{ الله نور السموات والأرض }

إنضم
18/04/2012
المشاركات
3,483
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
جدة
بسم الله الرحمن الرحيم



قال الحق سبحانه وتعالى:

{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ
يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
نُورٌ عَلَى نُورٍ
يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ 35 }



{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور،
وحجابه -الذي لولا لطفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه- نور،
وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور، وبه استنارت الجنة.
وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور،
والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور.
فلولا نوره تعالى، لتراكمت الظلمات،
ولهذا: كل محل، يفقد نوره فثم الظلمة والحصر،




{ مَثَلُ نُورِهِ } الذي يهدي إليه، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين،
{ كَمِشْكَاةٍ } أي: كوة { فِيهَا مِصْبَاحٌ } لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ذلك
{ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ } من صفائها وبهائها
{ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } أي: مضيء إضاءة الدر.
{ يُوقَدُ } ذلك المصباح، الذي في تلك الزجاجة الدرية
{ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } أي: يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون،
{ لَا شَرْقِيَّةٍ } فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار،
{ وَلَا غَرْبِيَّةٍ } فقط، فلا تصيبها الشمس [أول] النهار،
وإذا انتفى عنها الأمران، كانت متوسطة من الأرض،
كزيتون الشام، تصيبها الشمس أول النهار وآخره،
فتحسن وتطيب، ويكون أصفى لزيتها،
ولهذا قال: { يَكَادُ زَيْتُهَا } من صفائه
{ يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } فإذا مسته النار، أضاء إضاءة بليغة
{ نُورٌ عَلَى نُورٍ } أي: نور النار، ونور الزيت.





ووجه هذا المثل الذي ضربه الله، وتطبيقه على حالة المؤمن، ونور الله في قلبه،
أن فطرته التي فطر عليها، بمنزلة الزيت الصافي،
ففطرته صافية، مستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل المشروع،
فإذا وصل إليه العلم والإيمان، اشتعل ذلك النور في قلبه،
بمنزلة اشتعال النار في فتيلة ذلك المصباح،
وهو صافي القلب من سوء القصد، وسوء الفهم عن الله،
إذا وصل إليه الإيمان، أضاء إضاءة عظيمة، لصفائه من الكدورات،
وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية، فيجتمع له نور الفطرة، ونور الإيمان،
ونور العلم، وصفاء المعرفة، نور على نوره.




ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كل أحد يصلح له ذلك،
قال: { يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ } ممن يعلم زكاءه وطهارته، وأنه يزكي معه وينمو.
{ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ } ليعقلوا عنه ويفهموا، لطفا منه بهم، وإحسانا إليهم، وليتضح الحق من الباطل،
فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العباد علما واضحا،





{ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فعلمه محيط بجميع الأشياء، فلتعلموا أن ضربه الأمثال،
ضرب من يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها،
وأنها مصلحة للعباد، فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقلها،
لا بالاعتراض عليها، ولا بمعارضتها،
فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون.




من تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي
رحمه الله تعالى
 
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:



[ من الناس من يعرف الله بالجود والإفضال والإحسان،

ومنهم من يعرفه بالعفو والحلم والتجاوز،

ومنهم من يعرفه بالبطش والانتقام،

ومنهم من يعرفه بالعلم والحكمة،

ومنهم من يعرفه بالعزة والكبرياء،

ومنهم من يعرفه بالرحمة والبر واللطف،

ومنهم من يعرفه بالقهر والملك،

ومنهم من يعرفه بإجابة دعوته وإغاثة لهفته وقضاء حاجته،




وأعمُّ هؤلاء معرفةً من عرفه من كلامه،

فإنه يعرف رباً قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت الجلال،

منزه عن المثال، بريء من النقائص والعيوب،



له كل اسم حسن وكل وصف كمال،

فعَّالٌ لما يريد،

فوقَ كل شيء ، ومع كل شيء،

وقادر على كل شيء، ومقيم لكل شيء،

متكلم ٌ بكلماته الدينية والكونية،

أكبر من كل شيء، وأجمل من كل شيء،

أرحم الراحمين ، وأحكم الحاكمين، وأقدر القادرين،


فالقرآن أُنزل لتعريف عباده به،

وبصراطه الموصل إليه


، وبحال السالكين بعد الوصول إليه ] ( 1 )







