محمود عبد الصمد الجيار
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
اللغة العربية
في إطار متطلبات الجامعة
[مستل من ندوة تدريس اللغة العربية في الجامعات المصرية، 10 – 11 مايو 1999]
أ.د: رشدي أحمد طعيمة (كلية التربية - جامعة المنصورة)
أ.د: عبده الراجحي (كلية الأداب - جامعة الإسكندرية)
أ.د: فتحي يونس (كلية التربية - جامعة عين شمس)
أ.د: محمود الناقة (كلية التربية - جامعة عين شمس)
المنطلقات:
1- لا يستطيع أحد أن ينازع في الحالة المتدنية لمستوى الأداء بالعربية في مصر وفي العالم، والأمر أكثر وضوحا بين طلاب الجامعات لأسباب معروفة ليس هذا موضع تفصيلها.
على أنه من المهم أن نؤكد أن هذه الحالة لا ترجع إلى «العربية» ذاتها؛ فهي لغة «طبيعية» شأن غيرها من اللغات الطبيعية، وإنما يرجع إلى تلك الأسباب المعروفة، ومنها حالة «تعليم العربية» في التعليم العام والتعليم الجامعي على السواء.
ونود أن نؤكد أيضا أن «تعليم اللغة» مشكلة تعاني منها كل اللغات دون استثناء ومنها لغات البلاد المتقدمة، لكن هذه البلاد تدرك أن تعليم اللغة «علم» له أصوله ومناهجه وأدواته، وأن السعي لا يتوقف من أجل محاولة التصدي لهذه المشكلة.
2- وإذا كانت الشعوب المتقدمة تعتز بلغاتها وتبذل ما في الوسع من أجل الحفاظ عليها ورفع مستوى الأداء بها، فإن العربية أحق منها جميعا لأنها اللغة التي جاءت تحمل «كلام» الله في الرسالة السماوية الخاتمة، واستطاعت أن تحمل -دون ضعف- حضارة عريقة امتدت قرونا طويلة، وانتشرت في بقاع كثيرة من الأرض، وأسهمت إسهاما مباشرا في قيام الحضارات الإنسانية المعاصرة.
وإذا كانت نهاية هذا القرن الميلادي تشهد تحولات هائلة في أنماط الحياة الإنسانية، وبخاصة في إطار «العولمة» التي قد تفضي إلى إنعدام الحواجز والحدود؛ فإن التمسك بالهوية الثقافية يصبح أمرا جوهريا لا محيد عنه، ومن المستحيل أن يتحقق ذلك إلا عن طريق اللغة، والأمر في شأن العربية فرض «عين» يأثم كل من لا ينهض به.
3- إن صحة الأداء اللغوى لا ينبغي أن يكون مقصورا على المتخصصين بل يجب أن يكون عاما شائعا بين المتعلمين من أبناء المجتمع وبخاصة أولئك الذين يتخرجون في الجامعة وهم الذين يحملون العبء الأكبر في تنمية المجتمع ونهضته، ونود أن نؤكد أن أي حديث عن التنمية سوف يظل عاجزا مالم يستند إلى تعليم قوى للغة القومية، ذلك أن تعليم اللغة لا يهدف إلى صحة الأداء فحسب ولا إلى تقوية الانتماء إلى ثقافة الأمة فقط، وهما مطلبان جوهريان، لكنه فى الوقت نفسه هو الذي يسهم بقوة في اكتساب الفكر العلمي وأسس التفكير المنطقي التي لا تزدهر إلا حين تمارس باللغة القومية.
4- إذا أردنا أن تكون هذه المقررات مؤدية إلى النتائج التي يتطلع إليها المجتمع، فإن ذلك لابد أن يستند إلى دراسة متصلة متأنية، وإلى تخطيط محكم، وإعداد سليم، ووضع نظام قوي للإشراف والمتابعة والتحكم في جميع عناصر هذه العملية من أولها لآخرها.
توجيهات عامة :
1- يعد مقرر اللغة العربية لغير المتخصصين في الجامعات متطلبا جامعيا يلزم جميع الطلاب غير المتخصصين -ومتطلبات الجامعة- كما هو متبع في جامعات الساعات المعتمدة - متطلبات «ثقافية» الطابع، تهدف إلى بناء طالب الجامعة باعتباره إنسانا، تقدم له من المعارف، والقيم والاتجاهات، والمهارات ما هو ضروري له باعتباره مثقفا واعيا، منهجي التفكير، يمتلك من مهارات الاتصال ما يمكنه من أداء دوره بدرجة عالية من الفاعلية والبناء.
