المراد بالنبأ العظيم

إنضم
26/11/2007
المشاركات
429
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فسأعرض لكم اليوم مسألة من المسائل التي كثر الاختلاف فيها بين المفسرين، المتقدمين منهم والمتأخرين.

ولعلنا نتدارسها فيما بيننا للوصول إلى تحقيق القول الراجح في هذه المسألة.

وسأرفق لكم الملف إرفاقاً، للحفاظ على تنسيقه

وهذه المسألة هي: ما المراد بالنبأ العظيم في قوله تعالى: (عن النبأ العظيم)

وقد ذكرت مسألتين لهما صلة بهذه المسألة حتى يأخذها بالاعتبار من أحب أن ينضم لتدارس هذه المسألة



وهذه المسألة جمعتها لكم من كتب كثيرة مباشرة وغير مباشرة، وقسمت الكلام فيها على الأقوال والأدلة والاعتراضات
ورتبت الكلام فيها حسب التسلسل التأريخي.
ولم أعقب إلا نادرا لأمر يحتاج فيه إلى تنبيه


فالنداء الآن لأصحاب الهمم والفهم والثاقب لمناقشة هذه الأقوال وبيان القول الراجح منها
 
من أحب أن يدرج الملف في الأصل فليفعل مشكوراً مأجوراً
فلم يمنعني من ذلك إلا احتياجه لتنسيق كثير ولضيق وقتي الآن
والله المستعان
 
[align=center]بارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء[/align]
 
تعقيب

تعقيب

النبأ العظيم

الأخ عبد العزيز الداخل حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فلقد أخذني بل شدّني أسلوبك الرائع المصحوب بتواضع منك في عرضك لموضوع النبإ العظيم ، وترددت كثيرا في التعليق عليه تعليقا موجزا أو إرجائه إلى أن أتناوله بالتفصيل والبيان في سياق تفسيري للقرآن العظيم حيث ركزت عليه كما هو أهله وكما هو مدلول كلمة "النبإ" وكلمة "العظيم" ولكل منهما دلالاته العظيمة ومعانيه الواسعة .
وهكذا سأتناول بالشرح والتفصيل والبيان كلا من كلمة النبإ ودلالة وصفه بالعظمة في تفصيل الكتاب المنزل أي في القرآن .
وسيفقه المتدبرون القرآن دلالة كلمة النبإ بعد فقههم مدلول النبوة وما نبّأ الله به النبيّ الأميّ  من النبإ في القرآن وليعلموا أنه نبأ عظيم أعرض عنه الناس .