وقال الإمام عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى




[ أصل التوحيد: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء الحسنى،

ومعرفة ما احتوت عليه من المعاني الجليلة والمعارف الجميلة،

والتعبد لله بـها ودعاؤه بـها.




فكل مطلب يطلبه العبد من ربه من أمور دينه ودنياه فليتوسل إليه باسم مناسب له من أسماء الله الحسنى،

فمَنْ دعاه لحصول رزق فليسأله باسمه الرزاق،

ولحصول رحمة ومغفرة فباسمه الرحيم الرحمن البَرِّ الكريم العفو الغفور التواب ونحو ذلك.




وأفضل من ذلك أن يدعوه بأسمائه وصفاته دعاءَ العبادة؛

وذلك باستحضار معاني الأسماء الحسنى وتحصيلِها في القلوب

حتى تتأثرَ القلوبُ بآثارها ومقتضياتـها وتمتلئ بأجلِّ المعارف,



* فمثلاً أسماء العظمة والكبرياء والمجد والجلال والهيبة

تملأ القلوب تعظيماً لله وإجلالاً له.

* وأسماء الجمال والبر والإحسان والرحمة والجود

تملأ القلب محبةً لله وشوقاً له وحمداً له وشكراً.

* وأسماء العز والحكمة والعلم والقدرة

تملأ القلب خضوعاً لله وخشوعاً وانكساراً بين يديه.

* وأسماء العلم والخبرة والإحاطة والمراقبة والمشاهدة
تملأ القلبَ مراقبةً لله في الحركات والسكنات
وحراسة للخواطر عن الأفكار الردية والإرادات الفاسدة.

* وأسماء الغنى واللطف

تملأ القلب افتقاراً واضطراراً إليه

والتفاتاً إليه كل وقت في كل حال.


فهذه المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته وتَعَبُّدِه بـها لله

لا يُحَصِّلُ العبدُ في الدنيا أجَلَّ ولا أفضلَ ولا أكملَ منها,

وهي أفضلُ العطايا من الله لعبده وهي رُوحُ التوحيد ورَوْحُه.




ومن انفتح له هذا الباب انفتح له باب التوحيد الخاص والإيمان الكامل

الذي لا يحصل إلا للكُمَّلِ من الموحدين,

وإثبات الأسماء والصفات هو الأصل لـهذا المطلب الأعلى.] ( 2 )




قال الحق عز وجل :

{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ

وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {101}

ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ

وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ {102}

لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ

وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {103}

قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ

فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا

وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ {104}


===================

1 / الفوائد ، ص 180 بتصرف


2 / القول السديد في مقاصد التوحيد

باب قول الله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ...}
 
اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن
ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن



ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ،
أنت الحق وقولك الحق ووعدك حق
والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق



اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت
وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت


فاغفر لي ما قدمت وما أخرت
وما أسررت وما أعلنت
أنت إلهي لا إله إلا أنت




الراوي: - المحدث: ابن تيمية -
المصدر: مجموع الفتاوى - الصفحة أو الرقم: 22/389
خلاصة الدرجة: صحيح
 
عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال:




" يا عبادي !


إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا .



يا عبادي !

كلكم ضال إلا من هديته . فاستهدوني أهدكم .



يا عبادي !

كلكم جائع إلا من أطعمته . فاستطعموني أطعمكم .



يا عبادي !

كلكم عار إلا من كسوته . فاستكسوني أكسكم .



يا عبادي !

إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا . فاستغفروني أغفر لكم .



يا عبادي !

إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني . ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني .



