القول البهي في الرد علي شبه مادة "بري"

إنضم
09/04/2007
المشاركات
1,499
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
القول البهي في الرد علي شبه كلمة بري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:


كلمة "بريئا " اختلف القراء في جواز إبدالها لأبي جعفر ويلزم من هذا الإبدال إدغام الياء في الياء ووجه الإدغام أنكره قوم ، ورضيه قوم ، وتوقف فيه قوم ، وكلٌ يدّعي الحجة والدليل .
فذهب الشيخ الزيات وصاحب فريدة الدهر والشيخ عبد الرزاق علي موسي ود/ أيمن سويد والشيخ الزغبي ـ رحم الله ميتهم وحفظ حيهم ـ إلي منع الإدغام .
وذهب آخرون إلي جواز هذا الوجه منهم الشيخ النشار(ت938) والعلامة الإبياري (كان حيّا عام1250) والشيخ محمد عبد الرحمن البنا ( كان حيّا عام 1291) والشيخ أحمد المعصراوي ـ كما في مصحفه " مصحف الكامل المفصل " ـ جمال شرف كما في ـ مصحف الصحابة فى القراءات العشر ـ وكذا الشيخ المقرئ المعمَّر: إسماعيل عبد العال أحمد وغيرهم من مشايخنا الكرام .
تحرير محل النزاع :
المانعون يمنعون الإدغام لأبي جعفر بتمامه ، وليس لراوٍ من الرواة ، بل وذهبوا إلي عدم ثبوت هذه الكلمة في قراءة أبي جعفر من النشر .
المجيزون يجوزن الإدغام للإمام أبي جعفر ويلحقون كلمة "برئيا" بأخواتها "برئ ـ بريئون " .
قال صاحب فريدة الدهر حيث يقول: "وليس في (بريئاً) إبدال الهمز لأبي جعفر للتقييد بـ(بريء) و(بريئون)، ولم يذكر (بريئاً)، وقد ناقشت المقرئ فقرر ذلك عند القراءة، وهي سنة متبعة، وكذلك في النشر لم يُذكر". وذكر أيضا أن "هنيئا " مقيدة بـ "مريئا" فليس في " هنيئا بما كنتم تعملون" إبدال ) اهـ.2/492
و سأل بعض الطلبة فضيلة الدكتور أيمن سويد عن الخلف الذى ذكره العلامة الإبيارى فى متنه المذكور آنفًا فبين أن الهمز مذهب أبى جعفر وأن الإبيارى أخطأ و هذا أيضًا رأى فضيلة الشيخ محمد تميم الزعبى حفظه الله .) وهذا مانقل عنهما ـ حفظهما الله ـ

حجة المانعين للإدغام :
قد نقلت سابقا ما قاله صاحب الفريدة من أن ابن الجزري قيد "برئ ـ بريئون " فقط ولم يذكر "بريئا " وكذا استدلوا بما قاله ابن الناظم والنويري والأزميري وغيرهم ـ رحمهم الله ـ كما سيأتي .
وفي الحقيقة هذا الكلام كله من المانعين رجمٌ بالغيب ، ونظرة غير صائبة ، وفهم عجيب .
وبالنظر لأقوال من استدلوا بهم لا يوجد فيه ما يطلبونه ، إذ الخطب بعيد جدا .
قال ابن الجزري في النشر : .... :"وإن كان الساكن قبل الهمزة ياء فقد اختلفوا فى ذلك فى "النسئ" وفى "برئ" وجمعه و"هنيئًا" و "مريئًا" و"كهيئة" و"ييأس" وما جاء من لفظه فأما "النسئ" وهو فى التوبة فقرأ أبو جعفر وورش من طريق الأزرق بإبدال الهمزة منها ياء وإدغام الياء قبلها فيها وقرا الباقون بالهمز وانفرد الهذلى عن الأصبهانى بذلك فخالف سائر الرواة والله اعلم .
وأما (بريء وبريئون) حيث وقع (وهنيئاً ومريئاً) وهو في النساء ، فاختلف فيها عن أبي جعفر فروى هبة الله من طرقه والهذلي عن أصحابه عن ابن شبيب كلاهما عن ابن وردان بالإدغام كذلك وكذلك روى الهاشمي من طريق الجوهري والمغازلي والدوري كلاهما عن ابن جماز وروى باقي أصحاب أبي جعفر من الروايتين ذلك بالهمز وبذلك قرأ الباقون)ا.هـ صـ302
وقال ابن الجزري فى تقريب النشر:"وإن كان الساكن ياء فاختلفوا ،منه فى "النسئ " فى التوبة فأبو جعفر وورش من طريق الأزرق بالإبدال والإدغام فيصير ياء مشددة .
وانفرد الهذلى بهذا عن الأصبهانى وفى "برئ" و"بريئون" حيث وقعا وفى "هنيئًا"و"مريئًا" فأبو جعفر عنه من الروايتين بالإدغام كذلك
وفى كهيئة فى آل عمران والمائدة فاختلف عن أبى جعفر أيضًا فى إدغامه كذلك وانفرد الحنبلى عن هبة الله عن ابن وردان بمد الياء توسطًا كالأزرق فى أحد وجهيه والباقون بالهمز فى ذلك كله"أ.هـ تقريب النشرصـ66ـ.
وقال الإزميرى رحمه الله فى تحرير النشر:

