القول الفصل في دعوى المستشرقين بأن تعدد القراءات يرجع إلى خلو المصاحف من الإعجام و الشكل-2

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
53
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1

القول الفصل في دعوى المستشرقين بأن تعدد القراءات يرجع إلى خلو المصاحف من الإعجام و الشكل-2-

المبحث الثاني: تعريف القراء:
المطلب الأول: تعريف القراء لغة:
القراء جمع قارئ، و هو اسم فاعل من قرأ.
المطلب الثاني: تعريف القراء في الاصطلاح:
يطلق لفظ القارئ في الاصطلاح على إمام من الأئمة المعروفين الذين تنسب إليهم القراءات المشهورة.

الفصل الثاني: شروط القراءة الصحيحة:
كما هو معلوم فإن القراءات أقسام منها الصحيحة التي يقرأ بها، و غير الصحيحة و هي الشاذة التي لا يجوز القراءة بها على أنها قرآن متعبد بتلاوته، و قد وضع أهل العلم شروطا لصحة القراءة، و من أحسن من تكلم في هذا الباب أحد كبار أئمة هذا الشأن الإمام أبو الخير الجزري رحمه الله تعالى، قال في كتابه النشر في القراءات العشر: " كل قراءة وافقت العربية و لو بوجه و وافقت أحد المصاحف العثمانية و لو احتمالا و صح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها و لا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، و وجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين. و متى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عن من هو أكبر منهم" .(1)
وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة:" كل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة العرب فهي قراءة صحيحة معتبرة فإن اختلت هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة" . (2)
و قال كذلك: " لا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى أحد السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة وأنها أنزلت هكذا إلا إذا دخلت في ذلك الضابط وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره ولا يختص ذلك بنقلها عنهم بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا على من تنسب إليه فإن القراءة المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم" .(3)
إذن فالقراءة الصحيحة المعتبرة هي التي تحققت فيها ثلاثة شروط: صحة السند- أي تواتره-، موافقة اللغة العربية و موافقة الرسم، و هذا ما سأبينه عبر مباحث ثلاث:
المبحث الأول: صحة السند و تواتره:
و المراد بذلك أن يرويها العدل الضابط عن مثله و تكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ بها بعضهم.
المبحث الثاني: موافقة اللغة العربية.
موافقة اللغة العربية و لو بوجه، سواء كان فصيحا أم أفصح، لأن العبرة في القراءات السند و النقل، فلا تأخذ القراءة من اللغة بل العبرة بالنقل كما قال الإمام أبو عمر الداني:" و أئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة و الأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر و الأصح في النقل، و الرواية إذا ثبتت عنهم لم يردها قياس عربية و لا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها و المصير إليها" . (4)
و من الأمثلة على ذلك قوله تعالى:" و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام"-النساء:1-، قرأها الجمهور بالنصب و قرءها حمزة بالكسر- بالعطف على الهاء في "به"، و هذا ما لم يقبله بعض النحويين لعدم موافقته لقوانين اللغة في زعمهم و منهم المبرد، لكن رد عليهم أئمة القراءات بما يكفي و يشفي، و من هؤلاء صاحب حجة القراءات حيث قال:" و قد أنكروا هذا و ليس بمنكر لأن الأئمة أسندوا قراءاتهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم، و أنكروا أيضا أن الظاهر لا يعطف على المضمر المجرور إلا بإظهار الخافض، و ليس بمنكر و إنما المنكر أن يعطف الظاهر على المضمر الذي لم يجر له ذكر.." و قد نقل هذا الكلام عنه صاحب كتاب الشامل في القراءات العشر، ثم قال:" هذا و قد شنع بعض النحويين على حمزة في قراءته هذه لكنهم أخطئوا فحمزة رضي الله عنه لم يقرأ من عنده و إنما أخذ القرآن بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو لم يقرأ وحده بهذه بل شاركه فيها من غير السبعة ابن مسعود و ابن عباس رضي الله عنهم و غيرهما" . (5)
المبحث الثالث: موافقة الرسم:
موافقة خط المصحف و لو احتمالا، أي و لو تقديرا، لأن موافقة الرسم كما يقول الإمام ابن الجزري تكون تحقيقا و هو الموافقة الصريحة و تكون تقديرا و هو الموافقة احتمالا، مثاله قوله تعالى:" ملك يوم الدين"و "مالك يوم الدين".
و قد نظم ابن الجزري رحمه الله تعالى هذه الشروط الثلاثة في طيبة النشر، فقال:
و كل ما وافق وجه النحو و كان للرسم احتمالا يحوي
و صح إسنادا هو القرآن فهذه الثلاثة الأركـــــــــــان
و حيثما يختل ركن أثبت شذوذه لو أنه في السبعـــــــة
و يجب التنبيه إلى أنه و إن اكتفى أكثر أهل العلم بالقراءات بصحة السند دون التواتر فذلك لأن هذه الشروط الثلاثة إنما هي ضابط و ليست تعريفا و كما يقال فإنه يغتفر في الضابط ما لا يغتفر في التعريف، فمسألة التواتر أصلا هي شرط في القرآن ككل بغض النظر عن القراءات فهو الكتاب الذي وصل إلينا بأقصى درجات التواتر جيلا عن جيل من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى وقتنا هذا بل إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، سيظل منقولا بالتواتر، فقد قيض الله تعالى له من يحفظه و يقرأه ممن لا يحصي عددهم إلا هو سبحانه، و لا ريب أن ذلك يندرج في وعده جل و علا بحفظ هذا القرن العظيم :" إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون"- الحجر:9-.
يتبع إن شاء الله تعالى.
-------------------------
(1)- النشر في القراءات العشر:1/9.
(2)- المرشد الوجيز في علوم تتعلق بالقرآن العزيز:1/172.
(3)- المرشد الوجيز:1/174.
(4)- قواعد التفسير جمعا و دراسة:95/1.
(5)- الشامل في القراءات العشر لغة و تفسيرا و أسرارا:132.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل كل ما نقرأ به -في رواية حفص عن عاصم- يوافق رسم المصحف ؟
 
