُّكي = بأمري أن لا يقصروا من وثاقيا
17- ودرُّ الهَوى من حيث يدعو صحابتي = ودرُّ لجَاجَاتي ودرُّ انتهائيا
18- تذكَّرتُ مَن يبكي عليَّ فلم أجِد = سوى السيفِ والرُّمح الرُّدَيْنِيِّ باكِيا
19- وأشقَرَ محبُوكاً يجرُّ عِنَانَهُ = إلى الماءِ لم يتْرُك له الموتُ ساقيا
20- ولكنْ بأكناف السُّمَينَةِ نِسْوةٌ = عزِيزٌ عليهِنَّ العَشِيَّةَ ما بِيَا
21- صريعٌ على أيدي الرجَالِ بقَفْرةٍ = يُسَوُّونَ لحدي حيث حُمَّ قَضائيا
22- ولمَّا تَرَاءَتْ عندَ مَرْوٍ مَنِيَّتي = وخَلَّ بها جِسمِي وحانَتْ وَفَاتِيا
23- أقولُ لأصحابي ارفعُوني فإنَّهُ = يقر بعيني أن سهيل بداليا
24- فيا صاحِبَي رَحْلي دَنا الموتُ فانزِلا = برَابيةٍ إنِّي مُقِيمٌ لياليا
25- أقِيما عليَّ اليومَ أو بعضَ ليلةٍ = ولا تُعجِلَاني قد تَّبيَّنَ شانيا
26- وَقُومَا إذا ما استُلَّ رُوحي فَهَيِّئا = لِيَ السِّدرَ والأكفانَ عند فَنَائيا
27- وَخُطَّا بأَطرَافِ الأسِنَّةِ مَضْجَعِي = وَرُدَّا على عَيْنَيَّ فَضلَ رِدائيا
28- ولا تَحسُداني باركَ اللهُ فيكما = من الأرضِ ذاتِ العَرضِ أن تُوسِعا لِيا
29- خُذَاني فَجُرَّاني بثوبي إليكما = فقد كُنتُ قبلَ اليومِ صَعباً قِيَادِيا
30- وقد كُنتُ عطَّافاً إذا الخيلُ أَدبرَتْ = سريعاً لدى الهَيجا إلى من دَعَانيا
31- وقد كُنتُ صبَّاراً على القِرْنِ في الوغى = وعن شَتْمِيَ ابنَ العَمِّ والجارَ وانيا
32- فَطَوراً تراني في ظِلالٍ ونَعمَةٍ = وطَوراً تراني والعِتَاقُ رِكَابيا
33- ويوماً تراني في رَحىً مُستَدِيرةٍ = تُخَرِّقُ أطرافُ الرِّمَاحِ ثِيَابيا
34- وَقُومَا على بِئرِ السُّمَيْنَةِ أَسْمِعَا = بها الغُرَّ والبِيضَ الحِسانَ الرَّوانيا
35- بأنكما خَلَّفْتُمَاني بِقَفْرَةٍ = تَهِيلُ عليَّ الرِّيحُ فِيها السَّوافِيا
36- ولا تَنسَيا عَهدَي خَلِيليَّ بعدما = تقَطَّعُ أَوصَالي وتَبْلى عِظاميا
37- ولن يَعْدمَ الوَالُونَ بثّاً يُصِيبُهم = ولن يَعدَمض الميراثض منِّي المَواليا
38- يقُولُونَ لا تَبْعَدْ وَهُم يَدفِنونني = وأَينَ مكانُ البُعدِ إِلَّا مَكَانيا
39- غداةَ غدٍ يا لهفَ نَفسِي على غدٍ = إذَا أَدلَجُوا عنِّي وأَصبَحتُ ثاويا
40- وأصبحَ مالي من طَريفٍ وتالِدٍ = لِغَيرِي وكانَ المالُ بالأمسِ مَالِيا
41- فَيا لَيتَ شِعرِي هل تَغَيَّرَتِ الرَّحَا = رَحَا المِثْلِ أو أمستْ بِفَلْجٍ كما هيا
