المحكمة الإسلامية الدولية - رغبة الأمة ومطلب المرحلة

إنضم
13/05/2025
المشاركات
57
مستوى التفاعل
11
النقاط
8
الإقامة
صنعاء - اليمن
المحكمة الإسلامية الدولية - رغبة الأمة ومطلب المرحلة

بقلم الدكتور/ محمد بن جميل المطري


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أثبت التاريخ المعاصر – بما لا يدع مجالاً للشك – أن الحاجة إلى محكمة إسلامية دولية أضحت مطلباً شرعياً وواقعياً ملحًّا، بل ضرورة استراتيجية تحفظ كيان الأمة الإسلامية، وتجمع كلمتها، وتحكم بينها بشرع الله تعالى، وترد نزاعاتها إلى كتاب الله وسنة رسوله، وتدفع عنها المظالم، وتصلح بين المسلمين بالعدل، وتنصر المستضعفين في الأرض.

■ لا يخفى على كل مسلم عاقل أن منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها من المنظمات الدولية لا تحقق إلا مصالح القوى الاستعمارية الكبرى، ولا تهتم بحل مشاكل المسلمين، ولا تسعى لرفع الظلم الواقع على الشعوب الإسلامية والأقليات المسلمة، وتكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا الدولية.

■ آن الأوان لأن يسعى عقلاء المسلمين – حكاماً وشعوباً – إلى إنشاء محكمة إسلامية دولية مستقلة، ذات مرجعية شرعية، تلتزم بأحكام الإسلام، وتضم علماء راسخين وخبراء متخصصين من مختلف بلدان المسلمين، يجمعهم همٌّ واحد: إقامة دين الله، ونصرة المظلوم، وتحقيق العدل، وإصلاح أحوال المسلمين في دينهم ودنياهم.

■ تهدف هذه المحكمة إلى حل النزاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة والخاصة، والدفاع عن حقوق الأقليات المسلمة، وتعزيز التعاون بين الدول الإسلامية في جميع النواحي، مع مراعاة التدرج والحكمة في الطرح والتنفيذ، ويكون لها تنسيق مع جميع وزارات العدل ودوائر القضاء والمحاكم في جميع الدول الإسلامية.

■ لقد كان لمنظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقًا) السبق في تبني هذه الفكرة المباركة؛ إذ جاء في القرار رقم 11/3 – س الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث بمكة المكرمة عام 1981، الموافقة على إنشاء محكمة عدل إسلامية دولية، وتلاه القرار رقم 13/5 في مؤتمر القمة الإسلامي الخامس بالكويت عام 1987، الذي اعتمد النظام الأساسي للمحكمة، ونص على إدراجها كجهاز رئيسي في ميثاق المنظمة، على أن يدخل هذا النظام حيز التنفيذ بعد تصديق ثلثي الدول الأعضاء (أي 38 دولة من أصل 57). ولكن – للأسف – حتى عام 2024 لم تصادق إلا 14 دولة فقط، مما أعاق تفعيل المحكمة رسميًا!

وقد ناقشت ندوة كويتية في أكتوبر 2024 – نظمتها الأمانة العامة للمنظمة – أهمية هذه المحكمة الإسلامية الدولية وسبل تفعيلها، وخرجت بتوصيات مهمة، لكنها بيّنت أن الطريق لا يزال طويلاً، فبعض حكام المسلمين لا يهتمون بهذا الأمر والله المستعان!

■ ينبغي أن تكون المحكمة الإسلامية الدولية ذات خصائص متميزة منها:

1. مرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية، وتحكيم الشريعة الإسلامية دون غيرها من القوانين الوضعية المخالفة للشريعة.

2. تشمل المحكمة علماء وقضاة وخبراء من جميع الدول الإسلامية.

3. لا تتبع المحكمة الإسلامية أي دولة، بل تعمل باستقلال ونزاهة وشفافية.

4. تعالج المحكمة الإسلامية جميع مشاكل المسلمين السياسية، والاقتصادية، والتعليمية، والطبية، وغيرها، وفق الأولويات والقدرات، وضمن قواعد الشريعة ومقاصدها.

■ مقترحات عملية:

1. دعوة الدول الإسلامية لتسريع التصديق على النظام الأساسي للمحكمة، وتفعيله دون تأخير.

2. تأسيس هيئة دعم علمية وشعبية تضم مجموعة من العلماء الراسخين والخبراء المتخصصين في مختلف المجالات.

3. إنشاء صندوق تمويل مستقل عن الحكومات، يضمن استمرار المحكمة وحريتها من التبعية.

4. نشر الوعي بأهمية المحكمة الإسلامية من خلال الإعلام والتعليم ومنصات التواصل الاجتماعي.

5. دعوة الجماعات الحزبية والتنظيمات السياسية إلى حل نفسها، والتحاكم إلى شريعة الله في جميع الأمور، وترك التنازع والتنافس الحزبي والسياسي الذي يضر بالمسلمين.

■ أهداف المحكمة الإسلامية:

١- جمع كلمة المسلمين على الحق، وإصلاح ذات بينهم، وإفشاء السلام، ونصرة المظلومين.

٢- رعاية مصالح الفقراء والمحتاجين والمرضى والنساء والأطفال وكبار السن، وتشجيع طلاب العلم في جميع التخصصات، ودعم المشاريع الزراعية والاقتصادية والصناعية والتجارية وغيرها.

٣- التنسيق بين الدول الإسلامية للتعاون في جميع المجالات الاقتصادية والصناعية والتعليمية والعسكرية وغيرها.

٤- مناصحة حكام المسلمين وجميع المسئولين، وتشجيعهم على فعل الخير الديني والدنيوي، وترك المنكرات، بعيدًا عن التهييج والتحزبات.

■ من فضل الله على المسلمين وجود القرآن الكريم والسنة النبوية بين أيديهم، وفي بلاد المسلمين من العلماء والحكماء والثروات ما يكفي لحل جميع مشاكلهم العامة والخاصة، متى ما خلصت النية، وتحركت الأمة، كل بقدر استطاعته.

■ الإسلام عبادة لله وحده، وحكم بشريعة الله بين جميع عباده، قال الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]، وقال سبحانه لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42].

¤ نسأل الله تعالى أن يهيئ الأسباب لإنشاء هذه المحكمة الإسلامية، وأن يجعلها سببا لصلاح الأمة، وحل مشاكلها العامة والخاصة.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، والله أكبر ولله الحمد.
 
عودة
أعلى