القول الفصل في دعوى المستشرقين بأن تعدد القراءات يرجع إلى خلو المصاحف من الإعجام و الشكل-3

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1
القول الفصل في دعوى المستشرقين بأن تعدد القراءات يرجع إلى خلو المصاحف من الإعجام و الشكل-3-


الباب الثاني: الفرق بين القراءات و القرآن و الأحرف، و حقيقة الاختلاف بين القراءات:
من الفروقات المهمة التي يجب الإشارة إليها بخصوص القراءات ما يتعلق بالفرق بينها و بين القرآن، و كذا الفرق بينها و بين الأحرف.
الفصل الأول: الفرق بين القراءات و القرآن و الأحرف:
المبحث الأول: الفرق بين القراءات و القرآن:
لا ينبغي أن يفهم أن القراءات هي القرآن، فالقرآن الكريم هو الوحي المتلو المنزل من عند الله سبحانه و تعالى، بخلاف القراءات فهي كما ذكر الزركشي اختلاف ألفاظ هذا الوحي، أو كما قال ابن الجزري: "علم بكيفيات أداء كلمات القرآن.."
جاء في كتاب إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر لشهاب الدين الدمياطي:"و القرآن و القراءات حقيقتان متغايرتان فالقرآن هو الوحي المنزل للإعجاز و البيان و القراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف أو كيفيتها من تخفيف و تشديد و غيرهما .."1 .
المبحث الثاني: الفرق بين القراءات و الأحرف السبعة.
يعتقد البعض أن القراءات السبعة هي الحروف السبعة، و هذا خطأ، كما نبه عليه كثير من الأئمة، كالإمام أبي شامة حيث قال:" ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث و هو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة و إنما يظن ذلك بعض أهل الجهل"، و قد نقل هذا القول عنه الإمام السيوطي في إتقانه، و ذكر قول مكي ابن أبي طالب:" من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع و عاصم هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما..و يلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة السبعة مما ثبت عن الأئمة و غيرهم و وافق خط المصحف ألا يكون قرآنا و هذا غلط عظيم، فإن الذين صنفوا القراءات من الأئمة المتقدمين كأبي عبيد القاسم بن سلام و أبي حاتم السجستاني و أبي جعفر الطبري و إسماعيل القاضي قد ذكروا أضعاف هؤلاء" 2.
كما يرد ذلك أنه قد قرأ-بضم القاف- بالأحرف السبعة قبل وجود هؤلاء القراء السبعة، فإن النبي صلى الله عليه و سلم كما صحت الأحاديث في ذلك أمر أن يقرأ أمته القرآن على هذه الأحرف، فاستجاب صلى الله عليه و سلم فأقرأ صحابته القرآن بهذه الحروف، و لم يتوفى النبي صلى الله عليه و سلم إلا و هذه الحروف ثابتة يقرأ القرآن عليها، إذن فكيف يقال أن المقصود بهذه الحروف القرآت السبعة؟.
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى:"لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه و سلم أن القرآن أنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة"3 .
وقال الإمام أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم الهروي في كتاب الكافي:" ولا يتوهم أن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" انصرافه إلى قراءة سبعة من القراء يولدون من بعد عصر الصحابة بسنين كثيرة لأنه يؤدى إلى أن يكون الخبر متعريا عن فائدة إلى أن يحدثوا ويؤدى إلى أنه لا يجوز لأحد من الصحابة أن يقرءوا إلا بما علموا أن السبعة من القراء يختارونه قال وإنما ذكرناه لأن قوما من العامة يتعلقون به"4 .
و لعل الوهم و الخطأ في هذا الأمر سببه أن بعض الأئمة ألفوا في القراء فاكتفوا بسبعة منهم ممن اشتهرت قراءته و ذاعت، فوقع الخلط عند من لم يميز، و من الأئمة الذين اقتصروا في تأليفهم على سبعة قراء الإمام أبو بكر بن مجاهد رحمه الله تعالى، فإنه كما ذكر شيخ الإسلام :" أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين و العراقين و الشام إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة من القرآن و تفسيره و الحديث و الفقه ..فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار، ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هي الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعنيين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم"5 .
لذلك كان بعض السلف يختار قراءة غير السبعة و كان هذا أمرا معلوما لا ينكره أحد من أهل العلم.
و الحق أن القراءات السبعة هي بعض الحروف السبعة كما قرره كثير من الأئمة كشيخ الإسلام، يقول رحمه الله تعالى في الفتاوى:" فالذي عليه جمهور العلماء من السلف و الأئمة أنها حرف من الحروف السبعة.."6 .