ومن ثم فإن إعداد هذا المقرر لغير المتخصصين يجب أن يتحرر من الجوانب التخصصية التي تلزم طلاب اللغة العربية حتى لا يتحول إلى عبء أكاديمي، مع إدراك ما بين الطلاب غير المتخصصين أنفسهم من فروق.
2- لذلك كله نقترح أن يكون مقرر اللغة العربية لغير المتخصصين على مستويين؛ لكل منهما عام دراسي، وهما:
أ) المستوى العام: في السنة الأولى، يمثل القدر المشترك لجميع طلاب الجامعات على اختلاف تخصصاتهم، يزودوهم بالمهارات اللغوية، والأدبية، والثقافية العامة.
ب) المستوى الخاص: في السنة الثانية، ويهدف إلى تطويع المقرر بحيث يوائم التخصصات المختلفة، وثمة عرف على أن هذه التخصصات يمكن تصنيفها إلى:
* الدرسات الإنسانية والاجتماعية:
وتشمل: الآداب، والحقوق، والتجارة، والتربية، والإعلام، والألسن، والسياحة...
* الدراسات التطبيقية:
وتشمل الطب البشرى، وطب الأسنان، والصيدلة، والتمريض...
3- في ضوء هذا التقسيم نقترح تدريس اللغة العربية فى الجامعات في السنتين الأولى والثانية بواقع ثلاث ساعات أسبوعيا.
4- يجب إعداد توصيف دقيق للمقرر على مستوييه: العام والخاص، بتقديم خطة دراسية تشتمل على:
أ) بيانات عامة عن المقرر: اسمه، السنة الدراسية، عدد الساعات، الأهداف العامة، الأهداف الخاصة، ثم المهارات: اللغوية، والأدبية، والدراسية.
ب) المحتوى: اللغوي، والثقافي.
جـ) طرق التدريس.
د) الوسائل والتقنيات.
هـ) التقويم.
5- إن نجاح هذه المقررات يتوقف على وضع نظام قوي يلتزم فيه المشتركون -وبخاصة أعضاء هيئة التدريس- تنفيذ جميع عناصر المقرر من حيث الخطة والكتاب والمقرر وطرق التقويم، إن أي خلل أو تهاون في أي عنصر من هذه العناصر سوف يدمر العملية بأكملها، وسوف يدعم أصوات الذين يرون عبثية هذه المقررات.
الكتاب المقرر :
يعتمد بناء أي كتاب على عدة أمور ينبغي أن تراعى وهي:
1- الأهداف التعليمية والثقافية المحددة للكتاب.
2- المحتوى الذي يترجم هذه الأهداف.
3- المعالجة التي يتم بها تناول هذا المحتوى لتحقيق الأهداف التعليمية الخاصة بهذا الكتاب.
4- الإخراج المناسب.
ومن المعروف أن:
المواد التعليمية تعد ترجمة للأهداف المحددة لأي مقرر، ومقرر اللغة العربية المقترح تقديمه لطلاب الجامعات المصرية يهدف إلى عدة أمور منها:
- الفهم الدقيق لما يقرأ.
- التعبير الدقيق عن الأفكار والمعلومات.
- الاستخدام الصحيح لقواعد اللغة صرفا ونحوا وبلاغة.
- الاتصال بالأدب العربي وتذوقه.
- تنمية الانتماء للثقافة العربية والإسلامية.
- تنمية الاعتزاز باللغة العربية أداة للثقافة والعلم ومواجهة المتغيرات المختلفة والطارئة.
وللوصول إلى تحقيق هذه الأهداف يمكن أن نقترح المجالات التالية لتكون المحتوى الأساسي للمقرر:
- موضوعات من معالم التراث العربي الإسلامي في الميادين المختلفة (العلوم - الأدب - السير - التفاسير... إلخ).
- موضوعات من أهم المصادر الأساسية في الثقافة العربية (فهارس - معاجم - كتب الطبقات - نصوص من أمهات الكتب في التراث العربي: الأغاني - الأمالي - العقد الفريد... إلخ).
