الكبائر والصغائر

إنضم
05/05/2003
المشاركات
70
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الموقع الالكتروني
www.toislam.net
مصطلح الكبائر والصغائر يرد في كتب العقائد، وذلك إذا تحدثوا عن الذنوب، وتقسيمها، وحكم مرتكب الكبيرة في الدنيا والآخرة، وهكذا...
وفيما يلي نبذة عن تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، والأدلة على ذلك، مع بيان ماهية الصغائر والكبائر سواء عند من حصروا الكبائر بعدد أو حدوها بحد، ثم ينتقل الحديث إلى مسألة تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة، وهل هذا ممكن أو أنه لا بد من التوبة؛ فإلى التفصيل في ذلك الشأن:
أولاً: تقسيم الذنوب: الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، قال الغزالي -رحمه الله-: (اعلم أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقد كثر اختلاف الناس فيها؛ فقال قائلون: لا صغيرة ولا كبيرة، بل كل مخالفة لله فهي كبيرة.
وهذا ضعيف؛ إذ قال - تعالى -: [إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً] (النساء:31) وقال - تعالى -: [الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ] (النجم:32).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة يكفرن ما بينهن إن اجتنبت الكبائر) وفي لفظ آخر: (كفارات لما بينهن إلا الكبائر)[1].
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: (الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس)[2] [3].
وقال ابن القيم -رحمه الله-: (وقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم والأئمة على أن من الذنوب كبائرَ وصغائر)[4].
وقال -رحمه الله-: (والذين لم يقسموها إلى كبائر وصغائر قالوا: الذنوب كلها -بالنسبة إلى الجراءة على الله سبحانه ومعصيته ومخالفة أمره- كبائر؛ فالنظر إلى من عُصي أمرُه، وانتُهك محارمه يوجب أن تكون الذنوب كلها كبائر، وهي مستوية في هذه المفسدة)[5].
وقال -بعد أن ساق بعض ما أورده مَنْ قال: إن الذنوب كلها كبائر-: (فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل؛ فما كان أشدَّ منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر، وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له، وما كان أشدَّ موافقة لهذا المقصود فهو أوجب الواجبات، وأفرض الطاعات؛ فتأمل هذا الأصل حق التأمل، واعتبر تفاصيله تعرف به حكمة أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين فيما فرضه على عباده، وحرمه عليهم، وتفاوتَ مراتب الطاعات والمعاصي)[6].
ثانياً: ما هية الصغائر والكبائر عند من حصروها بعدد: اخْتُلِفَ في تحديد الكبائر وحصرها؛ فقيل في ذلك أقوال منها[7]:
1- قال عبدالله بن مسعود-رضي الله عنه-: هي أربع.
2- وقال عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما -: هي سبع.
3- وقال عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: هي تسع.
4- وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - إذا بلغه قول ابن عمر: الكبائر سبع يقول: هن إلى سبعين أقرب منها إلى سبع.
5- وقال آخر: هي إحدى عشرة.
6- وقال أبو طالب المكي: جمعتها من أقوال الصحابة فوجدتها أربعة في القلب وهي: الإشراك بالله، والإصرار على المعصية، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله.
وأربعة في اللسان، وهي: شهادة الزور، وقذف المحصنات، واليمين الغموس، والسحر[8].
وثلاثة في البطن: شرب الخمر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا.
واثنين في الفرج: الزنا، واللواط.
واثنين في اليدين وهما القتل والسرقة.
وواحداً في الرجلين وهو الفرار من الزحف.
وواحداً يتعلق بجميع الجسد وهو عقوق الوالدين.
هذه أقوال الذين حصروها بعدد.
ثالثاً: ماهية الكبائر والصغائر عند من حدوها بحد، ولم يحصروها بعدد: وأما الذين لم يحصروا الكبائر بعدد، وإنما حدوها بحد فقد اختلفوا في ذلك على أقوال منها:
1- ما اقترن بالنهي عنه وعيد من لعن، أو غضب، أو عقوبة - فهو كبيرة، وما لم يقترن به شيء فهو صغيرة.
2- وقيل: كل ما ترتب عليه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة - فهو كبيرة، وما لم يرتب عليه لا هذا ولا هذا فهو صغيرة [9].
3- وقيل: كل ما اتفقت الشرائع على تحريمه فهو من الكبائر، وما كان تحريمه في شريعة دون شريعة فهو صغيرة.