و قد اختلف في وجود الحروف السبعة في القرآن على قولين، فمن أهل العلم من ذهب إلى أن المصحف العثماني هو أحد الحروف السبعة، و منهم من ذهب إلى أن هذا المصحف يشتمل على كل الحروف السبعة، و لعل هذا هو القول الراجح و العلم عند الله، كما اختلفوا في المقصود بهذه الحروف على عدة أقوال بلغت حوالي أربعين قولا.

الفصل الثاني: حقيقة الاختلاف بين القراءات و أسماء من تنسب إليهم القراءات الثلاث:
المبحث الأول: حقيقة الاختلاف بين القراءات:
الاختلاف الموجود بين القرآت القرآنية اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، و كيف يكون اختلاف تضاد و الله تعالى يقول:" و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"، فالقرآن منزه عن التناقض و التعارض و التضاد في ألفاظه و معانيه و أخباره و أحكامه و كذا في تفسيره و قراءاته باعتبارها طرق أداء كلماته، و هي طرق متلقاة عن المعصوم الموحى إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم، يقول الإمام أبو الخير بن الجزري:" حقيقة اختلاف هذه السبعة المنصوص عليها من النبي اختلاف تنوع و تغاير لا اختلاف تضاد و تناقض فإن هذا محال أن يكون في كلام الله تعالى، قال سبحانه و تعالى:" أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"7 .
و اختلاف القراءات كما يقرره الإمام ابن الجزري لا يخرج عن ثلاثة أحوال:
- اختلاف اللفظ و المعنى واحد.
- اختلافهما جميعا مع جواز اجتماعهما في شيء واحد.
- اختلافهما جميعا مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد، بل يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد.
المبحث الثاني: وجوه اختلاف القراء:
بالنسبة لاختلاف القراء فقد قرر الإمام بدر الدين الزركشي في برهانه أنه يرجع إلى سبعة أوجه:
- الاختلاف في إعراب الكلمة أو في حركات بقائها بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب و لا يغير معناها نحو:"البخل"بالضم، و "البخل" بالفتح، "ميسرة" بالفتح، و "ميسرة" بالضم".." و هل نجازي إلا الكفور"،" و هل يجازى إلا الكفور".
- الاختلاف في إعراب الكلمة في حركات بما يغير معناها و لا يزيلها عن صورتها في الخط نحو:" ربنا باعد بين أسفارنا"- بفتح الدال في باعد على أنه فعل ماضي-"ربنا باعد بين أسفارنا"- بسكون الدال على أن باعد دعاء-.
- الاختلاف في تبديل حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها و لا يغير صورة الخط بها في رأي العين نحو:"كيف ننشزها""كيف ننشرها" - و هذه الأوجه الثلاث يقرأ بها كما قال الزركشي إذا صح سندها لموافقتها لصورة الخط-.
- الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتابة و لا يغير معناها نحو:" كالعهن المنفوش" و "كالصوف المنفوش" فهذا يقبل إذا صحت روايته و لا يقرأ به اليوم لمخالفته لخط المصحف و لأنه إنما ثبت عن آحاد.
- الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها في الخط و يزيل معناها نحو" طلح منضود" و " طلع منضود" فهذا لا يقرأ به أيضا لمخالفته الخط و يقبل منه ما لم يكن فيه تضاد لما عليه المصحف.
- الاختلاف بالتقديم و التأخير نحو ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ عند الموت:" و جاءت سكرة الحق بالموت" و بهذا قرأ ابن مسعود رضي الله عنه فهذا يقبل لصحة معناه إذا صحت روايته و لا يقرأ به لمخالفته المصحف.
- الاختلاف بالزيادة و النقص في الحروف و الكلم..فهذا يقبل منه ما لم يحدث حكما لم يقله أحد و يقرأ منه ما اتفقت عليه المصاحف في إثباته و حذفه نحو:" تجري تحتها" في براءة عند رأس المائة و " من تحتها" و " فإن الله هو الغني الحميد" في الحديد و" فإن الله الغني"8 .
قول الإمام الزركشي رحمه الله تعالى:" يقبل إذا صحت روايته و لا يقرأ به" أي يعمل به و تفسر به القراءة المتواترة لكن لا يقرأ به تعبدا، و قد صاغ الشيخ خالد السبت حفظه الله تعالى ذلك في قاعدة من قواعد التفسير:" يعمل بالقراءة الشاذة إذا صح سندها تنزيلا لها منزلة خبر الآحاد"9.