- نصوص مختارة من العصر الحديث.
- موضوعات عن اللغة والتعريب وقضايا العصر المختلفة.
وفي ضوء هذا المحتوى تتم معالجة الأهداف اللغوية من خلال الالتفات إلى تنمية المهارات التالية:
1- القراءة المستوعبة.
2- القراءة الناقدة.
3- القراءة الابتكارية.
4- التلخيص.
5- كتابة التقارير.
6- التحليل - الاقتباس - العرض - تسجيل النقاط الرئيسية - استخدام مصادر المعلومات المختلفة... إلخ.
7- إكساب الطالب مهارات الاتصال بالتراث العربي وتحقيق التكامل بينه وبين مجالات الثقافة المختلفة.
8- استخدام قواعد اللغة في القراءة والكتابة (من خلال تدريبات مرتبطة بالموضوعات المقترحة) لكن هذا لا يمنع من أن يفرد لبعض القواعد وقت خاص ومعالجات خاصة.
9- تذوق الأساليب البيانية المختلفة في النصوص المقدمة مع الإشارة إلى المباديء التي تحكم البلاغة العربية والنقد الأدبى.
اختيار المحتوى اللغوى للكتاب:
وتبرز التساؤلات التالية:
1- هل يتم اختيار المحتوى اللغوي للكتاب (النحوي، والبلاغي) بناء على دراسة مسحية للمستوى اللغوي لطلابنا في الجامعات المصرية؟ علما بأن هذا يتطلب إعداد اختبار كفاءة اللغة بجوانبه المختلفة وتطبيقه على عينة ممثلة من طلاب الجامعات المصرية، ثم تحديد الأخطاء الشائعة لتصبح أساسا للمحتوى اللغوي للكتاب.
2- أو هل يتم اختيار المحتوى اللغوي للكتاب بناء على مقترحات الخبراء في هذا المجال؟
3- أو هل نعتمد على أساسيات قواعد النحو والبلاغة في المصادر الأساسية لهذين الجانبين؟
وهذه أسئلة تحتاج إلى مناقشة للوصول من خلالها إلى الأسلوب الأمثل والممكن.
الكتاب والمصادر الأخرى:
لا شك أن الكتاب يعد الحد الأدنى لأي معرفة فى الجامعات الحديثة إذ بجانب الكتاب المقرر توجد مصادر أخرى للمعرفة منها:
- الكتب الإضافية المماثلة.
- الصحف والدوريات والمجلات.
وعلى هذا يقترح أن تكون هناك بجانب الكتاب مواد أخرى يقترحها المعلمون من مقالات مشاهير الكتاب والأدباء والمفكرين إثراء للكتاب المقرر ودعما لدوره في تحقيق الأهداف.
الوقت المقترح لتدريس الكتاب المقرر:
يقترح أن يقدم هذا المقرر في عامين حتى يمكن للطلاب أن يتمكنوا من تحقيق الأهداف والمهارات المشار إليها من قبل، خاصة أن الدراسات في هذا الشأن تشير إلى ضعف المستوى اللغوي لطلاب الجامعات على المستويات المختلفة، ويقتضي هذا أن يعد الكتاب من جزءين للسنتين الأولى والثانية من الدراسة الجامعية.
تأليف الكتاب بجزئية:
يقترح أن تتكون لجنة لتأليف الكتاب من:
1- المتخصصين في علم اللغة التطبيقى.
2- المتخصصين في علوم اللغة وآدابها.
3- المتخصصين في مناهج وطرق تدريس اللغة العربية.
توجهات خاصة باستخدام الكتاب، وتقويم الطلاب:
يقترح:
أولا: فيما يتعلق باستخدام الكتاب:
أن يطبق أولا لمدة عام على عينة ممثلة من الجامعات وتسجيل ردود الفعل من المعلمين والطلاب بأداة خاصة، وذلك حتى يتسنى مراجعة الكتاب وتطويره فى ضوء تجريبه.
ثانيا: فيما يتعلق بتقويم الطلاب:
أن تشكل لجنة خاصة للإشراف على إعداد اختبار واحد يطبق على جميع طلاب الجامعات حرصا على توحيد مستوى الاختبار وتحقيق الفرص المتكافئة لجميع الطلاب.