"424-وقرأ "هنيئًا مريئًا" بالإدغام من غاية ابن مهران وبالإدغام لابن جماز من المصباح وللحنبلى من الإرشاد.
425-وقرأ "برئ" و"بريئون" بالإدغام من غاية ابن مهران وللحنبلى من الإرشاد .
426-وقرأ بالهمز فى "هنيئًا" و"مريئًا" و"برئ" و"كهيئة" من الروضة.
427-وقرأ "كهيئة بالإدغام من غاية ابن مهران والشطوى بالادغام والحنبلى بأدنى مد والنهروانى بالتحقيق من الإرشاد."أ.هـ تحرير النشر صـ272ـــ.




والمتأمل في استدلالهم يعجب كيف أخذوا منع " بريئا " ولم ينص أحد علي منعه ، بل غاية ما ذكروه أنهم تمسكوا باختصار ابن الجزري لباب "برئ " واكتفائه بذكر كلمتين فقط "برئ وبريئون" وسكت عن " بريئا " .
ولو تأملنا ما قاله صاحب الفريدة :..وذكر أيضا أن "هنيئا " مقيدة بـ "مريئا" فليس في " هنيئا بما كنتم تعملون" إبدال )ا.هـ نجد أن هذا القول حجة عليه لا له ، لقد قال ابن الجزري : (وهنيئاً ومريئاً) وهو في النساء" أي قيد " هنيئا " بسورة النساء فيخرج غيرها تلقائيا ، بينما عبارته الأولي يقول فيها : (بريء وبريئون) حيث وقع) فحيث وقع كلمة مطلقة غير مقيدة ، ويوضحها لك أكثر ما قاله ابن الناظم في شرحه للبيت "هيئة أدغم مع بري هني مري .." حيث قال : أي أدغم هيئة من قوله تعالي " كهيئة الطير " من آل عمران والمائدة مع "بري" حيث أتي ، مريئا وهنيئا أبو جعفر بخلاف عنه في الأربعة ..)ا.هـ 106
انظر كيف أطلق "بري" ولم يذكر جمعا ولا غيره دلالة علي أن مفهومه من كلام أبيه الإطلاق وليس المفرد والجمع فقط .

