المترادف

إنضم
05/05/2003
المشاركات
70
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الموقع الالكتروني
www.toislam.net
[align=justify]ويسمى: الترادف، ويسمى: المرادف -أيضاً-.
وهذا المصطلح يرد كثيراً في كتب العقائد خصوصاً في باب أسماء الله - عز وجل - كالبحث في مسألة ترادفها وتباينها.
كما أنه يرد في غير ذلك.
والحديث عنه سيكون من خلال المسائل التالية:
أولاً تعريفه:
أ - تعريفه في اللغة: قال ابن فارس -رحمه الله-: (الراء والدال والفاء أصلٌ واحد مطرد، يدل على اتباع الشيء؛ فالترادف التتابع، والرديف الذي يرادفك)[1].
ب- وفي الاصطلاح: عرف بعدة تعريفات متقاربة: منها ما عرفه به الجرجاني حيث قال:
1- (المترادف: ما كان معناه واحداً، وأسماؤه كثيرة)[2].
2- وعرفه بتعريف آخر فقال: (الترادف: هو عبارة عن الاتحاد في المفهوم، وقيل: توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء باعتبار واحد)[3].
3- وعرفه - أيضاً - بقوله: (المرادف: ما كان مسماه واحداً، وأسماؤه كثيرة، وهو خلاف المشترك)[4].
4- وقال السيوطي: (قال الإمام فخر الدين: هو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد)[5].
5- وقيل: هو ما اتحد معناه، واختلف لفظه.
ومن أمثلة ذلك: السيف، والباتر، والمهند وغيرها كلها ألفاظ تدل على مسمى واحد.
ثانياً: سبب التسمية: قال الجرجاني عن سبب التسمية: (المترادف ما كان معناه واحداً، وأسماؤه كثيرة، وهو ضد المشترك؛ أخذاً من الترادف الذي هو ركوب أحد خلف آخر، كأن المعنى مركوب، واللفظين راكبان عليه كالليث والأسد)[6].
ثالثاً: الخلاف في وقوعه[7]: ذهب بعض العلماء إلى إنكار المترادف.
قال السيوطي: (قال التاج السبكي في شرح المنهاج: ذهب بعض الناس إلى إنكار المترادف في اللغة العربية، وزعم أن كل ما يظن من المترادفات فهو من المتباينات التي تتباين بالصفات كما في الإنسان والبشر؛ فإن الأول موضوع له باعتبار النسيان، أو باعتبار أنه يُؤْنِس.
والثاني - يعني البشر - باعتبار أنه بادي البشرة.
وكذا الخندريس: العقار[8]؛ فإن الأول؛ باعتبار العتق، والثاني باعتبار عقر الدن؛ لشدَّتها.
وتكلف لأكثر المترادفات بمثل هذا المقال العجيب)[9].
وممن قال بهذا القول ابن فارس، ونقله عن شيخه ثعلب.
وممن قال بهذا القول أبو علي الفارسي[10].
وقال ابن فارس في الصاحبي في (باب الأسماء وكيف تقع على المسميات):
(ويسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو: السيف، والمهند، والحسام.
والذي نقوله في هذا: إن الاسم واحد وهو السيف، وما بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى.
وقد خالف في ذلك قوم فزعموا أنها وإن اختلفت ألفاظها فإنها ترجع إلى معنى واحد، وذلك قولنا: (سيف، وعضب، وحسام).
وقال آخرون: ليس منها اسم ولا صفة إلا ومعناه غيرُ معنى الآخر، قالوا: وكذلك الأفعال نحو: مضى، وذهب، وانطلق، وقعد، وجلس، ورقد، ونام، وهجع.
قالوا: ففي (قعد) معنى ليس في (جلس) وكذا القول فيما سواه.
وبهذا نقول، وهو مذهب شيخنا أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب.
واحتج أصحاب المقالة الأولى بأنه: لو كان لكل لفظة معنى غير معنى الأخرى لما أمكن أن يعبر عن شيء بغير عبارته.
وذلك أنا نقول في (لا ريب فيه): (لا شك فيه) فلو كان (الريب) غير (الشك) لكانت العبارة عن معنى الريب بالشك خطأ، فلما عبر عن هذا بهذا علم أن المعنى واحد.
قالوا: وإنما يأتي الشعر بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد في مكان واحد تأكيداً ومبالغة، كقولهم:
وهند أتى من دونها النأيُ والبعدُ
فقالوا: فالنأي هو البعد، قالوا: وكذلك قول الآخر إن الحبس هو الإصْرُ.
ونحن نقول: إن في قعد معنىً ليس في جلس، ألا ترى أنا نقول (قام ثم قعد) و (أخذه المقيم والمقْعِدُ) و (قعدت المرأة عن الحيض) ونقول لناس من الخوارج (قَعَدٌ) ثم نقول: (كان مضطجعاً فجلس) فيكون القعود عن قيام، والجلوس عن حالة هي دون الجلوس؛ لأن (الجَلْسَ: المرتفع) فالجلوس ارتفاع عما هو دونه، وعلى هذا يجري الباب كله.
وأما قولهم: إن المعنيين لو اختلفا لما جاز أن يعبر عن الشيء بالشيء - فإنا نقول: إنما عبر عنه من طريق المشاكلة، ولسنا نقول إن اللفظتين مختلفتان، فيلزمنا ما قالوه، وإنما نقول: إن في كل واحدة منهما معنىً ليس في الأخرى)[11].
وقال آخرون: إن الترادف واقع، وله فوائد، وهو قول كثير ممن ألف في هذا الباب كابن خالويه، والفيروزبادي، وغيرهم.
والحاصل -كما قال العلامة عز الدين بن جماعة-: (أن من جعلها مترادفة ينظر إلى اتحاد دلالتها على الذات، ومن يمنع ينظر إلى اختصاص بعضها بمزيد معنى فهي تشبه المترادفة في الذات، والمتباينة في الصفات)[12].
فإذا قلنا - على سبيل المثال -: إن الله هو السميع، العليم، البصير، الخالق، البارئ، المصور، فهذه الأسماء مترادفة باعتبار دلالتها على ذات واحدة ومسمى واحد هو الله - عز وجل -.
وهي متباينة باعتبار أن في السميع معنىً غير المعنى الذي في البصير، وهكذا...
وكذلك أسماء الرسول " الحاشر، والعاقب، وغيرها؛ فهي مترادفة باعتبار أنها دلت على مسمى واحد وهو الرسول ".
وهي متباينة لاختلاف معنى الحاشر عن العاقب وهكذا.
وإلى هذا الرأي مال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرسالة التدمرية وغيرها[13].
رابعاً: أسباب وقوع الترادف: قال السيوطي -رحمه الله-: (قال أهل الأصول: لوقوع الألفاظ المترادفة سببان:
أحدهما: أن يكون من واضِعَيْنِ، وهو الأكثر بأن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين، والأخرى الاسم الآخر للمسمى الواحد من غير أن تشعر إحداهما بالأخرى، ثم يشتهر الوضعان، ويخفى الواضعان، أو يلتبس وضع أحدهما بوضع الآخر؛ وهذا مبني على كون اللغات اصطلاحية.
والثاني: أن يكون من واضع واحد وهو الأقل)[14].
خامساً: فوائد المترادف: لوقوع المترادف - عند القائلين به - فوائد عديدة ترجح ما ذهبوا إليه، وترد على من يقول بمنع وقوعه، ومن تلك الفوائد ما يلي[15]:
1- أن تكثر الوسائل إلى الإخبار عما في النفس؛ فإنه ربما نسي أحد اللفظين، أو عسر عليه النطق به.
وكان واصل بن عطاء ألثغ، فلم يُحفظ عنه أنه نطق بالراء، ولولا المترادفات تعينه على قصده لما قدر على ذلك.
2- التوسع في سلوك طرق الفصاحة، وأساليب البلاغة في النظم والنثر؛ وذلك لأن اللفظ الواحد قد يتأتى - باستعماله مع لفظ آخر - السجعُ، والقافيةُ، والتجنيس، والترصيع، وغير ذلك من أصناف البديع، ولا يتأتى ذلك باستعمال مرادفه مع ذلك اللفظ.
3- المراوحة في الأسلوب، وطرد الملل والسآمة؛ لأن ذكر اللفظ بعينه مكرراً قد لا يسوغ، وقد يُمَجُّ، ولا يخفى أن النفوس موكلة بمعاداة المعادات.
4- قد يكون أحد المترادفين أجلى من الآخر؛ فيكون شرحاً للآخر الخفي.
وقد ينعكس الحال بالنسبة إلى قوم دون آخرين.
5- قد يكون أحد اللفظين أنسب للمقام من الآخر: وذلك كأن يكون في أحدهما غضاضةً، أو تعبيراً لشخص؛ فيُعْدَل عنه إلى اللفظ الآخر الذي ليس فيه غضاضة؛ فيؤدى الغرض ولا يخفى في ذلك من الذوق دون إساءة أو لمز ومراعاة المشاعر.
سادساً: المؤلفات في المترادف[16]: ألف في المترادف مجموعة من العلماء، منهم العلامة مجد الدين الفيروز بادي صاحب القاموس، حيث ألف كتاباً سماه (الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف).
وأفرد خلق من الأئمة كتباً في أشياء مخصوصة؛ فألف ابن خالويه كتاباً في أسماء الأسد، وكتاباً في أسماء الجنة.
أما الكتب التي تحدثت عن المترادف ضمناً فكثيرة، ومنها المزهر للسيوطي، حيث خصص النوع السابع والعشرين منه في معرفة المترادف.
سابعاً: أمثلة من المترادف[17]:
1- العسل: له ثمانون اسماً أوردها صاحب القاموس في كتابه الذي سماه (ترقيق الأسل لتصفيق العسل).
ومن تلك الأسماء: العسل، والضَّرب، والضَّرَبة، والضَّريب، والشَّوب، والذَّوب، والحميت، والتحموت، والجَلْس، والورس، والشَّهد، والشُّهد، والماذي، ولعاب النحل، والرحيق، وغيرها.
2- السيف: ومن أسمائه مما ذكره ابن خالويه في شرح الدريدية: الصارم، والرِّداء، والخليل، والقضيب، والصفيحة، والمُفَقِّر، والصمصامة، والكهام، والمشرفي، والحسام، والعضب، والمذكَّر، والمهند، والصقيل، والأبيض، وغيرها.
3- يقال: أخذه بأجْمَعِه، وأجْمُعِه، وبحذافيره، وجذاميره، وجزاميره، وجراميزه، وبجملته.
4- العمامة: ويقال: الشوذ، والسِّبّ، والعصابة، والتاج، والمِكْورة.
5- وقال ابن السكيت: العرب تقول: لأقيمن ميلَك، وجنفك، ودرْأك، وصغاك، وصدَعك، وقذَلك، وضِلعك كله بمعنى واحد.
6- ويقال: قُطعت يده، وجُذِمت، وبُتِرَت، وبُتِكت، وبُصِكت، وصُرِمت، وتُرَّت، وجُذَّت.
7- ويقال: وقع ذلك في رُوعي، وخَلَدي، وَوَهْمي، بمعنى واحد.
8- وفي أمالي ثعلب يقال: سويداء قلبه، وحبَّة قلبه، وسواد قلبه، وسوادة قلبه، وجُلجُلان قلبه، وسوداء قلبه بمعنى واحد.
9- وفي الجمهرة: قال أبو زيد: قلت لأعرابي: ما المُحْبَنْطَى[18]؟ قال: المتكأكئ، قلت: ما المتكأكئ؟ قال: المتآزف، قلت ما المتآزف؟ قال: أنت أحمق.



