القول في القرآن الكريم بالرأي ..ما هي حدوده ؟

إنضم
28/02/2009
المشاركات
767
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
منذ فترة وأنا أطالع بعض المشاركات والمواضيع التي أجد في كاتبيها ما يمكن أن أسميه "جراءة" على تفسير كتاب الله تعالى ؛ تارة بالاعتماد على اللغة وحدها ، ومرة بالاعتماد على عكس ما تفيده اللغة ، وحينا آخر ببعض الاكتشافات الحديثة ، ومرة بالمعادلات الحسابية حتى المتناقضة رياضيا ..
وكنت قرأت قبل ذلك تحذير السلف الصالح من القول في القرآن الكريم بالرأي ونصوصهم معروفة لدى الجميع .
فمتى يوصف قول ما أو تفسير ما بأنه قول في القرآن الكريم بالرأي ؟ ومتى يكون ذلك مذموما منطبقا عليه ما نقل عن السلف ؟
 
اخي الفاضل
ان مفهوم التفسير بالرأي هو الاجتهاد، أو القياس، ولذا يقال أصحاب الرأي أو القياس.
للتفسير بالراي معنيان: الأول: التفسير دون الاستعانة بأية أداة من علوم تؤيد اجتهاده. وهو لا يجري على قوانين العربية، ولا يوافق الأدلة الشرعية، ولا مستوف لشروط التفسير، وهذا المعنى مذموم. بل وعليه يقع الأحاديث التي تنص على حرمة القول في القرآن بغير علم، ومنها: ما رواه الترمذي:عن جندب بن عبد الله قال : قال رسول الله صل1: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ. وغيرها من الأحاديث.
المعنى الثاني: هو التفسير بالاجتهاد من خلال معرفة المفسر لكلام العرب ومناحيهم في القول ومعرفته للألفاظ العربية ووجوه دلالالتها ووقوفه على اسباب النزول، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وسائر أدوات المفسر الموجودة في كتب علوم القرآن: مثل كتاب الاتقان للسيوطي، والبرهان للزركشي وغيرها فليرجع لها لمعرفة شروط المفسر. ويكون هذا التفسير أيضا موافقا للكتاب والسنة وأصول التشريع .وهذا القسم جائز عند المفسرين الذين استخدموا مصطلح التفسير بالراي وأجازوه.
وهذا الأخير أي التفسير بالراي الجائز: محدود ومشروط، وليس على إطلاقه، ولا يسمح لأحد تحت مسمى التفسير بالراي أي يفسر على هواه ثم يقول أنا من جماعة القائلين بجواز التفسير بالراي.
ومعلوم أن التفسير بالمأثور: له عدة مصادر:
اعلاها ما فسره النبي صل1 بنفسه وهو قليل، وثانيها ما نقل من تفسير الصحابة الكرامرضي الله عنهم وهم من شاهد وعاين التنزيل كابن عباس وابن مسعود، ومن بعدهم التابعين الذين تتلمذوا على الصحابة، ولم يدخل للغتهم اللحن، وهم أهل القرن الثالث المشهود لهم من النبيصل1 بالخيرية. ولم يتم تفسير القرآن كاملا من قبل من ذكرت، ولكن جاء من جمع آثار الجميع في كتاب وتمم تفسير القرآن، كابن جرير الطبري، وجمع اشتات تفاسير من ذكرنا، ولهذا صنف تفسيره ضمن تفاسير بالمأثور. علما ان فيه أرآء الطبري الخاصة كالترجيحات بين الأقوال، ومثله تفسير ابن كثير.
وللتوسع راجع ذلك في كتب علوم التفسير: التفسير والمفسون للذهبي. مناهج المفسيرين: صلاح عبد الفتاح الخالدي. ود مصطفى مسلم. وغيرهم.
هذا خلاصة ما يجوز وما لا يجوز في مسالة التفسير بالراي والتفسير بالمأثور. والله أعلم
 
