المؤتمر الدولي الأول لتطوير الدراسات القرآنية لقاء المشرق والمغرب:

سهاد قنبر

New member
إنضم
01/06/2011
المشاركات
388
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الحديث عن المؤتمر حديث ذو شجون فإن أطلقت لحديث العاطفة العنان أستطيع أن أحبر صفحات طويلة شكراً للمنظمين ووصفاً للفوائد والفرائد التي خرجت بها من هذه الأيام المباركة التي قضيتها في رحاب العلم، لكني تحسباً من ضيق كلمي وخوفاً أن لا يحملني قلمي أختصر وأقول شكر الله للقائمين على كرسي القرآن الكريم ومركز تفسير المنظمين لهذا المؤتمر وأخص بالذكر الدكتور عبد الرحمن الشهري وكل من أسهم في نجاح هذا العمل المبارك.
شهدت في أيام المؤتمر ولياليه لقاء المشارقة والمغاربة وقد استطاع المغاربة ببراعة فائقة انتزاع الإعجاب والانبهار من المشارقة بمنهجهم في الدراسات القرآنية، وبعد حوارات مطولة في محاولة الوقوف على المنهجين خلصت إلى نتائج عدة ولا أعممها:
-علاقة منهج المشارقة في الدراسات القرآنية بمنهج المغاربة علاقة تكامل لا علاقة تفاضل.
-يغرق المغاربة في التفاصيل؛ والتعمق في التفاصيل لا ينبغي بحال أن يؤدي إلى غياب ملامح الصورة العامة.
-المنهج المغاربي منهج فرضته طبيعة التدافع في بلادهم وقربهم من الغرب فلا يعمم منهجهم على البلاد الإسلامية وتقدر الاستفادة منهم بقدرها.
- سنة التدافع عند المغاربة جعلتهم يؤمنون إيماناً مطلقاً بصلاح منهجهم وتفوقه على غيره، وإيمانهم بضرورة التخطيط الاستراتيجي ليواجهوا تحديات الواقع، وكنت اطلعت خلال المؤتمر على جوانب من طرق وضع خطط المواد الدراسية عندهم في إحدى المؤسسات الشرعية فوجدتهم يضعون نصب أعينهم المخرجات التعليمية فلا توضع خطة لمساق دون مراعاة باقي المساقات أفقياً أي في الفصل الواحد وعمودياً أي في سنوات الدراسة، وتقيم الخطط بمخرجاتها كل أربعة سنوات وقد يتم تغيير المساقات بالكامل وفقاً للمخرجات التعليمية، وقد استمعت لساعات طويلة لطرق وضع الخطط الدراسية مما جعلني أشعر بالإجلال والإكبار لهؤلاء الأساتذة الذين يبذلون الوسع لتأمين خلف لهم يفي بواقع التحديات التي تواجها الأمة.
-امتاز المشارقة بالتحقيق والتدقيق في التراث وقتله بحثاً، إلا أن قتل التراث بحثاً ما هو إلا وسيلة للتجاوز لا للجمود عنده.
- في كثير من الأحيان حقق منهج المشارقة في الدراسات القرآنية الحصانة الفكرية لهم، لكن لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أن هذه الحصانة حصانة مؤقتة لأن العالم اليوم قرية صغيرة.
-لما كانت العلاقة بين منهج المغاربة والمشارقة علاقة تكاملية فلا بد من مد جسور التواصل بين المنهجين للسير قدماً في الدراسات القرآنية وتطويرها، ومما لا شك فيه أن المؤتمرات مثل مؤتمر كرسي القرآن يسهم في تحقيق مثل هذا التواصل.
- إذا سلمنا بالتكامل بين المنهجين فلا بد من دراسة متأنية لهما على أن تتجاوز الدراسة الوصف إلى التحليل والنقد.
ما سبق ذكره ليس إلا خواطر جالت في الذهن على هامش المؤتمر.
 