المبحث الثالث: عدد القراءات وأسماء من تنسب إليهم:
اشتهرت ثلاثة أنواع من القراءات: القراءات السبعة- القراءات العشر- و القراءات الأربعة عشر.
و أقوى هذه القراءات و أشهرها كما هو معلوم القراءات السبعة التي قال جمهور العلماء بتواترها، و أما القراءات العشر –أي السبعة بزيادة ثلاث قراء- فالراجح تواترها كذلك، كما حققه غير واحد من الأئمة كابن السبكي و النوري و ابن الجزري الذي عقد في كتابه منجد المقرئين فصلا سماه:" في أن القراءات العشر متواترة فرشا و أصولا، حال اجتماعهم و افتراقهم و حل مشكل ذلك".
و أما القراءات الأربعة المتممة للأربعة عشر فالراجح عدم تواترها بل قيل إنها هي قراءات شاذة.
و هذه لائحة بأسماء القراء الأربعة عشر مع سنوات وفاتهم رحمه الله أجمعين:
أولا: القراءات السبعة، أصحابها هم:
-1- نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي المدني، توفى سنة 199هـ-.
-2- عبد الله بن كثير بن عمر بن عبد الله المكي، توفي سنة 120هـ-.
-3- أبو عمرو زبان بن العلاء بن عمار بن العريان البصري المتوفى سنة 154هـ.
-4- عبد الله بن عامر بن يزيد إمام أهل الشام المتوفى سنة 118هـ.
-5- عاصم بن أبي النجود قارئ أهل الكوفة، توفي سنة 127هـ.
-6- حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي المتوفى سنة 156هـ.
-7- الكسائي و هو علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان المتوفى سنة 189هـ.
و من الكتب التي اهتمت بتراجم هؤلاء السبعة: السبعة في القراءات للإمام ابن مجاهد الذي يعتبر أول من صنف كتابا جمع فيه سبعة من أشهر القراء، و ليس قصده خلافا لمن زعمه أن المراد بهذه القراءات السبعة الأحرف السبعة، بل
ثانيا: القراءات العشر: و ذلك بإضافة الأئمة الثلاث:
-8- أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني المتوفى سنة 130 هـ.
-9- يعقوب بن إسحاق بن يزيد الحضرمي البصري-205هـ-.
-10- خلف بن هشام البزار البغدادي-229هـ-
و من الكتب التي اهتمت بتراجم هؤلاء الأئمة العشرة: النشر في القراءات العشر لابن الجزري، و غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري كذلك، تاريخ القراء العشرة و رواتهم للشيخ عبد الفتاح القاضي.
ثالثا: القراءات الأربعة عشر: و هي تحتوي القراءات العشر التي سبق ذكر أصحابها، و يضاف إليهم أربعة قراء، هم:
11- الحسن البصري: الإمام المشهور و التابعي الجليل الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد البصري المتوفى سنة 110هـ.
12- ابن محيصن و هو محمد بن عبد الرحمن السهمي المكي مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، توفي سنة 123هـ.
13- يحيى اليزيدي و هو يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو محمد العدوي البصري توفي سنة 202هـ.
14- الشنبوذي و هو محمد بن أحمد بن ابراهيم أبو الفرج البغدادي، توفي سنة 388هـ.
و من الكتب التي اهتمت بهؤلاء القراء الأربعة عشر: إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للدمياطي.

يتبع إن شاء الله تعالى.
--------------------------------------------
1- إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر لشهاب الدين الدمياطي:1/7.-
2- الإتقان في علوم القرآن:1/215-
3- مجموع الفتاوى:13/390.-
4- البرهان في علوم القرآن:1/330.-
5- مجموع الفتاوى:13/390.-
6- مجموع الفتاوى:13/395-
7- النشر في القراءات العشر:1/49.-
8- البرهان في علوم القرآن:1/334.-
9- قواعد التفسير جمعا و دراسة:92-
 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أخي ناصر أحترم جهدكم وأقدّر حرصكم في الذب عن حياض هذا الدين، لكن الكلام الذي تنقله بعيد عن الصحة وهو في غاية الخطورة قاله من قاله، نحو العبارة الآتية
لا ينبغي أن يفهم أن القراءات هي القرآن، فالقرآن الكريم هو الوحي المتلو المنزل من عند الله سبحانه و تعالى، بخلاف القراءات فهي كما ذكر الزركشي اختلاف ألفاظ هذا الوحي، أو كما قال ابن الجزري: "علم بكيفيات أداء كلمات القرآن.."