42- إذا الحيُّ حَلُّوهَا جميعاً وأنزلوا = بها بَقراً حُّمَ العُيُونِ سَواجيا
43- رَعَيْن وَقد كادَ الظلامُ يُجِنُّها = يَسُفْنَ الخُزَامَى مَرَّةً والأقَاحِيا
44- وهل أَترُكُ العِيسَ العَوَالِيَ بالضُّحَى = بِرُكْبَانِها تَعلُو المِتَانَ الفَيَافِيا
45- إذا عُصَبُ الرُّكبَانِ بينَ عُنَيزَةً = وبُولَان عَاجُوا المُبقِيَاتِ النَّوَاجيا
46- فَيَا لَيْتَ شِعرِي هل بَكَتْ أُمُّ مَالكٍ = كَما كُنتُ لَو عَالُوا نَعِيَّكِ بَاكِيا
47- إذَا مِتُّ فاعتَادِي القُبُورَ وَسَلِّمي = علَى الرَّمسِ أُسقِيتِ السَّحَابَ الغَوَادِيا
48- علَى جَدَثٍ قَد جَرَّتِ الرِّيحُ فَوقَهُ = تُرَاباً كَسُحقِ المَرْنَبَانِيِّ هَابِيا
49- رَهِينَةُ أحجارٍ وتُربٍ تَضَمَّنَت = قَرَارَتُها منِّي العِظامَ البَواليا
50- فَيَا صَاحِبَا إِمَّا عَرَضتَ فَبَلِّغَا = بني مَازِنٍ والرَّيبِ أَنْ لا تَلَاقيا
51- وَعَرِّ قَلُوصِي في الرِّكَابِ فإنَّها = سَتَفلِقُ أَكبَاداً وَتُبكِي بَوَاكيا
52- وَأَبصَرتُ نَارَ المازِنِيَّاتِ مَوهِناً = بعَلياءَ يُثْنَى دُونَها الطَّرفُ رانيا
53- بِعُودِ أَلْنَجُوجٍ أَضَاءَ وَقُودُهَا = مَهاً في ظِلالِ السِّدْرِ حُوراً جَوَازيا
54- غريبٌ بعيدُ الدارِ ثَاوٍ بِقَفْرةٍ = يَدَ الدَّهرِ مَعرُوفاً بِأنْ لا تَدَانيا
55- أُقَلِّبُ طَرفِى حَولَ رَحلِي فَلا أَرَى = بهِ مِن عُيُونِ المُؤنِسَاتِ مُرَاعِيا
56- وَبِالرَّمْلِ مِنَّا نِسوَةٌ لو شَهِدنَني = بَكَيْنَ وَفَدَّينَ الطبيبَ المُداويا
57- وما كانَ عهدُ الرَّملِ عِندِي وأهلِهِ = ذَمِيماً ولا وَدَّعْتُ بِالرَّملِ قَالِيا
58- فمِنهُنَّ أُمِّي وابنَتَاي وخَالَتي = وبَاكيَةٌ أُخرَى تُهِيجُ البَوَاكيا
 
ودرُّ الظِّباءِ السَّانحاتِ عشِيَّةً = يُخَبِّرنَ أنِّي هَالكٌ مَنْ وَرَائيا

ودرُّ الظِّباءِ السَّانحاتِ عشِيَّةً = يُخَبِّرنَ أنِّي هَالكٌ مَنْ وَرَائيا

قام أبو علي القالي رحمه الله بشرح قصيدة مالك بن الريب رحمه الله ، في أماليه باختصار.
وعندما بلغ هذا البيت قال رحمه الله :
ويروى: مَن أماميا . قال : وراء يكون بمعنى أمام ، قال الله عز وجل { وكان وراءهم ملك } فسّر أنه بمعنى أمام والله أعلم . (الأمالي 3/139)
والسؤال هو : هل تكون وراء هنا على معناها الظاهر ، أي بمعنى : خلف؟
أم بمعنى : أمام ؟ كما أورده القالي رحمه الله .
أم بمعنى : بعد ، المراد بها التعقّب ؟ كما ذكره بعض المفسرين .
 
عودة
أعلى