4- وقيل: كل ما لعن الله ورسوله فاعله فهو كبيرة.
5- وقيل: هي كل ما ذكر من أول سورة النساء إلى قوله: [إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ] النساء: 31.
رابعاً: هل الحسنات والأعمال الصالحة تكفر الصغائر والكبائر على حد سواء أم لا بد في الكبائر من التوبة؟
والجواب على ذلك أن هذه المسألة قد اختلف فيها على قولين:
قال ابن رجب -رحمه الله-: في جامع العلوم 1/ 425-426: (وقد اختلف في مسألتين: إحداهما: هل تكفر الأعمال الصالحة الكبائر والصغائر؟ أو لا تكفر سوى الصغائر؟
فمنهم قال: لا تكفِّر سوى الصغائر, وقد روي هذا عن عطاء, وغيره من السلف في الوضوء أنه يكفر الصغائر, وقال سلمان الفارسي في الوضوء: إنه يكفر الجراحات الصِّغار, والمشي إلى المساجد يكفر أكبر من ذلك, والصلاة تكفر أكبر من ذلك, خرجه محمد بن نصر المروزي.
وأما الكبائر فلا بد لها من التوبة؛ لأن الله أمر العباد بالتوبة, وجعل من لم يتب ظالماً, واتفقت الأمة على أن التوبة فرض, والفرائض لا تؤدى إلا بنية وقصد, ولو كانت الكبائر تقع مكفرة بالوضوء, والصلاة, وأداء بقية أركان الإسلام - لم يحتج إلى التوبة, وهذا باطل بالإجماع).
ثم ساق -رحمه الله- جملة من الأقوال والآثار في تأييد هذا القول.
وانتقل بعد ذلك على القول الثاني في هذه المسألة, فقال 1/428: (وذهب قوم من أهل الحديث, وغيرهم إلى أن هذه الأعمال تكفر الكبائر ومنهم ابن حزم الظاهري, وإياه عنى ابن عبد البر في كتاب (التمهيد) بالرد عليه, وقال: (قد كنت أرغب بنفسي عن الكلام في مثل هذا الباب لولا قول ذلك القائل, وخشيت أن يغتر به جاهل, فينهمك في الموبقات؛ اتكالاً على أنها تكفرها الصلوات دون الندم, والاستغفار والتوبة)ا. هـ
ثم قال ابن رجب 2/429 -رحمه الله-: (والصحيح قول الجمهور: إن الكبائر لا تكفَّر بدون التوبة؛ لأن التوبة فرض على العباد).
ثم ساق جملة من الآثار التي تؤيد هذا القول.
ثم قال 2/438: (والأظهر -والله أعلم في هذه المسألة- أعني مسألة تكفير الكبائر بالأعمال- أنه أريد أن الكبائر تمحى بمجرد الإتيان بالفرائض, وتقع الكبائر مُكفَّرة بذلك كما تكفر الصغائر باجتناب الكبائر - فهذا باطل.
وإن أريد أنه يوازَن يوم القيامة بين الكبائر وبين بعض الأعمال, فتمحى الكبيرة بما يقابلها من العمل, ويسقط العمل؛ فلا يبقى له ثواب فهذا يقع).
إلى أن قال 2/440: (وظاهر هذا أنه تقع المقاصَّةُ بين الحسنات والسيئات, ثم تسقط الحسنات المقابلة للسيئات, وينظر إلى ما يَفْضُل بعد المقاصة.
وهذا يوافق قول من قال بأن من رجحت حسناته على سيئاته بحسنة واحدة أثيب بتلك الحسنة خاصة, وسقط باقي حسناته في مقابل سيئاته, كأنها لم تكن.
وهذا في الكبائر, أما الصغائر فإنها تمحى بالأعمال الصالحة مع بقاء ثوابها)ا.هـ.
هذا وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن الحسنات الماحية تكفر الكبائر بدون التوبة.
قال -رحمه الله- في مجموع الفتاوى 7/489 بعد أن ذكر السبب الثالث من الأسباب التي تزول بها عن العبد عقوبة الذنوب, وهو الحسنات الماحية قال: (وسؤالهم على هذا الوجه أن يقولوا: الحسنات إنما تكفر الصغائر فقط.
أما الكبائر فلا تغتفر إلا بالتوبة كما جاء في بعض الأحاديث: (ما اجتنبت الكبائر) فيجاب عن هذا بوجوه) ا. هـ .
