محمد بن إبراهيم الحمد
New member
[align=justify]ويسمى: الترادف، ويسمى: المرادف -أيضاً-.
وهذا المصطلح يرد كثيراً في كتب العقائد خصوصاً في باب أسماء الله - عز وجل - كالبحث في مسألة ترادفها وتباينها.
كما أنه يرد في غير ذلك.
والحديث عنه سيكون من خلال المسائل التالية:
أولاً تعريفه:
أ - تعريفه في اللغة: قال ابن فارس -رحمه الله-: (الراء والدال والفاء أصلٌ واحد مطرد، يدل على اتباع الشيء؛ فالترادف التتابع، والرديف الذي يرادفك)[1].
ب- وفي الاصطلاح: عرف بعدة تعريفات متقاربة: منها ما عرفه به الجرجاني حيث قال:
1- (المترادف: ما كان معناه واحداً، وأسماؤه كثيرة)[2].
2- وعرفه بتعريف آخر فقال: (الترادف: هو عبارة عن الاتحاد في المفهوم، وقيل: توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء باعتبار واحد)[3].
3- وعرفه - أيضاً - بقوله: (المرادف: ما كان مسماه واحداً، وأسماؤه كثيرة، وهو خلاف المشترك)[4].
4- وقال السيوطي: (قال الإمام فخر الدين: هو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد)[5].
5- وقيل: هو ما اتحد معناه، واختلف لفظه.
ومن أمثلة ذلك: السيف، والباتر، والمهند وغيرها كلها ألفاظ تدل على مسمى واحد.
ثانياً: سبب التسمية: قال الجرجاني عن سبب التسمية: (المترادف ما كان معناه واحداً، وأسماؤه كثيرة، وهو ضد المشترك؛ أخذاً من الترادف الذي هو ركوب أحد خلف آخر، كأن المعنى مركوب، واللفظين راكبان عليه كالليث والأسد)[6].
ثالثاً: الخلاف في وقوعه[7]: ذهب بعض العلماء إلى إنكار المترادف.
قال السيوطي: (قال التاج السبكي في شرح المنهاج: ذهب بعض الناس إلى إنكار المترادف في اللغة العربية، وزعم أن كل ما يظن من المترادفات فهو من المتباينات التي تتباين بالصفات كما في الإنسان والبشر؛ فإن الأول موضوع له باعتبار النسيان، أو باعتبار أنه يُؤْنِس.
والثاني - يعني البشر - باعتبار أنه بادي البشرة.
وكذا الخندريس: العقار[8]؛ فإن الأول؛ باعتبار العتق، والثاني باعتبار عقر الدن؛ لشدَّتها.
وتكلف لأكثر المترادفات بمثل هذا المقال العجيب)[9].
وممن قال بهذا القول ابن فارس، ونقله عن شيخه ثعلب.
وممن قال بهذا القول أبو علي الفارسي[10].
وقال ابن فارس في الصاحبي في (باب الأسماء وكيف تقع على المسميات):
(ويسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو: السيف، والمهند، والحسام.
والذي نقوله في هذا: إن الاسم واحد وهو السيف، وما بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى.
وقد خالف في ذلك قوم فزعموا أنها وإن اختلفت ألفاظها فإنها ترجع إلى معنى واحد، وذلك قولنا: (سيف، وعضب، وحسام).
وقال آخرون: ليس منها اسم ولا صفة إلا ومعناه غيرُ معنى الآخر، قالوا: وكذلك الأفعال نحو: مضى، وذهب، وانطلق، وقعد، وجلس، ورقد، ونام، وهجع.
قالوا: ففي (قعد) معنى ليس في (جلس) وكذا القول فيما سواه.
وبهذا نقول، وهو مذهب شيخنا أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب.
واحتج أصحاب المقالة الأولى بأنه: لو كان لكل لفظة معنى غير معنى الأخرى لما أمكن أن يعبر عن شيء بغير عبارته.
وذلك أنا نقول في (لا ريب فيه): (لا شك فيه) فلو كان (الريب) غير (الشك) لكانت العبارة عن معنى الريب بالشك خطأ، فلما عبر عن هذا بهذا علم أن المعنى واحد.