و عليكم السلام و رحمة الله تعالى و بركاته
كما مر من شروط القراءة الصحيحة موافقتها للرسم إما تحقيقا أو احتمالا، و هذا الشرط متحقق في كل القراءات السبعة بل العشرة و منها قراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي - برواية حفص عنه-، فلا شك أن كل من يقرأ بهذه الرواية يوافق رسم المصحف الكوفي، كما هو الحال بالنسبة للقراءات الأخرى فإنها توافق رسم مصاحفها.
قال مكي ما روي في القرآن على ثلاثة أقسام:
" قسم يقرأ به ويكفر جاحده وهو ما نقله الثقات ووافق العربية وخط المصحف
وقسم صح نقله عن الآحاد وصح في العربية وخالف لفظه الخط فيقبل ولا يقرأ به لأمرين مخالفته لما أجمع عليه وأنه لم يؤخذ بإجماع بل بخبر الآحاد ولا يثبت به قرآن ولا يكفر جاحده ولبئس ما صنع إذ جحده
وقسم نقله ثقة ولا وجه له في العربية أو نقله غير ثقة فلا يقبل وإن وافق الخط وقال ابن الجزري مثال الأول كثير ك مالك وملك ويخدعون ويخادعون ومثال الثاني قراءة ابن مسعود وغيره والذكر والأنثى وقراءة ابن عباس وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة ونحو ذلك قال واختلف العلماء في القراءة بذلك والأكثر على المنع لأنها لم تتواتر وإن ثبتت بالنقل فهي منسوخة بالعرضة الأخيرة أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني
ومثال ما نقله غير ثقة كثير مما في كتب الشواذ مما غالب إسناده ضعيف وكالقراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة التي جمعها أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ونقلها عنه أبو القاسم الهذلي ومنها إنما يخشى الله من عباده العلماء برفع الله ونصب العلماء وقد كتب الدارقطني وجماعة بأن هذا الكتاب موضوع لا أصل له..." اهـ نقلا من الإتقان.
و كما هو معلوم فقد اعتمد الجمع العثماني أصولا مهمة، منها كتابة الآيات و الكلمات مجردة عن الشكل و الإعجام حتى يتيسر القراءة بكل ما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه و سلم، فإذا كان اللفظ قد ثبتت فيه قراءاتان أو أكثر و احتمل رسمه كل هذه القراءات فإنه يكتب بدون أي نقط أو شكل، و من الأمثلة: " ننشرها" فإنها كتبت خالية من النقط لتحتمل هذه القراءة و كذا القراءة الأخرى "ننشزها"، و " يخدعون" رسمت هكذا لتحتمل قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمر الذين وافقت قراءتهم الرسم تقديرا حيث قرؤوها " يخادعون"، و لتحتمل قراءة باقي العشرة -و منهم عاصم - الذين وافقوا الرسم تحقيقا، و " تساءلون" كتبت بدون شكل لتحتمل قراءة من قرءها بالتخفيف كعاصم و حمزة و غيرهما و كذا قراءة من قرأها بالتشديد.
و أما إذا كان الرسم لا يحتمل أكثر من قراءة فإنه يكتب في مصحف برسم يوافق القراءة الأولى و في مصحف برسم آخر يوافق القراءة الثانية، و من الأمثلة: " و وصى" كتبت في بعض المصاحف هكذا بدون ألف، و في البعض الآخر بإثبات الألف بين الواوين "و أوصى"، و كذا قوله تعالى :"تجري تحتها" -الآية المائة من سورة التوبة- كتبت في بعض المصاحف دون كلمة "من" و في البعض الآخر بإثبات "من" و هي قراءة ابن كثير و هكذا نجدها مرسومة في المصحف المكي.-قوله تعالى في سورة آل عمران:" و سارعوا إلى مغفرة من ربكم"-133-، فقد قرأ الجمهور بالواو، و قرأ نافع و ابن عامر و أبو جعفر"سارعوا" بدون واو، و القراءتان صحيحتان متواترتان، لذلك نجد الواو ثابتة في المصحف المدني و الشامي، بخلاف غيرهما من المصاحف العثمانية.
