بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين....والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين...وعلى آله الطاهرين..ورضي الله تعالى
عن صحابته الكرام.
سبق لي ان طلبت من الاخ المستشار ابو مجاهد العبيدي ان يختصر مشاركات المشايخ واعضاء الملتقى حول مشاركته
الموسومة(ركن الاستنباط،وذكر فوائد الآيات)...ولكنه غفر الله تعالى لنا وله...لم يجب على طلبي ولكون الموضوع
مهما وحيويا...فقد عزمت ان اتولى هذا الامر..وارجو من الاخ الكريم ان يسمح لي بذلك.
وسنبدأ بمشاركة الاخ المستشار الاستاذ مساعد الطيار....بدأ الاخ الكريم بالتذكير بكتابه المفيد(مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر)ثم ذكًر بكتاب الدكتور فهد الوهبي(منهج الاستنباط من القرآن الكريم)...ومن الممكن تحميل الكتابين من موقع
الاستاذ مساعد...وموقع الدكتور فهد..جزاهما الله تعالى خيرا...
بدأ الاستاذ مساعد مشاركته...بالتذكير بمعنى التفسير وانه بيان معاني القرآن الكريم...وان هذا البيان يتأتى من سبب
نزول الآية..او آية أخرى توضح الاولى...او حديث نبوي..او بقول لصحابي..او تابعي..ثم أشار لمسألة هامة جدا
ألا وهي الحشو وكثرة الكلام في التفاسير ونسيان القول المأثور(خير الكلام ما قل ودل)...وان المفسرين يلجأون الى
إضافة كلام لاحاجة له في التفسير بل هو يخص إختصاص المفسر فالفقيه...ينحو بتفسيره نحو الفقه مثل القرطبي
واللغوي ينحو بتفسيره نحو اللغة والبلاغة مثل الزمخشري وابن حيان...وهكذا...وقارن بين تفسير العلماء وتفسير
الصحابة والتابعين حيث كان تفسيرهم مختصرا نافعا شافيا كافيا....والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...ثم ذكر الشيخ مساعد الاصل اللغوي لكلمة(التفسير) فهو مأخوذ من
(فسر)وهو يعني البيان والايضاح...وهو ذكر ذلك للتفريق بينه وبين المصطلح الآخر...
موضوع بحثنا ألا وهو(الاستنباط)..وهو يعني إظهار ما كان خافيا ليبدو للعيان...ومنه
إستنباط الماء أي إستخراجه من باطن الارض.
ثم ذكر ان التفسير يختلف عن الاستنباط..فالاستنباط انما يأتي بعد التفسير وكنتيجة له
خاصة اذا كان التفسير صحيحا وقائما على أٌسس سليمة...ثم أشاد بكتاب السيوطي
(الاكليل في إستنباط التنزيل) وذكر قوله( فعزمت على وضع كتاب في ذلك ، مهذب المقاصد ، محرر المسالك ، أُوِرد فيه كل ما يستنبط منه ، أو استدل عليه به على مسألة فقهية أو أصلية أو اعتقادية ، وبعضًا مما سوى ذلك ، مقرونًا بتفسير الآية حيث توقف فهم الاستنباط عليه ، معزوًّا إلى قائله من الصحابة والتابعين ، مخرجًا منن كتاب ناقله من الأئمة المعتبرين ... )
صور الاستنباط
فالاستنباط قد يكون واضحا تغني تلاوته عن تفسيره...مثلا في قوله تعالى(...اذا قمتم الى
الصلاة فاغسلوا...)فواضح منها ان لاصلاة من غير وضوء...ولكن أحيانا يكون الاستنباط من آية تحتاج الى تفسير ثم يأتي الاستنباط...مثل قوله تعالى(وأمرأته حمالة الحطب)هذه
آية يقر بها رب العالمين ان أمرأة ابو لهب هي زوجته شرعا ومنها نستنبط ان عقود
نكاح المشركين صحيحة في شرع الاسلام قد أقرهم الله تعالى عليها.
والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...اما بعد...ونرى الشيخ مساعد قد ذكر ان هناك شرطين يجب
توفرهما لكي يكون الاستنباط صحيحا الشرط الاول(ان يكون الاستنباط من الآية صحيحا
معتبرا لا تقع فيه مخالفة شرعية)والشرط الثاني(ان تكون الآية دالة عليه مرتبطة به)
مثلا ذكر السيوطي في كتابه(الاكليل)عن الكرماني في تعليقه على قوله تعالى(الذي
جعل لكم الارض فراشا)البقرة22 (واستدل أكثر المفسرين بالآية على أن شكل الأرض بسيطة ، وليس بكروي « . ( ينظر : غرائب التفسير وعجائب التأويل ( 1 : 125 ) ) .
فعلق الشيخ على هذا الاستنباط بقوله
(وهذا الاستنباط فيه نظر ؛ لأنَّ المعلومة المستنبطة بذاتها فيها خطأ ، مع التحفظ أيضًا على قوله - أكثر المفسرين )
ثم ذكر الشيخ أمرا مهما وهو
(ويمكن القول إن ضوابط الاستنباط الصحيح : 1 ـ أن يكون المعنى المستنَبطِ صحيحًا في ذاته ، فلا يخالف أمرًا مقررًا في الشريعة ؛ لأنه سيعتبر مردودًا . 2 ـ أن تكون الدلالة عليه صحيحة معتبرة ، سواءً أكانت الدلالة على الوجه المستنبط ظاهرة ، أم كانت خفية ، ويدخل فيها أي نوع من أنواع الدلالات المعروفة عند الأصوليين ؛ كدلالة الاقتضاء والإشارة والإيماء وغيرها من الدلالات التي تستخدم في الاستنباط . 3 ـ أن يكون التفسير المستنبط منه صحيحًا ، فإن كان ضعيفًا أو باطلاً ، فإن نتيجة الاستنباط ستنعكس عليه ، وما بُني على باطل ، فهو باطل .)
والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...اما بعد...ثم ذكر الاستاذ مساعد جزانا وجزاه الله تعالى خيرا..بعض امثلة الاستنباط من كتاب السيوطي المشار إليه وسأذكر البعض منها-
1-قوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) ] الحشر : 2 [ ، قال السيوطي ( ت : 911 ) : » استدل به على حجية القياس ، وأنه فرض كفاية على المجتهدين ؛ لأن الاعتبار قياس الشيء بالشيء « . ( 3 : 1241 ) . وارغب بتوضيح ذلك لإني أعتقد ان هذا الاستنباط صعب على البعض اولا لنعرف
القياس (القياس لغة: التقدير والمساواة. واصطلاحاً: تسوية فرع بأصل في حكم لعلَّة جامعة بينهما. فالفرع: المقيس. والأصل: المقيس عليه. والحكم: ما اقتضاه الدليل الشرعي من وجوب، أو تحريم، أو صحة، أو فساد، أو غيرها. والعلة: المعنى الذي ثبت بسببه حكم الأصل، وهذه الأربعة أركان القياس، والقياس أحد الأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعية. وللتوضيح أكثر فإن الفقيه يلجأ للقياس عند عدم وجود دليل من تحريم او جواز للمسألة
المراد بحثها فعندها ينظر لعلة التحريم ولعلة الجواز فيقيس عليها اما بتحريم او جواز
والله تعالى أعلم...نرجع لإستنباط السيوطي...فإن الآية الكريمة تدعو للتبصر والتفكير
وهو الذي نحتاجه كثيرا في القياس فأستدل بها الشيخ على ان الآية تدعو إليه والله تعالى
أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين....اما بعد....ثم ذكر الشيخ مساعد الطيار المثل التالي
2-(قوله تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) ] التحريم : 3 [ ، قال السيوطي : » فيها : أنه لا بأس بإسرار الحديث إلى من يركن إليه من زوجة أو صديق . وأنه يلزمه كتمه . وفيها حسن العشرة مع الزوجات . والتلطف في العتب . والإعراض عن استقصاء الذنب )
ثم شارك المشرف العام الدكتور عبد الرحمن الشهري جزاه الله تعالى خيرا...