أما ما قاله الأزميري فإثبات للقائلين بالإدغام وليس كما ظن المانعين وقال الإزميرى رحمه الله فى تحرير النشر: وقرأ "برئ" و"بريئون" بالإدغام من غاية ابن مهران وللحنبلى من الإرشاد .
426-وقرأ بالهمز فى "هنيئًا" و"مريئًا" و"برئ" و"كهيئة" من الروضة.."أ.هـ تحرير النشرصـ272ـــ.
فهو يثبت الإدغام من كتاب الغاية لابن مهران ، وإليك نص الغاية : وزاد يزيد (يقصد أبا جعفر واسمه يزيد ابن القعقاع المخزومي المدني) ترك المز من قوله " بري ، بريا ، بريون، هنيا ، مريا ....)ص49
وهذا نص صريح من ابن مهران بزيادة وجه الإدغام مع وجه الإظهار ، وما ذكره ابن مهران زيادة بيان عما تركه غيره من الذاكرين لباب "برئ" .
قال ابن الجزري : " طريق ابن مهران وهي الخامسة عنه من كتاب الغاية له وقرأ بها ابن مهران والوراق والخبازي وابن العلاف والنهرواني على أبي القاسم زيد بن علي بن أحمد بن محمد بن أبي بلال البزاز الكوفي وقرأ بها على أبي بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني وقرأ بها على أبي بكر أحمد بن محمد بن عثمان بن شبيب الرازي، فهذه أربع وعشرون طريقاً لابن شبيب.)ا.هـ
أي أن كتاب الغاية مما أسنده ابن الجزري في النشر ، وإن تجوَّزنا في القول وقلنا : إن طريق الغاية طريق لابن وردان وليس ابن جماز .
الجواب : أنتم تمنعون الإدغام لأبي جعفر بكماله ، ولم تخصصوا راويا من الراويين ، وقد جزم ابن الجزري لأبي جعفر بالوجهين . فليس أمامكم إلا التسليم !!.
وقال صاحب كتاب المبسوط : وزاد أبو جعفر ترك الهمز من قوله تعالي "ثم يرم به بريئا " "وأنا بري " "وأنتم بريون" وهنيا مريا " ....)ا.هـ 52
ما ذكره صاحب المبسوط لا يحتاج إلي كثير نظر ولا إلي طول كلام .
وقد يحتج البعض بأنه ليس من طرق النشر .
الجواب : ما ذكره من باب الأمثلة ، ويعضده قول صاحب الغاية ، وقد تقدم أن ابن الجزري لم ينف دخول "بريئا" بل أطلق القول في "برئ" وقيده من بعدهم من تلقاء أنفسهم .
فهؤلاء من سبقوا العلامة ابن الجزري ، ولم يأت احد منهم بواحد ينفي أن " بريئا " خارج من باب "برئ " فما قول الذين جاؤوا بعد ابن الجزري ؟
قال النشار (توفي عام 938 هـ) : قوله تعالي " خطيئة " قرأ أبو جعفر بخلاف عنه بإبدال الهمزة ياء وإدغام الياء في الياء وكذا يفعل حمزة في الوقف ،والباقون بالهمزة .
قوله تعالي " بريئا" : مثل خطيئة .))
ا.هـ ص78 طبعة دار الصحابة .
ومعني قوله " بريئا" : مثل خطيئة .. أي قرأ أبو جعفر بخلاف عنه بإبدال الهمزة ياء وإدغام الياء في الياء وكذا يفعل حمزة في الوقف ،والباقون بالهمزة .
قال الإبيارى فى متنه منحة مولى البر بما زاده النشر فيما زاده كتاب النشر للقراء العشر على الشاطبية والدرة فقال فى باب الهمز المفرد:
وأدغم هنيئًا وبريئًا ومرى****ثبت وها أنتم بمد زر جرى ))ا.هـ
والشيخ محمد عبد الرحمن البنا ( كان حيّا عام 1291) قال في منظومته (الكوكب الدري ..زيادات علي التسير والشاطبية ) :
هنيئًا مريئا مع بريئًا برئ ادغم **** بريئون ثق خلفا كهيئة في كلا )
ا.هـ من كتاب مجموعة من المتون المهمات للشيخ جمال السيد رفاعي ص 155
وبهذه الأدلة تنجلي هذه الشبهة ، ويظهر الحق الذي لا مرية فيه وهو جواز الوجهين في "ثم يرم به بريئا " .