[1] معجم مقاييس اللغة 2/503.
[2] التعريفات ص199.
[3] التعريفات ص56.
[4] التعريفات ص208.
[5] المزهر 1/402.
[6] التعريفات ص199.
[7] انظر الصاحبي 59-61، والمزهر 1/403-405.
[8] الخندريس والعقار: من أسماء الخمر.
[9] المزهر 1/403.
[10] انظر المزهر 1/405.
[11] الصاحبي ص59-60.
[12] المزهر 1/405.
[13] التدمرية ص102.
[14] المزهر 1/405-406.
[15] انظر المزهر 1/406.
[16] انظر المزهر 1/407.
[17] انظر المزهر 1/407-413.
[18] المحبنطى: السمين الضخم، ويقال: هو الممتلئ غيظاً.
[/align]
 
[align=center]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا الله ما أجملها من لغة !!!
الأستاذ الكريم : محمد بن إبراهيم الحمد
بارك الله فيكم , و نفع بعلمكم !!!


وللعلم ؛ فإن المترادفات نوعان:
الأوّل: لا نلاحظ أدنى فرق بين كلماته ومن أمثاله(سفينة وفلك)
الثاني:نرى في كلماته اختلافا غير جوهريّ كما يتضح من المقابلة بين (سفينة و زورق)وهو سفينة صغيرة
أما الألفاظ المتجانسة:
فمعناها المشترك أوسع وأشدّ ابهاما منه في الضرب الثاني من المترادفات فينتج عن ذلك فرق كبير بينهما
يزيد بمقدار اتساع مدلولها العام وابهامه.
بين السفينة و المدرعة اختلاف عظيم في المعنى لكنّه أعظم جدّا في النعوت المعبّرة مثلا عن طول الأشياء ومن جملتها أشعر للشعر / أهدب للأهداب/ أظفر للأظفار/ ألحى للّحية وسواها.
[/align]
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكر الأخ محمد بن إبراهيم الحمد والدكتور مروان الجاسمي الظفيري على هذا الموضوع الجميل وأحب أن أدلي بدلوي

في ذلك والله المستعان :