في الاستنباط من قوله تعالى :(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) التوبة 122 فقال أن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ذكر الخروج في طلب العلم بلفظ (النفر) ، وكلمة النفر في هذه السورة تكررت لبيان الخروج للجهاد، كما في قوله :(انفروا خفافاً وثقالاً) ، وقوله :(إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً) ، وقوله :(مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله...)والنفر في اللغة - كما يقول الأصفهاني : الانزعاج عن الشيء وإلى الشيء. المفردات 817
- أن هذه الآية الحاثة على الخروج في طلب العلم جاءت بين الآيات الحاثة على الخروج للجهاد.
فدل ذلك على أن طلب العلم جهاد)إنتهى كلامه. كما أشار الدكتور عبد الرحمن الشهري الى كتاب مهم وهو :
الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية.
لنجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبدالقوي الطوفي رحمه الله. وقد طبع في ثلاثة مجلدات بدار الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين....اما بعد....وهناك مشاركة نافعة حول الكتاب الذي ذكره
الدكتور عبد الرحمن الشهري وهو الاشارات الالهية تجدها على الرابط التالي http://vb.tafsir.net/tafsir8993/
وهذه ترجمة مختصرة لمؤلفه الطوفي رحمه الله تعالى
سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، نجم الدين الطوفي (657 هـ - 716 هـ /
) فقيه حنبلي، من العلماء. ولد بقرية طوف - أو طوفا - (من أعمال صرصر: في العراق) ودخل بغداد سنة 691 هـ ورحل إلى دمشق سنة 704 هـ وزار مصر، وجاور بالحرمين، وتوفي في بلد الخليل (بفلسطين). له "بغية السائل في أمهات المسائل") في أصول الدين، و"الإكسير في قواعد التفسير" - خ في دار الكتب، و"الرياض النواضر في الأشباه والنظائر" و"معراج الوصول" في أصول الفقه، و"الذريعة إلى معرفة أسرار الشريعة" و"تحفة أهل الأدب في معرفة لسان العرب" و"الإشارات الإلهية والمباحث الأصولية" خ في دار الكتب (20561 ب) و"العذاب الواصب على أرواح النواصب" حبس من أجله، وطيف به في القاهرة، و"تعاليق على الأناجيل" و"شرح المقامات الحريرية" و"البلبل في أصول الفقه" - خ اختصر به "روضة الناظر وجنة المناظر"
" - خ) في دار الكتب (5601) و"مختصر الجامع الصحيح للترمذي" - خ في مجلدين
ثم ذكر الاخ الفاضل عبد الرحمن السديس مشاركة نافعة وهي- في قوله تعالى في آية (34) سورة النمل {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} في الآية قبول الحق حتى من الكافر. وهي مأخوذة من تصديق الله لقولها بقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) على رأي ابن عباس، و الزجاج أنه ليس من تمام كلامها. تفسير الطبري 11/155 وزاد المسير 6/70 . في قوله تعالى في آية (28) سورة الأعراف {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} صدقهم الله في الأولى وهي ( وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا ) لما كانت حقا، وأكذبهم في الأخرى بقوله عز وجل (قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء)
والله تعالى اعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين....اما بعد...ومن الإستنباط اللطيف ماذكره الاخ ابو مجاهدالعبيدي - ومن لطائف الاستنباطات ودقيقها ما أورده السهيلي في كتاب الإعلام بما أبهم من الأسماء والأعلام في القرآن الكريم بقوله : ( في قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام ( وناديناه من جانب الطور الأيمن ) وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر ) والمكان المشار إليه واحد =قال ملخصه : ( ووجه الفرق بين الخطابين أن الأيمن مشتق من اليمن ، وهو البركة ؛ فلما حكاه عن موسى في سياق الإثبات أتى بلفظه ، ولما خاطب محمداً صلى الله عليه وسلم في سياق النفي عدل إلى لفظ الغربي لئلا يخاطبه فيسلب عنه لفظاً مشتقاً من اليمن ،رفقاً بهما في الخطاب ، وإكراماً لهما .) هذا حاصل ما ذكره وهو أصل عظيم في الأدب في الخطاب . انظر البرهان للزركشي 4/55 بتحقيق المرعشلي .)