أخي الكريم : توفيق العبيد وفقك الله لكل خير فقد استفدت مما كتبت .
لكنك تعرف سبب كتابتي لهذا الموضوع وقد بينتها في مستهله ؛ فهل بعض المشاركات الموجودة هنا في هذا الملتقى وفي غيره من تفسير للقرآن الكريم بمحض الرأي- وبعض ذلك البعض دون اعتماد حتى على لغة أو أي مصدر من مصادر التفسير المعروفة ؛ بل وبعض بعض ذلك البعض يفسر بعكس المعنى المعروف من لغة العرب - داخلة في ذلك المنهي عنه ؟
إذا كانت الإجابة بنعم فلماذا يتركها القائمون على هذا الملتقى تفسد على الناس كثيرا من هيبة كتاب الله تعالى فيصبح كل من هب ودب يفسر الآية كذا بكذا ثم يقول هذا ما فتح الله به علي !!
إذا لم توجد الغيرة على تفسير كتاب الله تعالى في هذا الملتقى فأين مظنتها ؟
 
أخي ابراهيم حفظك الله تعالى: وفق خبرتي وعهدي بالقائمين على هذا الملتقى الطيب، انهم لايسمحون لوجود تفسير يخالف الشروط التي قلتها لك آنفا، وإن كنت تقصد مقالة بعينها وجدت في هذا الملتقى، فأشر إليها لنطلع عليها، وننبه عليها الإخوة المشرفين، فأنت تعلم انشغالاتهم، فلا يتصور أنهم أمام الملتقى 24 ساعة دونما عمل، ومن جهة أخرى أقول لك: ظهر اليوم مصطلح التفسير الموضوعي، وهو ليس بدعا من التفاسير ولا خارجا عن أصوله، بل إنه يستمد روافده من تفسير السلف، ومن التفاسير المقبولة من تفاسير أهل الرأي المقبول.
ولعلك تراجع مقالتي : تدبر لقوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده .
وجزيت خيرا
 
اخي الكريم : توفيق حفظك الله تعالى ورعاك .
أولا : أنا لا أقصد التفسير الموضوعي ؛ لأنه لا يختلف عن التفسير المعهود ؛ وهو يستمد من نفس المصادر ، وغاية ما فيه الارتباط بموضوع معين وحصر آياته لتكوين وحدة موضوعية حول ذلك .
لكن الذي أعنيه هو ما كثر في هذا الملتقى من المقالات والمواضيع التي تعالج ما يسمى بالإعجاز بأنواعه ، وخاصة الإعجاز العددي ، وأعلم أن أهل العلم المعاصرين قالوا قولتهم فيه : "الإعجاز شغل من لا شغل له" و"علم من لا علم له" ..
وأعلم أن القائمين على هذا الملتقى لا يستطيعون متابعة كل المشاركات والمواضيع ؛ ولكن هذا النوع الذي أعنيه كثر حتى طم ؛ وحاول الأخ نايف الزهراني حفظه الله تعالى أن يتنزل مع المدافعين عنه ؛ ويطالبهم بضوابط وبيان منهجتهم في تفسيرهم العددي هذا في موضوع مثبت ؛ حتى يعرف المسلم كيف يقف منه ؛ لكنه لم يجد سوى ما وجد ؛ فهل يترك الحبل على الغارب بدعوى حرية التعبير ، والمحافظة على الأعضاء ؟
 