النبوة

إن من تفصيل الكتاب أن النبوة عند إطلاقها هي الإخبار باليقين من العلم الغائب عنك ، أو بما كان من الحوادث التي غابت عنك فلم تحضرها سواء كانت ماضية أو معاصرة كما وقعت ، أو بما ستؤول إليه الحوادث كما ستقع مستقبلا .
فمن الأول قوله  قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض  يونس 18 وقوله  أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول  الرعد 33 والمعنى أن الله لا يغيب عنه ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وقوله  سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا  الكهف 78 .
ومن الثاني قوله  ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم  التوبة 70 وقوله  ونبئهم عن ضيف إبراهيم الحجر 51 في وصف الحوادث الماضية ، ومنه قوله  وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير  التحريم 3 ومنه قوله  فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين  النمل 22 من قول الهدهد في وصف الحوادث المعاصرة .
ومن الثالث قوله  وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين  هود 48 ـ 49 وقوله  قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون  سورة ص 67 ـ 68 .
وإنه في يوم الدين  يوم لا تملك نفس لنفس شيئا  الانفطار 19 ينبأ الإنسان بما قدم وأخر ، وذلك أن إلى الله مرجع الناس فينبئهم بما عملوا وبما كانوا يصنعون وبما كانوا فيه يختلفون وإليه أمرهم فينبئهم بما كانوا يفعلون ، ولا كرامة في هذه النبوة إذ هي بإحضار عمل الإنسان المنبإ به فيعرض عليه ليراه جهرة كما في قوله  علمت نفس ما أحضرت  التكوير 14 وقوله  علمت نفس ما قدمت وأخرت  الانفطار5 ولا علم قبل تمكن البصر من المعلوم كما في قوله  يوم ينظر المرء ما قدمت يداه  النبأ 40 وقوله  كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم  البقرة 167 وقوله  يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا  عمران 30 والمعنى أنه محضر كذلك وقوله  ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا  الكهف 49 .
وإن قوله  علمت نفس ما قدمت وأخرت  الانفطار 5 لمن المثاني مع قوله  ونكتب ما قدموا وآثارهم  يس 12 وقوله  ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغيرعلم  النحل 25 وقوله  وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم  العنكبوت 13 إذ الذي قدموه هو ما عملوا في حياتهم والذي أخروه هو الأثر الذي تركوه خلفهم ومنه الأشرطة المسموعة والمرئية فإن كان سيئا كان من أوزار الذين يضلونهم بغير علم ومن الأثقال مع أثقالهم .
وإنما ذكرت الحديث عن النبوة الآخرة العامة لتقريب علم اليقين الحاصل للنبي في الدنيا بما ينبئه به الله العليم الخبير.
إن الذين كانوا يقولون عن النبي   هو أذن  التوبة 61 بمعنى أنه يسمع ويقبل ما يتلقى من أعذارهم كالمغفل وهو أبعد ما يكون الرجل عن الوحي هم المنافقون الذين يحسبون النبي  كذلك ، لا يفقهون أن النبي تعرض عليه في يقظته ونومه أعمال أمته سواء منهم من عاصروه والذين سيتأخرون عنه ويعرض عليه مما سيكون من الحوادث في أمته إلى آخرها وإلى قيام الساعة فما بعده .
إن الله نبأ النبي  بما سيكون في أمته فعرضه عليه عرضا ورأى رجال ونساء أمته حسب أعمالهم ودرجاتهم على نسق ما ينبئ الله به كل إنسان في يوم الدين والحساب بما قدم وأخر من أعماله ، ولا تسل عن اليقين من العلم الحاصل للإنسان المنبإ في يوم الدين ولا للنبي في الدنيا لأن الله يري النبي ذلك العرض بأم عينيه في الدنيا كما في الأحاديث المتواترة ومنها :
1. حديث البخاري عن عقبة ابن عامر أن النبي خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرطكم وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى حوضي الآن… في كتاب المناقب باب علامات النبوة.
2. حديث البخاري عن أسامة قال أشرف النبي على أطم من الآطام فقال هل ترون ما أرى إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم مواقع القطر. في كتاب المناقب باب علامات النبوة.
3. حديث مسلم في كتاب الكسوف عن جابر ابن عبد الله قال كسفت الشمس على عهد رسول الله  في يوم شديد الحر فصلى رسول الله  بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم سجد سجدتين ثم قام فصنع نحوا من ذاك فكانت أربع ركعات وأربع سجدات ثم قال إنه عرض علي كل شيء تولجونه فعرضت علي الجنة حتى لو تناولت منها قطفا أخذته أو قال تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه وعرضت علي النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ورأيت فيها أبا ثمامة عمرا ابن مالك يجر قصبه في النار… وفي رواية لمسلم أيضا …ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه لقد جيء بالنار وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه في النار كان يسرق الحاج بمحجنه فإن فطن له قال تعلق بمحجني وإن غفل عنه ذهب به وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا ثم جيء بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه. متفق عليه ومكرر فيهما ففي البخاري في كتاب الكسوف باب صلاة الكسوف جماعة.
4. حديث البخاري عن أنس ابن مالك أن رسول الله خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فقام على المنبر فذكر الساعة فذكر أن فيها أمورا عظاما ثم قال من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم مادمت في مقامي هذا فأكثر الناس البكاء وأكثر أن يقول سلوني فقام عبد الله ابن حذافة السهمي فقال من أبي قال أبوك حذافة ثم أكثر أن يقول سلوني فبرك عمر على ركبتيه فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فسكت ثم قال عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كالخير والشر. من كتاب مواقيت الصلاة باب وقت الظهر عند الزوال.
5. حديث البخاري عن أنس أن النبي خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أن بين يديها أمورا عظاما ثم قال من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به مادمت في مقامي هذا قال أنس فأكثر الناس البكاء وأكثر رسول الله أن يقول سلوني فقال أنس فقام إليه رجل فقال أين مدخلي يا رسول الله قال النار فقام عبد الله ابن حذافة فقال من أبي يا رسول الله قال أبوك حذافة قال ثم أكثر أن يقول سلوني سلوني فبرك عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا قال فسكت رسول الله حين قال عمر ذلك ثم قال رسول الله والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي فلم أر كاليوم في الخير والشر. في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه.
6. حديث عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى  وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب…متفق عليه واللفظ لمسلم عن ابن عباس.
7. حديث عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون. متفق عليه عن ابن عباس وفي مسند أحمد.
8. حديث عرضت علي الأنبياء فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى ابن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة ابن مسعود ورأيت إبراهيم فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم (يعني نفسه) ورأيت جبريل فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية. في مسلم والترمذي قال الألباني صحيح.
9. حديث عرضت علي أمتي بأعمالها حسنها وسيئها فرأيت في محاسن أعمال أمتي إماطة الأذى عن الطريق ورأيت في سيئ أعمالها النخاعة في المسجد لم تدفن ، في مسلم وابن ماجه ومسند أحمد وصححه الألباني.
10. حديث البخاري في كتاب الإيمان عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله  بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض علي عمر ابن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال الدين. وكرره البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي وفي كتاب التعبير.
11. حديث مسلم عن أنس ابن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان أنها قالت نام رسول الله  يوما قريبا مني ثم استيقظ يبتسم قالت فقلت يا رسول الله ما أضحكك قال ناس من أمتي عرضوا علي يركبون ظهر هذا البحر الأخضر …وفي رواية أخرى لمسلم قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو قال مثل الملوك على الأسرة ( يشك أيهما قال قالت) فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت وفي رواية قال أنت من الأولين فتزوجها عبادة ابن الصامت بعد فغزا في البحر فحملها معه فلما أن جاءت قربت لها بغلة فركبتها فصرعتها فاندقت عنقها ، متفق عليه ومكرر فيهما ففي البخاري في كتاب الجهاد وفي مسلم في كتاب الإمارة أيضا .
قلت : إن الحديث الصحيح في البخاري عن أبي هريرة عن النبي  " لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة " . والحديث الصحيح في البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي  " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " ليعني أن العرض في المنام أقل من درجة العرض يقظة الذي اختص به النبيون وهو مدلول نبوتهم وهو الذي انقطع وختم بخاتم النبيين محمد  .
إن العرض للنبي  يقظة كما في الحديث الأول والثاني والثالث والرابع والخامس
ومحتملا في السادس والسابع والثامن والتاسع ، وسيأتي من بيان الحديث السادس والسابع والعرض مناما كما في الحديث العاشر والحادي عشر قد وقع في المدينة بعدما نزل به القرآن قبل الهجرة كما في المثاني :
  قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون  الفلاح 93 ـ 95
  فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نريك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون  الزخرف 41 ـ 42
  وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك  يونس 46 الرعد 40
  فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك  غافر 77
  وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن  الإسراء 60
وكما بينته في كلية النصر في ليلة القدر وقد تحقق في الدنيا وكما تقدم في الأحاديث الصحيحة التي فيها إنه عرض عليه كل شيء تولجونه وفيها " فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه " لإيقاع قوله  وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون  والآيات المتلوة المذكورة آنفا .
إن النبي في الدنيا هو الذي يعرض عليه مما سيكون من الغيب في الدنيا والآخرة فيعلمه برؤيته عرضا عليه وذلك قوله  أعنده علم الغيب فهو يرى  النجم 35 أي ينظر إلى ما يعرض عليه في يقظته وهو ما اختص به النبيون جميعا إذ شاركهم بعض أتباعهم في العرض في المنام .
وإن النبوة المقيدة بالعلم كما في قوله  نبئوني بعلم إن كنتم صادقين  الأنعام 143 فإنما هي بأحد أمرين :الإخبار والعرض يقظة وهو ما اختص به النبيون أو الإخبار بالكتاب الذي جاء به النبيون وهو العلم ، ويعني أن الله دعا المشركين الذين حرموا من ثمانية أزواج الأنعام ما لم يأذن به الله أن ينبئوه أي يخبروه بعلم أي يعرضوا عليه ساعة نزل عليهم لأول مرة من الله تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وهو الدليل القوي لو استطاعوه وهو الذي تتأتى به معارضة ما جاء به النبيون من العلم أو يأتوا بكتاب من عند الله نزل فيه تحريم ما زعموا .
فالنبوة بعلم بمعنى العرض يقظة هي ما اختص به النبيون وهي أخص من قوله  سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا  الكهف 78 وقوله  ونبئهم أن الماء قسمة بينهم  القمر 28 أي أخبرهم ولم يسبق إليهم علم به .
إن التقدم العلمي اليوم لم يبلغ بعض ما عرض على النبي الأمي  يقظة كما في المثاني :
  ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم  البقرة 243
  ألم تر إلى الملإ من بني لإسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله  البقرة 246
  ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب  النساء 77
  ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر  البقر 258
  ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار  إبراهيم 28
  ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول 
  ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد فرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب  الفجر 6 ـ13
وشبهه ويعني الحوادث الماضية قبله التي عرضت عليه قبل أن ينزل عليه القرآن في شأنها ، وليقعن في أمته من بعده حوادث مثلها كما هي دلالة نبوته التي تقدم بيانها .
وإن قوله :
  ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون  عمران 23
  ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول  المجادلة 8
وشبهه ليعني الحوادث المعاصرة التي غابت عنه وعرضت عليه قبل أن ينزل عليه القرآن في شأنها وليقعن مثلها في الأمة بعد النبي  .
وإن قوله :
  ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا  غافر 69
  ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور  لقمان 31
وشبهه ليعني الحوادث التي لم تقع بعد وعرضت عليه قبل أن ينزل عليه القرآن في شأنها ولتقعن كما نبأ الله بها خاتم النبيين  فعرضها عليه عرضا ونبأه وأمته بها في القرآن وكما سيأتي تفصيله .
وكذلك قوله :
  فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم  المائدة 52
  فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية  الحاقة 7
فهو مما عرض عليه كذلك وسيقع مثله بعده في أمته سيأتي بيانه وكما هو مدلول أنه مما عرض عليه ونبئ به في القرآن .
أما ما خوطب به الناس في القرآن من ذلك كما في قوله :
  ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة  لقمان 20
  ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا  نوح 15 ـ 16
  أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده  العنكبوت 19
  أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا فهم عن آياتها معرضون  الأنبياء 30 ـ 32
  أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها  الرعد 41
  أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون  الأنبياء 44
ليعني أن المكذبين من قبل قد تعجلوا تكذيب الرسل قبل أن يبلغ السمع والبصر وأدوات الكسب لدى الإنسان نهاية البحث العلمي المجرد وكذلك أمر الرسل المكذبين بالنظر والتأمل والبحث العلمي الذي سيهديهم إلى أن الله خالقهم هو الذي سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة فلماذا يكذبون ؟ وسيهديهم البحث العلمي المجرد إلى كيفية بدء الخلق وأنه سيفنى كذلك وأن الذي بدأه من العدم قادر على إعادة نشأته كما أخبر الرسل عنه فلماذا يكذب المكذبون ؟ وسيعلمون رأي العين بالبحث العلمي المجرد كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر والشمس فلماذا الكفر والتكذيب ؟ وسيعلمون رأي العين وهم يغزون الفضاء من آيات السماء ما لا يقدر عليه غير الله فلماذا الكفر والإنكار ؟ وسيرون رأي العين أن أطراف الأرض ستغرق أو يخسف بها أو يسقط عليها كسف من السماء فلا يبقى من الأرض إلا أم القرى وما حولها كما سيأتي بيانه في كلية النصر في ليلة القدر .
وأما قوله  ولا أعلم الغيب  من قول نوح ومحمد  ، وقوله  ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء  مما كلف به النبي الأمي  فيعني ما لم يعرض عليهما من الغيب وما لم يظهرهم الله عليه منه بالوحي لأن النبيين كسائر الرسل لا يعلمون الغيب إلا ما علمهم الله منه .
إن العرض يقظة في الدنيا للنبي هو الذي يقع مثله لكل منا إذا بلغ منه الموت قبل أن تسيل نفسه إذ يعرض عليه مقعده في الجنة والنار كما في البخاري والنسائي وأحمد وهو الذي يقع مثله لابن آدم إذا مات ودخل البرزخ إذ يعرض عليه قبل البعث مقعده غداة وعشيا كما في البخاري ومسلم في كتاب الجنة وفي النسائي وابن ماجه وكما في قوله  النار يعرضون عليها غدوا وعشيا  غافر 46 وقوله  مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا  نوح 25 للدلالة على عذاب القبر .
والعرضان هما في الكتاب كما في قوله  كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين  التكاثر 3 ـ 7 فقوله  كلا سوف تعلمون  يعني به  لترون الجحيم  عند الموت عرضا وقوله  ثم كلا سوف تعلمون  يعني به  ثم لترونها عين اليقين  أي في يوم الدين فالعرضان عند الموت وفي يوم الدين هما اللذان وقع بهما العلم ولا يخفى أن العلم في الأخير منهما أكبر لقوله  ثم لترونها عين اليقين  .
وجميع أهل الجنة ينبئهم الله فيعرض عليهم وهم على سررهم ما يشاءون كما في المثاني في قوله :
  إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون  التطفيف 22 ـ 23
  فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون  التطفيف 34 ـ 35
  قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم  الصافات 54 ـ 55
وأهل النار كذلك ينبأون كما في قوله  كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار  البقرة 167 إذ تعرض عليهم أعمالهم السيئة التي قدموها في الدنيا ودخلوا بها النار ليزدادوا حسرة وقنوطا من الفرج والرحمة .
إن عدم حفظ التوراة من التحريف قدرا ـ بفتح الدال ـ إذ جعل الله أمر حفظها إلى الربانيين والأحبار من بني إسرائيل كما في قوله  بما استحفظوا من كتاب الله  المائدة 44 هو سبب تعدد الأنبياء في بني إسرائيل لأن الأحبار كانوا كما في قوله  يحرفون الكلم عن مواضعه  النساء 46 المائدة 13 ، فتعدد الأنبياء فيهم ليقوموا مقام حفظ التوراة يحكمون بها وهي غير محرفة ويعلنون لهم ما تقع عليه نبوة موسى في التوراة من الحوادث التي كانت غيبا يوم نزلت التوراة ، ومنه بعث طالوت وداوود وسليمان ملوكا كما في قوله  وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين  المائدة 20 وإنما وقع ذلك كله بعد موسى ولا يخفى أن التوراة تقع نصوصها على ما سيكون من الحوادث بعدها لقوله  وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء  الأعراف 145 ومن المثاني معه قوله  ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء  الأنعام 154 ، وكان كل نبي بعد موسى يحكم بالتوراة دونما تحريف لأن الله آتى كل نبي الكتاب أي علمه إياه فحفظه وعلم بيانه عن ظهر قلب وكل نبي يعلن إيقاع التوراة على الحوادث .
أما القرآن المحفوظ من التحريف فقد أغنى عن تعدد الأنبياء في هذه الأمة وكان نبيها هو خاتم النبيين  كما في الأحزاب وبدليلين اثنين أولهما أن القرآن قد تضمن جميع نبوة محمد  ، فلم يأت من الحوادث منذ نزول القرآن إلى يومنا هذا إلا ما حواه القرآن ولن يأتي منها وإلى الأبد في الدنيا والآخرة إلا ما حواه كذلك .
أما في الآخرة فجميع الحوادث مفصلة في الكتاب .
وإنما ينغلق في الدنيا غير أن النبوة حرف من الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن وكل منها شاف كاف كما في الأحاديث الصحيحة فجميع ما في القرآن من أنباء سيتكرر مثله في هذه الأمة قبل الآخرة ولذلك خلا الكتاب من النبوة عن الجنة والنار وإنما نبّأ القرآن ببعض ما كان من القصص والحوادث الماضية ودليله قوله :
  ولتعلمن نبأه بعد حين  خاتمة سورة ص
  لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون  الأنعام 67
ويعني أن جميع ما نبّأ الله به خاتم النبيين  في القرآن سيكون يوما من أيام الدنيا معلوما لكل الناس بعد حين ، ولقد مضى من الحين حوالي ألف وأربعمائة وأربعين عاما ، وإنما يستقر النبأ إذا وافق الأجل الذي جعل الله له وليعلمه الناس رأي العين كما بينت في مقدمة التفسير .
وثانيهما أن محمدا  هو رسول الله بآية خارقة معجزة محفوظة هي القرآن ، وشهادة المسلم ـ وشرط الدخول في الإسلام ـ أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله تعني أن المسلم في كل وقت يشهد على نفسه أنه حضر رسالة الله التي أرسل بها محمدا  وهي القرآن وما غاب عنها بل بلغته وآمن بما فيها من الغيب والنبوة ، فالشهادة بأن محمدا رسول الله هي إقرار وإيمان بالآية المعجزة التي أرسل بها وهي القرآن ، ويعني قوله  والله يشهد إنك لرسوله  سورة المنافقين 1 أن الله سيظهر للعالم كله في الدنيا أن محمدا الأمي  هو رسول الله بهذه الآية المعجزة إذ ما شهد الله به لن يبقى سرا مجهولا أو مغمورا بل سيشاهده العالمون جميعا وذلك مدلول قوله  قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم  الأنعام 19 ويعني أن كل غيب في القرآن سيصبح شهادة معلوما لكل الناس ليعلم الناس أن محمدا  قد أرسل بالقرآن من قبل .