ولتوضيح ذلك ان القرآن الكريم عندما يتكلم عن الانبياء اللهم صلِ عليهم يتكلم عنهم
بغاية الاحترام والتقدير...ولكم مثلا أخرا...تكلم القرآن عن عيسى وأٌمه للتدليل انهما
لايمكن ان يكونا آلهين كما يدعي النصارى فقال(...كانا يأكلان الطعام...)..والمقصود
هو التغوط لإن الذي يأكل يحتاج الى ان يتغوط ولكن القرآن لم يذكره أحتراما لهما..
وترك هذا الامر لكي يفهمه المتدبر الذكي....والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين....اما بعد...ثم شارك الدكتور فهد الوهبي(على الرغم من قلة
مشاركاته في هذا الملتقى غفر الله تعالى لنا وله) بالمشاركة التالية-
(استنبط السبكي من قوله تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) [ الفرقان: ] مسألة أصولية وهي أن الكف عن الفعل فعلٌ. قال:" فإن الأخذ التناول والمهجور المتروك، فصار المعنى تناولوه متروكاً. أي: فعلوا تركه"( ). فهذا الاستنباط عند تأمله نجد أنه لا دلالة في الآية عليه مع صحته في ذاته قال الشيخ الأمين: " استنباط السبكي من هذه الآية أن الكف فعل وتفسيره لها بما يدل على ذلك، لم يظهر لي كل الظهور"( ). لكنه مع ذلك أثبت صحة هذا المعنى المستنبط فقال: " ولكن هذا المعنى الذي زعم أن هذه الآية الكريمة دلت عليه، وهو كون الكف فلاً دلت عليه آيتان كريمتان من سورة المائدة، دلالة واضحة لا لبس فيها، ولا نزاع ... أما الأولى منهما فهي قوله تعالى: ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) فترك الربانيين والأحبار نهيهم عن قول الإثم وأكل السحت سماه الله جل وعلافي هذه الآية الكريمة صنعاً في قوله: ( لبئس ما كانوا يصنعون). أي: وهو تركهم النهي المذكور، والصنع أخص من مطلق الفعل، فصراحة دلالة هذه الآية الكريمة على أن الترك فعلٌ في غاية الوضوح كما ترى. وأما الآية الثانية: فهي قوله تعالى: ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) فقد سمى جل وعلا في هذه الآية الكريمة تركهم التناهي عن المنكر فعلاً، وأنشأ له الذم بلفظة بئس التي هي فعل جامد لإنشاء الذم في قوله: (لبئس ما كانوا يفعلون) أي: وهو تركهم التناهي، عن كل منكر فعلوه، وصراحة دلالة هذه الآية أيضاً على ما ذكروه واضحة كما ترى"( ). ومن هذا المثال يتبين أن استنباط السبكي من آية الفرقان استنباط غير صحيح لعدم دلالة الآية عليه وأما استنباط ذات المعنى من الآيتين من سورة المائدة فاستنباط صحيح لدلالة الآية عليه دلالة صحيحة.