أوافك الراي فيما قلت، ولكن كلام من يفسر وفق ما يسميه باالإعجاز ونحوه، لا علاقة له بموضوع التفسير بالراي، بل لا يخضع لقواعده، ولاسيما ما يسمى الاعجاز العددي، وضوابط هذا الأمر ذكره العلماء، ومن أروع ما قرأت هو كتاب البيان في إعجاز القرآن د. صلاح عبد الفتاح الخالدي، حيث ذكر ضوابط ما يقال أنه من الاعجاز، وقد ذكرت تفصيل كلامي في الرابط:http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=22525
لذلك طلبك بضابط للتفسير بالرأي لا يوقف هذا المد الذي قلته، ولكن نطالب بضوابط لما يسمى بالاعجاز القرآني بغض النظر عن الجانب المطروق، سواء علمي او تشريعي او عددي، المهم ان يكون هنا ضوابط لهذا، والعلماء كتبوا في ذلك، وقد ذكرت كتابا من بين ما كتب (البيان في إعجاز القرآن)، وأقترح أن ينظر فيما كتب حول الاعجاز في هذا الملتقى، ويجمع شتاته وأن يعاد عرضه بطريقة تأصيلية لوقف ما قلته من تفسيرات تخضع لما يسمى بالاعجاز.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
هذة اول مشاركة لي في منتداكم المبارك وفقكم الله لكل خير
قرات ماكتب الاخ الحسني وتخوفت من طرح أي موضوع وبدأت أتساءل أين أنا في هذا الملتقى هل من شروط العضوية أن يكون العضو يحمل شهادة أو إجازة في التفسير قد يكون ماقلت أخي الحسني قوة في الحق ونصرة لكتاب الله لكن لا اراها هنا إلا إذا كتبت مقالة يكون فيها تجاوز واضح وهذا مردود عليه من الإخوة الأفاضل ويستفيد الجميع، أما غير ذلك فأراه حجراً على كتاب الله ودعوة لهجره من خلال التخويف بعدم الفهم والطرح.
مثال مايعانيه عامة الشيعة من أن القرآن لايؤخذ أي معنى له إلا من الأئمة، وهذا ماقاله لي أكثر من واحد منهم وتسبب هذا في عدم تدبرهم للقرآن مما ولد عندهم تبعية سلبية وهجر لكتاب الله حتى لوقراءة .
أعتقد أن من حق أي عضو طرح أي موضوع أو فهم للنقاش والرد والفائدة والتساؤل وطبعا ليس للنشر فهذا الملتق%
 
كلامك أخي غازي متزن وأصاب لب الحقيقة ..
والمشاركات التي تكون عرض فهم من أجل الاستفادة من أهل العلم فيه وتوجيه صاحبه شيء جميل يشكر صاحبها ويشجع ..
ولكن الذي أعنيه هو التلاعب بكتاب الله تعالى تحت مسمى الفهم ، وما أراه كذا ، وهذا ما فتح الله به علي ، ونحو ذلك ..
والأدهى من ذلك أن بعضهم لو قلت له ما سلفك في هذا الفهم ، وهل تسانده لغة أو قول عالم أجابك بقوله : هذا رأيي في تفسير هذه الآية ..

والذي ينبغي التنبيه عليه أنه حتى اللغة وحدها لا تكفي لفهم كتاب الله تعالى كما هو معلوم ..
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

اشكرك اخي العزيز الحسني على ماتفضلت بة ولكن عندي اشكالية قد اكون فيها غير واضح او اجهل بعض الامور ليست في من يقول هذا مافتح الله على لان هذا لااعتقد انة يخرج عن اعجاب بالنفس وهؤلاء لاطائل من النقاش معهم ويسعون للتفرد والنقاش معهم مستفز .
قرات في تفسير بعض الايات في تفسير الطبري وابن كثير والسعدي وغيرهم واعطيك مثال
قولة سبحانة تعالى في الاية السابعة من سور الرعد (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )
في تفسير السعدي : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) أي: داع يدعوهم إلى الهدى من الرسل وأتباعهم، ومعهم من الأدلة والبراهين ما يدل على صحة ما معهم من الهدى.
وفي تفسير الطبري : قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ويقول الذين كفروا) يا محمد، من قومك=(لولا أنـزل عليه آية من ربه) هلا أنـزل على محمد آية من ربه؟
margntip.gif
يعنون علامةً وحجةً له على نبوّته
margntip.gif
وذلك قولهم:
b2.gif
لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ
b1.gif
[سورة هود: 12] يقول الله له: يا محمد (إنما أنت منذر) لهم, تنذرهم بأسَ الله أن يحلّ بهم على شركهم
margntip.gif
.(ولكل قوم هاد) . يقول ولكل قوم إمام يأتمُّون به وهادٍ يتقدمهم, فيهديهم إما إلى خيرٍ وإما إلى شرٍّ .
وباقي كلامة انت تعرفة ان هناك من قال ان الهاد هو محمد صلى الله علية وسلم الى اخر تفسير هذة الاية عند الطبري .
الشاهد في كلامي هو تفسير الهاد عندما اطرح عليك هذا الفهم للهاد هل هو يخرج عن التفاسير السابقة لة ام انة يكملها ام انة جانب الصواب .
فالهاد هنا لايمكن ان يكون رجل من سياق الاية فالكفار طلبوا اية وهذا معناة انهم لم يصدقوا بالقران الكريم فاقترحوا غيرة كان الجواب ان ان النبي منذر ولكل قوم هاد والهاد لامة محمد هو القران ولمن سبق كان العصا وكان هناك الناقة وكان التوراة والانجيل وغيرها .
فالله هو من ينزل الايات بما يناسبهم بعلمة سبحانة وتعالى فيكون تاويل الهاد بهذا القول : لكل قوم هاد اي لكل قوم مايناسبهم من معجزة او اية او كتاب ينزلة الله بعلمة سبحانة وتعالى فالهاد لامة محمد صلى الله علية وسلم هو القران وللسحرة كانت العصا والناقة لقوم صالح علية السلام ... وهناك ايات اخرى اشكل على فهمها من خلال التفسير حيث ان المعنى لم يصل الى من خلال قراءة التفسير ربما اطرحها لاحقا ان شاءالله وطرحي السابق ليس تفسير انما تسائل للوصول الى فهم وطرحتة لانة ليس لي علم بعلوم القران وربما يكون طرح سابقا او هنا في الملتقى . ولهذا السبب كان دخولي واشتراكي في الملتقى لانة للاسف الشديد تبحث حواليك لاتجد من يتدارس كتاب الله فالكل مشغول بامور الحياة واهتمامات مادية بحتة .
اضافة : المعنى السابق اخذتة من الايات التي تتحدث عن القران .
وفق الله الجميع الى كل خير
 