جزاكم الله اختنا سها قنبر
-امتاز المشارقة بالتحقيق والتدقيق في التراث وقتله بحثاً، إلا أن قتل التراث بحثاً ما هو إلا وسيلة للتجاوز لا للجمود عنده.
- في كثير من الأحيان حقق منهج المشارقة في الدراسات القرآنية الحصانة الفكرية لهم، لكن لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أن هذه الحصانة حصانة مؤقتة لأن العالم اليوم قرية صغيرة.
اوافق على كلامك واعلق على هذه النقطة بانها اهم نقطة في موضوع الحفاظ على الاصول فمن المعلوم ان انتقال المناهج الانسانية والاجتماعية من الغرب الى الشرق يلزمه عملية تقييم علمية من تلك الاصول الاصلية ولا اقصد بها مايقال عنها اجتهادات ولكن الثوابت الحقيقية لو صح التعبير اي الحقائق التي جاء بها الاسلام
وانا اعرف انك لاتقولي بغير ذلك وكلماتك جعلتني اؤيدها بكلماتي اعجابا بها لااعتراضا
فانا معجب بالحفاظ الدائم الواعي من العلماء على التكرار المستمر لشرح الاصول وشرح الشرح على الرغم من المشاغبة في الصحف ومن البعض الاسلامي ايضا على ذلك فتصوري ان هذا لايحدث وانه لاتحقيق لكتب التفسير -مثلا-ومحاولة اخراجها من الرفوف لتصدر المشهد(الذي يرفض التفسير الإسلامي!!) وماالي ذلك مما يشبهه، تصوري ماذا كان سيحدث لنا، والهجوم العنيف جدا من الغرب على الشرق ومحاولته اختراق المغاربة بمناهج مبهرة -وقد حدث كثيرا كما في تونس وغيرها-لكن مافيها من خير هو نزر يسير بالنسبة لعلوم الدين والانسان والمجتمع وان كانت بعض تطبيقاتها مثلا مفيدة في امور تقنية فرعية تخص تكنولوجيا علاجية مثلا او ماشابه
بارك الله فيك
 
من بركات المؤتمر هذا التلاقح الفكري الذي حصل بين أهل المشرق والمغرب، ومن تجربتي الخاصة فيه -عدا عما حصل فيه من حوارات وجلسات ونقاشات مع علمائنا المغاربة- أنني تشرفت في هذا المؤتمر، بالتعرف عياناً -بعد أن كان لي اطلاع على كتاباته في ملتقانا وغيره- على الأستاذ الدكتور أحمد بزوي الضاوي... وذلك في دورة (القراءات المعاصرة للقرآن الكريم) التي أحسن القائمون على المؤتمر بإسنادها له...​
فقد رأيت ما لا تكشف عنه الكلمات المكتوبات في الملتقيات، واللقاء المباشر معه لثلاث ساعات، في كل يوم من أيام المؤتمر، له أثر لا يوصله الكلام المكتوب...​
أذكره عندما كان ينطلق بالكلام وقلبه يحترق لإيصال فكرته... واجه الفلسفات الوافدة، وناهض خصوم الإسلام من المتفلسفة والحداثيين، وعرض في محاضراته لمشاكل شائكة، وتميز بالجرأة في اقتحام المضايق الفكرية...​
لم يرفض الفلسفة حين تكون فكراً حراً مستقلاً، وانصهرتْ عنده (العقلانية) بالإيمان، ودعا إلى التحرر من التبعية للغير، ورفض الجمود الفكري، وحفّز الهمم إلى التشبث بالقيم التي لا تتحقق الأصالةُ الفكرية بغيرها، وغرس فينا الجَلَد على البحث في قضايا المعرفة والرغبة في الوصول إلى الحقيقة...
أعجبني فيه شجاعته في المواجهة؛ فهو يتميز بعقل متمرِّد على أشكال التقليد، واجه الحداثيين فسفَّهَ أحلامَهم، ورماهم بالعقْم الفكري، واعترض على مناهجهم في قراءتهم للتراث...​
تسلَّح بأسلحتهم، وزاد عليهم باستقلاله الفكري، ووقف في وجه الأفكار التي كانت تعمل على هدم قيم الإسلام، وتشويه الحضارة الإسلامية...
حباه الله تعالى باستعداد مكَّنَه من البحث والنظر بعُمْق منهجي، وقدرة على الإقناع بطرق منهجية واضحة... يغوص في المعاني، مع دقة في تقريب دقائقها من الأذهان، وجزالة في العبارة ونصاعة البيان...
 
