السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قولك أخي:"ولعل هذا يؤكد دلالة الترادف بين الكتاب والقرآن" فيه نظر، فالحق أنه ليس هناك ترادف تام بين لفظ "القرآن" ولفظ "الكتاب"، بل إن الترادف بمعنى المطابقة من كل الوجوه قليل في لغة العرب وربما منعدم في القرآن الكريم وهو ما رجحه شيخ الإسلام عليه رحمة المنان، يقول رحمه الله تعالى في مقدمة التفسير:"ومن الأقوال الموجودة عنهم-أي عن السلف- ويجعلها بعض الناس اختلافا أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة فإن الترادف في اللغة قليل وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم وقل أن يعبر عن لفظ واحد يؤدي جميع معناه بل يكون فيه تقريب لمعناه وهذا من أسباب إعجاز القرآن فإذا قال القائل { يوم تمور السماء مورا } : إن المور هو الحركة كان تقريبا إذ المور حركة خفيفة سريعة وكذلك إذا قال الوحي الإعلام أو قيل : أوحينا إليك أنزلنا إليك أو قيل { وقضينا إلى بني إسرائيل } أي أعلمنا وأمثال ذلك فهذا كله تقريب لا تحقيق فإن الوحي هو إعلام سريع خفي والقضاء إليهم أخص من الإعلام فإن فيه إنزالا إليهم وإيحاء إليهم...وإن قيل أنه { ذلك الكتاب } هذا القرآن فهذا تقريب لأن المشار أليه وإن كان واحدا فالإشارة بجهة الحضور غير الإشارة بجهة البعد والغيبة ولفظ الكتاب يتضمن من كونه مكتوبا مضمونا ما لا يتضمنه لفظ القرآن من كونه مقروءا مظهرا باديا."اهــ.
فالكتاب لوحظ فيه معنى الكتابة فهو فعال بمعنى مفعول أي مكتوب كما لوحظ فيه معنى الجمع فهو من الكتب بمعنى الجمع ومنه الكتيبة لجماعة الخيل.
بخلاف القرآن الذي اختلف العلماء في لفظه من حيث الاشتقاق ومن حيث كونه مهموزا أو غير مهموز وفي سبب تسميته بهذا الاسم، وذلك على مذاهب شتى، منها: 1- أن القرآن سمي بهذا الاسم، من باب إطلاق المصدر وإرادة المفعول، باعتبار أنه مشتق من قرأ، ولهذه الكلمة معنيان: الأول: تلا: فالقرآن متلو ومقروء، والثاني: جمع: فالقرآن مجموع غير متفرق.
2- وقيل أنه سمي بالقرآن من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل، باعتبار أن مادته قرأ بمعنى جمع، فيكون قرآن بمعنى قارئ أي جامع، واختلف في معموله:
فقيل: هو جامع للآيات والسور وجامع لآيات الوعد والوعيد والحكم والأمثال والقصص والأحكام. ومنهم من قال أنه جامع لثمرات الكتب السابقة باعتباره ناسخا لها ومهيمنا عليها، والحق أنه لا منفاة بين هذه الأقوال ، فالقرآن جامع للسور والآيات والحكم وكذلك هو جامع لثمرات الكتب السابقة ولجميع العلوم النافعة.
3- وقيل سمي قرآنا لقرنه بين الآيات والسور، أي ضمه وجمعه لها، قال أبو عبيدة[SUP](
[SUP][FONT="][1][/FONT][/SUP])[/SUP]:" سمي القرآن قرآنا لأنه جمع السور بعضها إلى بعض"[SUP](
[SUP][FONT="][2][/FONT][/SUP])[/SUP].
[FONT="]4- وقال الفراء[/FONT][SUP][FONT="]([/FONT][/SUP]
[FONT="][FONT="][3][/FONT][/FONT][SUP][FONT="])[/FONT][/SUP][FONT="]:[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]هو مشتق من القرائن لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضا ويشابه بعضها بعضا وهي قرائن، وعلى القولين الأخيرين هو بلا همز أيضا ونونه أصلية.[/FONT]
5- وذهب بعض أهل العلم إلى أن القرآن من القرء بمعنى الإظهار والبيان، لأن القارئ يظهره ويبينه من فيه، أخذا من قول العرب ما قرأت الناقة سلا قط أي ما رمت بولد أي ما أسقطت ولدا والقرآن يلفظه القارئ من فيه ويلقيه فسمي قرآنا[SUP](
[SUP][FONT="][4][/FONT][/SUP])[/SUP].
[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="])[/FONT] معمر بن المثنى التيمي بالولاء البصري، أبو عبيدة النحوي: من أئمة العلم بالادب واللغة، ولد سنة:110ه. حدث عنه: علي بن المديني، وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم، له نحو 200 مؤلف، منها مجاز القرآن إعراب القرآن. توفي رحمه الله تعالى سنة:209ه. انظر:
سير أعلام النبلاء:(9/445) و
الأعلام للزركلي:(7/272).
([FONT="][2][/FONT]) الزركشي،
البرهان في علوم القرآن، ط1،1/277.
([FONT="][3][/FONT]) العلامة، صاحب التصانيف، أبو زكريا الفراء، يحيى بن زياد بن عبد الله صاحب الكسائي، ولد سنة 144ه. روى عن الكسائي و قيس بن الربيع وغيرهما، وروى عنه: سلمة بن عاصم ومحمد بن الجهم السمري وغيرهما، وكان ثقة. من تصانيفه:(معاني القرآن).توفي رحمه الله تعالى سنة 207ه. انظر:
سير أعلام النبلاء:(10/119-120)
ووفيات الأعيان:(6/176-182).
([FONT="][4][/FONT]) وممن ذهب إلى هذا القول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى كما في كتابه الماتع
زاد المعاد-5/635-.