النبأ العظيم

أما النبأ العظيم الذي نبّأ الله به النبي الأميّ  فيقع عموما على :
الكتاب المنزل على النبي الأميّ  إذ هو نور كما هي دلالة المثاني في قوله :
•  وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا  الشورى 52
•  يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين  المائدة 15
•  فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا  التغابن 8
•  يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا  النساء 174
 فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون  الأعراف 157
وتعني أنه نور أنزل من عند الله الذي كلّف الناس بالاهتداء به ، إذ يقع على موعودات بعيدة في كل من الدنيا والآخرة يوم نزل القرآن على النبي الأمي  وكذلك النور يقع على البعيد فيتراءى لك قبل أن تصل إليه ، وسيعلم الناس في اليوم الأخر يوم تقع موعودات الكتاب المنزل صدق الرسل والنبيين ، وسيعلم الناس رأي العين في الدنيا يوم تقع موعودات القرآن فتصبح شهادة بعد أن كانت غيبا يوم نزل القرآن أن القرآن قول ثقيل ألقي على خاتم النبيين  وأنه قرآن عجب يهدي إلى الرشد وإلى التي هي أقوم إذ سيهتدي به يوم تقع موعوداته أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ، وسيزداد به الذين في قلوبهم مرض رجسا إلى رجسهم وضلالا إلى ضلالهم .
ويقع النبأ العظيم خصوصا على مدلول لفظ القرآن أي ما حوى المصحف من القصص والذكر والقول والنبوة والأمثال ومن الحوادث التي وعد الله أن تقع بعد خاتم النبيين  قبل النفخ في الصور ، تلك الحوادث الموصوفة في القرآن بأنها من الغيب الذي يجب الإيمان به ولا ينشغل الفقهاء والمفسّرون والمحدثون والقراء بالغيب في القرآن .

الغيب في القرآن

إن قوله:
•  ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين { النمل 20
•  وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين { الانفطار 14 ـ 16
•  وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين { يوسف 81
ليعني أن الغيب هو ما غاب عنك من الحوادث فلم تشهده ، وكان الهدهد من الغائبين غير حاضر حين تفقد سليمان الطير ، وإن الفجار يوم الدين ليشهدون الجحيم ويكبكبون فيها وما هم عنها بغائبين بل هم حاضرون ، ولم يك إخوة يوسف قادرين على منع ما غيّب الله من الغيب ومنه ألا يرجع معهم أخوهم الذي أرسله معهم أبوهم ليكتالوا ويزدادوا كيل بعير .
وإن الموعود في الكتاب المنزل على خاتم النبيين r يوم نزل هو الغيب ، ومنه موعودات في اليوم الآخر كجنات عدن التي وعد الرحمان عباده بالغيب ، وكان الذين يتبعون الذكر ويخشون ربهم الرحمان في الدنيا قبل أن يحضروا يوم القيامة هم الذين يخشون ربهم بالغيب والمبشرون بمغفرة وأجر كبير .
وإن الموعود في القرآن يوم نزل هو الغيب الذي سيصبح شهادة في الدنيا وتضمنته سبع من المثاني أنزل عليها القرآن هي الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن ، ويعني أن كل وعد وعد الله في القرآن أن يقع في الدنيا قد تضمنه حرف الأسماء الحسنى وحرف النبوة وحرف الذكر وحرف القول وحرف ضرب الأمثال وحرف الغيب في القرآن وحرف الوعد في الدنيا وتضمن كل واحد منها ما شاء الله من المثاني ، وليعلم الناس أن من لم يهتد بالقرآن يوم تقع موعوداته وغيبه في الدنيا ـ وهو النبأ العظيم الذي أعرض الناس عنه واختلف فيه من عاصروا نزول القرآن ، وسيختلف فيه من يحضرونها بعد كانت غيبا ـ إنما هو كمثل الحمار يحمل أسفارا .
وكان فقهي تلك الموعودات أي ذلك النبأ العظيم هو القصد وراء تفسيري "من تفصيل الكتاب وبيان القرآن" الذي خلا من المسائل الفقهية والتعبدية ومسائل النحو والبلاغة لأن السلف رحمهم الله قد وفوها حقّها وتدارسوها وبيّنوها إلا قليل مما سينكشف يوما بعد يوم إذ لن تحصي الأمة ما في الكتاب المنزل وهو القول الثقيل من العلم والمعاني .
وأقول بملء فيّ إن من ذلك النبإ العظيم موعودات تشيب لهولها الولدان منها العذاب الذي سيمحق أعداء الله في فجر ليلة القدر وليستخلف في الأرض خلافة هي على منهاج النبوة أولياء الله الذين سينجيهم من ذلك العذاب كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر ضمن تفسير سورة القدر المنشور في موقع ملتقى أهل التفسير وسوس العالمة وغيرهما ومنها موعودات سأبدأ قريبا بنشرها الواحدة تلك الأخرى إن شاء الله تعالى وإنها لنبأ عظيم كما هو وصفها في القرآن ، وأعجب العجب أن ذلك النبأ العظيم قد آمن به كل مسلم يشهد أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله بالقرآن ، إذ هي من القرآن والاهتداء به يوم تصبح شهادة هو الرشد وهو التي هي أقوم .
الحسن محمد ماديك
 
الأخ عبد العزيز الداخل حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فلقد أخذني بل شدّني أسلوبك الرائع المصحوب بتواضع منك في عرضك لموضوع النبإ العظيم ، وترددت كثيرا في التعليق عليه تعليقا موجزا أو إرجائه إلى أن أتناوله بالتفصيل والبيان في سياق تفسيري للقرآن العظيم
الحسن محمد ماديك

لا داعي للتردد - وفقك الله -
فتدارس العلم مع أهله من أعظم طرق تحقيقه نفعاً إذا حسن القصد ، وخلصت النية

وفي مشاركتكم لفتات جميلة تضاف إلى ما ذكره العلماء في التفريق بين النبأ والخبر، والمسألة فيها عدة أقوال لا يخلو بعضها من اعتراضات
وفيها فوائد علمية جديرة بالعناية ، وفي بعضها مسائل تحتاج إلى مزيد بحث ولولا خشية تشعب الحديث لكان في مناقشتها فوائد علمية حسنة ، ولعل الله أن ييسر ذلك في مواضيع أخر

وقد قرأت المشاركة ولم أظفر ببغيتي في الترجيح بين هذه الأقوال.

وقد ذكرت خمسة أقوال لأهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة؛ فآمل ممن يشارك من الإخوة والأخوات والأساتذة الفضلاء أن يركزوا على بيان القول الراجح من أقوال العلماء وأسباب الترجيح

ومن كان لديه استفسار عن أمر قد يفيد في التوصل لبيان القول الراجح فله ذلك، كمن أراد أن يستفسر عن تأريخ نزول السورة، أو معنى الاختلاف، أو صحة نسبة أحد الأقوال لأحد من الصحابة أو التابعين، أو غير ذلك مما يراه مفيداً في الوصول إلى النتيجة المطلوبة

بارك الله في الجميع ووفقنا للعلم النافع والعمل الصالح ولحسن تدبر كتابه وتدارسه

وإذا احتاج أحد الباحثين إلى بيان مسألة تفيد في الترجيح بين هذه الأقوال فله بيان ذلك مع مراعاة الحرص على عدم تشعيب الحديث وتشتيت ذهن القارئ
 
قوله تعالى: (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2))

معاني الحروف

معنى (ال) في قوله تعالى: {النبأ}
القول الأول: العهد الذهني
قالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (ثم قالَ: عَنِ النَّبَأِ العظيمِ، يعني خَبَرًا عَظيمًا).
قلت: (وَعَلَيهِ يُحْمَلُ قَولُ مَن فَسَّرَ النَّبَأَ العَظِيمَ بِمَعْنَى خَاصٍّ لِغَيرِ قَصْدِ التَّمْثِيلِ)

القول الثاني: الجنس

قالَ ابْنُ عَاشُورٍ (ت:1393هـ): (والتعريفُ في {النَّبَأِ} تَعريفُ الْجِنْسِ؛ فيَشملُ كلَّ نَبأٍ عظيمٍ أنْبَأَهُمُ الرسولُ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ به، وأوَّلُ ذلك إِنباؤُه بأنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، وما تَضَمَّنَهُ القُرآنُ مِن إبطالِ الشِّرْكِ، ومِن إِثباتِ بعْثِ الناسِ يومَ القِيامةِ، فما يُرْوَى عن بعْضِ السَّلَفِ مِن تَعيينِ نَبَأٍ خاصٍّ يُحمَلُ على التَّمثيلِ. فعَنِ ابنِ عبَّاسٍ: هو القُرآنُ، وعن مُجاهِدٍ وقَتَادَةَ: هو البعْثُ يومَ القِيامةِ، وسَوْقُ الاِستدلالِ بقولِه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} إلى قولِه: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} يدُلُّ دَلالةً بَيِّنَةً على أنَّ الْمُرادَ مِنَ {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} الإنباءُ بأنَّ اللهَ واحِدٌ لا شَريكَ له).
قلت: (وَهَذَا القَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ، لأَنَّ وَصْفَه بالاسْمِ الموصُولِ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ مَعْنًى خَاصّ، وَلأَجْلِ ذَلكَ اخْتَلَفَتْ أَقْوالُ العُلَمَاءِ فِي المرَادِ بهِ، فَاخْتِلافُهُمْ في المُرَادِ بهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّفَاقِهِم عَلَى أَنَّ التَّعريفَ لَيسَ للجِنس).


التفسير

مقصد الآية

القول الأول: بيان المتساءل عنه

قالَ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثُّمَ بَيَّنَ فقالَ: {عَنِ النَّبأِ العَظِيمِ}).
ذكره: الْوَاحِدِيُّ
قالَ الْوَاحِدِيُّ (ت:468هـ): (ثُمَّ ذَكَرَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ: عَمَّا ذَا؟ فَقَالَ: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} ).
ذكره: البَغَوِيُّ
قالَ ابنُ حَمْزَةَ الْكِرْمَانِيُّ (ت:525هـ): (والأوَّلُ: استفهامٌ، والثاني: خَبَرٌ).
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت:538هـ): ( {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} بيانٌ للشأنِ المُفَخَّمِ‏).
قالَ البَيْضَاوِيُّ (ت:691هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} بيانٌ لشأنِ الْمُفَخَّمِ أو صِلَةُ يَتساءلون).
قالَ النَّسَفِيُّ (ت:710هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ} : أي: البَعْثِ، وهو بَيَانٌ للشَّأْنِ المُفَخَّمِ).
قالَ ابْنُ جَزِيٍّ (ت:741هـ): (وَقَعَتْ هذه الْجُملةُ جوابًا عن الاستفهامِ وبَيانًا للمسؤولِ عنه، كأنه لَمَّا قالَ: عَمَّ يَتساءلونَ؟، أَجابَ فقالَ: يَتساءلونَ عن النبأِ العظيمِ).
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ المَحَلِّيُّ(ت:825هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ} بَيَانٌ لذلكَ الشيءِ).
قالَ الإِيجِيُّ (ت:905 هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}: بَيَانٌ للشأنِ المُفخَّمِ، أو صِلَةُ يَتساءلونَ).
قالَ أَبُو السُّعُودِ (ت:982هـ): (وقولُهُ تعالى: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} بيانٌ لِشَأْنِ المَسْؤُولِ عنهُ إِثْرَ تَفْخِيمِهِ).
قالَ القَاسِمِيُّ (ت:1332هـ): (وقولُهُ: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} بيانٌ للمُفَخَّمِ شَأْنُهُ، أوْ للمُبَكَّتِ مِنْ أَجْلِهِ).