قالوا: وإنما يأتي الشعر بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد في مكان واحد تأكيداً ومبالغة، كقولهم:
وهند أتى من دونها النأيُ والبعدُ
فقالوا: فالنأي هو البعد، قالوا: وكذلك قول الآخر إن الحبس هو الإصْرُ.
ونحن نقول: إن في قعد معنىً ليس في جلس، ألا ترى أنا نقول (قام ثم قعد) و (أخذه المقيم والمقْعِدُ) و (قعدت المرأة عن الحيض) ونقول لناس من الخوارج (قَعَدٌ) ثم نقول: (كان مضطجعاً فجلس) فيكون القعود عن قيام، والجلوس عن حالة هي دون الجلوس؛ لأن (الجَلْسَ: المرتفع) فالجلوس ارتفاع عما هو دونه، وعلى هذا يجري الباب كله.
وأما قولهم: إن المعنيين لو اختلفا لما جاز أن يعبر عن الشيء بالشيء - فإنا نقول: إنما عبر عنه من طريق المشاكلة، ولسنا نقول إن اللفظتين مختلفتان، فيلزمنا ما قالوه، وإنما نقول: إن في كل واحدة منهما معنىً ليس في الأخرى)[11].
وقال آخرون: إن الترادف واقع، وله فوائد، وهو قول كثير ممن ألف في هذا الباب كابن خالويه، والفيروزبادي، وغيرهم.
والحاصل -كما قال العلامة عز الدين بن جماعة-: (أن من جعلها مترادفة ينظر إلى اتحاد دلالتها على الذات، ومن يمنع ينظر إلى اختصاص بعضها بمزيد معنى فهي تشبه المترادفة في الذات، والمتباينة في الصفات)[12].
فإذا قلنا - على سبيل المثال -: إن الله هو السميع، العليم، البصير، الخالق، البارئ، المصور، فهذه الأسماء مترادفة باعتبار دلالتها على ذات واحدة ومسمى واحد هو الله - عز وجل -.
وهي متباينة باعتبار أن في السميع معنىً غير المعنى الذي في البصير، وهكذا...
وكذلك أسماء الرسول " الحاشر، والعاقب، وغيرها؛ فهي مترادفة باعتبار أنها دلت على مسمى واحد وهو الرسول ".
وهي متباينة لاختلاف معنى الحاشر عن العاقب وهكذا.
وإلى هذا الرأي مال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرسالة التدمرية وغيرها[13].
رابعاً: أسباب وقوع الترادف: قال السيوطي -رحمه الله-: (قال أهل الأصول: لوقوع الألفاظ المترادفة سببان:
أحدهما: أن يكون من واضِعَيْنِ، وهو الأكثر بأن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين، والأخرى الاسم الآخر للمسمى الواحد من غير أن تشعر إحداهما بالأخرى، ثم يشتهر الوضعان، ويخفى الواضعان، أو يلتبس وضع أحدهما بوضع الآخر؛ وهذا مبني على كون اللغات اصطلاحية.
والثاني: أن يكون من واضع واحد وهو الأقل)[14].
خامساً: فوائد المترادف: لوقوع المترادف - عند القائلين به - فوائد عديدة ترجح ما ذهبوا إليه، وترد على من يقول بمنع وقوعه، ومن تلك الفوائد ما يلي[15]:
1- أن تكثر الوسائل إلى الإخبار عما في النفس؛ فإنه ربما نسي أحد اللفظين، أو عسر عليه النطق به.
وكان واصل بن عطاء ألثغ، فلم يُحفظ عنه أنه نطق بالراء، ولولا المترادفات تعينه على قصده لما قدر على ذلك.
2- التوسع في سلوك طرق الفصاحة، وأساليب البلاغة في النظم والنثر؛ وذلك لأن اللفظ الواحد قد يتأتى - باستعماله مع لفظ آخر - السجعُ، والقافيةُ، والتجنيس، والترصيع، وغير ذلك من أصناف البديع، ولا يتأتى ذلك باستعمال مرادفه مع ذلك اللفظ.
3- المراوحة في الأسلوب، وطرد الملل والسآمة؛ لأن ذكر اللفظ بعينه مكرراً قد لا يسوغ، وقد يُمَجُّ، ولا يخفى أن النفوس موكلة بمعاداة المعادات.
