القول الفاصل في منع وجه الغنة والقصر لحفص من الكامل

إنضم
10/04/2005
المشاركات
1,122
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الجزائر
العنوان الصحيح للموضوع : القول الفاصل في منع وجه الغنة مع القصر لحفص من الكامل - بدل الغنة والقصر-

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

فهذا بحث مختصرٌ أبيّن فيه ضعف وجه الغنّة في اللام والراء مع قصر المنفصل لحفص من طريق الطيّبة وبالضبط طريق الكامل للهذلي خلافاً لما حرّره الإمام المتولّي في روضه وكذلك ضعف وجه الغنّة لحفص من كتاب الوجيز على خلاف ما حرّره الأزميري ومن تبعه كالمتولّي والضباع وغيرهما.

فأبدأ بعرض مذهب الأزميري أوّلاً ثمّ مذهب المتولّي ثانياً مع مناقشة المسألة وبالله التوفيق.

مذهب الأزميري في المسألة
قال الأزميري في بدائع البرهان عند تحرير الآية : {هدىً للمتّقين} :
وأما حفص فله أربعة أوجه :
(1) : عدم التَكبير مع عدم الغنّة للجمهور .
(2) : ومع الغنة من الكامل ومن الوجيز على ما وجدنا فيه .
(3) : التَكبير مع عدم الغنّة لأبي العلاء .
(4) : و مع الغنة للهذلي .
وأما الغنة من المنتهى و غاية ابن مهران و وتلخيص أبي معشر على ما وجدنا فيه فليست من طريق الطيبة.

وقال أيضاً : وأما حفص : فوجه الغنة له على التوسط بلا سكت من الكامل ، وعلى فويق التوسط من الكامل والوجيز على ما وجدنا فيه ، وأما الغنة مع المد له من المنتهى وغاية ابن مهران فليست من طريق الطيبة.

أقول : يمتاز مذهب الأزميري في الغنّة لحفص بإضافة كتاب الوجيز على ما في النشر ضمن مصادر حفص في الغنّة على ما وجد فيه ، وتقييد الغنّة بالمدّ من الكامل وعليه فإنّ الغنّة لحفص تختصّ بالتوسط المدّين إذا أخذنا بالمراتب الثلاثة في المدود. لأنّ مدّ المنفصل لحفص من الوجيز هو فويق التوسط ومن الكامل التوسط وفويقه.

واعتمد الأزميري على ظاهر النشر والكامل والوجيز، إذ لم ينقل ابن الجزري في نشره ولا الهذلي في كامله ولا الأهوازي في وجيزه عن حفص القصر في المنفصل قال ابن الجزري :. "وأما حفص فقطع له بالقصر أبو علي البغدادي من طريق زرعان عن عمرو عنه وكذلك ابن فارس في جامعه وكذلك صاحب المستنير من طريق الحمامي عن الولي عنه وكذلك أبو العز من طريق الفيل عنه وهو المشهور عند العراقيين من طريق الفيل." 1/322.
وقال الهذلي في المدّ المنفصل : وأقلّ الناس مداً القواس ، وقالون ، وطريق الحلواني وأبي نشيط ، والسوسي ، وابن اليزيدي ، وسبطه
، وأبو حمدون ، وأوقية ، وأبو خلاد عن أبي عمرو. الكامل ص423.
وقال الأهوازي في المد المنفصل : "عاصم رحمه الله يمدّ في ذلك مداً جيّداً إلاّ أنّه ألطف من مدّ حمزة. الكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر : يمدّان في ذلك كلّه مداً وسطاً دون مدّ عاصم." الوجيز ص97.

وأمّا أدلّة الغنة من الكامل فقال ابن الجزري : ورواه أبو القاسم الهذلي في الكامل عن غير حمزة والكسائي وخلف وهشام وعن غير الفضل عن أبي جعفر وعن ورش غير الأزرق وذكره أبو الفضل الخزاعي في المنتهى عن ابن حبش عن السوسي وعن ابن مجاهد عن قنبل وعن حفص من غير طريق زرعان وعن الحلواني عن هشام ......" ثم قال : (قلت) وقد وردت الغنة مع اللام والراء عن كل من القراء وصحت من طريق كتابنا نصاً وأداء عن أهل الحجاز والشام والبصرة وحفص. وقرأت بها من رواية قالون وابن كثير وهشام وعيسى بن وردان وروح وغيرهم"

وأمّا الهذلي فقد ذكر في كتابه الكامل ص 346 رواة الإدغام بغير عنّة منهم الصفار عن حفص ، وحفص من طريق العباس وزرعان وغيرهم من غير طريق الفيل وعبيد وعمرو ابن الصباح وهذا ما يدلّ أنّ الغنّة واردة عن هؤلاء عن حفص.

