القول الفصل في دعوى المستشرقين بأن تعدد القراءات يرجع إلى خلو المصاحف من الإعجام و الشكل-4

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1

القول الفصل في دعوى المستشرقين بأن تعدد القراءات يرجع إلى خلو المصاحف من الإعجام و الشكل-4

الباب الثالث: ادعاء بعض المستشرقين أن سبب تعدد القراءات هو خلو الكتابة من النقط و الإعجام، و الرد على ذلك:
أيقن الغرب أن سر نهضة المسلمين و قوتهم هو تمسكهم بدينهم و كتاب ربهم، و لما علموا أن هذا الكتاب هو القلب النابض للمسلمين و هو ركن شريعتهم الركين الذي أعزهم الله به ففتحوا به أقصى البلدان و رفعوا راية الإسلام في معظم بقاع الأرض في فترة وجيزة من الزمن، لما علم الغرب كل ذلك، أيقنوا أن هذا القرآن يجب أن يكون هو الهدف الأكبر لطعوناتهم و شبهاتهم، و ذلك لأنهم إذا نجحوا في الطعن في القرآن و في قدسيته فالباقي أيسر و أسهل، فبسقوط القرآن يسقط كل الإسلام –معاذا الله-.
و قد تنوعت مطاعن المستشرقين الحاقدين في القرآن، و لعل من أبرز و أقدم من طعن في كتاب ربنا النصراني الحاقد يوحنا الدمشقي الذي ألف أول رسالة للتشكيك في القرآن و أنه كلام مخلوق.
ثم توالت طعونات المستشرقين فمنهم من شكك في مصدرية القرآن و أنه ليس من عند الله و منهم من وصفه بالنقص و التحريف و منهم من زعم تناقضه و اضطرابه و منهم من قال بأنه معارض للحقائق الشرعية و التاريخية و العلمية..
و هذه الأربعة يمكن أن نعتبرها أصول الطاعنين في القرآن..
و من وجوه الطعن في القرآن تلك التي ركزت على القراءات باعتبارها اختلاف ألفاظ الوحي المتلو –أي القرآن- أو كيفيات ألفاظ هذا الوحي.
و من أبرز هذه الشبهات و الطعون تلك التي يدعون فيها أن سبب تعدد القراءات و اختلافها إنما هو خلو القرآن من النقط و الشكل بالحركات، و هذا زعم باطل و ادعاء لا نصيب له من الصحة، ولله در الشاعر حيث قال:
والدعاوي إن لم تقيموا عليهـــــــــــــا ...
بيِّناتٍ أصحابها أدعيـــــــــــــــاء
و قبل تفنيد شبهتم تلك حول سبب ظهور القراءات و تعددها أنقل بعضا من كلامهم في ذلك.