القول الثاني: صلة لـ(يتساءلون)

قالَ البَيْضَاوِيُّ (ت:691هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} بيانٌ لشأنِ الْمُفَخَّمِ أو صِلَةُ يَتساءلون).
قالَ الإِيجِيُّ (ت:905 هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}: بَيَانٌ للشأنِ المُفخَّمِ، أو صِلَةُ يَتساءلونَ).
قلت: (وسائرُ أقوالِ العُلَمَاءِ يُمْكِنُ حُمْلُهَا عَلَى القَولَينِ المذْكُورَينِ تَبَعًا لاخْتِلافِهِم في مُتَعَلَّقِ الجَارِّ والمجرُور).
 


المراد بالنبأ العظيم


القول الأول: القرآن العظيم

أثر ابن عباس رضي الله عنهما
قالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ (ت:489هـ): (وقولُه: {عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ} قيلَ معناه: عنِ النبأِ العظيمِ: واختَلَفَ القولُ في النبأِ العظيمِ: روى أبو صالحٍ عن ابنِ عَبَّاسٍ: أنه القرآنُ).
قالَ القُرْطُبِيُّ (ت:671هـ): (رَوَى أَبُو صَالِحٍ عن ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: هُوَ القُرْآنُ).
قالَ حَيْدَرٌ القَاشِيُّ (ت:776هـ): (النَّبَأُ الْعَظِيمُ: الْقُرْآنُ، ابْنُ عَبَّاسٍ).
قَالَ الْفَيْرُوزَآباَدِيُّ (ت: 817 هـ) : (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ الثِّقَةُ ابْنُ الْمَأْمُونِ الْهَرَوِيُّ قالَ: أَخْبَرَنَا أََبِي، قالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللهِ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، قالَ: أَخْبَرَنَا عَمَّارُ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ الهَرَوِيُّ، قالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، عن مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ الكَلْبِيِّ، عن أَبِي صَالحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} عَنْ خَبَرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْكَرِيمِ الشَّرِيفِ).
قالَ ابنُ عَادِلٍ (ت:880هـ): (قالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (( النَّبَأُ هُوَ القرآنُ))).
قالَ السُّيُوطِيُّ (ت:911هـ): (وأخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ, عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ} قَالَ: القُرْآنِ).
قالَ صِدِّيق حَسَن خَان (ت:1307هـ): (قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ((النَّبَأُ العظيمُ القرآنُ)) وَهذا مَرْوِيٌّ عَنْ جماعةٍ مِنَ التابعينَ).

أثر قتادة بن دعامة
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ (ت:211هـ): (عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} قَالَ: الْقُرْآنُ).
قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ (ت:276هـ): ( {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} يقالُ: القرآنُ).
قالَ ابنُ عَطِيَّةَ (ت:546هـ): (و{النَّبَأِ الْعَظِيمِ} ... قالَ مُجَاهِدٌ وقَتَادَةُ: هو القرآنُ خاصَّةً).

أثر مجاهد بن جبر
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ (ت:310هـ): (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ قالَ: ثَنَا عِيسَى. وحَدَّثَنِي الحارِثُ قالَ: ثَنَا الحَسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَميعاً عن ابنِ أَبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلِ اللَّهِ: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}، قالَ: القُرآنِ).
قالَ ابنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت:352هـ): (ثَنَا إِبْرَهيِمُ, قَالَ: ثَنَا آدَمُ, قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابنِ أَبِي نَجِيحٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ (ت:102 هـ) فِي قَوْلِه: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} يَعْنِي: القُرْآنَ).
قالَ الثَّعْلَبِيُّ (ت:427هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ } : قالَ مُجَاهِدٌ: هو القرآنُ).
قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت:450هـ): (وفي {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} أربعةُ أقاويلَ:أحدُها: القرآنُ، قالَه مُجاهِدٌ).
قالَ البَغَوِيُّ (ت:516هـ): ( {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} ، قالَ مُجَاهِدٌ والأَكْثَرُونَ: هُوَ القُرْآنُ).
ذكره: الخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ
قالَ ابنُ عَطِيَّةَ (ت:546هـ): (و{النَّبَأِ الْعَظِيمِ} ... قالَ مُجَاهِدٌ وقَتَادَةُ: هو القرآنُ خاصَّةً).
قالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (وفيه ثلاثةُ أقوالٍ: أَحَدُها القرآنُ، قالَه مُجَاهِدٌ ومُقاتِلٌ والفَرَّاءُ، قالَ الفَرَّاءُ: فلَمَّا أجابَ صارَتْ عَمَّ كأنها في معنى لأيِّ شيءٍ يَتساءلونَ عن القرآنِ).
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ (ت:774 هـ): (وقالَ مُجاهِدٌ: هو القُرْآنُ).
قالَ الثَّعَالِبِيُّ (ت:875هـ): (وَقالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْقُرْآنُ خَاصَّةً).
قالَ السُّيُوطِيُّ (ت:911هـ): (وأخْرَجَ عَبْدُ الرّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {عَمَّ يَتَساءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ}. قَالَ: القُرْآنُ).

أقوال العلماء
قالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ (ت:150هـ): ( {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} يَعْنِي الْقُرْآنَ).
قال الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): ( {عَنِ النبأِ الْعَظِيمِ} ، يَعْنِي الْقُرْآنَ).
قالَ اليَزِيْدِيُّ (ت:237هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ} : الخَبَرِ، وقالوا: هُوَ القرآنُ).
قالَ ابْنُ وَهْبٍ الدِّينَوَرِيُّ (ت:308هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} عنْ خَبَرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الكَرِيمِ الشَّرِيفِ).
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ (ت:310هـ): (واخْتَلَفَ أهلُ التأويلِ في المَعْنِيِّ بالنَّبَأِ العَظِيمِ، فقالَ بعضُهم: أُرِيدَ بِهِ القُرآنُ).
قالَ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قِِيلَ: هو القرآنُ).
قالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (ثم قالَ: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}... وهو القرآنُ).
قالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (وقيلَ: عنِ القرآنِ).
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ (ت: 437هـ) : ( {النَّبَأُ} : الخَبَرُ، القرآنُ).
قَالَ ابنُ مُطَرِّفٍ (ت: 454هـ) : ({عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} يقالُ: القرآنُ، ويقالُ: القيامةُ).
قالَ الْوَاحِدِيُّ (ت:468هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}. وَهُوَ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ).
قالَ ابنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الخَزْرَجِيُّ (ت:582هـ): ( {عَنِ النَّبَاءِ العَظِيمِ}. أي: عَنِ القيامةِ، وقيلَ: القرآنِ).
قالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ (ت:597هـ): ( {النَّبَأِ}: القُرْآنُ).
قالَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (والقولُ الثاني: إِنَّه القُرْآن).
قالَ العزُّ ابْنُ عَبْدِ السَّلامِ (ت:660 هـ): ( {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} : القُرْآنِ أَو البَعْثِ أَو القيامةِ أَوْ أَمْرِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قالَ الخََازِنُ (ت:725هـ): (قالَ الأكثرونَ: هوَ القرآنُ).
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الأعرجُ (ت:728هـ): (وقِيلَ: النَّبأُ العظيمُ: القرآنُ).
قالَ ابنُ جَمَاعَةَ (ت:733هـ): (وَقِيلَ النَّبَأُ: الْقُرْآنُ).
قالَ عَبْدُ البَاقِي القُرَشِيُّ (ت:743هـ): (قِيلَ: القُرْآنُ).
قالَ ابْنُ التُّرْكُمَانِيُّ (ت:750هـ): (هُوَ القُرْآنُ. وقِيلَ: القِيَامَةُ).
قالَ ابْنُ المُلَقِّنِ (ت:804هـ): ( {النَّبإِ الْعَظِيمِ} أي: الخَبَرِ, وهو البَعْثُ، وقيلَ: القُرآنُ).
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ المَحَلِّيُّ(ت:825هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ}... هوَ ما جَاءَ بهِ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرآنِ المُشْتَمِلِ على البعثِ وغيرِهِ).
قالَ الإِيجِيُّ (ت:905 هـ): (وعنْ بَعْضٍ: القُرآنُ).
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (النبأُ؛ أي: القرآنُ).
قالَ الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ): (وقِيلَ: كان التساؤلُ عن القرآنِ).
قالَ صِدِّيق حَسَن خَان (ت:1307هـ): (النَّبَأُ أي: القرآنُ).
قال مساعد الطيار: (قولُه تعالى: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} أي: يتساءلونَ عن الخبرِ العظيمِ الذي استَطارَ أمرُهُ بينهم، وهو القرآن)
تنبيه:
قالَ الْوَاحِدِيُّ (ت:468هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} وَهُوَ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ). [الوسيط: 4/411]
قلت: (هَذَا نَقْلُ إِجْمَاعٍ، ولا إِجْمَاعَ هَا هَنا إذِ الخلافُ مَشْهُورٌ، حَتَّى إِنَّ الوَاحِدِيَّ نَفْسَهُ اخْتَارَ في (الوجيزِ) أَنَّ المرَادَ بالنَّبَأ العَظِيم البَعْثُ؛ فَلَعَلَّ مَا هَا هُنا خَطَأٌ طِبَاعِيٌّ أَو سَبْقُ قَلَم).

أدلة القول الأول:
قوله تعالى: (قل هو نبأ عظيم)
قال مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ (ت:150هـ): ( {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} يَعْنِي الْقُرْآنَ كَقولِهِ: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} لأَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى).
قالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (وهو القرآنُ، كقولِه: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} ).
قالَ الثَّعْلَبِيُّ (ت:427هـ): (دليلُه قولُه سُبْحَانَهُ: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} الآيةَ).
ذكره: البَغَوِيُّ، و الخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ
قالَ القُرْطُبِيُّ (ت:671هـ): (دَلِيلُهُ قولُهُ: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} فَالْقُرْآنُ نَبَأٌ وَخَبَرٌ وقَصَصٌ، وهوَ نَبَأٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ).
ذكره: ابنُ عَادِلٍ
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (وَمِمَّا يَدُلُّ على أَنَّهُ القرآنُ قَوْلُهُ سبحانَهُ: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} ).
ذكره: صِدِّيق حَسَن خَان

أنه قول الأكثرين
قالَ البَغَوِيُّ (ت:516هـ): ( {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}، قالَ مُجَاهِدٌ والأَكْثَرُونَ: هُوَ القُرْآنُ).
ذكره: الخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ
قالَ الخََازِنُ (ت:725هـ): (قالَ الأكثرونَ: هوَ القرآنُ).
قالَ صِدِّيق حَسَن خَان (ت:1307هـ): (قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّبَأُ العظيمُ القرآنُ، وَهذا مَرْوِيٌّ عَنْ جماعةٍ مِنَ التابعينَ).