والله أعلم) وان ماذكره الدكتور قول الشيخ الامين فيقصد به العلامة محمد الامين الشنقيطي
صاحب تفسير أضواء البيان. ثم شارك الاخ ابو مجاهد العبيدي بمشاركة جيدة نقل فيها
من كتاب اعلام الموقعين لإبن القيم وهذا كلام ابن القيم-
(وقد مدح الله تعالى أهل الاستنباط في كتابه وأخبر أنهم أهل العلم، ومعلوم أن الاستنباط إنما هو استنباط المعاني والعلل ونسبة بعضها إلى بعض، فيعتبر ما يصح منها بصحة مثله ومشبهه ونظيره، ويلغى ما لا يصح، هذا الذي يعقله الناس من الاستنباط، قال الجوهري: الاستنباط كالاستخراج، ومعلوم أن ذلك قدر زائد على مجرد فهم اللفظ، فإن ذلك ليس طريقة الاستنباط، إذ موضوعات الألفاظ لا تنال بالاستنباط، وإنما تنال به العلل والمعاني والأشباه والنظائر ومقاصد المتكلم، والله سبحانه ذم من سمع ظاهراً مجرداً فأذاعه وأفشاه، وحمد من استنبط من أولي العلم حقيقته ومعناه. ويوضحه أن الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفي على غير مستنبطه، ومنه استنباط الماء من أرض البئر والعين، ومن هذا قول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه. ومعلوم أن هذا الفهم قدر زائد على معرفة موضوع اللفظ وعمومه أو خصوصه، فإن هذا قدر مشترك بين سائر من يعرف لغة العرب، وإنما هذا فهم لوازم المعنى ونظائره ومراد المتكلم بكلامه ومعرفة حدود كلامه، بحيث لا يدخل فيها غير المراد، ولا يخرج منها شيء من المراد. وأنت إذا تأملت قوله تعالى: " إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون " وجدت الآية من أظهر الأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا القرآن جاء من عند الله، وأن الذي جاء به روح مطهر، فما للأرواح الخبيثة عليه سبيل، ووجدت الآية أخت قوله: " وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون " ووجدتها دالة بأحسن الدلالة على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر، ووجدتها دالة أيضاً بألطف الدلالة على أنه لا يجد حلاوته وطعمه إلا من آمن به وعمل به، كما فهمه البخاري من الآية فقال في صحيحه في باب: " قل فاتوا بالتوراة فاتلوها ". "لا يمسه" لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن ولا يحمله بحقه إلا المؤمن لقوله تعالى: "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً" وتجد تحته أيضاً أنه لا ينال معانيه ويفهمه كما ينبغي إلا القلوب الطاهرة، وأن القلوب النجسة ممنوعة من فهمه مصروفة عنه، فتأمل هذا النسب القريب وعقد هذه الأخوة بين هذه المعاني وبين المعنى الظاهر من الآية واستنباط هذه المعاني كلها من الآية بأحسن وجه وأبينه. فهذا من الفهم الذي أشار إليه علي رضي الله عنه. وتأمل قوله تعالى لنبيه: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" كيف يفهم منه أنه إذا كان وجود بدنه وذاته فيهم دفع عنهم العذاب وهم أعداؤه، فكيف وجود سره والإيمان به ومحبته ووجود ما جاء به إذا كان في قوم أو كان في شخص؟ أفليس دفعه العذاب عنهم بطريق الأولى والأحرى؟.
وتأمل قوله تعالى: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ". كيف تجد تحته بألطف دلالة وأدقها وأحسنها أنه من اجتنب الشرك جميعه كفرت عنه كبائره، وأن نسبه الكبائر إلى الشرك كنسبة الصغائر إلى الكبائر فإذا وقعت الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر فالكبائر تقع مكفرة باجتناب الشرك، وتجد الحديث الصحيح كأنه مشتق من هذا المعنى، وهو قوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: "ابن آدم إنك لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لقيتك بقرابها مغفرةً" وقوله: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" بل محو التوحيد الذي هو توحيد الكبائر أعظم من محو اجتناب الكبائر للصغائر. وتأمل قوله تعالى:" وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون " كيف: نبههم بالسفر الحسي على السفر إليه؟ وجمع له بين السفرين كما جمع لهم الزادين في قوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" فجمع لهم بين زاد سفرهم وزاد معادهم؟ وكما جمع بين اللباسين في قوله: " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون " فذكر سبحانه زينة ظواهرهم وبواطنهم ونبههم بالحسي على المعنوي، وفهم هذا القدر زائد على فهم مجرد اللفظ ووضعه في أصل اللسان، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.) انتهى .)ولكلام ابن القيم وإستنباطه تتمة ان شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...اما بعد....لكي نفهم كلام ابن القيم فإني سأقوم بذكر الآيات
التي ذكرها بشكل فقرات متسلسلة-
1-الآية الاولى التي ذكرها(إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون " ) أستنبط ابن القيم من هذه الآية على صدق نبوة نبينا محمد اللهم صلِ عليه وآله....