أخي الكريم : وفقني الله وإياك لخيري الدنيا والآخرة .
الفهم المبني على الأسس الشرعية لا يعارضه عاقل ؛ وإنما الذي تكلمت عنه هو الفهم المنبت .
والفهم في كتاب الله تعالى - في الأغلب - لا بد أن يكون له أساس ؛ لأن الوحي قد انقطع ؛ وصرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : "إنما العلم بالتعلم .."
فلا بد لعرض فهم كتاب الله تعالى من أسس من أهمها :
1 - قبل أن أعرض فهمي للآية يجب علي أن أكون خلفية في التفسير وعلوم القرآن ؛ ثم في لغة العرب التي بها نزل كتاب الله تعالى .
2 - يجب أن أقرأ في كلام المفسرين من السلف الصالح وكأني أعرض عليهم فهمي لهذه الآية ؛ فإن وجدت منهم من وافقني على ذلك الفهم فالمسألة سهلة ويمكن طرحها في الملتقيات لعرض أدلة القولين أو الأقوال والوصول إلى الراجح منها .
3 - إن لم أجد فهمي عند أحد من السلف الصالح ؛ فيجب علي قبل أن أضرب الحائط بأقوال هؤلاء الخيرة البررة أن أتثبت ؛ وأعرض فهمي على العقيدة الإسلامية ؛ فهل يخالفها أم لا ؟ ثم أراجع الآيات التي في معنى الآية لعلي أجد أن فهمي ضعيفا أو مخالفا لاستقراء الايات أو نحو ذلك .
4 - إن تثبت من أن فهمي لا يعارضه أرجح منه ؛ ولا يخالف أصلا مجمعا عليه ؛ لا بأس بأن أطرحه على أهل العلم المعاصرين في الملتقى أو في غيره وأسمع منهم .
وأما فهمك لقوله تعالى : "ولكل قوم هاد" فسأنقلك لكلام الشنقيطي رحمه الله تعالى عليها حيث قال : ( قوله تعالى :{ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ...} .
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأن لكل قوم هادياً . وقد جاء في آيات أُخر ما يدلُ على أن بعض الأقوام لم يكن لهم هادٍ ، سواء فسّرنا الهدى بمعناه الخاص أو بمعناه العام .
فمن الآيات الدالة على أن بعض الناس لم يكن لهم هاد بالمعنى الخاص ؛ قوله تعالى :{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ } فهؤلاء المضلون لم يهديهم هاد الهدى الخاص ، الذي هو التوفيق لما يرضي الله . ونظيرها قوله :{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، وقوله :{ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } وقوله :{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } إلى غير ذلك من الآيات .
ومن الآيات الدالة على أن بعض الأقوام لم يكن لهم هاد بالمعنى العام ، الذي هو إبانة الطريق ، قوله تعالى :{ {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ (6) سورة يس } بناء على التحقيق من أن " ما " نافية لا موصولة ، وقوله تعالى :{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ..} الآية .
فالذين ماتوا في هذه الفترة ، لم يكن لهم هادٍ بالمعنى الأعمِّ أيضاً .
والجواب عن هذا من أربعة أوجه .
الأول : أن معنى قوله : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي داع يدعوهم ويُرشدهم ، إما إلى خير الأنبياء ، وإما إلى شر كالشياطين . أي وأنت يا رسول الله منذر هادٍ إلى كل خير . وهذا القول مرويٌّ عن ابن عباس ، من طريق علي بن أبي طلحة ، وقد جاء في القرآن استعمال الهدى في الإرشاد إلى الشر أيضاً ، كقوله تعالى :{كُتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير } وقوله تعالى :{فاهدوهم إلى صراط الجحيم} ، وقوله تعالى :{ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم} كما جاء في القرآن أيضاً إطلاق الإمام على الداعي إلى الشر ، في قوله :{وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار .. } الآية .
الثاني : أن معنى الآية : أنت يامحمد - صلى الله عليه وسلم - منذر ، وأنا هادي كل قوم ويُروى هذا عن ابن عباس من طريق العوفي ، وعن محمد وسعيد بن جبير والضحاك وغير واحد . قاله ابن كثير .
وعلى هذا القول ، فقوله :{ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }، يعني به نفسه جل وعلا . ونظيره في القرآن قوله تعالى :{ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } يعني نفسه ، كما قاله قتادة . ونظيره من كلام العرب قول قتادة بن سلمة الحنفي :
ولئن بقيتُ لأرحلنَّ بغزوةٍ تحوي الغنائم أو يموت كريمُ
يعني : نفسه .