يا عبادي !

لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم . كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم . ما زاد ذلك في ملكي شيئا .



يا عبادي !

لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . كانوا على أفجر قلب رجل واحد . ما نقص ذلك من ملكي شيئا .



يا عبادي !

لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . قاموا في صعيد واحد فسألوني . فأعطيت كل إنسان مسألته . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر .



يا عبادي !

إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " .





الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح -

الصفحة أو الرقم: 2577
خلاصة الدرجة: صحيح​
 
أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح ،

وهي في مسجدها . ثم رجع بعد أن أضحى ، وهي جالسة .

فقال: " ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ " قالت : نعم .

قال النبي صلى الله عليه وسلم " لقد قلت بعدك أربع كلمات ، ثلاث مرات .

لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن :





سبحان الله وبحمده ،

عدد خلقه

ورضا نفسه

وزِنة عرشه

ومداد كلماته " .




الراوي: جويرية بنت الحارث المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح -
الصفحة أو الرقم: 2726
خلاصة الدرجة: صحيح
 
من قال حين يصبح

اللهم ما أصبح بي من نعمة
فمنك وحدك لا شريك لك
فلك الحمد ولك الشكر
فقد أدى شكر يومه
ومن قال مثل ذلك حين يمسي
فقد أدى شكر ليلته



الراوي: عبدالله بن غنام البياضي المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود -
الصفحة أو الرقم: 5073
خلاصة الدرجة: سكت عنه
[وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح]
 
قال الحق سبحانه وتعالى :




{ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى
آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ {59}


أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ
مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا
أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ
بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ {60}


أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا
وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا
أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {61}


أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ
أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ
قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ {62}


أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ
أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ
تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {63}


أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ
أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {64}



قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ
وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ {65}


سورة النمل
 
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى
في تفسيره


[ { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }
لا حجر عليه، ولا مانع يمنعه مما أراد،
فإنه تعالى قد بسط فضله وإحسانه الديني والدنيوي،
وأمر العباد أن يتعرضوا لنفحات جوده،
وأن لا يسدوا على أنفسهم أبواب إحسانه بمعاصيهم.



فيداه سحاء الليل والنهار،
وخيره في جميع الأوقات مدرارا،
يفرج كربا، ويزيل غما، ويغني فقيرا،
ويفك أسيرا ويجبر كسيرا,

ويجيب سائلا، ويعطي فقيرا عائلا،
ويجيب المضطرين، ويستجيب للسائلين.
وينعم على من لم يسأله،
ويعافي من طلب العافية،
ولا يحرم من خيره عاصيا،
بل خيره يرتع فيه البر والفاجر،





ويجود على أوليائه بالتوفيق
لصالح الأعمال ثم يحمدهم عليها،
ويضيفها إليهم، وهي من جوده


ويثيبهم عليها من الثواب العاجل والآجل
ما لا يدركه الوصف،
ولا يخطر على بال العبد،
ويلطف بهم في جميع أمورهم،


ويوصل إليهم من الإحسان،
ويدفع عنهم من النقم ما لا يشعرون بكثير منه،



فسبحان مَن كل النعم التي بالعباد فمنه،
وإليه يجأرون في دفع المكاره،


وتبارك من لا يحصي أحد ثناء عليه,
بل هو كما أثنى على نفسه،


وتعالى من لا يخلو العباد من كرمه طرفة عين،

بل لا وجود لهم ولا بقاء إلا بجوده.


وقبَّح الله من استغنى بجهله عن ربه،
ونسبه إلى ما لا يليق بجلاله، ]

 

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى
في تفسيره




{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ
وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا
وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ
وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }
سورة الأنعام { 59 }




هذه الآية العظيمة، من أعظم الآيات تفصيلا لعلمه المحيط،
وأنه شامل للغيوب كلها، التي يطلع منها ما شاء من خلقه.
وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين،
فضلا عن غيرهم من العالمين،
وأنه يعلم ما في البراري والقفار، من الحيوانات، والأشجار،
والرمال والحصى، والتراب،
وما في البحار من حيواناتها، ومعادنها، وصيدها،
وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها، ويشتمل عليه ماؤها.





{ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ } من أشجار البر والبحر، والبلدان والقفر، والدنيا والآخرة، إلا يعلمها.



{ وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ } من حبوب الثمار والزروع، وحبوب البذور التي يبذرها الخلق؛ وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها أصناف النباتات.



{ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ } هذا عموم بعد خصوص
{ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } وهو اللوح المحفوظ، قد حواها، واشتمل عليها،





وبعض هذا المذكور، يبهر عقول العقلاء،
ويذهل أفئدة النبلاء،
فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته، في أوصافه كلها.



وأن الخلق من أولهم إلى آخرهم لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته،
لم يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك،
فتبارك الرب العظيم، الواسع العليم،
الحميد المجيد، الشهيد، المحيط.




وجل مِنْ إله، لا يحصي أحد ثناء عليه،
بل كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده،


فهذه الآية، دلت على علمه المحيط بجميع الأشياء،
وكتابه المحيط بجميع الحوادث.

 
قال الإمام
"
أبو محمد الأندلسي القحطاني
"
رحمه الله تعالى
في نونية القحطاني





يا منزل الآيات والفرقان *** بيني وبينك حرمة القرآن

إشرح به صدري لمعرفة الهدى *** واعصم به قلبي من الشيطان

يسِّر به أمري وأقضِ مآربي *** وأجرْ به جسدي من النيران

واحطط به وزري وأخلص نيتي *** واشدد به أزري وأصلح شاني

واكشف به ضري وحقق توبتي *** واربح به بيعي بلا خسراني





طهر به قلبي وصفِّ سريرتي *** أجمل به ذكري وأعل مكاني

واقطع به طمعي وشرف همتي *** كثر به ورعي وأحيي جناني

أسهر به ليلي وأظم جوارحي *** أسبل بفيض دموعها أجفاني

أمزجه يا رب بلحمي مع دمي *** واغسل به قلبي من الأضغاني

أنت الذي صورتني وخلقتني *** وهديتني لشرائع الإيمان





أنت الذي علمتني ورحمتني *** وجعلت صدري واعي القرآن

أنت الذي أطعمتني وسقيتني *** من غير كسب يد ولا دكان

وجبرتني وسترتني ونصرتني *** وغمرتني بالفضل والإحسان

أنت الذي آويتني وحبوتني *** وهديتني من حيرة الخذلان

وزرعت لي بين القلوب مودة *** والعطف منك برحمة وحنان





ونشرت لي في العالمين محاسنا *** وسترت عن أبصارهم عصياني

وجعلت ذكري في البرية شائعا *** حتى جعلت جميعهم إخواني

والله لو علموا قبيح سريرتي *** لأبى السلام علي من يلقاني

ولأعرضوا عني وملوا صحبتي *** ولبؤت بعد كرامة بهوان

لكن سترت معايبي ومثالبي *** وحلمت عن سقطي وعن طغياني





فلك المحامد والمدائح كلها *** بخواطري وجوارحي ولساني

ولقد مننت علي رب بأنعم *** مالي بشكر أقلهن يدان

فوحق حكمتك التي آتيتني *** حتى شددت بنورها برهاني

لئن اجتبتني من رضاك معونة *** حتى تقوي أيدها إيماني

لأسبحنك بكرة وعشية *** ولتخدمنك في الدجى أركاني





ولأذكرنك قائما أو قاعدا *** ولأشكرنك سائر الأحيان

ولأكتمن عن البرية خلتي *** ولأشكون إليك جهد زماني

ولأقصدنك في جميع حوائجي *** من دون قصد فلانة وفلان

ولأحسمن عن الأنام مطامعي *** بحسام يأس لم تشبه بناني

ولأجعلن رضاك أكبر همتي *** ولأضربن من الهوى شيطاني





ولأكسون عيوب نفسي بالتقى *** ولأقبضن عن الفجور عناني

ولأمنعن النفس عن شهواتها *** ولأجعلن الزهد من أعواني

ولأتلون حروف وحيك في الدجى *** ولأحرقن بنوره شيطاني


 
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الفوائد ص 54 - 55:


