عمر المقبل
New member
- إنضم
- 06/07/2003
- المشاركات
- 805
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
مواعظ المفسرين ـ المجموعة الثانية[1/4](*)
الحمد لله القائل : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس/57، 58] ،والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الوعاظ ،نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :
"فإن مواعظ القرآن أعظم المواعظ على الإطلاق، وأوامره ونواهيه محتوية على الحكم والمصالح المقرونة بها، وهي من أسهل شيء على النفوس، وأيسرها على الأبدان، خالية من التكلف لا تناقض فيها ولا اختلاف، ولا صعوبة فيها ولا اعتساف، تصلح لكل زمان ومكان، وتليق لكل أحد" (1).
ومن هنا جاءت هذه المجموعة الثانية من مواعظ المفسرين ؛ لتضاف إلى أخواتها الخمس عشرة ـ وهي تمثل المجموعة الأولى من هذه المواعظ ـ جمعتها من كلام بعض المفسرين ـ رحمهم الله ـ حينما يسيل قلم أحدهم بكلمات تتصل بالجانب الوعظي في الآية ،والذي يثمر ـ كما ينبغي أن يكون الأمر ـ حثاً على طاعة أو زجراً عن معصية ،أو زيادة إيمان في قلب العبد ،حينما يعيش في سَبْحٍ من التأملات لكلام الله العظيم.
وإن من المحزن أن البعض يهوّن من شأن الوعظ لأسباب كثيرة ـ ليس هذا محل ذكرها ـ ولكن الذي أود أن أنوه به ،هو التذكير بأن من أعظم مقاصد تنزيل الكتاب هو تدبره ،والاتعاظ به ، والامتثال لما دل عليه ، ولذا قال ابن جرير الطبري رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى : (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ )[الأنفال/21-23] ـ :
" يقول تعالى ذكره ـ للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ـ : لا تكونوا ـ أيها المؤمنون ـ في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالمشركين الذين إذا سمعوا كتاب الله يتلى عليهم قالوا: "قد سمعنا"، بآذاننا= "وهم لا يسمعون"، يقول: وهم لا يعتبرون ما يسمعون بآذانهم ولا ينتفعون به، لإعراضهم عنه، وتركهم أن يُوعُوه قلوبهم ويتدبروه.
فجعلهم الله، إذ لم ينتفعوا بمواعظ القرآن ـ وإن كانوا قد سمعوها بأذانهم ـ بمنزلة من لم يسمعها، يقول جل ثناؤه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تكونوا أنتم في الإعراض عن أمر رسول الله، وترك الانتهاء إليه وأنتم تسمعونه بآذانكم، كهؤلاء المشركين الذين يسمعون مواعظ كتاب الله بآذانهم، ويقولون: "قد سمعنا"، وهم عن الاستماع لها والاتعاظ بها معرضون كمن لا يسمَعُها ...
ولو علم الله في هؤلاء القائلين خيرًا، لأسمعهم مواعظ القرآن وعِبَره، حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه منه، ولكنه قد علم أنه لا خير فيهم، وأنهم ممن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون ، ولو أفهمهم ذلك حتى يعلموا ويفهموا، لتولوا عن الله وعن رسوله،وهم معرضون عن الإيمان بما دلَّهم على صحته مواعظُ الله ،وعبره وحججه، معاندون للحق بعد العلم به" (2).
وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [محمد/24] :
"يقول تعالى ذكره : أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام ، ويتفكَّرون في حُججه التي بيَّنها لهم في تنزيله فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون؟! ( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ؟!) يقول : أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعِبَر" (3)
ثم ساق بسنده عن قتادة في تفسير هذه الآية أنه قال : "إذا والله يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله، لو تدبره القوم فعقلوه، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك" (4).
ومن جميل ما يذكر في تفسير هذه الآية ـ أيضاً ـ ما رواه ابن جرير ـ أيضاً ـ عن خالد بن معدان أنه قال : "ما من آدميّ إلا وله أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه، وما يصلحه من معيشته، وعينان في قلبه لدينه، وما وعد الله من الغيب، فإذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه، وإذا أراد الله به غير ذلك طَمسَ عليهما، فذلك قوله( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (5).
والمقصود من هذا ،التنبه إلى أهمية الوعظ بالقرآن ،والاتعاظ به ،وخطورة الاقتصار على مجرد التلاوة من غير عمل ،فإن ذلك قصورٌ وتقصير ،ينبغي للمؤمن أن يترفع عنه ، نذكر بهذا أنفسنا ،وإخواننا المسلمين ،في كل وقت وخصوصاً مع إقبال هذا الشهر الكريم .
ولعل في هذه المجموعة ـ بالإضافة إلى المجموعة السابقة ـ ما يحرك هذا المعنى في نفوسنا إذا قرأنا كلام ربنا ،نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يتعظ بكتابه ،ويتلوه حق تلاوته ،والحمد لله رب العالمين .
المصدر
--------------------------------------------------------------------------------
(*) تنبيه:
في كل حلقة من حلقات هذه المجموعة سيجد القارئ موعظتين من مواعظ المفسرين وستميز بداية الموعظة بتلوين اسم المفسر.
(1) من تفسير العلامة السعدي للآية رقم (21) من سورة الحشر ، ص : (1015) .
(2) تفسير الطبري 11/98-130 باختصار .
(3) تفسير الطبري 21/215.