التراف هو توالي كلمتين فأكثر دالة على شيء واحد بإعتبار واحد مثل ( البر ) و(الحنطة ) و ( القمح ) فهذه ألفاظ مختلفة لشيء واحد .
وعلامة صحة الترادف : إمكان حلول أحد اللفظين محل الآخر لو حذفت أحدهما .
وأكثر أهل العلم على القول بصحة وقوعه في اللغة ولم ينكره إلا القليل من علماء العربية أقدمهم أبو العباس ثعلب وتبعه عليه تلميذه أبو الحسين بن فارس .
وعلى القول بثبوته فلا يظن كثرة وقوعه في كلام العرب .
أما في القران فطائفة على وجوده وطائفة على عدمه والقول بعدمه هو الصحيح إذ من قال بوجوده فيه لم يذكر له مثالاً صالحاً إنما ذكر مثل قوله تعالى ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) ( لا تبقي ولاتذر ) ( سادتنا وكبراءنا ) ( بثي وحزني )
وهذا ليس مترادفا وليس اللفظان في هذه المواضع بمعنى واحد والأصل أن العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه .
ولإمام اللغة أبي هلال العسكري في هذا النوع من المفردات كتاب ( الفروق ) يثبت وجود الفرق بين هذه الألفاظ وأن تقاربت في المعنى
فجدير بالمتدبر للقرآن أن يبعد فكرة الترادف لأن هذا هو الذي يتناسب مع إعجاز القرآن وبلاغته .
والله تعالى أعلم .
 
الخوف والخشية والفرق بينهما في القرآن

الخوف والخشية والفرق بينهما في القرآن

جزاكم الله خيرا على تناول هذا الموضوع الذي أعتبره مظهرا من مظاهر إعجاز القرآن
وأحببت المشاركة ببحث أقوم بإعداده في هذه الفترة وأطلب من الجميع أن لا يبخلوا علي بالنصيحة أو التنبيه إلى أي خلل أو قصور
وجزاكم الله خيرا



مقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الله تعالى أرسل رسوله محمدًا r بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وأنزل عليه كتابًا {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [المائدة:16]، وجعله معجزة باهرة شاهدة على صدق دعوته.
فلما أدى النبي r أمانة تبليغ هذا القرآن وتبيانه للناس، اختاره الله إلى جواره، فقام بحمل الأمانة من بعده أصحابه رضوان الله عليهم، فكانوا -بحق- عصابة الإيمان، وعسكر القرآن، فحفظ الله على أيديهم هذا الكتاب العظيم.
ولقد أدرك علماء الأمة الذين جاؤوا بعدهم مكانة هذا الكتاب وأهمية دراسته وفهمه، فبذلوا الوسع والطاقة في خدمته، وشمروا عن سواعد الجد، فأضحوا من علمه يغترفون، وللبحث عن كنوزه وجواهره يغوصون، نسأله سبحانه أن يجزيهم خير الجزاء على ما قدموه، وأن يجمعنا معهم في جنته إنه هو السميع المجيب.
ولكن رغم ذلك فإن مسيرة الحياة مع كتاب الله عز وجل قد شابها ما يكدر بعض صفوها، ويقلل من سنا ضوئها، ويعود السبب في ذلك إلى مشكلات حدثت، وأمور حجبت نور القرآن عن قلوب المسلمين.
وتأتي في مقدمة المشكلات التي يعاني منها كثير من أبناء أمتنا في تعاملهم مع القرآن (القراءة السطحية) لهذا الكتاب العظيم؛ فيتعاملون مع القرآن حروفاً وكلمات ميتة، وليس مفاهيم تنبض بالحياة.. يستمعون إلى القرآن، ويتلون آياته ولكن كتمائم لا يُفهم منها شيء! فأصبح القرآن حروفاً بلا معان، وكلمات بلا مفاهيم.
والسؤال هنا: ما هي العوامل الكامنة وراء ذلك؟! ولعل في النقاط التالي معالم لهذه الإجابة:
1. عدم وضوح الرؤية: فقد ترسخت في أذهان الكثيرين فكرة تعالي القرآن عن الإدراك البشري؛ فهو كتاب الله، وهل نستطيع أن نصل إلى تلك القمة السامقة؟!
2. عدم الاستعداد النفسي للتعمق الفكري: فغدا البحث -بالنسبة إلى بعض الأجيال المعاصرة- (وجبات سريعة) بعيداً عن الدراسة المعمقة.
3. ابتعاد الجيل المعاصر عن اللغة العربية: وقد ساهم هذا العامل في عدم فهم هذا الجيل لكثير من آيات القرآن الكريم؛ لأنه لم يعرف المدلول الحقيقي لكلماتها وجملها؛ مما جعله يجهل معنى الآيات التي تضمنت تلك الكلمات والجمل.
وعندما نلقي نظرة سريعة على آيات القرآن الكريم نجد فيها دعوة صريحة لتدبره؛ ففي البداية يؤكد القرآن أن الهدف من نزوله هو أن نتدبره. قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29]. وقال سبحانه: {أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء:82].
وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية جعل الله القرآن كتاباً ميسراً للفهم. قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر} [القمر:17].
ثم يؤكد القرآن أن هناك (أقفالاً) تغلق قلوب البشر، وتصرفهم عن التدبر في آياته: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. إنها أقفال الجهل والهوى وعدم القيام بواجب التدبر.
وعلينا أن نحطم هذه الأقفال، ونفتح قلوبنا أمام نور الله بالتدبر في آيات كتابه المسطور وآيات كونه المنظور.
لهذا كله اخترت الكتابة في موضوع يحتاج من الباحث فيه إلى عمق النظرة، ودقة الملاحظة؛ لإثبات تميز القرآن عن كلام البشر، وأنه ما من لفظ فيه يمكن أن يقوم غيره مقامه، فكان موضوع بحثي الذي أقدمه لاستكمال متطلبات النجاح في مادة (دراسات متقدمة في إعجاز القرآن) عن (الخوف والخشية والفرق بينهما في المدلول القرآني).
ولا أدعي في هذه المحاولة أنني ابتكرت أو جئت بجديد؛ ذلك أن قصارى ما قمت به هو محاولة فهم كلام العلماء، وعرضه بشكل أرجو أن أكون قد وُفقت فيه.
وفي الختام أحمد الله عز وجل على نعمة المتوالية العظيمة، وأشكره سبحانه على تيسيره وتوفيقه، فله الحمد في الآخرة والأولى، ثم أقدم شكري وتقديري إلى فضيلة الأستاذ الدكتور شحادة العمري -وفقه الله لما يحب ويرضى- الذي أكرمني بإشرافه وتوجيهه لهذا البحث. اللهم بارك له في عمره وماله علمه وعمله، واكتب له التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة.
اللهم اجعل هذا العمل خالصًا لك وحدك، لا حظ فيه لسواك، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