4- قد يكون أحد المترادفين أجلى من الآخر؛ فيكون شرحاً للآخر الخفي.
وقد ينعكس الحال بالنسبة إلى قوم دون آخرين.
5- قد يكون أحد اللفظين أنسب للمقام من الآخر: وذلك كأن يكون في أحدهما غضاضةً، أو تعبيراً لشخص؛ فيُعْدَل عنه إلى اللفظ الآخر الذي ليس فيه غضاضة؛ فيؤدى الغرض ولا يخفى في ذلك من الذوق دون إساءة أو لمز ومراعاة المشاعر.
سادساً: المؤلفات في المترادف[16]: ألف في المترادف مجموعة من العلماء، منهم العلامة مجد الدين الفيروز بادي صاحب القاموس، حيث ألف كتاباً سماه (الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف).
وأفرد خلق من الأئمة كتباً في أشياء مخصوصة؛ فألف ابن خالويه كتاباً في أسماء الأسد، وكتاباً في أسماء الجنة.
أما الكتب التي تحدثت عن المترادف ضمناً فكثيرة، ومنها المزهر للسيوطي، حيث خصص النوع السابع والعشرين منه في معرفة المترادف.
سابعاً: أمثلة من المترادف[17]:
1- العسل: له ثمانون اسماً أوردها صاحب القاموس في كتابه الذي سماه (ترقيق الأسل لتصفيق العسل).
ومن تلك الأسماء: العسل، والضَّرب، والضَّرَبة، والضَّريب، والشَّوب، والذَّوب، والحميت، والتحموت، والجَلْس، والورس، والشَّهد، والشُّهد، والماذي، ولعاب النحل، والرحيق، وغيرها.
2- السيف: ومن أسمائه مما ذكره ابن خالويه في شرح الدريدية: الصارم، والرِّداء، والخليل، والقضيب، والصفيحة، والمُفَقِّر، والصمصامة، والكهام، والمشرفي، والحسام، والعضب، والمذكَّر، والمهند، والصقيل، والأبيض، وغيرها.
3- يقال: أخذه بأجْمَعِه، وأجْمُعِه، وبحذافيره، وجذاميره، وجزاميره، وجراميزه، وبجملته.
4- العمامة: ويقال: الشوذ، والسِّبّ، والعصابة، والتاج، والمِكْورة.
5- وقال ابن السكيت: العرب تقول: لأقيمن ميلَك، وجنفك، ودرْأك، وصغاك، وصدَعك، وقذَلك، وضِلعك كله بمعنى واحد.
6- ويقال: قُطعت يده، وجُذِمت، وبُتِرَت، وبُتِكت، وبُصِكت، وصُرِمت، وتُرَّت، وجُذَّت.
7- ويقال: وقع ذلك في رُوعي، وخَلَدي، وَوَهْمي، بمعنى واحد.
8- وفي أمالي ثعلب يقال: سويداء قلبه، وحبَّة قلبه، وسواد قلبه، وسوادة قلبه، وجُلجُلان قلبه، وسوداء قلبه بمعنى واحد.
9- وفي الجمهرة: قال أبو زيد: قلت لأعرابي: ما المُحْبَنْطَى[18]؟ قال: المتكأكئ، قلت: ما المتكأكئ؟ قال: المتآزف، قلت ما المتآزف؟ قال: أنت أحمق.
[1] معجم مقاييس اللغة 2/503.
[2] التعريفات ص199.
[3] التعريفات ص56.
[4] التعريفات ص208.
[5] المزهر 1/402.
[6] التعريفات ص199.
[7] انظر الصاحبي 59-61، والمزهر 1/403-405.
[8] الخندريس والعقار: من أسماء الخمر.
[9] المزهر 1/403.
[10] انظر المزهر 1/405.
[11] الصاحبي ص59-60.
[12] المزهر 1/405.
[13] التدمرية ص102.
[14] المزهر 1/405-406.
[15] انظر المزهر 1/406.
[16] انظر المزهر 1/407.
[17] انظر المزهر 1/407-413.