أن القرآن قد اختلف فيه
قالَ الْوَاحِدِيُّ (ت:468هـ): (وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُرْآنُ قَوْلُهُ: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}. وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ، فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ سِحْراً, وَبَعْضُهُمْ كَهَانَةً وَشِعْراً, وَبَعْضُهُمْ أَسَاطِيرَ الأَوَّلِينَ).
قالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ (ت:597هـ): ( {النَّبَأِ}: القُرْآنُ، اخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فقالَ بَعْضُهم: سِحْرٌ،وقالَ بَعْضُهُم: شِعْرٌ).
قالَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (والقولُ الثاني: إِنَّه القُرْآن واحْتَجَّ القائلون بهذا الوجهِ بأمرين:
الأَوَّلُ: أنَّ النبأَ العظيمَ هو الذي كانوا يَختلِفونَ فيه، وذلك هو القُرآنُ؛ لأنَّ بعضَهم جَعَلَه سِحْرًا، وبعضَهم شِعْرًا، وبعضَهم قالَ: إنه أَساطيرُ الأوَّلينَ، فأما البَعْثُ ونُبُوَّةُ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كانوا مُتَّفِقينَ على إنكارِهما. وهذا ضَعيفٌ؛ لأنا بَيَّنَّا أنَّ الاختلافَ كان حاصِلاً في البَعْثِ).
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الأعرجُ (ت:728هـ): (وقِيلَ: النَّبأُ العظيمُ: القرآنُ. واختلافُهُم فِيهِ أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلُوهُ سِحْراً، وبَعْضَهُمْ شِعْراً وكِهَانةً).
قالَ ابنُ عَادِلٍ (ت:880هـ): (وكانُوا يَخْتَلِفُونَ فيه، فَجَعَلَهُ بعْضُهُمْ سِحْرًا، وبعْضُهُمْ شِعْرًا، وبعْضُهم قالَ: أساطِيرُ الأوَّلِينَ).
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (وَقدِ اسْتدلَّ على أنَّ النبأَ العظيمَ هوَ القرآنُ بِقَوْلِهِ: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}. فإِنهُمُ اخْتَلَفُوا في القرآنِ، فَجَعَلَهُ بعضُهُم سِحْراً، وَبَعْضُهُمْ شِعْراً، وَبَعْضُهُمْ كهانَةً، وَبعضُهُم قَالَ: هوَ أساطيرُ الأَوَّلِينَ).
ذكره: صِدِّيق حَسَن خَان
قال مساعد الطيار: (يشهد لمن قال: القرآن -وهو مجاهد- أنَّ الاختلاف وقع فيه بين كفارِ مكة، فوصفوه بأنه شِعر، وكِهانة، وكَذِب، وغيرها).

أن النبأ اسم الخبر لا اسم المخبر عنه وهو أليق بالقرآن
قالَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (الثاني: أنَّ النبأَ اسمُ الخبرِ، لا اسمُ المُخْبَرِ عنه، فتفسيرُ النبأِ بالقرآنِ أَوْلى مِن تفسيرِه بالْبَعْثِ أو النُّبُوَّةِ؛ لأن ذلك في نفسِه ليس بِنَبَإٍ، بل مُنْبَأٌ عنه، ويُقَوِّي ذلك أنَّ القرآنَ سُمِّيَ ذِكْرًا وتَذْكِرَةً وذِكْرَى وهدايةً وحَديثًا، فكان اسمُ النبأِ به أَلْيَقَ منه بالبَعْثِ والنُّبُوَّةِ.
والجوابُ عنه: أنه إذا كان اسمُ النبأِ أَلْيَقَ بهذه الألفاظِ فاسمُ العظيمِ أَلْيَقُ بالقِيامةِ وبالنُّبُوَّةِ؛ لأنه لا عَظمةَ في أَلفاظٍ، إنما العَظمةُ في المعاني، وللأَوَّلِينَ أن يَقولوا: إنها عَظيمةٌ أيضًا في الفَصاحةِ والاحتواءِ على العلومِ الكثيرةِ، ويُمكِنُ أن يُجابَ أنَّ العظيمَ حقيقةٌ في الأجسامِ مَجازٌ في غيرِها، وإذا ثَبَتَ التعارُضُ بَقِيَ ما ذَكَرْنا مِن الدلائلِ سَلِيمًا).

أن هذا القول يتضمن غيره من الأقوال
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ المَحَلِّيُّ(ت:825هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ}... هوَ ما جَاءَ بهِ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرآنِ المُشْتَمِلِ على البعثِ وغيرِهِ).
قالَ الأَشْقَرُ: ( {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} هُوَ الْخَبَرُ الهائِلُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ؛ لأَنَّهُ يُنْبِئُ عَن التَّوْحِيدِ، وَتَصْدِيقِ الرَّسُولِ، وَوُقُوعِ الْبَعْثِ والنُّشورِ).
قال مساعد الطيار: (وهو أعمُّ من القول الثاني؛ لأنَّ البعثَ جزء من أخبار القرآن الذي وقع فيه الاختلاف).


أن القرآن وصف بأنه عظيم في مواضع متعددة من القرآن
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (وَإِنَّمَا كانَ ذلكَ النبأُ؛ أي: القرآنُ، عَظِيماً؛ لأنَّهُ يُنْبِئُ عَنِ التوحيدِ وَتصديقِ الرسولِ وَوقوعِ البعثِ وَالنشورِ).
ذكره: صِدِّيق حَسَن خَان

الاعتراضات على هذا القول
أن دلالة السياق ترجح أن المراد بالنبأ العظيم البعث
قالَ الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ): (وقِيلَ: كان التساؤلُ عن القرآنِ، وتُعُقِّبَ بأنَّ قولَه تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ} إلخ، ظاهِرٌ في أنه كان عن البعْثِ, هو مَرْوِيٌّ عن قَتادةَ أيضًا؛ لأنه من أَدِلَّتِه).

أن اختلافهم في القرآن كان لاشتماله على الإخبار بالبعث
قالَ الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ): (وأُجِيبَ بأنَّ تَساؤلَهم عنه واستهزاءَهم به واختلافَهم فيه بأنه سِحْرٌ أو شِعْرٌ كان لاشتمالِه على الإخبارِ بالبَعْثِ، فبَعْدَ أن ذَكَرَ ما يُفيدُ استعظامَ التساؤلِ عنه تَعَرَّضَ الدليلُ ما هو مَنشأٌ لذلك التساؤلِ، وفيه بُعْدٌ).
 
القول الثاني: البعث

قتادة بن دعامة

قالَ ابْنُ جَرِيرٍ (ت:310هـ): (حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعيدٌ، عنْ قَتَادَةَ، في قولِهِ: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}: ((وهوَ البَعْثُ بعدَ المَوْتِ))).
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ (ت:310هـ): (حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ سَعيدٍ، عنْ قَتَادَةَ، {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} قالَ: ((النَّبَأُ العظيمُ البعثُ بعدَ المَوْتِ))).
قالَ الثَّعْلَبِيُّ (ت:427هـ): (وقالَ قَتَادَةُ: هو البَعْثُ).
ذكره: البَغَوِيُّ، والخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ
قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت:450هـ): (وفي {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} أربعةُ أقاويلَ... الثالثُ: البَعْثُ بَعْدَ الموتِ. قالَه قَتَادَةُ).
قلت: (جَعَلَ الماورديُّ البَعْثَ والقِيَامَةَ قَولانِ، وَهُمَا في الحَقِيقَةِ وَاحِدٌ، فَيومُ البَعْثِ هُوَ يومُ القِيَامَةِ).
قالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ (ت:489هـ): (وعن قَتَادَةَ، أنه البَعْثُ).
قالَ ابنُ عَطِيَّةَ (ت:546هـ): (و{النَّبَأِ الْعَظِيمِ}...قالَ قَتَادَةُ أيضاً: هو البَعْثُ مِن القبورِ).
ذكره: الثَّعَالِبِيُّ
قالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (فيه ثلاثةُ أقوالٍ...والثاني: البَعْثُ. قالَه قَتادَةُ).
قالَ القُرْطُبِيُّ (ت:671هـ): (ورَوَى سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ قَالَ: هوَ البَعْثُ بَعْدَ الموتِ صارَ النَّاسُ فيهِ رَجُلَيْنِ: مُصَدِّقٌ ومُكَذِّبٌ).
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ (ت:774 هـ): (قالَ قَتادَةُ وابنُ زَيْدٍ: النَّبَأُ العَظِيمُ: البَعْثُ بَعْدَ المَوْتِ).
قالَ ابنُ عَادِلٍ (ت:880هـ): (وقالَ قَتَادَةُ: ((هُوَ البَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ اختَلَفُوا فيه، فَمُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبٌ))).
قالَ السُّيُوطِيُّ (ت:911هـ): (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ قَتَادَةَ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}. قَالَ: هو البَعْثُ بعدَ المَوْتِ، صَارَ النَّاسُ فِيهِ رَجُلَيْنِ؛ مُصَدِّقٌ ومُكَذِّبٌ، فأَمَّا المَوْتُ فأَقَرُّوا بِهِ كُلُّهم؛ لمُعَايَنَتِهِم إِيَّاهُ، واخْتَلَفُوا فِي البَعْثِ بعدَ المَوْتِ).
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (قالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي نَبَأَ يومِ القيامةِ، وَكذا قالَ قَتَادَةُ).
ذكره: صِدِّيق حَسَن خَان

عبد الرحمن بن زيد بن أسلم

قالَ ابْنُ جَرِيرٍ (ت:310هـ): (حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ، في قولِهِ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}، قالَ: ((يومِ القِيامَةِ))، قالَ: ((قَالُوا هذا اليومُ الذي تَزْعُمُونَ أنَّا نَحْيَا فيهِ وآباؤُنَا))، قالَ: ((فَهُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ، لا يُؤْمِنُونَ بهِ، فقالَ اللَّهُ: قُلْ هوَ نبَأٌ عَظيمٌ أنْتُمْ عنهُ مُعْرِضُونَ، يومُ القيامةِ لا يُؤْمِنونَ بهِ))).
قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت:450هـ): (وفي {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} أربعةُ أقاويلَ...الثاني: يومُ القِيامةِ. قالَه ابنُ زيدٍ).
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ (ت:774 هـ): (قالَ قَتادَةُ وابنُ زَيْدٍ: النَّبَأُ العَظِيمُ: البَعْثُ بَعْدَ المَوْتِ).

الضحاك بن مزاحم

قالَ الْوَاحِدِيُّ (ت:468هـ): (وَقالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي نَبَأَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ).
ذكره: الشَّوْكَانِيُّ، وَصِدِّيق حَسَن خَان

أبو العالية الرياحي والربيع بن أنس

قالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ (ت:489هـ): (وعن قَتَادَةَ، أنه البَعْثُ، وهو قولُ أبي العاليةِ والربيعِ بنِ أَنَسٍ وجماعةٍ).

