المراء والجدال في القرآن (مالك يوم الدين)

إنضم
05/07/2014
المشاركات
305
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
العمر
57
الإقامة
مصر
هناك قراءتان للآية: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (الفاتحة : 4 )،
الأولى بالألف: (مالك)، والثانية بدون الألف: (مَلِكِ).​

يقول ابن عادل رحمه الله: (وقد رَجَّحَ كُلُّ فَرِيقٍ إِحْدَى القِرَائَتَيْنِ على الأُخْرَى تَرْجِيحاً يكادُ يسقط القِرَاءَاتِ الأُخْرَى، وهذا غَيْرُ مَرْضيٍّ؛ لأنَّ كِلْتَيْهِما مُتَوَاتِرةٌ ... قال أَبُو شَامَة - رحمه الله - : قَدْ أَكْثَر المُصَنِّفُونَ في القراءَات والتفاسِيرِ مِنَ التّرْجِيحِ بَيْنَ هَاتَيْنِ القِرَاءَتَيْنِ، حتى أن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، ولَيْسَ هذا بِمَحْمُودٍ بعد ثُبُوتِ القِرَاءَتَيْنِ، وصحَّةِ اتصافِ الربِّ - سبحانه وتعالى - بهما حتى إني أُصَلِّي بهذه في رَكْعَةٍ، وبهذه في رَكْعةٍ)[1].

وقد سبق أن قررنا أن أي خلاف يقع في رسم المصحف أو نقطه أو حروفه أو تشكيله أو عد آياته أو علامات الوقف أو ما جد اليوم من علامات مثل ألوان التجويد وما قد يجد في المصحف على مر الزمان، ينبغي رده إلى أهل القراءات، فإن صحت الرواية، فعندئذ نشغل أنفسنا فقط بالبحث عن الحكمة في الجمع بين القراءات[2].

يقول الشيخ العثيمين رحمه الله: (وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة؛ وهي أن ملكه جلّ وعلا ملك حقيقي؛ لأن مِن الخلق مَن يكون ملكاً، ولكن ليس بمالك: يسمى ملكاً اسماً وليس له من التدبير شيء؛ ومِن الناس مَن يكون مالكاً، ولا يكون ملكاً: كعامة الناس؛ ولكن الرب عزّ وجلّ مالكٌ ملِك)[3].

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من رد القراءة: فقال: ((المراء في القرآن كفر))[4]، وفي رواية: ((الجدال في القرآن كفر))[5].

فأنصح نفسي وكل طلبة العلم، أنه عندما يقرأ موضعا فيه خلاف في القراءات أن يحذر من رد أي قراءة صحيحة، وليعتذر لأهل العلم فلهم بدل العذر ألف عذر في ذلك، رحمهم الله جميعا وغفر لنا ولهم أجمعين.


من كتاباتي/ أبو مالك المعتز بالله محمد جمعة​



[1] اللباب في علوم الكتاب، عند تفسير مالك يوم الدين.

[2] يراجع موضوع/ هل البسملة آية من الفاتحة؟

[3] تفسير الفاتحة للشيخ العثيمين، عند تفسير مالك يوم الدين.

[4] صحيح أبي داود للألباني.

[5] صحيح الجامع للألباني.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

كنت قد تطرقت في سلسلة تتعلق بأسماء الله الحسنى -تنشر في بعض جرائدنا الوطنية-، للكلام عن المسألة التي ذكرها الأخ المعتز بالله جزاه الله خيرا، فأحببت أن أثري بما كتبت هذه النافذة سائلا من الله الإخلاص والقبول.
قلت:من المسائل التي ذكرها العلماء: أيهما أبلغ الملك أو المالك؟
وقد اختلفوا في هذه المسألة على أقوال، فمنهم من يرجح الملك على المالك، ومنهم من يقول أن المالك أبلغ، ومنهم من يجعل الأمر مقيدا، والسبب في هذا الاختلاف، والعلم عند الله، اختلاف هذين الاسمين من حيث أصل الاشتقاق وكذا من حيث معنى كل اسم، و هذه بعض أقوال أهل العلم في هذه المسألة:
- يقول سلطان العلماء العز بن عبد السلام: "..والملك أبلغ لنفوذ أمره على المالك، ولأن كل ملك مالك ولا عكس[1]، أو المالك أبلغ لأنه لا يكون إلا على ما يملكه، والملك يكون على من لا يملكه كملك الروم والعرب..، أو المالك أبلغ في حق الله تعالى من ملك، وملك أبلغ في حق الخلق من مالك، إذ المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك بخلاف الربِّ سبحانه وتعالى[2]" [3].
- قال أبو عبيدة: "مالك أجمع وأوسع لأنه يقال مالك العبد والطير والدواب، ولا يقال ملك هذه الأشياء ولأنه لا يكون مالك شيء إلا وهو يملكه، وقد يكون ملك الشيء ولا يملكه"[4].
- وبعد أن ذكر تأويل القراءتين الثابتتين في سورة الفاتحة وهما قوله تعالى: "ملك يوم الدين"، و"مالك يوم الدين"، قال إمام المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: "وأولى التأويلين بالآية وأصح القراءتين في التلاوة عندي التأويل الأول وهي قراءة "مٓلِك" بمعنى المُلك، لأن في الإقرار له بالإنفراد بالمُلك إيجابا لانفراده بالمِلك.."[5].
لكن بما أن كلتا القراءتين ثبتتا عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فإن العمل بهما أولى من العمل بأحدهما أو ترجيح أحدهما على الآخر، فالله جل في علاه ملك ومالك، فثبتت له صفات المُلك والمِلك وما يدل عليه هذان الاسمان من المعاني وما يستلزم منهما من اللوازم.
يقول الشيخ ابن عثيميين رحمه الله: "وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة، وهي أن ملكه جل وعلا ملك حقيقي..".
ومن قواعد التفسير: "أنه إذا ثبتت القراءتان لم ترجح إحداهما -في التوجيه- ترجيحا يكاد يسقط الأخرى.."[6].
قال الزركشي رحمه الله: "إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء وهو أنه قد ترجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقط القراءة الأخرى، وهذا غير مرضي، لأن كلتيهما متواترة.."، ..وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله: "قد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الترجيح بين قراءة "ملك" و"مالك" حتى إن بعضهم يبالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين، واتصاف الربِّ تعالى بهما.."[7].


[1]- وهذا قول المبرد وأبي عبيد ورجحه الزمخشري، كما ذكره القرطبي والشوكاني في تفسيريهما.

[2]- وهذا القول الأخير اختاره القاضي أبو بكر ابن العربي، وذكر في ذلك ثلاثة أوجه أنظرها في "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي.

[3]- "تفسير العز بن عبد السلام".

[4]- "معالم التنزيل" للبغوي.

[5]- أي أن الله تعالى إذا كان ملكا فلا بد أن يكون مالكا.

[6]- "قواعد التفسير جمعا ودراسة" للشيخ خالد السبت حفظه الله تعالى.

[7]- "البرهان" للزركشي، نقلا من "قواعد التفسير جمعا ودراسة".
 
عودة
أعلى