تمهيد
الكلمة القرآنية

يتكون القرآن الكريم من كلمات، تماماً كما يتكون البناء من لبنات، ولذلك فمن الطبيعي أن تكون الخطوة الأولى لفهم القرآن هي التدبر في كلماته.
ورغم أن اللغة العربية أجمل اللغات وأشملها وأدقها في أنها تعطي لكل حقيقة لفظاً قريباً يتناسب معها تماماً، فإن كثيراً من الكلمات العربية اكتنفها الغموض؛ مما أفقد اللفظ إيحاءه وظلاله؛ فلم نعد نملك رهافة الحس لنعرف الفرق بين كثير من الألفاظ المتقاربة في المعنى.
ويعود ذلك إلى:
أولاً: كثرة استعمال الألفاظ في غير معانيها الأدبية: فحينما يستعمل العربي كلمة (قرب) في المجال المحدد لـ(اقترب) أو حتى (سار) في موضع (سارب)؛ تختلط ظلال الكلمتين مع بعضهما وتضيع الإيحاءات الخاصة.
ثانياً: تعلق أذهاننا بمعاني جامدة ومحددة، وفقدنا الشعور بمحور شعاع الكلمة: فنحن حينما نستعمل كلمة (جن) يتبادر إلى أذهاننا المخلوق الغريب دون أن نفكر بارتباط كلمة (ج ن ن) مع هذا المخلوق. ونستعمل كلمة (جنين) دون أن نعرف أن هناك علاقة تتناسب بين معنى الولد في بطن أمه (جنين) ومعنى المخلوق الغريب (جن)، وهي أن كليهما مستور عن أعين الناس.
وهكذا تتداخل إيحاءات اللفظ العربي ببعضه، ونفقد بذلك فهم أهم سمة من سمات اللغة العربية، التي لو فهمناها يسهل علينا فهم القرآن كثيراً.
من هنا يتوجب علينا الخروج من الفهم التقليدي للألفاظ العربية نحو أفق أسمى يستشم المعنى الإيحائي العام منها، وهذا الخروج ضروري لفهم القرآن الحكيم، إذ إنه في قمة البلاغة التي تتلخص في رعاية التناسب الشامل بين الموضوع واللفظ وبين الواقع والتعبير، فيكون كشف المنحنيات التفسيرية والإيحاءات اللفظية ذا أهمية خاصة في القرآن أكثر من أي كتاب آخر.
والخروج من الفهم التقليدي يكون بقياس موارد الاستعمال بعضها ببعض لمعرفة المعنى الحقيقي للفظ ما.
من هنا يجدر بالذي يريد التدبر في القرآن ذاته، أن يبحث عن المعنى المحدد للكلمة في آيات القرآن ذاته؛ ليجد بذلك المعنى الدقيق الذي يقصده القرآن( ).
وهذا لأن كل كلمة في القرآن وضعت في محلها الطبيعي، بحيث لا يمكن أن تسد كلمة أخرى مكانها، ولا أن تعطي الظلال نفسها التي كانت تعطيها تلك الكلمة. وما أجمل ما قاله ابن عطية: "وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب على لفظة غيرها لم يوجد، ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره، ويخفى علينا وجهها في مواضعَ؛ لقصورنا عن مرتبة العرب -يومئذ- في سلامة الذوق، وجودة القريحة"( ).
وهذا ما يدفعنا إلى البحث عن حكمة استخدام القرآن الكريم لهذه الكلمة لا غيرها، وبهذا الشكل لا غيره.
وفي هذا البحث محاولة لتطبيق هذا المنهج على مثال واحد وهو كلمتي: (الخوف) و(الخشية) والفرق بينهما.
ولكن قبل ذلك لا بد من وقفة سريعة مع قضية متصلة اتصالاً مباشراً بهذا السياق ألا وهي قضية الترادف.