أشكر الأخت الكريمة سهاد على قراءتها الجيدة (مع اختلافي معها في جزئيات منها) لعلاقة المشرق بالمغرب من الناحية العلمية، فمنذ القدم استعمل البعض من العلماء المشارقة عبارات من قبيل " وهذا رأي أصحابنا من المغاربة" والعكس صحيح في استعمالات المغاربة لآراء إخوانهم المشارقة.
كما أقدر للأخ الفاضل طار ق جهده المتميز في الانتصار للإسلام وللقرآن الكريم، فمنذ أن سُجلت في هذا الملتقى المبارك وأنا أتابع ما يكتبه في" سلسة انهيار شرفات الاستشراق"، التي من طبيعتها الضعف وسرعة التصدع والانكسار لأنها شُرفات؛ لقد وجدتُ أخي طارق صعوبة في فهم تعقيبك المشار إليه أعلاه لافتقار أغلب جمله إلى علامات الترقيم.
جاء في التعقيب المكمل للمقال الأول أن الغرب بهجومه العنيف على الشرق حاول" ...اختراق المغاربة بمناهج مبهرة - وقد حدث كثيرا كما في تونس وغيرها- لكن ما فيها من خير هو نزر يسير بالنسبة لعلوم الدين و الإنسان والمجتمع وإن كانت بعض تطبيقاتها مثلا مفيدة في أمور تقنية فرعية تخص تكنولوجيا علاجية مثلا أو ما شابه..." من الجزئيات التي يمكن أن تأسس أمرا علميا كليا قائما على منهج يستمد أصوله من فكر غريب أو قريب. أفهم من هذا الكلام للأخ طارق حفظه الله أنه ليس بالتهمة التي تحتاج إلى من يدفعها، إنما هي من قبيل الكلام الرائج والمروج دون تثبت وتأكد من صحته، بسبب ضعف في الاطلاع أو بسبب الجهل بحقائق الأشياء، التي يستلزم السكوت عنها الإقرار أو التسليم بما يروج أو بما يأتي بعده من فضل للغرب على المغاربة، والتسليم بالآراء العلمية ذات البعد المنهجي؛ وهو ليس كذلك والسبب ما أشرت إليه من عدم الإحاطة بما يؤطر فكر المغاربة، وهنا أتذكر عبارة مشهورة عند الأصوليين وهي أن "الشائع ليس كالمحقق"؛ وعندما أقول هذا الكلام فلا أدعي العلم، إنما أنا من أجهل الناس وأقلهم علما. فاللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علما، آمين.
هذا الاختراق (المفترض) قد يُنتج تأثيرا فهمُه وتفهُّمه يمكن أن يكون سليما (على مستوى النظر) فترى نتائجه على من لا حصانة له تقيه من السموم والأفكار الهدامة فتجده يترك الصالح ويأخذ الطالح ويقوم بالترويج له بقصد أو بغير قصد. إن كثيرا من الاختراعات المبنية على تطبيقات علمية بمناهج غربية أثبت الواقع فسادها وضررها على الإنسان ومحيطه، إلا أن هذا لا ينفي أو يحجب الفضل الكبير للمدنية الغربية الحديثة على العالم كله.
فأما أصحاب الفهم الأصيل المبني على أصول الشرع والثقافة البانية (ثقافة الإسلام) وهم الغالبية الساحقة من المغاربة فلم ينبهروا بما يأتي من الغرب، إنما كانوا مؤثرين في هذا الغرب (المبهر حاليا) زمن ابن رشد الذي امتد تأثيره في فلاسفة الغرب إلى خمسينيات القرن الماضي، والرشديون إلى عهد قريب كانوا معروفين في أوربا. وأمثال ابن رشد ممن كانوا قبله أو جاؤوا بعده يعرفهم المنصفون من الغربيين، كما نعرفهم نحن في العصر الحاضر انطلاقا من ميراثهم العلمي الذي هو منبع أصالتنا وقوتنا المنهجية والعلمية. نعم إن معرفة الأصول تجعل بناء الآراء والتصورات متينة ورصينة، وعدم الإحاطة بها تجعل هذا البناء على شفا جُرُف هارٍ.