وأمّا وجه الغنّة من الوجيز لحفص فلم يذكره ابن الجزري في نشره وأنّما ذكره له الأزميري على ما وجد فيه ،ولكي نتحقّق من ذلك سأنقل كلام الأهوازي في وجيزه. قال الأهوازي : ورش عن نافع ، وروح عن يعقوب : إظهار الغنة عند اللام والراء مثل قوله تعالى {هدىً للمتقين} ، {فإن لم تفعلوا} ، {من ربهم} ، {غفور رحيم} ونحو ذلك حيث كان. وقرأت على الباقين بإدغام الغنّة عند اللام والراء حيث كان ذلك. والرواية عن نافع ، وعاصم ، وابن عامر في قول أهل العراق عنهم : إظهار ذلك " الوجيز ص83.
أقول : قوله : وقرأت على الباقين بإدغام الغنّة عند اللام والراء بما فيهم حفص ثمّ أخبر أنّ الرواية عن عاصم وغيره إظهار ذلك. فروايته عن حفص هو إظهار الغنّة ولكنّه قرأ بإدغامها أي بتركها ، واختيار ابن الجزري في رواية الأهوازي عن حفص كان بترك الغنّة لثبوتها أداءً عنده ولشهرتها في الرواية عند الجمهور ، لذا ينبغي الاكتفاء بعدم الغنّة من الوجيز تبعاً لابن الجزري والله أعلم.

وحتّى لو أثبتنا الغنّة من الوجيز فلين يغيّر شيئاً في المسألة لأنّ كلا المصدرين ينقلان التوسط في المنفصل لحفص فإلغاء الوجيز من مصادر الغنّة لا يغيّر شيئاً.
أمّا الغنّة لحفص من طريق المنتهى على ما في النشر فليست من طرق الطيّبة كما ذكر صاحب البدائع.

فيحصل مما سبق أنّ طرق الغنة لحفص -وهي الكامل والوجيز - لم يرد فيها القصر في المنفصل وأنّ الغنّة لا تكون إلاّ على توسط المنفصل أو فويق توسطه من الكامل ، وأنّ الصحيح من الوجيز هو عدم الغنّة لحفص كما ذكرنا وهو ظاهر النشر ومقتضى الوجيز.

مذهب المتولّي في المسألة :
أضاف المتولّي في روضه وجه القصر مع الغنّة من الكامل مخالفاً صاحب النشر والبدائع ، وعليه فالغنّة تكون مع المدّ والقصر في المنفصل أي القصر وتوسطه من الكامل وتوسطه أيضاً من الوجيز إذا أخذنا بالمراتب الثلاثة مع أنّ المتولّي لم يذكر الوجيز ضمن مصادر حفص في روضه وكان عليه أن يذكره حيث أسند ابن الجزري لحفص من طريق الوجيز عن أحمد الطبري عن الولي.