الفصل الأول
الترادف

المبحث الأول: الترادف لغة واصطلاحاً:
المطلب الأول: الترادف لغة:
قال ابن منظور: الرِّدْفُ ما تَبِعَ الشيءَ. وكل شيء تَبِع شيئاً فهو رِدْفُه، وإذا تَتابع شيء خلف شيء فهو التَّرادُفُ، والجمع الرُّدافَى... ويقال: جاء القوم رُدافَى؛ أَي: بعضهم يتبع بعضاً... وقيل: الرُّدافَى الرَّدِيف. وهذا أَمْر ليس له رِدْفٌ؛ أَي: ليس له تَبِعةٌ. وأَرْدَفَه أَمْرٌ: لغةٌ في رَدِفَه مثل: تَبِعَهُ وأَتْبَعَه بمعنًى... وفي حديث بَدْر: فأَمَدّهُمُ اللّه بأَلفٍ من الملائكة مُرْدِفِينَ؛ أَي: مُتتابعينَ يَرْدَفُ بعضُهم بعضاً... وتَرَادَفَ الشيءُ: تَبِع بعضُه بعضاً. والترادفُ: التتابع. قال الأَصمعي: تَعاوَنُوا عليه وتَرادفوا بمعنى .
وقال الجوهري: الرَدْفُ: المُرْتَدَفُ، وهو الذي يركب خلف الراكب. وأَرْدَفْتُهُ أنا، إذا أركَبته معك، وذلك الموضع الذي يركبه رِدافٌ. وكلُّ شيء تبِعَ شيئاً فهو رِدْفَهُ. وهذا أمرٌ ليس له رِدْفٌ، أي ليس له تَبِعَةٌ. والرِدْفانِ: الليلُ والنهارُ.
وقال الفيروزآبادي: الرِّدْفُ، بالكسرِ الراكِبُ خَلْفَ الراكِبِ، كالمُرْتَدِفِ والرَّديفِ والرُّدافَى، كحُبارَى، وكلُّ ما تَبعَ شيئاً...
ونلحظ من مجموع ما نقلناه أن الترادف يدور معناه على التتابع والتعاون والركوب.
المطلب الثاني: الترادف اصطلاحاً:
اختلف العلماء في تعريف الترادف، ومن التعريفات التي ذكروها:
قال سيبويه: "اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين... فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو: جلس وذهب. واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق. واتفاق اللفظين والمعنى مختلف قولك: وجدت عليه من الموجدة، ووجدت إذا أردت وجدان الضّالة" .
ويمكن أن نستنتج من كلام سيبويه أنه أول من أشار إلى ظاهرة الترادف حين قسم علاقة الألفاظ بالمعاني كما رأينا. ونستنتج أيضاً أنه يرى أن الترادف هو اختلاف اللفظين والمعنى واحد، وضرب على ذلك مثلاً هو ذهب وانطلق.
وقال الجرجاني: "الترادف عبارة عن الاتحاد في المفهوم، وقيل: هو توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد" .
المبحث الثاني: الترادف بين الإثبات والإنكار:
إن أساس هذه القضية يعود إلى أصل نشأة اللغة ، ومعلوم أن علماء اللغة مختلفون في هذه المسألة على رأيين: أحدهما يرى التوقيف في أصل نشأة اللغة ، وأن الله علّم آدم الأسماء كلها ، ورأي آخر يرى أن اللغة قائمة في أصلها على الاصطلاح والتواضع. وتبعاً لهذين الرأيين انقسم علماء اللغة إلى قسمين في قضية الترادف:
أولاً: إنكار الترادف:
يقول أصحابه: بأن الشارع حكيم ، ومن العبث أن يأتي الترادف إلا ولكل كلمة دلالة، فإذا سلمنا بتلك الدلالات المتعددة فلا ترادف بل إن أبا هلال العسكري قد أنكر حتى المشترك اللفظي ، وأن يكون فعل ، وأفعل بمعنى واحد ، بل إن أصحاب هذا الرأي ومنهم أبو هلال العسكري يقولون بعدم تعاقب حروف الجر ، وعللوا ذلك بأنه يوقع في الإشكال واللبس على المخاطب ، وليس من الحكمة ، وضع الأدلة المشكلة .. وقال المحققون ، لا يجوز أن تختلف الحركتان في الكلمتين ومعناهما واحد ، ثم يقول : وإذا كان اختلاف الحركات يوجب اختلاف المعاني ، فاختلاف المعاني أنفسها أولى أن يكون كذلك ، ولهذا المعنى قال المحققون من أهل العربية : إن حروف الجر لا تتعاقب .
ثم ينقل كلام ابن درستويه في جواز تعاقب حروف الجر إبطال لحقيقة اللغة ، وإفساد الحكمة فيها ، والقول بخلاف ما يوجبه العقل والقياس.
ويسحب أبو هلال العسكري المبرّدَ إلى القائلين بإنكار الترادف وينقل عنه قوله : "قولنا اللب ، وإن كان هو العقل فإنه يفيد خلاف ما يفيده العقل ، وكذلك المؤمن ، ومستحق الثواب ، لكل منهما معنى زائدة" .
ويفرق المبرّد بين قولي: (أبصرته)، و(بصرت به) على اجتماعهما في فائدة شبه متساوية إلاّ أن (أبصرت به) معناه: أنك صرت به بصيرا بموضعه ، وفعلت أي انتقلت إلى هذه الحال ، وأما (أبصرته) فقد يجوز أن يكون مرة وأن يكون لأكثر من ذلك ، وكذلك أدخلته ودخلت به ، فإذا قلت أدخلته جاز أن تدخله وأنت معه ، وجاز ألا تكون معه ، ودخلت به إخبار بأن الدخول لك وهو معك ، وبسببك .
وممن أنكر الترادف ابن فارس (ت395هـ) وقد بسط رأيه الذي لا يبعد في استدلاله عن آراء ابن درستويه ومعاصره أبي هلال العسكري ، وهو رأي لابن الأنباري الذي يقول: "يذهب ابن الأعرابي إلى أن مكة سميت بذلك لجذب الناس إليها". ثم يقول بعد كلام طويل عن علة بعض التسميات لبعض البلدان: "فإن قال رجل: لأي علة سمى الرجل رجلا ، والمرأة امرأة قلنا : لعلة علمتها العرب ، وجهلناها ، فلم تزل عن العرب حكمة العلم بما لحقنا من غموض العلة وصعوبة الاستخراج علينا" .
ويعلل قطرب تكرار العرب للفظتين على المعنى الواحد بعلة أن ذلك يدل على اتساعهم في كلامهم كما زاحفـوا في أجزاء الشعر ، ليدلوا على أن الكلام واسع عندهم .
وباستعراض الآراء السابقة نجد أن أصحابها ينكرون وجود الترادف ، ويمكن أن نستنبط عللهم ونجملها في النقاط التالية :
1. إن الشارع حكيم ، وإذا سلمنا بالترادف ، وقعنا في عبثية لفظية ، ينـزه الشارع عنها ، ورأيهم هذا ينطلق من قولهم بتوقيفية اللغة كما أسلفنا.
2. إن لكل كلمة دلالة تدور في محيطها ، وما لم نعلم علته ، فهو معلوم في العربية ، وإن جهلناه.
3. إذا قلنا بإنكار الترادف ، فهذا يدفعنا إلى بحث العلل وفي هذا ما يدل على سعة الكلام عند العرب .
ثانياً: إثبات الترادف:
أما الرأي الآخر فيثبت الترادف ، ويرى أن هناك كلمات مترادفة ، تؤدي معنىً واحداً تاماً ، لم تأت في العربية عبثاً ، وإنما جاءت لأغراض ومقاصد ، ويستدلون على صواب رأيهم بأدلة عقلية.
وحديثهم في إثبات الترادف قائم من منطلق أن اللغة اصطلاحية حتى صرح بذلك السيوطي في المزهر بقوله : "وهذا مبني على كون اللغات اصطلاحية". ولعل من أبرز القائلين به الآمدي صاحب الإحكام في أصول الأحكام إذ نص على ذلك ، واتهم أصحاب الرأي السابق وسرد أدلة عقلية على وقوعه (( ذهب شذوذ من الناس إلى امتناع وقوع الترادف في اللغة ، وجوابه أن يقال : لا سبيل إلى إنكار الجواز العقلي ، فإنه لا يمتنع أن يقع أحد اللفظين على مسمى واحد ثم يتفق الكل عليه ، وأن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين على مسمىً ، وتضع الأخرى له اسماً آخر ، من غير شعور كل قبيلة بوضع الأخرى ثم يشيع الوضعان بعد ذلك . ثم يُدلل الآمدي على إمكانيـة وقوع ذلك بقوله: "ثم الدليل على وقوع الترادف في اللغة ما نقل عن العرب من قولهم : الصهلب والشوذب من أسماء الطويـل. والبهتر والبحتر من أسماء القصير" .
ويؤيد هذا الرأي القائل بالترادف مجموعة من علماء اللغة لعل من أبرزهم ابن خالويه ، وهو الذي أثبت للسيف أسماءً كثيرة مترادفة ومنهم أبو بكر الزبيدي والرماني ، وابن جني ، وقد أفرد له باباً في خصائصه ومنهم الباقلاني ، وابن سيده والفيروز آبادي الذي ذكرت سالفاً أنه أثبت للعسل ثمانين اسماً .
والسيوطي ممن يثبتون وجود الترادف في اللغة ، ويعلل ذلك ، ذاكراً فوائد الترادف : وأبرز علله ما يأتي :
1. أن تكثر الوسائل ، والطرق ، إلى الإخبار عما في النفس ، فربما نسى أحد اللفظين ، أو عام عليه النطق به ، وقد كان بعض الأذكياء ـ ويقصد به واصل ابن عطاء (13) ألثغ ، فلم يحفظ عنه أنه نطق بحرف الراء ، ولولا المترادفات تعينه على قصده لما قدر على ذلك.
2. التوسع في سلوك طرق الفصاحة ، لأن اللفظ الواحد قد يتأتى باستعماله مع لفظ آخر السجع ، والقافية والتجنيس.
3. قد يكون أحد المترادفين أجلى في تعبيره من الآخر ، وقد ينعكس الحال بالنسبة لقوم آخرين .
4. وقد أثبت السيوطي المترادف بنماذج لمن استقصوا أو حاولوا استقصاء أسماء العسل ، والسيف، وكأنه بذكره لهذه الأسماء ، يرى أن القائلين بإنكار الترادف يتمحلون في وضع العلل .
لا ترادف في القرآن:
إذا كان بعض العلماء يعد الترادف من خصائص اللغة ومفاخرها، فإن كثيرين -كما رأينا- وقفوا من الترادف موقف السلبية والإنكار.
ولا يعنينا تفصيل هذه القضية هنا، والذي نطمئن إليه، واطمأن إليه كثيرون قبلنا أن لا ترادف في كتاب الله، والكلمات التي ظنها بعض الناس مترادفة عندما ننعم النظر فيها نجد أن لكلٍ معناها الدقيق .
وفي هذا البحث محاولة لإثبات ما ذهبنا إليه بمثال تطبيقي واحد وهو كلمتي: (الخوف) و(الخشية) والفرق بينهما.