وأما من انفرط عقدهم وبناؤهم الفكري تعرض للتقويض ويعدون في عصرنا من المفكرين وحقيقتهم "مقاولين ثقافيين " مخترقين بالمنهج المبهر للغرب؟ يعملون لصالحه وبإيعاز منه للنيل من الإسلام دون أجر أو مقابل مادي؛ فهؤلاء مجرد لصوص (بدون منهج) سرقوا آراء بعض الغربيين الذين رضوا بتلك السرقة واعتبروها تسويقا لفهم يُظن أنه يُبهر؟ فأركون مثلا ومترجم كتبه من الفرنسية إلى العربية (وهو تونسي) و"الأركونيين" جميعا ومحمد عابد الجابري وأتباعه ومن صار على دربهم، هؤلاء يروجون للبالي والفاسد من الفكر الغربي الذي بنى رأيه عن الإسلام انطلاقا من "شرفات" ظن أنها منتهى البناء الذي يمكِّنه من النظر إليه أو منه ولم يلتفت أنها الأضعف فيه، وانطلاقا مما يمكن تسميته بــ " الشبهات" التي تثار تارة ولا تجد من يبينها البيان الصحيح ويضعها في موضعها المناسب.
إن التكامل في الآراء والأفكار بين المغرب والمشرق لا غبار عليه لأنه مبني على وحدة الأصول والتقاطع في المناهج؛ ومحاولة أو دعوى "الاختراق المنهجي" و تلاقح الأفكار والتأثر بمناهج الآخرين (من غير المسلمين) مما يُثار أحيانا دعوى باطلة تحتاج إلى أدلة علمية لإقامتها وإثباتها. وقد أشرتُ إلى هذه الفرضية الرائجة في هذا الملتقى المبارك في مناسبة مضت، ولم أتلق اعتراضا أو جوابا أو بيانا يرد ما أدعيه من استقلال المناهج عند المغاربة كما عند المشارقة لأن مصادر تلك المناهج مستقلة عن أصول ومصادر الفكر الغربي. وهذا ينبني عليه استقلال حضارة الغرب الإسلامي عن حضارة الغرب المسيحي لتباين أصولهما؛ إلا أن استفادة المدنية الغربية من المدنية المغربية أمر وارد وطبيعي والعكس صحيح. وما نلاحظه اليوم أو غدا من شذوذ (لا يقاس عليه) فمآله إلى زوال.
أعود فأقول: إن المتخصصين في الدرس القرآني (ومناسبة الحديث عنهم هو المؤتمر الأخير بالرياض) سواء أكانوا ممن ألفوا وكتبهم متداولة - وأكاد أزعم أن لكل واحد منهم منهجه الخاص به- أم من الباحثين المعاصرين، هؤلاء مناهجهم مستقلة وتستمد قوتها وأصالتها في فكر مفسرين من أمثال: المهدوي ومكي ابن أبي طالب القيسي وابن العربي وابن الفرس وابن عطية والقرطبي والطاهر ابن عاشور والمكي الناصري و الشنقيطي...إلخ.
كما أن تلك المناهج تستمد قوتها في أسلوب ابن حزم في طرح آراء الآخرين وتجْهيلهم أحيانا وتكمن في طُرُق الحجاج عند الباجي والشاطبي وابن خلدون...إلخ. ولك (أيها القاريء الكريم) أن تأخذ كدليل الرسائل الجامعية المنجزة (خلال العقدين الأخيرين بالمغرب) في فكر هؤلاء لترى نبرة أسلوبهم في الحجاج عند من أنجزوها وقدرتهم على محاكاة أسلوبهم الحجاجي بمناهجهم، اقتداء بهم. و الريادة (على ضعفها) اليوم والتي يشهد بها المشارقة وغيرهم للمغاربة في خدمة الدرس القرآني نابعة من هذا الاقتداء.

وبالله التوفيق.
 
عودة
أعلى