أقوال العلماء

قالَ هُودُ بْنُ مُحَكَّمٍ (ت:ق3): (ثم قالَ عَزَّ وجَلَّ: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}؛ أيِ: البعثِ).
قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ (ت:276هـ): (ويقالُ: القيامةُ).
قالَ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقِيلَ: عن البَعْثِ).
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ (ت:310هـ): (وقالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بهِ البَعْثُ).
قالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (وقيلَ: {عنِ النبأِ العظيمِ}، يعني: عَنِ البَعْثِ).
قالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ (ت:399هـ): (ثُمَّ قَالَ: {عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}. يَعْنِي: البَعْثَ).
قالَ ابنُ مُطَرِّفٍ الكِنَانِيًّ (ت: 454هـ) : ( {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} يقالُ: القرآنُ، ويقالُ: القيامةُ).
قالَ الْوَاحِدِيُّ (ت:468هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} يَعْنِي: الْبَعْثَ).
قالَ ابنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الخَزْرَجِيُّ (ت:582هـ): ( {عَنِ النَّبَاءِ العَظِيمِ}. أي: عَنِ القيامةِ، وقيلَ: القرآنِ).
قالَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (ذَكَرَ الْمُفَسِّرون في تفسيرِ النبإِ العظيمِ ثلاثةَ أَوْجُهٍ؛ أحدُها: أنه هو القِيامةُ).
قالَ الْعِزُّ ابْنُ عَبْدِ السَّلامِ (ت:660 هـ): ( {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} : القُرْآنِ أَو البَعْثِ أَو القيامةِ أَوْ أَمْرِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قالَ البَيْضَاوِيُّ (ت:691هـ): (والضميرُ لأهْلِ مَكَّةَ، كانوا يَتساءلون عن البَعْثِ فيما بينَهم).
قالَ النَّسَفِيُّ (ت:710هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ} : أي: البَعْثِ)
قالَ الخََازِنُ (ت:725هـ): (وقيلَ: هوَ البعثُ).
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الأعرجُ (ت:728هـ): (والنبأُ العظيمُ: القِيامةُ).
قالَ ابنُ جَمَاعَةَ (ت:733هـ): (كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْبَعْثِ فِيمَا بَيْنَهُمُ اسْتِهْزَاءً).
قالَ أَبُو حَيَّانَ (ت:745هـ): (وقيلَ: المُتَسَاءَلُ فيهِ البعثُ والاختلافُ فيهِ).
قالَ ابْنُ التُّرْكُمَانِيُّ (ت:750هـ): (وقِيلَ: القِيَامَةُ).
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ (ت:774 هـ): ( {عَنِ النَّبَإِ العَظِيمِ}...عَنْ أَمْرِ القِيامَةِ, وهو النَّبَأُ العَظِيمُ).
قالَ ابْنُ المُلَقِّنِ (ت:804هـ): ( {النَّبإِ الْعَظِيمِ}. أي: الخَبَرِ, وهو البَعْثُ).
قالَ الإِيجِيُّ (ت:905 هـ): (والنَّبَأُ: القِيامةُ).
قالَ الخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ (ت:977هـ): (كانوا يَتَسَاءَلُونَ عن البعثِ فِيمَا بينَهُم).
قالَ المَرَاغِيُّ (ت:1371هـ): (والمرادُ به خَبَرُ البَعْثِ من القُبُورِ والعَرْضِ عَلَى مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).
قال مساعد الطيار: (ويُحتملُ أن يكونَ البعث)

أدلة القول الثاني:

دلالة السياق

قالَ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (والذي يَدُلُّ عليهِ قولُه:{إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} يَدُلُّ على أنَّهم كانوا يَتساءَلونَ عن البَعْثِ).
قالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (والدَّليلُ قولُه تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا}. ثم بَيَّنَ لهم الأمْرَ الذي كانوا يَتساءلونَ عنه، وهو البَعْثُ).
قالَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (ذَكَرَ الْمُفَسِّرون في تفسيرِ النبإِ العظيمِ ثلاثةَ أَوْجُهٍ؛ أحدُها: أنه هو القِيامةُ. وهذا هو الأَقرَبُ، ويَدُلُّ عليه وُجوهٌ: أحدُها: قولُه: {سَيَعْلَمُونَ}. والظاهِرُ أنَّ المرادَ منه أنهم سيَعلمونَ هذا الذي يَتساءلونَ عنه حينَ لا تَنفعُهم تلك المعرِفةُ، ومَعلومٌ أنَّ ذلك هو القِيامةُ.
وثانيها: أنه تعالى بيَّنَ كونَه قادرًا على جميعِ الْمُمْكِنَاتِ بقولِه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا} إلى قولِه: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ}
وذلك يَقتضِي أنه تعالى إنما قَدَّمَ هذه الْمُقَدِّمَةَ لبيانِ كونِه تعالى قادرًا على إقامةِ القِيامةِ، ولَمَّا كان الذي أَثبَتَهُ اللهُ تعالى بالدليلِ العقليِّ في هذه السورةِ هو هذه المسألةَ ثَبَتَ أنَّ النبأَ العظيمَ، الذي كانوا يَتساءلونَ عنه، هو يومُ القيامَةِ).
قالَ ابنُ عَادِلٍ (ت:880هـ): (ويدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} ).

أن يوم القيامة قد وقع الاختلاف فيه

قالَ ابْنُ جَرِيرٍ (ت:310هـ): (حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ، في قولِهِ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}، قالَ: يومِ القِيامَةِ، قالَ: قَالُوا هذا اليومُ الذي تَزْعُمُونَ أنَّا نَحْيَا فيهِ وآباؤُنَا، قالَ: فَهُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ، لا يُؤْمِنُونَ بهِ، فقالَ اللَّهُ: قُلْ هوَ نبَأٌ عَظيمٌ أنْتُمْ عنهُ مُعْرِضُونَ، يومُ القيامةِ لا يُؤْمِنونَ بهِ).
قالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ (ت:399هـ): (ثُمَّ قَالَ: {عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}. يَعْنِي: البَعْثَ, اخْتَلَفَ فِيهِ المُشْرِكُونَ والمُؤْمِنُونَ؛ فآمَنَ بِهِ المُؤْمِنُونَ, وكَفَرَ بِهِ المُشْرِكُونَ).
قالَ زَيْنُ الدِّينِ الرَّازِيُّ (ت:666هـ): (فإنْ قِيلَ: لو كانَ النَّبَأُ العَظِيمُ الذي يَتَسَاءَلُونَ عنه ما ذَكَرْتُم لَمَا قالَ تعالَى: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}؛ لأنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ لم يَخْتَلِفُوا في أَمْرِ البَعْثِ، بَلِ اتَّفَقُوا على إِنكارِهِ؟.
قلنا: كانَ فيهم مَنْ يَقْطَعُ القَوْلَ بِإنْكَارِهِ، وفيهم مَنْ يَشُكُّ فيه ويَتَرَدَّدُ، فثَبَتَ الاختلافُ لأنَّ جِهَةَ الاخْتِلافِ لا تَنْحَصِرُ في الجَزْمِ بإِثباتِهِ والجَزْمِ بنفيِهِ.
الثاني: إنَّ بَعْضَهُمْ صَدَّقَ به فآمَنَ، وبَعْضَهُمْ كَذَّبَ به فبَقِيَ على كُفْرِهِ، فثَبَتَ الاختلافُ الإِثْبَاتُ والنَّفْيُ.
الثالِثُ: إنَّ الضَّمِيرَ في {يَتَسَاءَلُونَ} وفي {هُمْ} عائِدٌ على الفَرِيقَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، وكُلُّهُمْ كانوا يَتَسَاءَلُونَ عنه لِعِظَمِ شَأْنِهِ عِنْدَهُمْ، فَصَدَّقَ به المُسْلِمُونَ فأَثْبَتُوه، وكَذَّبَ به المُشْرِكُونَ فنَفَوْهُ).
قالَ نِظَامُ الدِّينِ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (وتقديمُ الضميرِ، وبناءُ الكلامِ عَلَيْهِ لتقوِّي الكلامِ، لا للاختصاصِ؛ فإِنَّ غَيْرَ قريشٍ أيْضاً مُختلفونَ في أمْرِ البعْثِ:
فمِنْهُمْ مَن يُثْبِتُ الرَّوْحَانِيَّ في المَعَادِ فقَطْ.
ومِنْهُمْ مَن يَشُكُّ فِيهِ؛ كقولِهِ: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}.
ومِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بعَدَمِ البَعْثِ؛ {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}، كانَ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بعضاً عَن القيامةِ، ويَتَحَدَّثونَ عَنْهَا متعجِّبِينَ مِن وُقُوعِها).
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ (ت:774 هـ): (قالَ قَتادَةُ وابنُ زَيْدٍ: النَّبَأُ العَظِيمُ: البَعْثُ بَعْدَ المَوْتِ. وقالَ مُجاهِدٌ: هو القُرْآنُ. والأَظْهَرُ الأَوَّلُ؛ لقَوْلِه: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}. يعني: النَّاسُ فِيهِ علَى قَوْلَيْنِ؛ مُؤْمِنٌ بِهِ وكَافِرٌ).
قالَ ابنُ عَادِلٍ (ت:880هـ): (وقالَ قَتَادَةُ: ((هُوَ البَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ اختَلَفُوا فيه، فَمُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبٌ))).
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (وَأيضاً فَطَوَائِفُ الكفَّارِ قدْ وَقَعَ الاختلافُ بينَهُم في البعثِ، فَأَثْبَتَ النصارَى المعادَ الروحانيَّ، وَأَثْبَتَتْ طَائِفَةٌ مِنَ اليهودِ المعادَ الجُسْمَانِيَّ، وَفي التوراةِ التصريحُ بلفظِ الجنَّةِ باللغةِ العبرانيَّةِ بلفظِ جَنْعِيذَا بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ، ثمَّ نونٍ سَاكِنَةٍ، ثمَّ عينٍ مكسورةٍ مُهْمَلَةٍ، ثمَّ تَحْتِيَّةٍ ساكنةٍ، ثمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا ألفٌ.
وَفي الإِنجيلِ في مواضعَ كثيرةٍ التصريحُ بالمعادِ، وَأنَّهُ يكونُ فيهِ النعيمُ للمُطِيعِينَ وَالعذابُ للعاصِينَ، وَقدْ كانَ بعضُ طوائفِ كفَّارِ العربِ يُنْكِرُ المعادَ كَمَا حَكَى اللَّهُ عنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}.
وَكانتْ طائفةٌ منهم غيرَ جَازِمَةٍ بِنَفْيِهِ، بلْ شَاكَّةً فيهِ كَمَا حَكَى اللَّهُ عنهم بقولِهِ: {إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}. وَما حَكَاهُ عنهم بقولِهِ: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}. فقدْ حَصَلَ الاختلافُ بينَ طوائفِ الكفرِ على هذهِ الصفةِ).
ذكره: صِدِّيق حَسَن خَان
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (وَأمَّا البعثُ فقدِ اتَّفَقَ الكفَّارُ إِذْ ذاكَ على إِنكارِهِ، وَيُمْكِنُ أنْ يُقَالَ: إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ الاختلافُ في البعثِ في الجملةِ، فَصَدَّقَ بهِ المؤمنونَ وَكَذَّبَ بهِ الكافرونَ، فقدْ وَقَعَ الاختلافُ فيه مِنْ هذهِ الحَيْثِيَّةِ، وَإِنْ لمْ يَقَع الاخْتِلافُ فيهِ بينَ الكفَّارِ أَنْفُسِهِمْ على التسليمِ وَالتَّنَزُّلِ).
ذكره: صِدِّيق حَسَن خَان

أن تخصيص اسم العظيم بيوم القيامة أليق

قالَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (وثالثُها: أنَّ العظيمَ اسمٌ لهذا اليومِ، بدليلِ قولِه: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 4] وقولِه: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [ص: 68] ولأن هذا اليومَ أعظَمُ الأشياءِ؛ لأنَّ ذلك مُنْتَهَى فَزَعِ الخلْقِ وخوفِهم منه، فكان تخصيصُ اسمِ العظيمِ به لائقًا).