الفصل الأول: عرض لبعض أقوال المستشرقين في سبب تعدد القراءات:
ادعى بعض المستشرقين أن تعدد القراءات إنما يرجع إلى خلو الكتابة من النقط و الإعجام، و من هؤلاء المستشرقين الذين زعموا هذا الزعم : جلود تسيهر و آثر جفري، و كار بروكلمان، و تيودر نولدكي.
المبحث الأول: ادعاء جولد تسيهر في كتابه" مذاهب التفسير الإسلامي":
" مذاهب التفسير الإسلامي" هو اسم الكتاب الذي ألفه المستشرق المجري جولد تسيهر و قام بترجمته الدكتور عبد الحليم النجار، و هذا الكتاب يوجد في 418 صفحة.
يقول تسيهر في كتابه "مذاهب التفسير الإسلامي":" و ترجع نشأة قسم كبير من هذه الاختلافات إلى خصوصية الخط العربي الذي يقدم هيكله المرسوم مقادير صوتية مختلفة، تبعا لاختلاف النقاط الموضوعة فوق هذا الهيكل أو تحته و عدد تلك النقاط. بل كذلك في حالة تساوي المقادير الصوتية، يدعو اختلاف الحركات الذي لا يوجد في الكتابة العربية الأصلية ما يحدده إلى اختلاف مواقع الإعراب للكلمة و بهذا إلى اختلاف دلالتها.
و إذن فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط و اختلاف الحركات في المحصول الموحد القالب من الحروف الصامتة كانا هما السبب الأول في نشأة حركة اختلاف القراءات في نص لم يكن منقوطا أصلا، أو لم تتحر الدقة في نقطه أو تحريكه" .-1-
فيرجع تسيهر سبب ظهور القراءات و اختلافها إلى انعدام الإعجام أو خلو الكتابة من النقط، و اختلاف الحركات أو انعدامها، و لبيان ذلك فقد أورد مجموعة من الأمثلة من كتاب الله تعالى مستدلا بها على مذهبه.
فمن الآيات التي ذكرها بالنسبة للسبب الأول ألا و هو انعدام التنقيط:
- قوله تعالى:" و نادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم و ما كنتم تستكبرون"- الأعراف:48-، قال:" قرأ بعضهم بدلا من تستكبرون بالباء الموحدة تستكثرون بالثاء المثلثة.".
و قد علق الدكتور عبد الحليم النجار على هذا بقوله:" لم تعتمد هذه القراءة-أي تستكثرون- في القراءات السبع و لا الأربع عشرة، بل هي منكرة و لا يعرف على وجه التحديد من قرأ بذلك، و حسبك هذا دليلا على أن الخط لم يكن هو المعتمد في صحة القراءة".
و من الأمثلة التي ذكرها بالنسبة للسبب الثاني أي اختلاف الحركات: قوله تعالى:" ما ننزل الملائكة إلا بالحق و ما كانوا إذا منظرين"- الحجر:8-، قال:" فتبعا لاختلاف القراء في قراءة اللفظ الدال على نزول الملائكة هل هو: ننزل أو تنزل أو تنزل- بضم التاء- ..تفيد المعنى كل كلمة بما يناسبها.." . -2-
المبحث الثاني: ادعاء آثر جفري في مقدمته لكتاب المصاحف:
قام المستشرق آثر جفري بوضع مقدمة لكتاب المصاحف الذي ألفه أبن أبي داود السجستاني ابن الإمام أبي داود المحدث المشهور صاحب السنن، و من المسائل التي ذكرها آثر جفري في مقدمته تلك، مسألة خلو مصحف عثمان رضي الله عنه من النقط و الشكل و أن ذلك هو أحد الأسباب في تعدد القراءات القرآنية، و ذلك كنقطة خامسة في مقدمته، و هذا نص كلامه:" خلو مصحف عثمان من النقط و الشكل: وجد القراء في المصاحف التي بعثها عثمان- رضي الله عنه- للأمصار اختلافا في بعض الحروف، فكان في مصحف الكوفة "عملت" و في غيره " عملته"، و كذلك في مصحف الشام " و بالزبر" و في غيره " و الزبر"، و في مصحف المدينة و مصحف الشام " فلا" و في غيرها " ولا"، و مثل ذلك. و كانت هذه المصاحف كلها خالية من النقط و الشكل، فكان على القارئ نفسه أن ينقط و يشكل هذا النص على مقتضى معاني الآيات، و مثل ذلك " يعلمه" كان يقرأها الواحد " يعلمه" و الآخر " نعلمه" أو " تعلمه" أو بعلمه" أخ على حسب تأويله للآية، فكان حينئذ لكل قارئ اختيار في الحروف و كذلك اختيار في الشكل أيضا و فضلا عن ذلك فقد وقع اختيار بعض القراء، كما يتبين ذلك من كتب القراءات، على كثير مما كان في المصاحف التي منع عثمان استعمالها. ثم بعد ذلك ظهرت بالتدريج في كل مصر من الأمصار قراءة كانت مشهورة معهودة في ذلك البلد و تبعها الناس دون غيرها، فظهرت قراءة أهل الكوفة و قراءة أهل البصرة و قراءة أهل الشام و قراءة أهل حمص و قراءة أهل مكة و قراءة أهل المدينة، و هي اختيار القراء المشهورين من هذه الأمصار." .-3- .
المبحث الثالث: ادعاء كار بروكلمان في كتابه "تاريخ الأدب العربي":
يقول المستشرق الألماني كار بروكلمان في كتابه الكبير "تاريخ الأدب العربي":" حقا فتحت الكتابة التي لم تكن قد وصلت بعد إلى درجة الكمال مجالا لبعض الاختلاف في القراءة لا سيما إذا كانت غير كاملة النقط و لا مشتملة على رسوم الحركات، فاشتغل القراء على هذا الأساس بتصحيح القراءات و اختلافها...جمع عثمان المسلمين على نص قرآني موحد، و هذا النص الذي لم يكن كاملا في شكله و نقطه، كان سببا في إيجاد اختلافات كثيرة، و لذلك ظهرت عدة مدارس في بعض مدن الدولة الإسلامية، و بخاصة في مكة و المدينة و البصرة و الكوفة، استمرت كل منها في رواية طريقة للقراءة و النطق، معتمدة في ذلك على أحد الشيوخ..." .-4-
المبحث الرابع: ادعاء تيودر نولدكي في كتابه" تاريخ القرآن":
يعتبر كتاب "تاريخ القرآن" للمستشرق الألماني نولدكي عمدة كثيرين ممن جاء بعده فهو أساس كل بحث في علوم القرآن في أوربا و قد نشر هذا الكتاب سنة 860 م.
مما جاء في تاريخ القرآن لتيودر نولدكي:" من الممكن بالطبع أن تنشأ في المأثور الشفوي إشكال مزدوجة للنص لا تظهر اختلافاتها بوضوح في الكلمات غير المشكلة، فيقرأ أحدهم مثلا الآية 46/48 في سورة هود:" إنه عمل غير صالح"-بضم اللام و الراء- على أنها" إنه عمل غير صالح"- بفتح اللام في عمل و الراء في غير- أو العكس.
و توجد احتمالات لا حصر لها لقراءة الكلمات غير المشكلة نفسها:"إنه عمل غير صالح"، أو نشوء ازدواجات في الاختلافات الشفوية تظهر في الكتابة، كما هي الحال في تبديل المترادفات. و في مجموعة كاملة من القراءات يمكن الترجيح بأن مصدرها هو النص غير المشكل..." .-5-
و هذا الكلام الأخير صريح في أن تيودر نولدكي ممن يرى أن نشأة القراءات تعود إلى خلو الكتابة و المصاحف من الشكل.
------------------------------------------
-1- مذاهب التفسير الإسلامي للمستشرق جولد تسيهر:8-9.-
-2- مذاهب التفسير الإسلامي:13.-
-3- مقدمة كتاب المصاحف للمستشرق آثر جفري:7.-
-4- تاريخ الأدب العربي:1/140.-
-5- تاريخ القرآن للمستشرق تيودر نولدكي: 559.-
 
عودة
أعلى