بل كل قراءة من القراءات جزء رئيس من القرآن المتلو، ولا فرق ولا فضل لقراءة أحد من القراء الذين تواترت قراءاتهم على غيرها. ومصدر القراءات القرآنية هو الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بنص الحديث الشريف، فكيف نفرّق بين القرآن والقراءات؟؟؟
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
جزاك الله خيرا أخي، و جعلنا الله و إياك ممن ينافح عن دينه و ينتصر لقرآنه.
و الفرق الذي ذكرته بين القرآن و القراءات، كما ترى لم يكن من كيسي بل نقلته عن أئمة هذا الشأن و لعلهم أدرى بذلك منا، و ليس هذا جمودا أو تقليدا بل هو مذهب في المسألة قال به غير واحد، و قد اطمأننت له، و لعله لا إشكال، فحينما نقول في تعريف القرآن هو :" كلام الله تعالى المنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم، المعجز، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته، المكتوب في المصاحف المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس"، فهذا التعريف ينطبق على القرآن الكريم بآياته و سوره، أما حينما نأتي إلى القراءات فهي صور التلفظ أو النطق بألفاظ هذا القرآن المتعبد بتلاوته، و لسنا متعبدينا بقراءة دون قراءة بل بأي قرأ المسلم أجزأه، و قد كان بعض الأئمة كما ذكر شيخ الإسلام يفضلون قراء من خارج السبعة على بعض هؤلاء السبعة، و لعل ما يوضح المسألة أكثر ما يسلكه كثير من العوام الذين لا علم لهم البتة بأي قراءة من القراءات، فتجدهم يقرؤون بما تيسر لهم، المهم أنهم يقرؤون القرآن بطريقة سليمة، فلا شك أن هذه القراءة تجزءهم، و إن لم يقرؤوا بأي قراءة من القراءات، لأنهم متعبدون بتلاوة القرآن لا بقراءة من القراءات.
و الله أعلم و أحكم.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي ناصر أرجو أن توضح مقصودكم بالعبارة الآتية
و لعل ما يوضح المسألة أكثر ما يسلكه كثير من العوام الذين لا علم لهم البتة بأي قراءة من القراءات، فتجدهم يقرؤون بما تيسر لهم، المهم أنهم يقرؤون القرآن بطريقة سليمة، فلا شك أن هذه القراءة تجزءهم، و إن لم يقرؤوا بأي قراءة من القراءات
أتشيرون إلى جواز القراءة بالمعنى؟؟؟
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
لا ليس قصدي جواز قراءة القرآن بالمعنى فهذا لا شك في تحريمه و أعوذ بالله تعالى من أن أقصد بكلامي ما لا يبيحه الشرع الحكيم، فكما هو معلوم إن كان الحديث اختلف في جواز روايته بالمعنى مع كون الراجح جواز ذلك بشروط، و هو قول جمهور السلف والخلف إذا قطع بأداء المعنى؛ و ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة.
يقول الحافظ ابن حجر في النخبة: "ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى." اهـ-
إن كان ذلك في الحديث فإنه لم يقل أحد من أهل العلم المعتبرين بجوازه في القرآن، لأنه كلام الله تعالى لفظا و معنى، متعبد بكل لفظ بل بكل حرف منه، فكيف يجوز قراءته بالمعنى؟ و قد أدى جبريل عليه السلام القرآن للنبي صلى الله عليه و سلم باللفظ ولم يبح له إيحاؤه بالمعنى.
أما ذكرته، فقصدي أنه لا يلزم قراءة القرآن بقراءة دون قراءة، فنحن متعبدين بقراءة القرآن لا بقراءة متعينة، بل إن من لا علم له بالقراءات و لا يدري أي واحدة منها، فتجزءه قراءته للقرآن بشرط ألا يخل بحرف منه، و لعلك لا تخالفني الرأي إن قلت أن هذا حال الكثير من الناس و العوام الذين يقرؤون في صلواتهم و خارجها بما تيسر لهم دون علم بقراءة حفص عن عاصم أو ورش عن نافع أو غيرهما..و الله أعلم و أحكم.
و لا يفوتني هنا أن أنبه على خطأ من اعتقد أنه لا يجوز القراءة خارج السبعة، و في هذا المعنى يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:" فلما أراد -أي أبو بكر بن مجاهد- ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار ؛ ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن لا لاعتقاده أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هي الحروف السبعة أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم . ولهذا قال من قال من أئمة القراء : لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المائتين ." اهـ من مجموع الفتاوى: 13-390.
و الله أعلم و نسبه العلم إليه سبحانه أسلم.
 
عودة
أعلى