[18] المحبنطى: السمين الضخم، ويقال: هو الممتلئ غيظاً. [/align]
وهذا المصطلح يرد كثيراً في كتب العقائد خصوصاً في باب أسماء الله - عز وجل - كالبحث في مسألة ترادفها وتباينها.
كما أنه يرد في غير ذلك.
والحديث عنه سيكون من خلال المسائل التالية:
أولاً تعريفه:
أ - تعريفه في اللغة: قال ابن فارس -رحمه الله-: (الراء والدال والفاء أصلٌ واحد مطرد، يدل على اتباع الشيء؛ فالترادف التتابع، والرديف الذي يرادفك)[1].
ب- وفي الاصطلاح: عرف بعدة تعريفات متقاربة: منها ما عرفه به الجرجاني حيث قال:
1- (المترادف: ما كان معناه واحداً، وأسماؤه كثيرة)[2].
2- وعرفه بتعريف آخر فقال: (الترادف: هو عبارة عن الاتحاد في المفهوم، وقيل: توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء باعتبار واحد)[3].
3- وعرفه - أيضاً - بقوله: (المرادف: ما كان مسماه واحداً، وأسماؤه كثيرة، وهو خلاف المشترك)[4].
4- وقال السيوطي: (قال الإمام فخر الدين: هو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد)[5].
5- وقيل: هو ما اتحد معناه، واختلف لفظه.
ومن أمثلة ذلك: السيف، والباتر، والمهند وغيرها كلها ألفاظ تدل على مسمى واحد.
ثانياً: سبب التسمية: قال الجرجاني عن سبب التسمية: (المترادف ما كان معناه واحداً، وأسماؤه كثيرة، وهو ضد المشترك؛ أخذاً من الترادف الذي هو ركوب أحد خلف آخر، كأن المعنى مركوب، واللفظين راكبان عليه كالليث والأسد)[6].
ثالثاً: الخلاف في وقوعه[7]: ذهب بعض العلماء إلى إنكار المترادف.
قال السيوطي: (قال التاج السبكي في شرح المنهاج: ذهب بعض الناس إلى إنكار المترادف في اللغة العربية، وزعم أن كل ما يظن من المترادفات فهو من المتباينات التي تتباين بالصفات كما في الإنسان والبشر؛ فإن الأول موضوع له باعتبار النسيان، أو باعتبار أنه يُؤْنِس.
والثاني - يعني البشر - باعتبار أنه بادي البشرة.
وكذا الخندريس: العقار[8]؛ فإن الأول؛ باعتبار العتق، والثاني باعتبار عقر الدن؛ لشدَّتها.
وتكلف لأكثر المترادفات بمثل هذا المقال العجيب)[9].
وممن قال بهذا القول ابن فارس، ونقله عن شيخه ثعلب.
وممن قال بهذا القول أبو علي الفارسي[10].
وقال ابن فارس في الصاحبي في (باب الأسماء وكيف تقع على المسميات):
(ويسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو: السيف، والمهند، والحسام.
والذي نقوله في هذا: إن الاسم واحد وهو السيف، وما بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى.
وقد خالف في ذلك قوم فزعموا أنها وإن اختلفت ألفاظها فإنها ترجع إلى معنى واحد، وذلك قولنا: (سيف، وعضب، وحسام).
وقال آخرون: ليس منها اسم ولا صفة إلا ومعناه غيرُ معنى الآخر، قالوا: وكذلك الأفعال نحو: مضى، وذهب، وانطلق، وقعد، وجلس، ورقد، ونام، وهجع.
قالوا: ففي (قعد) معنى ليس في (جلس) وكذا القول فيما سواه.
وبهذا نقول، وهو مذهب شيخنا أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب.
واحتج أصحاب المقالة الأولى بأنه: لو كان لكل لفظة معنى غير معنى الأخرى لما أمكن أن يعبر عن شيء بغير عبارته.
وذلك أنا نقول في (لا ريب فيه): (لا شك فيه) فلو كان (الريب) غير (الشك) لكانت العبارة عن معنى الريب بالشك خطأ، فلما عبر عن هذا بهذا علم أن المعنى واحد.