المعلم:
يتطلب تنفيذ مقرر اللغة العربية المقترح تدريسه بالجامعات التفكير الجاد في المعلم الذى سيدرس؛ إذ نعتقد أن نجاح هذا البرنامج يعتمد بدرجة كبيرة جدا على المعلم الكفء ومن هنا نتناول في هذه الورقة:
أ) المستوى العلمي لهذا المعلم.
ب) كفاياته التدريسية.
جـ) الجهة المسئولة عن إعداده وتدريبه.
أ- المستوى العلمى:
نرى أن يكون المعلم:
متخرجا في:
- أحد أقسام اللغة العربية بكليات الآداب والألسن.
- دار العلوم.
- حاصلا على درجة دكتور في اللغة العربية وآدابها، أو في طرائق تدريس اللغة العربية، وإن لم يتوافر العدد الكافي من الحاصلين على الدكتوراه لأداء هذه المهمة، يمكن الاستعانة بالحاصلين على درجة ماجستير في اللغة العربية وآدابها، أو في طرائق تدريسها، ويعامل الأخير مدرس لغة خارج الهيئة حسب الكادر الجامعى.
ب- الكفايات التدريسية:
وقبل أداء هؤلاء وأولئك للتدريس لابد من مرورهم بدورة تدريبية لإعدادهم مهنيا وتربويا لأداء مهمة تدريس اللغة العربية في الجامعة، ويقترح أن تتضمن الدورة المسائل التالية:
1- اللغة العربية في التعليم الجامعي (طبيعتها - فلسفتها - أهدافها - الحاجة إليها... إلخ).
2- المقرر المقترح (فلسفته - وأهدافه - ومحتواه - وتقويمه).
3- استراتيجيات التدريس الجامعي.
4- التدريب على كيفية مهارات الدراسة عند الطلاب (القراءة الناقدة - التلخيص - تحليل النص - تسجيل الأفكار والمذكرات - أداء الامتحانات - كتابة المقال... إلخ).
5- التكامل وطبيعة اللغة (كيف نقدم النحو في سياق لغوي غير منفصل أو مستقل)، (كيف نحلل النص الأدبي من خلال سياق أدبي).
6- التدريب على صياغة الأهداف السلوكية بكفاءة.
7- التدريب على استخدام التقنيات الحديثة وبخاصة البرامج الحاسوبية التى سوف يتضمنها المقرر.
8- التدريب على التدريس باستخدام أسلوب التدريس المصغر.
9- التقويم اللغوي (مجالاته - أساليبه وفنياته - أدواته).
جـ- الجهة المسئولة عن إعداد المعلم وتدريبه:
وفي سياق حديثنا عن هذا المعلم نقدم عدة تساؤلات:
- ما الجهة التى تعد هذا المعلم وتدربه؟
- من سيتولى تدريب هذا المعلم واجتيازه؟
- من سيتولى متابعة هذا المعلم ميدانيا؟
وللإجابة عن الأسئلة السابقة نوصي بما يلي:
1- إنشاء مركز يتبع المجلس الأعلى للجامعات يوكل إليه:
أ) إعداد المقرر.
ب) اختيار المعلمين.
جـ) تدريب المعلمين.
د) متابعة المعلمين.
هـ) إعداد الاختبارات النهائية.
و) تطوير المقرر.
وتكون له فروع في أقاليم مصر لمتابعة ما يؤديه المركز الرئيسي.
2- اختيار مجلس إدارة للمركز من متخصصين مشهود لهم بالكفاءة في ميدان علم اللغة التطبيقى وفي ميدان مناهجها وطرق تدريس اللغة العربية.
وفي سياق حديثنا عن المعلم إعدادا وتدريبا نرى أن هذا الأمر يتطلب فترة زمنية كافية (سنتان على الأقل) لإعداد العدد الازم من المعلمين وتدريبهم، وإعداد المقرر المقترح وتجريبه على عية ممثلة.
ولكى يحقق هذا البرنامج أهدافه يقترح أن يتم التدريس فى مجموعات صغيرة إذ إن الدروس ذات المجموعات الكبيرة غير مناسبة لتدريس هذا النوع من المقررات، لأنه لا يتم من خلالها التفاعل المطلوب لتنمية المهارات اللغوية المختلفة كالقراءة والكتابة، ومناقشة الأخطاء.