" عظمته سبحانه وتعالى



تأمّل خطاب القرآن تجد ملكا له الملك كله, وله الحمد كله

أزمّة الامور كلها بيده, ومصدرها منه, ومردّها اليه,

مستويا على سرير ملكه, لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته,

عالما بما في نفوس عبيده, مطّلعا على أسرارهم وعلانيتهم,

منفردا بتدبير المملكة, يسمع ويرى, يمنع ويعطي,

ويثيب ويعاقب, ويكرم ويهين, يخلق ويرزق,

ويميت ويحيي, ويقدر ويقضي ويدبّر.



الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها, وصاعدة إليه

لا تتحرّك ذرّة إلا باذنه, ولا تسقط ورقة إلا بعلمه.



فتأمّل كيف تجده يثني على نفسه,

ويمجّد نفسه, ويحمد نفسه,

وينصح عباده, ويدلّهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم,

ويرغّبهم فيه, ويحذّرهم مما فيه هلاكهم,


ويتعرّف إليهم بأسمائه وصفاته, ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه,

فيذكّرهم بنعمه عليهم, ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها,

ويحذّرهم من نقمه

ويذكّرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه,

وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه,

ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه,

وكيف كانت عاقبة هؤلاء,


ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم, وأحسن أوصافهم,

ويذم أعدائه بسيّء أعمالهم, وقبيح صفاتهم.



ويضرب الأمثال, وينوّع الأدلّة والبراهين,

ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة,

ويصدق الصادق, ويكذب الكاذب,

ويقول الحق, ويهدي السبيل,


ويدعو الى دار السلام, ويذكر أوصافها وصفاتها وحسنها ونعيمها,

ويحذّر من دار البوار, ويذكر عذابها وقبحها وآلامها,


ويذّكر عباده فقرهم إليه وشدّة حاجتهم إليه من كل وجه,

وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين,

ويذكر غناه عنهم وعن جميع الموجودات,

وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه,

وكل ما سواه فقير إليه بنفسه,

وأنه لا ينال أحد ذرّة من الخير فما فوقها إلا بفضله ورحمته,

ولا ذرّة من الشر فما فوقها إلا بعدله وحكمته.

ويشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب,


وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم وغافر زلاتهم ومقيم أعذارهم,

ومصلح فاسدهم والدافع عنهم,

والمحامي عنهم, والناصر لهم, والكفيل بمصالحهم,

والمنجي لهم من كل كرب, والموفي لهم بوعده,

وأنه وليّهم الذي لا ولي لهم سواه


فهو مولاهم الحق, ونصيرهم على عدوهم,

فنعم المولى ونعم النصير.



فاذا شهدت القلوب من القرآن ملكا عظيما رحيما

جوادا جميلا هذا شأنه

فكيف لا تحبّه,
وتنافس في القرب منه,

وتنفق أنفاسها في التودد اليه,

ويكون أحب اليها من كل ما سواه,

ورضاه آثر عندها من رضا كل ما سواه؟

وكيف لا تلهج بذكره,

ويصير الحب والشوق إليه والأنس به

غذاؤها وقوتها ودواؤها,

بحيث إن فقدت ذلك

فسدت وهلكت, ولم تنتفع بحياتها ؟. "
 
الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره،
والحمد لله الذي يجيب من رجاه،


والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره،
والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحساناً،



والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة،
والحمد لله الذي يكشف ضُرَّنا بعد كربنا،

والحمد لله الذي يقينا حين يسوء ظننا بأعمالنا،
والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا
 
عودة
أعلى