الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد ، فإن المطالع لكتب الآداب العربية ، يجد أن أصحابها كان لهم اهتمام متفاوت ، في الاستشهاد بآيات القرآن الكريم ، في شرح النصوص الأدبية ، وكانوا أثناء استشهاداتهم بنصوص التنزيل يولون هذه الاستشهادات شيئاً من التفسير ، أو يبيِّنون وجه الاستشهاد بهذه الآية الكريمة .
وقصدي من إثارة هذا الموضوع هو أن ألفت انتباه من لهم اهتمام بهذا الجانب ، ومن يبحثون عن مواضيع لرسائلهم العلمية في الدراسات القرآنية ، إلى أن من كتب الأدب ما يحوي مخزوناً تفسيرياً هائلاً ، يمكن جمعه والاستفادة منه في تأسيس مشروع علمي فريد .
هذه مشاركتي البكرية ، في هذا الملتقى ذي النسمات الأريحية . والله ولي التوفيق ....
حياك الله وبياك .
اقترحت هذا الموضوع على إحدى الباحثات فكتبت فيه بحثاً للماجستير هو في طور المناقشة الآن . وقد درست النويري صاحب نهاية الأرب أنموذجاً . ويحتمل غيره من شروح الشعر بحوثاً متوسطة .
جاء في شرح المرزوقي على حماسة أبي تمام ، قول عبد الله بن عَنَمَة :
أبلِغْ بني الحارثَ المرجُوَّ نصرَهُمُ والدهرُ يُحدِثُ بعد المِرَّةِ الحالا
إنا تَركنا ، فلم نأخذ به بدلاً عزاً عزيزاً ، وأعماماً وأخوالا
قوله : ( والدهر يحدث ) اعتراضٌ حصل بين ( أبلغ بني الحارث ) ، وبين مفعوله الثاني وهو قوله : ( إنا تركنا فلم نأخذ به بدلا )
قال المرزوقي : ومثله مما دخل الاعتراض بينه وبين المفعول .... وفي القرآن { ولئن أصبكم فضل من الله ليقولن كأن لم يكن بينكم وبين مودة ياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً} لأن قوله { ياليتني } مفعول { ليقولن } ؛ و{كأن لم يكن } اعتراضٌ . وكذلك الدهر ذو تبدُّل اعتراضٌ .انتهى كلام المرزوقي .
وفي تفسير هذه الآية يقول العلامة ابن عطية رحمه الله (2/601 ط.قطر الثانية)مبيناً مسألة الجملة الاعتراضية التي تظهر حالة نفسية المنافق الحاسدة كما فسره بذلك الطبري (7/222 ط. التركي) :
وقوله تعالى : { ولئن أصابكم فضل من الله } الآية ، المعنى : ولئن ظفَرتم وغنِمتم ، وكلُّ ذلك من فضل الله ، ندم المنافقُ أن لم يحضر ويصب الغنيمة ، وقال : { يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً } متمنياً شيئاً قد كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده ، لأن المؤمن إنما يتمنى مثلَ هذا إذا كان المانعُ له من الحضور عُذراً واضحاً ، وأمراً لا قُدرةَ له معه ، فهو يتأسف بعد ذلك على فوات الخير ؛ والمنافقُ يعاطي المؤمنين المودةَ ، ويعاهد على التزام كُلَف الإسلام ، ثم يتخلَّفُ نفاقاً وشكاً وكفراً بالله ورسوله ، ثم يتمنى عندما يكشفُ الغيبُ الظفرَ للمؤمنين ، فعلى هذا يجيء قوله تعالى : { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } التفاتة بليغة ، واعتراضاً بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم .
ينتبه إلى أن القرءة التي ذكرها المرزوقي في الآية المستشهد بها وهي :{ كأن لم يكن } هي قراءة القرّاء العشرة ؛ عدا ابن كثير ، وحفص عن عاصم ، ورويس عن يعقوب فإنهم - أعني الثلاثة - قرؤوا بالتأنيث : {كأن لم تكن } .
لذا جرى التنبيه .
قام أبو علي القالي رحمه الله بشرح قصيدة مالك بن الريب رحمه الله ، في أماليه باختصار.
وعندما بلغ هذا البيت قال رحمه الله :
ويروى: مَن أماميا . قال : وراء يكون بمعنى أمام ، قال الله عز وجل { وكان وراءهم ملك } فسّر أنه بمعنى أمام والله أعلم . (الأمالي 3/139)
والسؤال هو : هل تكون وراء هنا على معناها الظاهر ، أي بمعنى : خلف؟
أم بمعنى : أمام ؟ كما أورده القالي رحمه الله .
أم بمعنى : بعد ، المراد بها التعقّب ؟ كما ذكره بعض المفسرين .