ثم ذكر -رحمه الله- خمسة وجوه بيَّن من خلالها أن الحسنات تكفِّر الكبائر.
ومما قال -رحمه الله- من الوجوه التي أيَّد بها كلامه ما يلي:
(أحدهما: أن هذا الشرط -يعني ما اجتنبت الكبائر- جاء في الفرائض, كالصلوات الخمس, والجمعة, وصيام رمضان, وذلك أن الله - تعالى - يقول: [إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ] (النساء: 31) . فالفرائض مع ترك الكبائر مقتضية لتكفير السيئات, وأما الأعمال الزائدة من التطوعات فلا بد أن يكون لها ثواب آخر؛ فإن الله - سبحانه - يقول: [فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ] (الزلزلة: 7-8) .
الثاني: أنه قد جاء التصريح في كثير من الأحاديث بأن المغفرة قد تكون مع الكبائر, كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (غفر له وإن كان فر من الزحف).
وفي السنن: (أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صاحب لنا قد أوجب, فقال: (أعتقوا عنه يعتقِ الله عنه بكل عضو عضواً من النار).
وفي الصحيحين من حديث أبي ذر: (وإن زنا وإن سرق).
الثالث: أن قوله لأهل بدر ونحوهم: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) إن حُمِل على الصغائر, أو على المغفرة مع التوبة لم يكن فرق بينهم وبين غيرهم؛ فكما لا يجوز حمل الحديث على الكفر؛ لما قد عُلِمَ أن الكفر لا يغفر إلا بالتوبة - لا يجوز حمله على الصغائر المُكَفَّرةِ باجتناب الكبائر).
ثم ذكر -رحمه الله- الوجهين الرابع, والخامس, وأطال فيهما.
والمقام لا يتسع لإيرادهما, وإنما المقصود هو الوقوف على رأي شيخ الإسلام في هذه المسألة.
خامساً: مسألة مهمة في تكفير الأعمال الصالحة للسيئات، ومنها الكبائر: وبعد أن تبين - من خلال ما مضى - بعض أقوال أهل العلم في هذه المسألة, وأن بعضهم -ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية- يرى أن الحسنات الماحية, والأعمال الصالحة تكفر الكبائر بدون التوبة- فإنه يحسن الوقوف على مسالة مهمة في هذا الباب تتبين من خلال التساؤل الآتي:
هل الأعمال الصالحة تقوى على التكفير الكبائر بإطلاق؟
والجواب: أن الأعمال الصالحة قد لا تقوى على الكبائر؛ ذلك أن الأعمال إنما تتفاضل بحسب إحسان العمل, وبحسب ما يقوم بالقلب من حقائق الإيمان؛ فتكفير العمل للسيئات بحسب كماله, ونقصانه.
ولا ريب أن الكبائر والذنوب عموماً تضعف القلب, وتعطل سيره إلى الله والدار الآخرة, وعلى هذا فقد تكون الأعمال الصالحة ناقصة, ضعيفة لا تقاوم الكبائر؛ ولا تقوى على تكفيرها.
ولا يرد على هذا أن بعض النصوص صرحت بأن هناك أعمالاً غفر الله لأصحابها بسبب عمل صالح, كما في حديث البغي, وحديث صاحب البطاقة؛ ذلك أن الحالات الخاصة لا تعمم ولا تكون قاعدة مطردة بكل حال؛ فليس كل امرأة بغي تسقي كلباً يغفر لها, وليس كل من قال: (لا إله إلا الله) تنفعه كما نفعت صاحب البطاقة.


[1] رواه مسلم (233).
[2] رواه البخاري (6656) .
[3] إحياء علوم الدين 4/17.
[4] الجواب الكافي ص306.
[5] الجواب الكافي ص 309.
[6] الجواب الكافي 312.
[7] انظر إحياء علوم الدين 4/17-18، والجواب الكافي 308-309.
[8] السحر لا يقتصر على اللسان، بل تشترك الجوارح في عمله.
[9] وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى 11/650، وقال في 11/650: (إنه أمثل الأقوال في هذه المسألة) ، وقال في 11/654: (وإنما قلنا: إن هذا الضابط أولى من سائر تلك الضوابط المذكورة لوجوه . . .) ثم ذكر خمسة وجوه.

 
عودة
أعلى