قال المتولّي : وتختصّ الغنّة لحفص بالمدّ وعدم السكت فتأتي له على التوسط بلا سكت من الكامل ، وعلى فويف التوسط من الكامل والوجيز. ثمّ قال : ما ذكرناه من اختصاص الغنّة له بالمدّ هو ما عليه عمل أهل الأداء اليوم ولم يبلغنا عن أحد خلافه اعتماداً على ما في النشر من أنّ الهذلي لم يذكر القصر المحض ، وفيه نظر لأنّ الهذلي ذكر المدّ للتعظيم وهو مخصوص بالقصر المحض.انتهى كلامه. ثمّ بدأ بسرد النصوص المتعلّقة بمدّ التعظيم ، وأراد أن يثبت رحمه الله تعالى وجه القصر من الكامل على أساس ثبوت مدّ التعظيم وذلك غير مستقيم في نظري لعدّة أسباب :
- أنّه خالف ظاهر النشر والكامل الذيْن ما ذكرا قصر المنفصل لحفص البتة.
- أنّه خالف ما كان عليه أهل الأداء قاطبة حيث : قال ما ذكرناه من اختصاص الغنّة له بالمدّ هو ما عليه عمل أهل الأداء اليوم ولم يبلغنا عن أحد خلافه اعتماداً على ما في النشر من أنّ الهذلي لم يذكر القصر المحض.
- أنّه احتجّ بالقياس والاحتمال بدليل أنّه قال : وأمّا الهذلي فذكره في النشر في أصحاب المدّ ، ولم يذكره في أصحاب القصر ، وحُكي أنّ عبارته تقتضي الزيادة على القصر المحض كما تقدّم مع كونه ذكره في أصحاب المدّ ، لم نقف على نصّه في النشر ولا في غيره حتّى نرجع إليه ولعلّ عبارته والله أعلم كعبارة أبي مشعر الطبري حتّى قال ما قال وحينئذ فنقول فيها ما قلناه في عبارة أبي مشعر ، وقد استدلّ الأزميري في بعض الطرق على القصر من كامله بالمدّ التعظيم قال : وإن قال في النشر الهذلي لم يذكر القصر المحض لأنّ في الكامل مدّ التعظيم وهو لا يكون إلاّ لمن قصر المنفصل. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

أقول تعليقا على كلام المتولي : إنّه عليه رحمة الله تعالى اعتمد على مجرّد الاحتمال فقوله : ولعلّ عبارته والله أعلم كعبارة أبي مشعر الطبري ، وقوله : وحُكي أنّ عبارته تقتضي الزيادة على القصر المحض. مع أنّه اعترف وصرّح بعدم وقوفه على نصّ في النشر ولا في غيره يقتضي القصر المحض من الكامل اللهمّ إلاّ كلام الأزميري الذي أشار إلى القصر مستدلاً بمدّ التعظيم ، وهذا غير مسلّم به لاختصاص مدّ التعظيم من الكامل بمن ثبت فيهم القصر في كتاب الكامل نفسه وقد علمنا أنّ القصر المحض لحفص لم يذكره الهذلي في كامله ولا ابن الجزري في نشره لا نصاً ولا أداءً ، بل كلام الأزميري صريح في منع الغنّة مع القصر لحفص لقوله في عمدة العرفان : وأمّا حفص فوجه الغنّة له مخصوص بوجه المدّ. عمدة العرفان ص 6 مكتبة الجندي. وقد علّق الشيخان : عبد العزيز الزيّات ومحمد جابر على قول الأزميري في عمدة العرفان بقولهما : وتقدّم احتمال مجيئها مع القصر من الكامل. وهي عبارة ظنّ لا ينبغي أن تُبن المسألة عليها في مقابل نصوص وأدلّة قطعيّة.

وعلى ما سبق فإنّ مدّ التعظيم لحفص يختصّ بتوسط المنفصل أو فويقه من الكامل للهذلي ، وإنّ وجه الغنّة من الوجيز ضعيف لأنّ الأهوازي ما قرأ به وإن أثبته في الرواية بدليل أنّ الجزري اختار من الوجيز عدم الغنّة واقتصر عليه فينبغي أن نقتصر عليه كذلك لا سيما وأنّ عبارة الوجيز تتضمّنه وتقتضيه.

والمتأمّل في هذه المسألة يدرك أنّنا في آخر المطاف رجعنا إلى نقطة البداية وهو ما اقتضاه كلام ابن الجزري في النشر ، وأنّ الخلل تمثّل في :
- إثبات وجه الغنّة لحفص من الوجيز مع أنّ الأهوازي قرأ بعدم الغنّة لحفص وهو الذي اختاره ابن الجزري واقتصر عليه عنه.
- زيادة وجه القصر مع الغنّة لحفص من الكامل بالاحتمال والظنّ.

وتفادياً لذلك ينبغي في نظري :
- طرح كلّ ما حرره العلماء بالظنّ والاحتمال والتمسّك بظاهر النشر عند الغموض والشك.
- الاقتصار على اختيار ابن الجزري في ما تعددت فيه الأوجه في المصدر بشرط أن يكون النصّ يتضمّن ذاك الاختيار.

أكتفي بهذا القدر وآخر عدوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
 
عودة
أعلى