قالوا: وإنما يأتي الشعر بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد في مكان واحد تأكيداً ومبالغة، كقولهم:
وهند أتى من دونها النأيُ والبعدُ
فقالوا: فالنأي هو البعد، قالوا: وكذلك قول الآخر إن الحبس هو الإصْرُ.
ونحن نقول: إن في قعد معنىً ليس في جلس، ألا ترى أنا نقول (قام ثم قعد) و (أخذه المقيم والمقْعِدُ) و (قعدت المرأة عن الحيض) ونقول لناس من الخوارج (قَعَدٌ) ثم نقول: (كان مضطجعاً فجلس) فيكون القعود عن قيام، والجلوس عن حالة هي دون الجلوس؛ لأن (الجَلْسَ: المرتفع) فالجلوس ارتفاع عما هو دونه، وعلى هذا يجري الباب كله.
وأما قولهم: إن المعنيين لو اختلفا لما جاز أن يعبر عن الشيء بالشيء - فإنا نقول: إنما عبر عنه من طريق المشاكلة، ولسنا نقول إن اللفظتين مختلفتان، فيلزمنا ما قالوه، وإنما نقول: إن في كل واحدة منهما معنىً ليس في الأخرى)[11].
وقال آخرون: إن الترادف واقع، وله فوائد، وهو قول كثير ممن ألف في هذا الباب كابن خالويه، والفيروزبادي، وغيرهم.
والحاصل -كما قال العلامة عز الدين بن جماعة-: (أن من جعلها مترادفة ينظر إلى اتحاد دلالتها على الذات، ومن يمنع ينظر إلى اختصاص بعضها بمزيد معنى فهي تشبه المترادفة في الذات، والمتباينة في الصفات)[12].
فإذا قلنا - على سبيل المثال -: إن الله هو السميع، العليم، البصير، الخالق، البارئ، المصور، فهذه الأسماء مترادفة باعتبار دلالتها على ذات واحدة ومسمى واحد هو الله - عز وجل -.
وهي متباينة باعتبار أن في السميع معنىً غير المعنى الذي في البصير، وهكذا...
وكذلك أسماء الرسول " الحاشر، والعاقب، وغيرها؛ فهي مترادفة باعتبار أنها دلت على مسمى واحد وهو الرسول ".
وهي متباينة لاختلاف معنى الحاشر عن العاقب وهكذا.
وإلى هذا الرأي مال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرسالة التدمرية وغيرها[13].
رابعاً: أسباب وقوع الترادف: قال السيوطي -رحمه الله-: (قال أهل الأصول: لوقوع الألفاظ المترادفة سببان:
أحدهما: أن يكون من واضِعَيْنِ، وهو الأكثر بأن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين، والأخرى الاسم الآخر للمسمى الواحد من غير أن تشعر إحداهما بالأخرى، ثم يشتهر الوضعان، ويخفى الواضعان، أو يلتبس وضع أحدهما بوضع الآخر؛ وهذا مبني على كون اللغات اصطلاحية.
والثاني: أن يكون من واضع واحد وهو الأقل)[14].
خامساً: فوائد المترادف: لوقوع المترادف - عند القائلين به - فوائد عديدة ترجح ما ذهبوا إليه، وترد على من يقول بمنع وقوعه، ومن تلك الفوائد ما يلي[15]:
1- أن تكثر الوسائل إلى الإخبار عما في النفس؛ فإنه ربما نسي أحد اللفظين، أو عسر عليه النطق به.
وكان واصل بن عطاء ألثغ، فلم يُحفظ عنه أنه نطق بالراء، ولولا المترادفات تعينه على قصده لما قدر على ذلك.
2- التوسع في سلوك طرق الفصاحة، وأساليب البلاغة في النظم والنثر؛ وذلك لأن اللفظ الواحد قد يتأتى - باستعماله مع لفظ آخر - السجعُ، والقافيةُ، والتجنيس، والترصيع، وغير ذلك من أصناف البديع، ولا يتأتى ذلك باستعمال مرادفه مع ذلك اللفظ.
3- المراوحة في الأسلوب، وطرد الملل والسآمة؛ لأن ذكر اللفظ بعينه مكرراً قد لا يسوغ، وقد يُمَجُّ، ولا يخفى أن النفوس موكلة بمعاداة المعادات.