الفصل الثاني
الخوف ولخشية في القرآن

المبحث الأول: تأملات في آيات الخوف والخشية:
المطلب الأول: ورودهما في القرآن:
ذَكَرَ الله تعالى الخوف -بمختلف تصريفاته- في القرآن (124) مرة -بحسب "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" ، أما الخشية فقد تكرر ورودها في (48) موضع . وكل موضع يوضح بجلاء أهمية الخوف والخشية وضرورة استشعارهما في قلب المؤمن.
فنجد وعْدَ من خاف بالجنة: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن:46]، ووعده بالتمكين في الأرض: {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم:14]، ووعده بالانتفاع بالآيات: {إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة} [هود:103].
ونجد رضا الله عمن خشيه: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:8]، وتارة يحصر خشيته في العلماء: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، ونجده سبحانه يحصر إنذار رسوله لمن يخشاه: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس:11]. ونجد وعده لهم بالمغفرة والأجر الكبير: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:12].
المطلب الثاني: من هم المتصفون بهاتين الصفتين:
أولاً: الأنبياء:
يقول تعالى واصفاً الأنبياء بأنهم يخشونه ولا يخشون أحداً غيره: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب:39].
ويقول تعالى مخاطباً النبي r: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام:15].
ثانياً: الملائكة:
قال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد:13].
وقال سبحانه: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50].
وقال عز وجل: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:28].
ثالثاً: العلماء:
قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].
رابعاً: المؤمنون المتقون:
قال تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 48-49].
وقال سبحانه: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37].
خامساً: أولو الألباب:
قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ . وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}[الرعد: 19-21].

المبحث الثاني: الفروق اللغوية بين الخوف والخشية:
المطلب الأول: من أقوال العلماء في الفرق بين الخوف والخشية:
ذكر العسكري أن "الخوف يتعلق بالمكروه وبترك المكروه تقول خفت زيدا كما قال تعالى {يخافون ربهم من فوقهم} [النحل:50]. وتقول خفت المرض كما قال سبحانه: {ويخافون سوء الحساب} [الرعد:21]. والخشية تتعلق بمنزل المكروه. ولا يسمى الخوف من نفس المكروه خشية ولهذا قال: {ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} [الرعد:21]. فإن قيل أليس قد قال: {إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل} [طه:94] قلنا إنه خشي القول المؤدي إلى الفرقة والمؤدي إلى الشيء بمنزلة من يفعله. وقال بعض العلماء: يقال خشيت زيدا ولا يقال خشيت ذهاب زيد. فإن قيل ذلك فليس على الأصل ولكن على وضع الخشية مكان الخوف، وقد يوضع الشيء مكان الشيء إذا قرب منه.
وذكر المحقق الطوسي في بعض مؤلفاته ما حاصله: أن الخوف والخشية وإن كانا في اللغة بمعنى واحد إلا أن بين خوف الله وخشيته وفي عرف أرباب القلوب فرقا وهو أن الخوف تألم النفس من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيات، والتقصير في الطاعات. وهو يحصل لأكثر الخلق وإن كانت مراتبه متفاوتة جدا، والمرتبة العليا منه لا تحصل إلا للقليل.
والخشية: حالة تحصل عند الشعور بعظمة الخالق وهيبته وخوف الحجب عنه، وهذه حالة لا تحصل إلا لمن اطلع على حال الكبرياء وذاق لذة القرب، ولذا قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28]. فالخشية: خوف خاص، وقد يطلقون عليها الخوف. انتهى كلامه.
قلت: ويؤيد هذا الفرق أيضا قوله تعالى يصف المؤمنين: {ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} [الرعد:21]؛ حيث ذكر الخشية في جانبه سبحانه والخوف في جانب الحساب.
هذا وقد يراد بالخشية: الإكرام والإعظام، وعليه حمل قراءة من قرأ: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" برفع (الله) ونصب العلماء" .
وقال الراغب: "الخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة، كما أن الرجاء والطمع توقع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة، ويضاد الخوف: الأمن ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية. قال تعالى: (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) وقال: (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله). وقال تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا) وقال: (وإن خفتم ألا تقسطوا)، وقوله (وإن خفتم شقاق بينهما) فقد فسر ذلك بـ(عرفتم)، وحقيقته وإن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم.
والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد، بل إنما يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات، ولذلك قيل لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركاً.
والتخويف من الله تعالى هو الحث على التحرز وعلى ذلك قوله تعالى: (ذلك يخوف الله به عباده) ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان والمبالاة بتخويفه فقال: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) أي فلا تأتمروا لشيطان وائتمروا لله ويقال تخوفناهم أي تنقصناهم تنقصاً اقتضاه الخوف منه.
وقوله تعالى (وإني خفت الموالى من ورائي) فخوفه منهم أن لا يراعوا الشريعة ولا يحفظوا نظام الدين، لا أن يرثوا ماله كما ظنه بعض الجهلة فالقنيات الدنيوية أخس عند الأنبياء عليهم السلام من أن يشفقوا عليها.
والخيفة الحالة التى عليها الانسان من الخوف، قال تعالى: (فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف) واستعمل استعمال الخوف في قوله: (والملائكة من خيفته) وقوله: (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) أي كخوفكم وتخصيص لفظ الخيفة تنبيها أن الخوف منهم حالة لازمة لا تفارقهم، والتخوف ظهور الخوف من الانسان، قال: (أو يأخذهم على تخوف)" .
وفي بيان معنى الخشية قال الراغب: "الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خص العلماء بها في قوله: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقال: (وأما من جاءك يسعى وهو يخشى - من خشى الرحمن - فخشينا أن يرهقهما - فلا تخشوهم واخشوني - يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية) وقال: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله - وليخش الذين) الآية، أي ليستشعروا خوفا من معرته، وقال تعالى: (خشية إملاق) أي لا تقتلوهم معتدين لمخافة أن يلحقهم إملاق (لمن خشى الرحمن بالغيب) أي لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه" .
ووضح ابن القيم الفرق بين الخوف والخشية بقوله: "والخشية أخص من الخوف؛ فإن الخشية للعلماء بالله، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:28). فهي خوف مقرون بمعرفة، وقال النبي : "إني أتقاكم لله، وأشدكم له خشية"( )، فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض وسكون، فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان: إحداهما: حركة للهرب منه، وهي حالة الخوف. والثانية: سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه، وهي الخشية... فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية( ).