أن أكثر تساؤل المشركين كان عن أمر البعث

قالَ البَيْضَاوِيُّ (ت:691هـ): (والضميرُ لأهْلِ مَكَّةَ، كانوا يَتساءلون عن البَعْثِ فيما بينَهم).
قالَ ابنُ جَمَاعَةَ (ت:733هـ): (كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْبَعْثِ فِيمَا بَيْنَهُمُ اسْتِهْزَاءً).
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (وَمِمَّا يَدُلُّ على أَنَّهُ البعثُ أَنَّهُ أَكْثَرُ ما كانَ يَسْتَنْكِرُهُ المشركونَ وَتَأْبَاهُ عُقُولُهُم السَّخِيفَةُ).
ذكره: صِدِّيق حَسَن خَان

دلالة الردع والتهديد بعده

قالَ نِظَامُ الدِّينِ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (والنبأُ العظيمُ: القِيامةُ؛ بدليلِ الردْعِ عَن الاختلافِ، وللتهديدِ بَعْدَهُ).

دلالة موضوع السورة

قال مساعد الطيار: (ولكن يشهد له موضوع السورة، إذ موضوعها في البعث، والله أعلم).

ذكر ما ضُعِّفَ به القول الثاني:

قال مساعد الطيار: (أما من قال: هو البعث، وهو قولُ قتادة وابن زيد، فلم يرد عنهم وقوع الاختلاف فيه، بل هم مُنكرون له).
قلت: (راجع ما تقدم بعنوان: أن يوم القيامة قد وقع فيه الاختلاف، ثم إن معنى الاختلاف مختلف فيه على سبعة أقوال فيما أحصيت والله تعالى أعلم)
 
القول الثالث: نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

ابن عباس رضي الله عنهما

قالَ الثَّعَالِبِيُّ (ت:875هـ): (وَالنَّبَأُ الْعَظِيمُ قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: هُوَ الشَّرْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قالَ ابنُ عَادِلٍ (ت:880هـ): (وَرُوِيَ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:إِنَّهُ أَمْرُ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ).

قتادة بن دعامة

قالَ الثَّعَالِبِيُّ (ت:875هـ): (وَالنَّبَأُ الْعَظِيمُ قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: هُوَ الشَّرْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

الحسن البصري

قالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ (ت:489هـ): (وعن الحسَنِ أنه قالَ: هو النُّبُوَّةُ والقولانِ الأَوَّلانِ مَعروفان).
قالَ السُّيُوطِيُّ (ت:911هـ): (أخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أَبِي حَاتِمٍ وابنُ مَرْدُويَهْ, عَنِ الحَسَنِ قَالَ: ((لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ جَعَلُوا يَتَساءَلُونَ بَيْنَهُم ؛ فنَزَلَتْ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ} ))).

أقوال العلماء

قالَ ابْنُ جَرِيرٍ (ت:310هـ): (وذلكَ أنَّ قُرَيْشاً جَعَلَتْ فِيما ذُكِرَ عَنْها تَخْتَصِمُ وتَتَجَادَلُ في الَّذِي دَعَاهم إليهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الإِقرارِ بِنُبُوَّتِهِ، والتصْدِيقِ بِمَا جاءَ بِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ، والإيمانِ بالبَعْثِ، فقالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: فِيمَ يَتَسَاءَلُ هؤلاءِ القَوْمُ ويَخْتَصِمُونَ؟).
قالَ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقِيلَ: عن أَمْرِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ).
قالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): ( ثم بَيَّنَ فقالَ: {عَنِ النَّبَأِ العَظيمِ} يعني: عن أمْرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).
قالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (ويقالُ: بمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).
قالَ الثَّعْلَبِيُّ (ت:427هـ): ( {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}: يعني: عن أيِّ شيءٍ يَتَسَاءَلُونَ هؤلاء المُشْرِكِينَ؟ وذلك أنهم اخْتَلَفُوا واخْتَصَمُوا في أمرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما جاءَهُم به).
قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت:450هـ): (وفي {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} أربعةُ أقاويلَ... الرابعُ: عن أمْرِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت:450هـ): (قولُه تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} يَعني: عن أيِّ شيءٍ يَتساءَلُ الْمُشرِكونَ؟! لأنَّ قُريشاً حيثُ بُعِثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَتْ تُجادِلُ وتَخْتَصِمُ في الذي دَعَا إليه).
قالَ الْوَاحِدِيُّ (ت:468هـ): (وذلك أنَّهُمُ اخْتَلَفُوا وَاخْتَصَمُوا فيما أَتَاهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فمِنْ مُصَدِّقٍ ومُكَذِّبٍ).
قالَ البَغَوِيُّ (ت:516هـ): (وذلكَ أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَعَاهُم إلى التَّوْحِيدِ وأخبرَهُم بالبَعْثِ بعدَ المَوْتِ، وتَلا عَلَيْهِم القُرْآنَ جَعَلُوا يَتَسَاءَلُونَ بَيْنَهُمْ فيَقُولُونَ: ماذا جاءَ بهِ مُحَمَّدٌ؟).
قالَ ابنُ عَطِيَّةَ (ت:546هـ): (و{النَّبَأِ الْعَظِيمِ} قالَ قومٌ: هو الشرْعُ الذي جاءَ به مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (وفيه ثلاثةُ أقوالٍ...الثالثُ: أنه أَمْرُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَكاه الزَّجَّاجُ).
قالَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (القولُ الثالثُ: أنَّ النبأَ العظيمَ هو نُبُوَّةُ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قالَ العِزُّ ابْنُ عَبْدِ السَّلامِ (ت:660 هـ): ( {النَّبَأِ الْعَظِيمِ}: القُرْآنِ أَو البَعْثِ أَو القيامةِ أَوْ أَمْرِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قالَ القُرْطُبِيُّ (ت:671هـ): (وَقِيلَ: أَمْرُ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ).
قالَ الخََازِنُ (ت:725هـ): (وقيلَ: نُبُوَّةُ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وما جاءَ بهِ).
قالَ الخََازِنُ (ت:725هـ): (وذلكَ أنَّ النبيَّ صلى اللَّهُ عليهِ وسلم لمَّا دعاهُم إلى التوحيدِ، وأخبرَهم بالبعثِ بعدَ الموتِ، وتلا عليهم القرآنَ، جعلُوا يتساءلونَ فيما بينهم، فيقولُ بعضُهُم لبعضٍ: ماذا جاءَ بهِ محمَّدٌ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؟).
قالَ نِظَامُ الدِّينِ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (وقِيلَ: نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ).
قالَ ابنُ جَمَاعَةَ (ت:733هـ): (وَقِيلَ: نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قالَ ابنُ جَزِيٍّ (ت:741هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} هو ما جاءتْ به الشريعةُ من التوحيدِ والبَعْثِ والجزاءِ وغيرِ ذلك).
قالَ عَبْدُ البَاقِي القُرَشِيُّ (ت:743هـ): (وقِيلَ: نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ).
قالَ أَبُو حَيَّانَ (ت:745هـ): (ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ وَهُوَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ).
قالَ البِِقَاعِيُّ (ت:885هـ): ( {عَنِ النَّبَأِ} أيْ: مِنْ رسالةِ الرسولِ وَإِتيانِهِ بالكتابِ المُبِينِ، وَإِخْبَارِهِ عَنْ يومِ الفصلِ، وَالشاهدُ بكلِّ شيءٍ مِنْ ذلكَ اللَّهُ بإِعجازِ هذا الحديثِ، وَبوعدِهِ الجازمِ الحَثِيثِ).


أدلة القول الثالث:

أن أول التساؤل والاختلاف كان في أمر النبوة
أن هذا القول يتضمن القولين السابقين


قالَ ابْنُ جَرِيرٍ (ت:310هـ): (يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: عنْ أَيِّ شَيْءٍ يَتَساءَلُ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ باللَّهِ ورسولِهِ مِنْ قُرَيْشٍ يا مُحَمَّدُ؟ وقِيلَ ذلكَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وذلكَ أنَّ قُرَيْشاً جَعَلَتْ فِيما ذُكِرَ عَنْها تَخْتَصِمُ وتَتَجَادَلُ في الَّذِي دَعَاهم إليهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الإِقرارِ بِنُبُوَّتِهِ، والتصْدِيقِ بِمَا جاءَ بِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ، والإيمانِ بالبَعْثِ، فقالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: فِيمَ يَتَسَاءَلُ هؤلاءِ القَوْمُ ويَخْتَصِمُونَ؟).
قالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (وذلكَ أَنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا بُعِثَ جَعَلوا يَتساءلونَ فيما بينَهم، ويقولونَ: ما الذي جاءَ به هذا الرجُلُ؟ فنَزَلَ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ).
قالَ الثَّعْلَبِيُّ (ت:427هـ): ( {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}: يعني: عن أيِّ شيءٍ يَتَسَاءَلُونَ هؤلاء المُشْرِكِينَ؟ وذلك أنهم اخْتَلَفُوا واخْتَصَمُوا في أمرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما جاءَهُم به).
قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت:450هـ): (قولُه تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} يَعني: عن أيِّ شيءٍ يَتساءَلُ الْمُشرِكونَ؟! لأنَّ قُريشاً حيثُ بُعِثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَتْ تُجادِلُ وتَخْتَصِمُ في الذي دَعَا إليه).
قالَ الْوَاحِدِيُّ (ت:468هـ): (وذلك أنَّهُمُ اخْتَلَفُوا وَاخْتَصَمُوا فيما أَتَاهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فمِنْ مُصَدِّقٍ ومُكَذِّبٍ).
قالَ الْوَاحِدِيُّ (ت:468هـ): (قالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَهُمْ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ والبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَلا عَلَيْهِم الْقُرْآنَ, جَعَلَوُا يَتَسَاءَلُونَ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُونَ: مَاذَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَمَا الَّذِي أَتَى بِهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ).
ذكر نحوه: أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ، وابْنُ الْجَوْزِيِّ، والخََازِنُ، وأَبُو حَيَّانَ.
نقله: الشَّوْكَانِيُّ
قالَ البَغَوِيُّ (ت:516هـ): (وذلكَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَعَاهُم إلى التَّوْحِيدِ وأخبرَهُم بالبَعْثِ بعدَ المَوْتِ، وتَلا عَلَيْهِم القُرْآنَ جَعَلُوا يَتَسَاءَلُونَ بَيْنَهُمْ فيَقُولُونَ: ماذا جاءَ بهِ مُحَمَّدٌ؟).
قالَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (القولُ الثالثُ: أنَّ النبأَ العظيمَ هو نُبُوَّةُ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالُوا: وذلك لأنه لَمَّا بُعِثَ الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ جَعَلوا يَتساءلون بينَهم: ماذا الذي حَدَثَ؟ فأَنْزَلَ اللهُ تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}. وذلك لأنهم عَجِبُوا مِن إرسالِ اللهِ مُحَمَّدًا عليه الصلاةُ والسلامُ إليهم، كما قالَ تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق: 2] وعَجِبُوا أيضًا أنْ جاءَهم بالتوحيدِ كما قالَ: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5] فحَكَى اللهُ تعالى عنهم مُساءَلَةَ بعضِهم بعضًا على سبيلِ التَّعَجُّبِ بقولِه: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ).
قالَ القُرْطُبِيُّ (ت:671هـ): (ورَوَى الضَّحَّاكُ عن ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: وذلكَ أنَّ الْيَهُودَ سأَلُوا النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنْ أشْيَاءَ كَثِيَرةٍ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ باخْتِلاَفِهِمْ).
قالَ الخََازِنُ (ت:725هـ): (وذلكَ أنَّ النبيَّ صلى اللَّهُ عليهِ وسلم لمَّا دعاهُم إلى التوحيدِ، وأخبرَهم بالبعثِ بعدَ الموتِ، وتلا عليهم القرآنَ، جعلُوا يتساءلونَ فيما بينهم، فيقولُ بعضُهُم لبعضٍ: ماذا جاءَ بهِ محمَّدٌ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؟).
قالَ نِظَامُ الدِّينِ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (وقِيلَ: نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ، كانوا يَقولُونَ: ما هَذَا الَّذِي حدَثَ {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} ).
قالَ ابنُ عَادِلٍ (ت:880هـ): (وَرُوِيَ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّهُ أَمْرُ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ سأَلَهُ الْيَهُودُ عن أَشْيَاءَ كثيرةٍ، فأَخْبَرَهُ اللَّهُ باختلافِهِمْ، وأيضًا فجعَلَ الْكُفَّارُ يَتَسَاءَلُونَ فيما بَيْنَهُمْ، ما هذا الَّذِي حدَثَ؟ فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَجِبُوا من إِرْسالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق: 2]، وَعَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ بالتَّوْحِيدِ أيضًا كما قالَ تعَالَى: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، فَحَكَى اللَّهُ -تَعَالَى– عن مَسْأَلِةِ بَعْضِهِمْ على سبيلِ التَّعَجُّبِ بقولِهِ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}).
 