وسيأتي تحرير هذا المبحث إن شاء الله في سورة القارعة . وتحرير المعنى على هذا القول : أنت يا محمد منذر ، وأنا هادي كل قوم سبقتْ لهم السعادة والهدى في علمي ؛ لدلالة آيات كثيرة على أنه يتعالى هدى قوماً وأضل آخرين ، على وفق ما سبق به العلم الأزلي ، كقوله تعالى :{ إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } .الثالث : أن معنى : {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} أي : قائد ، والقائد : الإمام والإمام : العمل . قاله أبو العالية ، كما نقله عنه ابن كثير .
وعلى هذا القول ، فالمعنى : ولكل قوم عمل يهديهم إلى ما هم صائرون إليه من خير وشر . ويدلُّ لمعنى هذا الوجه قوله تعالى :{هنالك تتلو كل نفسٍ ما أسلفت} على قراءة من قرأها بتاءين مثناتين ، بمعنى : تتبع كل نفس ما أسلف من خير وشر .
وأما على القول بأن معنى : " تتلو" : تقرأ في كتاب عملها ما قدمت من خير وشر ، فلا دليل في الآية . ويدل له أيضاً حديث : " لتتبع كل أمة ما كانت تعبد . فيتبع من كان يعبد الشمس : الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت : الطواغيت" الحديث .
الرابع : وبه قال مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد ـ : أن المراد بالقوم الأمة ، والمراد بالهادي النبي . فيكون معنى قوله :{ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} أي : ولكل أمة نبي ، كقوله تعالى :{ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ } وقوله :{ولكل أمة رسول } .
وكثيراً ما يُطلق في القرآن اسم القوم على الأمة ، كقوله :{ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } ، ونحو ذلك .
وعلى هذا القول ، فالمراد بالقوم في قوله :{ولكل قوم هادٍ} أعمُّ من مطلق ما يصدق عليه اسم القوم لغةً . ومما يوضح ذلك : حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه في السنن والمسانيد :"" أنتم توفون سبعين أمة" الحديث .
ومعلوم أن ما يُطلق عليه اسم القوم لغةً ، أكثر من سبعين بأضعاف وحاصل هذا الوجه الرابع أن الآية كقوله : { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ } وقوله :{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ } وهذا لا إشكال فيه ، لحصر الأمم في سبعين ،كما بين في الحديث . فآباء القوم الذين لم ينذروا مثلاً ، المذكورون في قوله :{لتنذر قوماً ما أنذر آباؤءهم} ليسوا أمة مستقلة ، حتى يرد الإشكال في عدم إنذارهم ، مع قوله :{وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} بل هم بعض أمة .
وقوله تعالى :{ وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ } لا يشكل عليه قوله تعالى :{ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً} لأن المعنى : أرسلنا إلى جميع القرى ، بل إلى الأسود والأحمر ، رسولاً واحداً ، هو محمد - صلى الله عليه وسلم - مع أنا لو شئنا أرسلنا إلى كل قرية بانفرادها رسولاً ، ولكن لم نفعل ذلك ، ليكون الإرسال إلى الناس كلهم فيه الإظهار لفضله - صلى الله عليه وسلم - على غيره من الرسل ، بإعطائه ما لم يُعطه أحدٌ قبله من الرسل، عليه وعليهم الصلاة والسلام .
كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح : من أن عموم رسالته إلى الأسود والأحمر ؛ مما خصَّه الله به دون غيره من الرسل .
وأقرب الأوجه المذكورة عندنا ، هو ما يدل عليه القرآن العظيم ، وهو الوجه الرابع ، وهو أن معنى الآية { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي : لكل أمة نبي ، فلست يانبي الله بدعاً من الرسل .
ووجه دلالة القرآن على هذا : كثرة إتيان مثله في الآيات ، كقوله :{ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} ، وقوله :{ولكل أمة رسول} وقوله :{وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} .
وعليه ، فالحكمة في الإخبار بأن لكل أمة نبياً ، أن المشركين عجبوا من إرساله - صلى الله عليه وسلم - ، كما بينه تعالى بقوله :{أكان الناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس} وقوله {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم} ، وقوله :{وما منع الناس أن يؤمنوا إذا جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً} فأخبرهم أن إنذاره لهم ليس بعجب ولا غريب ، لأن لكل أمة منذراً . فالآية كقوله:{قل ما كنت بدعاً من الرسل} ، وقوله : {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} والعلم عند الله تعالى .
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب [ص 48 -49]
فما قولك في هذا التحليل هل وافق وجه منه فهمك للآية أم لا ؟
وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
 