وقال السفاريني: "قال الإمام المحقق في شرح منازل السائرين: الوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة. قال أبو القاسم الجنيد رضي الله عنه: الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس. وقيل الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف. وقيل الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام. قال ابن القيم: هذا سبب الخوف لا نفسه. وقيل الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره. وفي متن منازل السائرين: الخوف الانخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الجزاء. قال المحقق: والخشية أخص من الخوف فإنها للعلماء بالله. قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}. فهي خوف مقرون بمعرفة. انتهى.
فالخوف سوط يسوق المتمادي, ويقوم الأعوج, ويلين القاسي، ويطوع المستصعب. وليس هو مقصوداً لذاته بخلاف الرجاء, فمن ثم ينبغي أن يرجح على الخوف" .
وتقول بنت الشاطئ: نلاحظ أن الخشية في البيان القرآني تفترق عن الخوف ، بأنها تكون عن يقين صادق بعظمة من نخشاه ، وأما الخوف فيجوز أن يحدث عن تسلط بالقهر .
والخشية يجب ان لا تكون إلا لله وحده ، دون أي مخلوق ، يطرد ذلك في كل مواضع استعمالها في الكتاب المحكم بصريح الآيات .
وتسند خشية الله في القرآن الكريم إلى الذين يبلغون رسالات ربهم ، ومن اتبع الذكر ، والمؤمنين ، والعلماء ، والذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .
وفي بحثه "المفردات القرآنية مظهر من مظاهر الإعجاز" يقول الأستاذ الدكتور فضل حسن عباس: "جاء فيما كتبه السيوطي رحمه الله ألفاظ يُظن بها الترادف، وليست منه، من ذلك الخوف والخشية، لا يكاد اللغوي يفرق بينهما، ولا شك أن الخشية أعلى منه، وهي أشد من الخوف؛ فإنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشية، أي يابسة. وهو فوات بالكلية، والخوف من قولهم: ناقة خوفاء، أي بها داء وهو نقص، وليست بفوات، ولذلك خصّت الخشية بالله في قوله: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}.
وفرق بينهما أيضاً أن الخشية تكون من عظم المختشى، وإن كان الخاشي قوياً، والخوف يكون من ضعف الخائف، وإن كان المخوف أمراً يسيراً، ويدل على ذلك أن الخاء والشين والياء في تقاليبها تدل على العظمة، نحو: شيخ، للسيد الكبير، وخيش لما غلظ من اللباس، ولذا وردت الخشية غالباً في حق الله، من خشية الله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)، وأما {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}، ففيه نكتة لطيفة، لأنه وصف الملائكة، ولما ذكر قوتهم وشدة خلقهم عبر عنهم بالخوف لبيان أنهم وإن كانوا غلاظاً شداداً فهم بين يديه تعالى ضعفاء، ثم أردفه بالفوقية الدالة على العظمة، فجمع بين الأمرين، ولما كان ضعف البشر معلوماً لم يحتج إلى التنبيه عليه.
وأقول: إن الوجه الأخير الذي ذكره السيوطي هو الذي اقتصر عليه الراغب الأصفهاني، حيث قال: الخشية خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك من علم بما يخشى منه، ولكن السيد محمد رشيد رضا رحمه الله لم يرتضِ ما ذكره الراغب، فقال رحمه الله: "إن القيد الذي ذكره الراغب لا يظهر في كل الشواهد التي وردت من هذا الحرف في القرآن وكلام العرب". وبعد أن استشهد على ذلك بشيء من أقوال العرب قال: "فإن كان بين الخوف والخشية فرق فالأقرب عندي أن تكون الخشية هي الخوف في محل الأمل، ومن دقق النظر في الآيات التي ورد فيها حرف الخشية يجد هذا المعنى فيها، ولعل أصل الخشية مادة خشت النخلة تخشو، إذا جاء ثمرها دقلاً (رديئاً)، وهي مما يرجى منها الجيد" .
المطلب الثاني: من أقوال المفسرين في الفرق بين الخوف والخشية:
سأتناول كلام المفسرين من خلال تفسيرهم للآية الحادية والعشرين من سورة الرعد، وقد جاء اختياري لهذه الآية كونها جمعت بين المفردتين مدار البحث بل عطفت إحداهما على الأخرى، والعطف كما يقال يقتضي التغاير؛ فكانت الآية مظنة الكلام عن الفرق بين الخوف والخشية. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوْصَلَ ويَخْشَوْنَ رَبَهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 21].
قال الآلوسي في تفسيره "روح المعاني": { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } أي وعيده سبحانه والظاهر أن المراد به مطلقاً ، وقيل : المراد وعيده تعالى على قطع ما أمروا بوصله {وَيَخَافُونَ سُوء الحساب } فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا ، وهذا من قبيل ذكر الخاص بعد العام للاهتمام ، والخشية والخوف قيل بمعنى ، وفي فروق العسكري أن الخوف يتعلق بالمكروه ومنزله تقول خفت زيداً وخفت المرض والخشية تتعلق بالمنزل دون المكروه نفسه ، ولذا قال سبحانه : { يَخْشَوْنَ } أولاً { وَيَخَافُونَ } ثانياً ، وعليه فلا يكون اعتبار الوعيد في محله ، لكن هذا غير مسلم لقوله تعالى : { خَشْيَةَ إملاق } [ الإسراء : 31 ] و { لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ } [ النساء : 25 ] وفرق الراغب بينهما فقال : الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم ولذلك خص العلماء بها في قوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء } [ فاطر : 28 ] .
وقال بعضهم : الخشية أشد الخوف لأنها مأخوذة من قولهم : شجرة خشية أي يابسة ولذا خصت بالرب في هذه الآية ، وفرق بينهما أيضاً بأن الخشية تكون من عظم المخشي وإن كان الخاشي قوياً والخوف من ضعف الخائف وإن كان المخوف أمراً يسيراً ، يدل على ذلك أن تقاليب الخاء والشين والياء تدل على الغفلة وفيه تدبر ، والحق أن مثل هذه الفروق أغلبي لا كلي وضعي ولذا لم يفرق كثير بينهما ، نعم اختار الإمام أن المراد من { يَخْشَوْنَ رَبَّهُم } أنهم يخافونه يخوف مهابة وجلالة زاعماً أنه لولا ذلك يلزم التكرار وفيه ما فيه .
وقال ابن عادل الحنبلي في تفسيره "اللباب": والفرق بين الخشية والخوف: أنَّ الخشية أن تخشى وقوع خلل إمَّا بزيادةٍ أو نقصٍ فيما يأتي به ، والخوفُ : هو مخافة الهيبة والجلال.
وقال الشهاب الخفاجي في حاشيته على تفسير البيضاوي: "في "فروق العسكري": "الخوف متعلق بالمكروه ومُنْزِل المكروه، تقول: (خفت زيداً وخفت المرض)، والخشية تتعلق بمُنْزِلِ المكروه دون المكروه نفسه؛ ولذا قال تعالى: {يَخْشَوْنَ رَبَهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}"... وليس هذا بمسلم؛ لقوله: {خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ} [الإسراء: 31]، وقوله: {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتْ مِنْكُمْ} [النساء: 25]، وقد فرق الراغب رحمه الله في "مفرداته" بينهما بفرق آخر فقال: "الخشية: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم؛ ولذلك خص العلماء بها في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاء} [فاطر: 28]" ومثله من الفروق أغلبي لا كلي وضعي".
وقال ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير": والخشية : خوف بتعظيم المخوف منه وتقدمت في قوله تعالى : {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } في سورة البقرة (الآية 45 ) . وتطلق على مطلق الخوف .
والخوف : ظن وقوع المضرة من شيء . وتقدم في قوله تعالى : { إلا أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله } في سورة البقرة (الآية 229 ) .