القول الرابع: جميع ما تقدم

قالَ عَطِيَّة سَالِم (ت:1420هـ): (وَلَكِنْ بَقِيَ بَيَانُ هَذَا النبأِ الْعَظِيمِ مَا هُوَ؟
فَقِيلَ: هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثَتِهِ لَهُمْ.
وَقِيلَ: فِي الْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ يَدْعُوهُمْ بِهِ.
وَقِيلَ: فِي الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَقَدْ رَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ احْتِمَالَ الْجَمِيعِ وَألاَّ تَعَارُضَ بَيْنَهَا.
وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا كُلُّهَا مُتَلاَزِمَةٌ؛ لأَنَّ مَن كَذَّبَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَذَّبَ بِهَا كُلِّهَا، وَمَن صَدَّقَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا صَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا، ومَن اخْتَلَفَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا لاَ شَكَّ أنه يَخْتَلِفُ فِيهَا كُلِّهَا، وَلَكِنَّ السِّيَاقَ فِي النبأِ وَهُوَ مُفْرَدٌ، فَمَا الْمُرَادُ بِهِ هُنَا بِالذَّاتِ؟
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْقُرْطُبِيُّ: مَن قَالَ: إنَّه الْقُرْآنُ؛ قالَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}
وَمَن قَالَ: إنه الْبَعْثُ؛ قالَ بِدَلِيلِ الْآتِي بَعْدَهَا: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً}.
وَالَّذِي يَظْهَرُ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: أنَّ أَظْهَرَها دَلِيلاً هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ؛ لأَنَّهُ جَاءَ بَعْدَهُ بدلائِلِ وَبَرَاهِينِ الْبَعْثِ كُلِّهَا، وَعَقَّبَهَا بِالنَّصِّ عَلَى يَوْمِ الْفَصْلِ صَراحةً: أمَّا بَرَاهِينُ الْبَعْثِ فَهِيَ مَعْلُومَةٌ؛ أَرْبَعَةٌ: خَلْقُ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَإِحْيَاءُ الأَرْضِ بالنباتِ، وَنَشْأَةُ الإِنْسَانِ مِنَ الْعَدَمِ، وَإِحْيَاءُ الْمَوْتَى بِالْفِعْلِ فِي الدُّنْيَا لِمُعَايَنَتِها، وَكُلُّهَا مَوْجُودَةٌ هُنَا).
قلت: (المراد من إيراد قول عطية سالم ها هنا، تضمنه لحكاية الجمع عن ابن جرير، وإلا فهو يرجح أن المراد بالنبأ العظيم: البعث).
 
القول الخامس: المراد كل نبأ عظيم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم


قالَ ابْنُ عَاشُورٍ (ت:1393هـ): (والتعريفُ في {النَّبَأِ} تَعريفُ الْجِنْسِ؛ فيَشملُ كلَّ نَبأٍ عظيمٍ أنْبَأَهُمُ الرسولُ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ به، وأوَّلُ ذلك إِنباؤُه بأنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، وما تَضَمَّنَهُ القُرآنُ مِن إبطالِ الشِّرْكِ، ومِن إِثباتِ بعْثِ الناسِ يومَ القِيامةِ، فما يُرْوَى عن بعْضِ السَّلَفِ مِن تَعيينِ نَبَأٍ خاصٍّ يُحمَلُ على التَّمثيلِ. فعَنِ ابنِ عبَّاسٍ: هو القُرآنُ، وعن مُجاهِدٍ وقَتَادَةَ: هو البعْثُ يومَ القِيامةِ.
وسَوْقُ الاِستدلالِ بقولِه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} إلى قولِه: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} يدُلُّ دَلالةً بَيِّنَةً على أنَّ الْمُرادَ مِنَ {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} الإنباءُ بأنَّ اللهَ واحِدٌ لا شَريكَ له).

تنبيه:
قالَ نِظَامُ الدِّينِ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (وقالَتِ الشِّيعةُ: هُوَ عَلِيٌّ، قالَ القائِلُ في حقِّهِ: هُوَ النبأُ العظيمُ، وفُلْكُ نُوحٍ، وبابُ اللَّهِ، وانْقَطَعَ الخِطابُ). [غرائب القرآن: 30/6] [هكذا في المطبوع، ولعله: فصل الخطاب]
 
جليسة العلم
أحسن الله إليك، وجزاك خيراً
على إدراج الملف وحسن تنسيقه
 
شكر الله لكم فضيلة الشيخ عبد العزيز الداخل
هذه البحوث القيمة
جزاكم الله خيرا وزادكم الله علما وحرصا

وقد ذكرت خمسة أقوال لأهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة؛ فآمل ممن يشارك من الإخوة والأخوات والأساتذة الفضلاء أن يركزوا على بيان القول الراجح من أقوال العلماء وأسباب الترجيح

ومن كان لديه استفسار عن أمر قد يفيد في التوصل لبيان القول الراجح فله ذلك، كمن أراد أن يستفسر عن تأريخ نزول السورة، أو معنى الاختلاف، أو صحة نسبة أحد الأقوال لأحد من الصحابة أو التابعين، أو غير ذلك مما يراه مفيداً في الوصول إلى النتيجة المطلوبة

ملخص الأقوال في المراد بـ (النبأ العظيم ) :

القول الأول : القرآن العظيم
قول : ابن عباس رضي الله عنهما ،
قتادة ومجاهد بن جبر .

الأدلة على قولهم : -
1- قوله تعالى: (قل هو نبأ عظيم).
2- أنه قول الأكثرين.
3- أن القرآن قد اختلف فيه.
4- أن النبأ اسم الخبر لا اسم المخبر عنه وهو أليق بالقرآن.
5- أن هذا القول يتضمن غيره من الأقوال .
6- أن القرآن وصف بأنه عظيم في مواضع متعددة من القرآن.

* الاعتراضات على هذا القول
1- أن دلالة السياق ترجح أن المراد بالنبأ العظيم البعث.
2- أن اختلافهم في القرآن كان لاشتماله على الإخبار بالبعث.

القول الثاني: البعث

قول : قتادة بن دعامة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، والضحاك بن مزاحم.

أدلة القول الثاني:

1- دلالة السياق.
2-أن يوم القيامة قد وقع الاختلاف فيه.
3-أن تخصيص اسم العظيم بيوم القيامة أليق.
4- أن أكثر تساؤل المشركين كان عن أمر البعث.
5- دلالة الردع والتهديد بعده.
6- دلالة موضوع السورة .

ذكر ما ضُعِّفَ به القول الثاني:
قال مساعد الطيار: (أما من قال: هو البعث، وهو قولُ قتادة وابن زيد، فلم يرد عنهم وقوع الاختلاف فيه، بل هم مُنكرون له).

القول الثالث: نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

قول : ابن عباس رضي الله عنهما
قتادة بن دعامة
الحسن البصري

أدلة القول الثالث:

1- أن أول التساؤل والاختلاف كان في أمر النبوة.
2- أن هذا القول يتضمن القولين السابقين.

القول الرابع: جميع ما تقدم

وَقَدْ رَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ احْتِمَالَ الْجَمِيعِ وَألاَّ تَعَارُضَ بَيْنَهَا.

القول الخامس: المراد كل نبأ عظيم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم

قالَ ابْنُ عَاشُورٍ (ت:1393هـ): (والتعريفُ في {النَّبَأِ} تَعريفُ الْجِنْسِ؛ فيَشملُ كلَّ نَبأٍ عظيمٍ أنْبَأَهُمُ الرسولُ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ به، وأوَّلُ ذلك إِنباؤُه بأنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، وما تَضَمَّنَهُ القُرآنُ مِن إبطالِ الشِّرْكِ، ومِن إِثباتِ بعْثِ الناسِ يومَ القِيامةِ، فما يُرْوَى عن بعْضِ السَّلَفِ مِن تَعيينِ نَبَأٍ خاصٍّ يُحمَلُ على التَّمثيلِ. فعَنِ ابنِ عبَّاسٍ: هو القُرآنُ، وعن مُجاهِدٍ وقَتَادَةَ: هو البعْثُ يومَ القِيامةِ.

ملحوظة : لم أذكر أقوال العلماء في بيان أصحاب كل قول ، لأنها لا تخرج عن أقوال الصحابة أو التابعين .

• الراجح والله أعلم :-

القول الأول ، وأن المراد بـ (النبأ العظيم ) هو القرآن .
• أسباب الترجيح :-
1- تفسير القرآن بالقرآن ، ( قل هو نبأ عظيم ) .
2- تفسير القرآن بقول الصحابي : ابن عباس – رضي الله عنهما - .
3- بالإضافة إلى الأدلة التي استدل بها على هذا القول .
وأما ما اعترض به على هذا القول :
- أن دلالة السياق ترجح أن المراد بالنبأ العظيم البعث.
ويمكن أن يجاب عنه : قال ابن عاشور : ( وسَوْقُ الاِستدلالِ بقولِه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} إلى قولِه: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} يدُلُّ دَلالةً بَيِّنَةً على أنَّ الْمُرادَ مِنَ {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} الإنباءُ بأنَّ اللهَ واحِدٌ لا شَريكَ له). وعليه : فلم يسلم هذا الاعتراض من المعارضة .
- أن اختلافهم في القرآن كان لاشتماله على الإخبار بالبعث.
ويمكن أن يجاب عنه : اختلافهم في القرآن أسبابه كثيرة ، والبعث أحدها .


س: هل يمكن تطبيق المنهج الحديثي في معرفة مدار هذه الآثار ، والوقوف على مدى صحة أسانيدها ؟
لأنه بلا شك سيكون لها دور في الترجيح

وفقكم الله وبارك فيكم
 
عودة
أعلى