ارى والله اعلم ان ابن القيم يقصد ان لو كان القرآن من لدن رسول الله لما جعل من
صفة القرآن انه لايمسه الا المطهرون وهو يعلم ان هؤلاء اي المطهرون هم قلة
قليلة بين مشركي قريش فدل على ان القرآن من الله تعالى وليس منه والله اعلم..
2- الآية الاخرى قوله تعالى(وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)أستنبط منها ان مثلما ان
الله تعالى لم يعذبهم لإن الرسول بينهم فكذلك لم يعذبهم ان هم آمنوا بما جاء به
ذلك الرسول.
3-اما قوله تعالى(ن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)فهو لم يستنبط منها شيئا
انما فسرها فقط.
4-وكذلك في قوله تعالى(وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون ")فإنه فسرها
ولم يستنبط منها شيئا هذا على حسب علمي وان كان الاخ الكريم ابومجاهد العبيدي
قد أنهى مشاركته بسؤال مفاده(ما قولكم في الاستناط الذي استنبطه ابن القيم من آية النساء : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) وهل هو صحيح على اطلاقه ، خاصة أن ابن القيم أكد ذلك المعنى المستنبط بعدة قرائن ؟!)ولعل أحد من الاخوة يوضح لنا سؤال الاخ ابومجاهد والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...اما بعد...ثم شارك الاخ الكريم ابو مجاهد العبيدي بالمشاركة
التالية- ومن استباطات ابن القيم رحمه الله :
( وقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سبباً لحبوط أعمالهم ؛ فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه ؟ أليس هذا أولى أن يكون محبطاً لأعمالهم ؟. ) انتهى من إعلام الموقعين 2/94 بتحقيق مشهور آل سلمان . )...
ثم ذكر الاخ أمرا آخرا وهو- قال تعالى في سورة البقرة : ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ . فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [36-39 ]
وذكر تعليق ابن عاشور رحمه الله تعالى- وفيه إشارة أخرى وهي أن العفو يكون من التائب في الزواجر والعقوبات. وأما تحقيق آثار المخالفة وهو العقوبة التأديبية فإن العفوعنها فساد في العالم لأن الفاعل للمخالفة إذا لم ير أثر فعله لم يتأدب في المستقبل فالتسامح معه في ذلك تفويت لمقتضى الحكمة، فإن الصبي إذا لوث موضعاً وغضب عليه مربيه ثم تاب فعفا عنه فالعفو يتعلق بالعقاب وأما تكليفه بأن يزيل بيده التلويث الذي لوث به الموضع فذلك لا يحسن التسامح فيه ولذا لما تاب الله على آدم رضي عنه ولم يؤاخذه بعقوبة ولا بزاجر في الدنيا ولكنه لم يصفح عنه في تحقق أثر مخالفته وهو الهبوط من الجنة ليرى أثر حرصه وسوء ظنه، هكذا ينبغي أن يكون التوجيه إذا كان المراد من {اهبطوا} الثاني حكاية أمر ثان بالهبوط خوطب به آدم. إنتهى.
ثم شارك الاخ الكريم ابو محمد اشرف بمشاركة لطيفة هي- قال الله نعالى : (( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) الحشر : 10
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : " وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة : أن الرافضي الذي يسبُّ الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب ؛ لعدم اتصافه بما مَدَحَ الله به هؤلاء في قولهم : " رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " وقال ابن أبي حاتم حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي حدثنا محمد بن بشر حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عائشة أنها قالت أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم ثم قرأت هذه الآية والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان الآية ..)
قلت-وهذا الامر أي الترضي عن الصحابة الكرام جعله بعض علماء اهل السنة والجماعة
من عقيدتهم فلا يصح الاعتقاد بعقيدة اهل السنة والجماعة الا بالترضي عنهم اللهم أرض
عنهم....اللهم وأهدِ عامة المسلمين الى الترضي عنهم...والله تعالى أعلم.