المطلب الثالث: الراجح في الفرق بين الخوف والخشية:
كما قلنا فإن إيجاد الفروق بين الألفاظ القرآنية يكون بالبحث عن المعنى المحدد للكلمة في آيات القرآن ذاته؛ لإيجاد المعنى الدقيق الذي يقصده القرآن.
وإذا تتبعنا آيات القرآن التي ذكرت الخوف والخشية؛ نجد أن هناك أكثر من فرق بين الكلمتين، فمثلاً قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)، يشهد لما قاله صاحب "المنار" من أن الخشية خوف في محل الأمل، ومَن أحق من العلماء بهذا الخوف وبذلك الأمل؟! ولا يتنافى مع ما قاله الراغب من أن الخشية: خوف يشوبه تعظيم، والعلماء حقيقون بهذا التعظيم، حريصون عليه.
ومن تتبعي للآيات التي وردت فيها هاتين الكلمتين يمكن أن نجد بعض الفروق بينهما، ولعل القول الذي يقول بأن الخشية أخص من الخوف -كما ذهب ابن القيم- أو أنها أعلى منه -كما ذهب السيوطي- يمكن أن يجعلنا نميل إلى القول بأن بينهما عموم وخصوص؛ فالخوف أعم من الخشية، وبناء على ذلك يمكن أن نلخص الفرق بينهما فيما يلي:
الخشية: خوف مع علم.
الخشية: خوف مع رجاء .
الخشية: خوف مع تعظيم .
وهكذا فإن الخوف أوسع و أشمل وأعم من الخشية، ولعل هذا القول (العموم والخصوص) يزيل كثيراً من الاعتراضات التي توجه إلى كثير من الأقوال في الفرق بينهما، وهو ما دفع الشهاب إلى القول: "ومثله من الفروق أغلبي لا كلي وضعي" -كما ذكرنا- والله تعالى أعلم.

خاتمة

وختاماً.. فمِن تتبع دلالات كلمتي الخوف والخشية في القرآن نستطيع أن نخرج بفائدة تنوع دلالاتهما، والذي يتراءى لي أن الترادف غير ممكن في العربية، وأن القول بوجوده يتعارض مع عظمة العربية، واتساع قاموسها.
ولو سلمنا للقائلين بالترادف لسفهنا بطريقة أو بأخرى علماء اللغة، الذين جمعوا اللغة من مظانها ومن أفواه العرب، ووقعنا في عبثية لفظية، تنـزه اللغة العربية عنها. وأمرٌ آخر يدعم القول بإنكار الترادف، وهو ما ذكرناه من أمثلة قرآنية، ومجيء لفظ الخشية في سياق خاص، ولفظ الخوف في سياق آخر مغاير للأول.
وبعد.. فلا أزعم أنني ألممت بأطراف البحث في هذه القضية، وحسبي أني جمعت بعض ما قيل فيها، والحمد لله أولاً وآخراً.
ونسألك اللهم أن ترزقنا خوفك وخشيتك، وأن تجعل أعمالنا خالصة لوجهك، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المراجع

- المدرسي، محمد تقي، بحوث في القرآن الحكيم، دار المشرق العربي الكبير، ط2، 1979م.
- الزركشي، بدر الدين محمد بن علي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الجيل، بيروت، 1988م.
- لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت، ط1.
- الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت.
- الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، ط2، 1997م.
- سيبويه، الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط1، 1411هـ- 1991م‏، (1/ 7-8).
- الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، ضبطه وفهرسه محمد بن عبد الحكيم القاضي، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1991م.
- العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد الله، الفروق في اللغة، تحقيق جمال عبد الغني مدغمش، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 1422هـ - 2002م.
- ابن فارس، أحمد، الصاحبي في فقه اللغة، القاهرة، 1328هـ.
- المزهر، السيوطي، مطبعة محمد علي صبيح، مصر، (د ت).
- حاكم مالك الزيادي، الترادف في اللغة، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، العراق،1980م.
- فضل حسن عباس، إعجاز القرآن الكريم، دار الفرقان، 1991م.
- محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1998م.
- ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، مدارج السالكين، القاهرة، ط1، 1422هـ.
- السفاريني، محمد بن أحمد بن سالم، غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، مؤسسة قرطبة، ط2، 1993م.
- بنت الشاطئ، عائشة عبد الرحمن، الإعجاز البياني للقرآن ومسائل نافع بن الأزرق، دار المعرفة، مطبعة المعارف بمصر.
- فضل حسن عباس، المفردات القرآنية مظهر من مظاهر الإعجاز، مجلة (دراسات)، الجامعة الأردنية، مجلد11، عدد4، عام1984م.
 
أستاذي الفاضل زهير ريالات .
إن موضوع الخوف و الخشية مما حرت في إيجاد فرق واضح بينهما فما ذكر في مقالك هذا إنما كان في أيات محددة وإلا هناك أيات أخرى الخشية تقف مغايرة لما قُعد لها لتمييزها عن الخوف فمن هذه الايات :
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ [الإسراء/31]
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَ [التوبة/24]
إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ [الإسراء/100]

وهذه الأية بحد ذاتها أشكلت علي إذ في غيرها من الايات نجد أن الصالحين لا يخشون إلا الله بينما هنا خشي
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا [الكهف/80]

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى [طه/77]
قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [طه/94]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان/33]
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر/21]
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) [النازعات/42-46]
 
السلام عليكم لكل كلم في القران مكانه واهميته بل لا ابالغ ولا اتكلف حين اقول كل حالة تقديم او تاخير او رفع او اية حالة لغوية هدف ومراد قد يكون معلوما او مازال ينتظر باحثه
السفن:: تسمى فلكاً لدورانه والسفينة لقشره الماء
ها انا الان اطلبكم معروفا ونصحا وخاصة اهل اللغة المختصين
ما هي انفع كتب المترادف للباحث في القران
فكتاب العسكري لا يشبع ولا يروي
والسلام
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته....حياكم الله تعالى أستاذ اورهان( ارجو ان توضح لي ما معنى اورهان وفي أي لغة)...لقد كتبت ما سألت انت عنه في محرك البحث...فحصلت على نتائج مفيدة....أهمها ان من المؤلفات المعاصرة كتاب المترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق للدكتور محمد نور الدين المنجد وتجده على الرابط التالي
https://books.google.iq/books?id=TgFGCwAAQBAJ&pg=PT36&lpg=PT36&dq
وفقنا الله تعالى واياكم.
 
حياكم الله واضحك الله سنك
جعلتني ابتسم,اسمي معناه ذو قوة واصلها عثماني لان احد السلاطين اسمه مثل اسمي
 
عودة
أعلى