لكن يجب التنبيه إلى أن للرسم العثماني بعض الخصائص، و ذلك تبعا لعرف الصحابة في الكتابة فقد كان لهم عرف خاص أقرهم النبي صلى الله عليه و سلم عليه، و من ذلك زيادة بعض الحروف أو نقصها دون اعتبارها عند القراءة، لكن مع وجود حكم في هذا الإثبات أو الحذف، و من الأمثلة" أييد" في سورة الذاريات فإنها تقرأ بياء واحدة، و الياء -الزائدة تجاوزا و إلا فلا زائد في القرآن- للإشارة إلى تعظيم قوة الله تعالى التي بنى بها السماء و أنها لا تشبهها قوة على حد القاعدة" زيادة المبنى لزيادة المعنى".
و عذرا على الإطالة،و إلا فلعل هذه الأمور من البديهيات عندك، لكن لي سؤال: ما السر في تخصيص قراءة حفص عن عاصم بالذكر دون غيرها، مع أن المشهور أنه لا تثبت قراءة إلا بتحقيق تلك الشروط و منها موافقة الرسم.
و لعل لديك جواب أستفيده، فإن كان كذلك فلا تبخل علي، و جوزيت خيرا.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية لا أحب أن يفهم من كلامي أنني أخالف ما اتفق عليه سلف الأمة، لكن الغاية التي وضعت من أجلها هذه الشروط هي الحفاظ على القرآن الكريم من أن يدخل فيه غير القرآن.
وحيث أنكم أخي ناصر قلتم :(( و هذا الشرط متحقق في كل القراءات السبعة بل العشرة و منها قراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي - برواية حفص عنه-، فلا شك أن كل من يقرأ بهذه الرواية يوافق رسم المصحف الكوفي، كما هو الحال بالنسبة للقراءات الأخرى فإنها توافق رسم مصاحفها))
فأرجوا أن تبيّن لي كيف نقرأ قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لشاىء إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً) (الكهف:23)
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أولا أود أن أنبه على أنني لست من المتخصصين في علم القراءات، إنما هي أمور يظهر أنها من المهمات لطالب علم مختص في علوم القرآن عموما.
بخصوص تساءلك عن كيفية قراءة قوله تعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لشاىء إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً) (الكهف:23)، فإنها تقرأ - على رواية حفص عن عاصم" " لشيئ" هكذا دون ألف المد التي رسمت بعد الشين، و هذا لا يرد البتة على ما اتفق عليه السلف و الخلف من اشتراط موافقة القراءة للرسم حتى تكون معتبرة، و ذلك لأن هذه الألف غير ملفوظ بها، ولهذا نجدها في المصحف قد رسمت بسكون من فوق.
و هذا كما سبقت الإشارة إليه يندرج في منهج الكتابة الذي كان معهودا عند العرب و منهم الصحابة رضي الله عنهم و هو الذي اعتبر في كتابة المصحف العثماني، كزيادة حرف دون التلفظ به أو نقصانه أو إبدال حرف بحرف، و من لم يعلم بهذا المنهج لن يستطيع قراءة آية كهذه إذا كانت مجردة عن أي علامة، و لذلك كان الأصل في أخذ القرآن السماع.
و مثل هذه الأمر كثير في القرآن، فنجد قوله تعالى :" الحيواة الدنيا" الشورى:36 ، و هذه الواو غير ملفوظة، و قوله تعالى:" و ملإيه" الزخرف-46، بياء غير ملفوظة...
و هذا كله كما قلت لا يطعن في مسألة اشتراط موافقة القراءة للرسم، لأن هذه الحروف الزائدة أو الناقصة لا تعتبر عند القراءة- و إن كانت لمعاني بلا شك-، و هي داخلة كما أسلفت في طريقة الرسم المعهودة عند العرب و التي اعتمدت في الجمع العثماني المبارك.
مع الإشارة إلى أن الأصل الأعظم في كل قراءة هو النقل و السماع، و هذا أمر لا يختلف فيه اثنان على ما أظن، فكل قارئ من القراء الذين نسبت إليهم القراءات إنما أخذ القراءة بالسماع و النقل المتصل إلى النبي صلى الله عليه و سلم.
و الله أعلم و أحكم.
 
عودة
أعلى