(4) تفسير الطبري 21/216.
(5) تفسير الطبري 21/216.
الحمد لله القائل : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس/57، 58] ،والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الوعاظ ،نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :
"فإن مواعظ القرآن أعظم المواعظ على الإطلاق، وأوامره ونواهيه محتوية على الحكم والمصالح المقرونة بها، وهي من أسهل شيء على النفوس، وأيسرها على الأبدان، خالية من التكلف لا تناقض فيها ولا اختلاف، ولا صعوبة فيها ولا اعتساف، تصلح لكل زمان ومكان، وتليق لكل أحد" (1).
ومن هنا جاءت هذه المجموعة الثانية من مواعظ المفسرين ؛ لتضاف إلى أخواتها الخمس عشرة ـ وهي تمثل المجموعة الأولى من هذه المواعظ ـ جمعتها من كلام بعض المفسرين ـ رحمهم الله ـ حينما يسيل قلم أحدهم بكلمات تتصل بالجانب الوعظي في الآية ،والذي يثمر ـ كما ينبغي أن يكون الأمر ـ حثاً على طاعة أو زجراً عن معصية ،أو زيادة إيمان في قلب العبد ،حينما يعيش في سَبْحٍ من التأملات لكلام الله العظيم.
وإن من المحزن أن البعض يهوّن من شأن الوعظ لأسباب كثيرة ـ ليس هذا محل ذكرها ـ ولكن الذي أود أن أنوه به ،هو التذكير بأن من أعظم مقاصد تنزيل الكتاب هو تدبره ،والاتعاظ به ، والامتثال لما دل عليه ، ولذا قال ابن جرير الطبري رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى : (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ )[الأنفال/21-23] ـ :
" يقول تعالى ذكره ـ للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ـ : لا تكونوا ـ أيها المؤمنون ـ في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالمشركين الذين إذا سمعوا كتاب الله يتلى عليهم قالوا: "قد سمعنا"، بآذاننا= "وهم لا يسمعون"، يقول: وهم لا يعتبرون ما يسمعون بآذانهم ولا ينتفعون به، لإعراضهم عنه، وتركهم أن يُوعُوه قلوبهم ويتدبروه.
فجعلهم الله، إذ لم ينتفعوا بمواعظ القرآن ـ وإن كانوا قد سمعوها بأذانهم ـ بمنزلة من لم يسمعها، يقول جل ثناؤه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تكونوا أنتم في الإعراض عن أمر رسول الله، وترك الانتهاء إليه وأنتم تسمعونه بآذانكم، كهؤلاء المشركين الذين يسمعون مواعظ كتاب الله بآذانهم، ويقولون: "قد سمعنا"، وهم عن الاستماع لها والاتعاظ بها معرضون كمن لا يسمَعُها ...
ولو علم الله في هؤلاء القائلين خيرًا، لأسمعهم مواعظ القرآن وعِبَره، حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه منه، ولكنه قد علم أنه لا خير فيهم، وأنهم ممن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون ، ولو أفهمهم ذلك حتى يعلموا ويفهموا، لتولوا عن الله وعن رسوله،وهم معرضون عن الإيمان بما دلَّهم على صحته مواعظُ الله ،وعبره وحججه، معاندون للحق بعد العلم به" (2).
وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [محمد/24] :
"يقول تعالى ذكره : أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام ، ويتفكَّرون في حُججه التي بيَّنها لهم في تنزيله فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون؟! ( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ؟!) يقول : أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعِبَر" (3)
ثم ساق بسنده عن قتادة في تفسير هذه الآية أنه قال : "إذا والله يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله، لو تدبره القوم فعقلوه، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك" (4).
ومن جميل ما يذكر في تفسير هذه الآية ـ أيضاً ـ ما رواه ابن جرير ـ أيضاً ـ عن خالد بن معدان أنه قال : "ما من آدميّ إلا وله أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه، وما يصلحه من معيشته، وعينان في قلبه لدينه، وما وعد الله من الغيب، فإذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه، وإذا أراد الله به غير ذلك طَمسَ عليهما، فذلك قوله( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (5).
والمقصود من هذا ،التنبه إلى أهمية الوعظ بالقرآن ،والاتعاظ به ،وخطورة الاقتصار على مجرد التلاوة من غير عمل ،فإن ذلك قصورٌ وتقصير ،ينبغي للمؤمن أن يترفع عنه ، نذكر بهذا أنفسنا ،وإخواننا المسلمين ،في كل وقت وخصوصاً مع إقبال هذا الشهر الكريم .
ولعل في هذه المجموعة ـ بالإضافة إلى المجموعة السابقة ـ ما يحرك هذا المعنى في نفوسنا إذا قرأنا كلام ربنا ،نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يتعظ بكتابه ،ويتلوه حق تلاوته ،والحمد لله رب العالمين .
المصدر
--------------------------------------------------------------------------------
(*) تنبيه:
في كل حلقة من حلقات هذه المجموعة سيجد القارئ موعظتين من مواعظ المفسرين وستميز بداية الموعظة بتلوين اسم المفسر.
(1) من تفسير العلامة السعدي للآية رقم (21) من سورة الحشر ، ص : (1015) .
(2) تفسير الطبري 11/98-130 باختصار .
(3) تفسير الطبري 21/215.
(4) تفسير الطبري 21/216.
(5) تفسير الطبري 21/216.