الأخ غازي الغازي:
حياك الله في ملتقى أهل لتفسير، وأهل التفسير حماة الكتاب من الزيغ والتحريف، وردا على استفسارك السابق، وبعد إذن أخي ابراهيم الحسيني حفظه الله أقول لك موضحا ما أشكل عليك:"فالهاد هنا لايمكن ان يكون رجل من سياق الاية فالكفار طلبوا اية وهذا معناة انهم لم يصدقوا بالقران الكريم فاقترحوا غيرة كان الجواب ان ان النبي منذر ولكل قوم هاد والهاد لامة محمد هو القران ولمن سبق كان العصا وكان هناك الناقة وكان التوراة والانجيل وغيرها "
أخي الكريم: صحيح أن قريشا طلبت آية، ولكن الجواب ليس كما تصورت ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) بل جواب لولا محذوف دل عليه السياق، والتقدير:وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه غير القرآن -كما حصل مع الرسل السابقين -ظانين أنك تقدر على تنفيذ كل ما يطلبون، وهذا ليس بمقدورك فإنما أنت منذر بأمر من الله تعالى، ولست صانعا للمعجزات ولا بيدك أمرها، وعدم مجيئك بمثل ما جاء به الرسل السابقون عائد إلى أن الله يرسل من المعجزات ما يناسب كل قوم، فكل قوم له هاد خاص بهم لا تنفع معجزات غيره معهم. وأن آية الله لقريش هي القرآن لكونهم أمة البلاغة، إذ الهدف من المعجزة بيان أن المرسل صادق فيما يبلغ.
وتفصيل ما قلته قد أورد أخي ابراهيم تفاصيله.
وقد يحذف الجواب لعدة أسباب منها دلالة السياق، وهذا من قواعد العربية, وكذلك قد يحذف الجواب ليكون التقديرله متنوع، مثاله:ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الل تواب رحيم. فجواب لولا محذوف، والتقدير: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لعجل لكم العذاب بسبب مخالفة شرعه، أو .... لما علمك هذه الأحكام المنظمة لحياتكم. وغيرها من التقديرات.
إذاً التفسير لا ينبع من الهوى ولا من الائمة ولا من غيرهم، إنما يصدر من أهل التفسير المنبضة تفاسيرهم بقواعد التفسير، الموضوعة وفق أدلة من الكتاب والسنة.
والله أعلم
 
عودة
أعلى