4- قد يكون أحد المترادفين أجلى من الآخر؛ فيكون شرحاً للآخر الخفي.
وقد ينعكس الحال بالنسبة إلى قوم دون آخرين.
5- قد يكون أحد اللفظين أنسب للمقام من الآخر: وذلك كأن يكون في أحدهما غضاضةً، أو تعبيراً لشخص؛ فيُعْدَل عنه إلى اللفظ الآخر الذي ليس فيه غضاضة؛ فيؤدى الغرض ولا يخفى في ذلك من الذوق دون إساءة أو لمز ومراعاة المشاعر.
سادساً: المؤلفات في المترادف[16]: ألف في المترادف مجموعة من العلماء، منهم العلامة مجد الدين الفيروز بادي صاحب القاموس، حيث ألف كتاباً سماه (الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف).
وأفرد خلق من الأئمة كتباً في أشياء مخصوصة؛ فألف ابن خالويه كتاباً في أسماء الأسد، وكتاباً في أسماء الجنة.
أما الكتب التي تحدثت عن المترادف ضمناً فكثيرة، ومنها المزهر للسيوطي، حيث خصص النوع السابع والعشرين منه في معرفة المترادف.
سابعاً: أمثلة من المترادف[17]:
1- العسل: له ثمانون اسماً أوردها صاحب القاموس في كتابه الذي سماه (ترقيق الأسل لتصفيق العسل).
ومن تلك الأسماء: العسل، والضَّرب، والضَّرَبة، والضَّريب، والشَّوب، والذَّوب، والحميت، والتحموت، والجَلْس، والورس، والشَّهد، والشُّهد، والماذي، ولعاب النحل، والرحيق، وغيرها.
2- السيف: ومن أسمائه مما ذكره ابن خالويه في شرح الدريدية: الصارم، والرِّداء، والخليل، والقضيب، والصفيحة، والمُفَقِّر، والصمصامة، والكهام، والمشرفي، والحسام، والعضب، والمذكَّر، والمهند، والصقيل، والأبيض، وغيرها.
3- يقال: أخذه بأجْمَعِه، وأجْمُعِه، وبحذافيره، وجذاميره، وجزاميره، وجراميزه، وبجملته.
4- العمامة: ويقال: الشوذ، والسِّبّ، والعصابة، والتاج، والمِكْورة.
5- وقال ابن السكيت: العرب تقول: لأقيمن ميلَك، وجنفك، ودرْأك، وصغاك، وصدَعك، وقذَلك، وضِلعك كله بمعنى واحد.
6- ويقال: قُطعت يده، وجُذِمت، وبُتِرَت، وبُتِكت، وبُصِكت، وصُرِمت، وتُرَّت، وجُذَّت.
7- ويقال: وقع ذلك في رُوعي، وخَلَدي، وَوَهْمي، بمعنى واحد.
8- وفي أمالي ثعلب يقال: سويداء قلبه، وحبَّة قلبه، وسواد قلبه، وسوادة قلبه، وجُلجُلان قلبه، وسوداء قلبه بمعنى واحد.
9- وفي الجمهرة: قال أبو زيد: قلت لأعرابي: ما المُحْبَنْطَى[18]؟ قال: المتكأكئ، قلت: ما المتكأكئ؟ قال: المتآزف، قلت ما المتآزف؟ قال: أنت أحمق.
[1] معجم مقاييس اللغة 2/503.
[2] التعريفات ص199.
[3] التعريفات ص56.
[4] التعريفات ص208.
[5] المزهر 1/402.
[6] التعريفات ص199.
[7] انظر الصاحبي 59-61، والمزهر 1/403-405.
[8] الخندريس والعقار: من أسماء الخمر.
[9] المزهر 1/403.
[10] انظر المزهر 1/405.
[11] الصاحبي ص59-60.
[12] المزهر 1/405.
[13] التدمرية ص102.
[14] المزهر 1/405-406.
[15] انظر المزهر 1/406.
[16] انظر المزهر 1/407.
[17] انظر المزهر 1/407-413.
[18] المحبنطى: السمين الضخم، ويقال: هو الممتلئ غيظاً. [/align]