وأقول أيضا : إذا كان المثبت أولي من النافي ، فما بالك إذا كان هناك إثبات ولم يكن هناك نفي ؟!!!
هذا ما من الله به علينا وأسأل الله السلامة من الزلل ، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل آمين .
والحمد لله رب العالميـــــــن
أبو عمر عبد الحكيم
 
السلام عليكم

كلام الأخ عبد الحكيم عبدا لرازق من أكمل ما قرأت ، حفظه الله
ولم يترك لي فرصة الحلقة الثانية التي كنت أنوي نشرها
فجزاه الله خيرا
الحسن
 
وكذا الشيخ المقرئ المعمَّر: إسماعيل عبد العال أحمد
نعم شيخنا الشيخ المقرئ إسماعيل عبد العال أحمد حفظه الله ورعاه هو يرى أن في (بريئاً) الوجهين، وعندما شرح لي قول ابن الجزري في الطيبة:
"هيئة أدغم مع بري مري هني..."
قال حفظه الله وأنا أكتب من إملائه:
"أي أبدل أبو جعفر الهمزة ياءً وأدغم الياء التي قبلها فيها من (كهيئة) و(بريء) و(بريئاً) و(بريئون) و(هنيئاً مريئاً) بالنساء"
وقرأتها عليه لأبي جعفر بالوجهين.
 
فضيلة الشيخ العلامة المقرئ عبد الحكيم عبد الرازق: لله دركم، وهنيئا لكم على هذا الحق الأبلج، ولا زلتم توشحون هذا الملتقى بتحقيقاتكم البارعة، وبحوثكم الرائعة، جزاكم الله خيرا.
يبدو أن مسألة )هنيئا( أيضا تثير إشكالا؛ فقد أشكل علي كلام العلامة محمد إبراهيم محمد سالم في "فريدة الدهر" (2/522 – 523 وهامش 1/869)؛ إذ قيد إبدال وإدغام )هنيئا( لأبي جعفر بكونها مع )مريئا( (أي: في سورة النساء) ونص على أن )هنيئا( في المواضع الأخرى لا تبدل ولا تدغم في طريق من طرق أبي جعفر، وهو تقييد لم أقف على ما يساعده من النصوص؛ فعبارة المحقق ابن الجزري في النشر 1/405: "وأما )بريء(و)بريئون(حيث وقع و)هنيئا( و)مريئا( وهو في النساء"، فقد أطلق )هنيئا(ثم عطف عليها )مريئا(وكذلك عاطف بين الكلمتين في تقريب النشر (ص: 112 ط. دار الحديث)؛ فقوله: "و)مريئا(" ليست تقييدا لـ)هنيئا(وإن لا لما استعمل واو العطف بين الكلمتين، وقوله: "وهو في النساء" ليست تقييدا لـ)هنيئا(وإن لا لما استعمل واو العطف بين الكلمتين، ولما استعمل ضمير المفرد "هو"، ولو كان يعني الكلمتين لقال: "وهما"، وهي أيضا ليست تقييدا لـ)مريئا(لأن هذه الكلمة لم تقع في القرآن إلا مرة واحدة، فلا تحتاج إلى تقييد؛ بل جرى المحقق هنا على عادة المقرئين في ذكر سورة الكلمة أو ذكر ما يتبعها مع عدم الحاجة إلى التقييد، كما يقول المحقق في النشر في باب الهمز المفرد: 1/396: "وفي )خاسئا(في الملك، وفي )ناشئة الليل( في المزمل، وفي )شانئك( وهو في الكوثر". فكل هذه الكلمات لم تتكرر في القرآن ولا تحتاج إلى تقييد بسورتها، وإن كان المقرئون يذكرون سورها من باب الإيضاح.
وقد نص الشيخ النشار في "البدور الزاهرة" (2/325 ط. عالم الكتب) على وجه الإدغام في )هنيئا(لأبي جعفر في سورة الطور.
ونص كذلك الإمام المنصوري في "إرشاد الطلبة إلى شواهد الطيبة" (ص: 241 و 265 ط. دار الصحابة) على أن )هنيئا(في الطور والحاقة داخلة في قول الطيبة (البيت: 226):
"هيئةَ أدغم مع بري مري هني".
ومن أدلة عدم التقييد أن ابن الجزري في "الطيبة" قدم )مريئا(على )هنيئا(فقال (البيت: 226):
"هيئةَ أدغم مع بري مري هني"
وكذلك فعل ابنه في الشرح (ص: 95، ط. دار الكتب العلمية)، وقد فصل الشيخ الأبياري في "منحة مولي البر" بين الكلمتين فقال (ضمن فريدة الدهر: 1/869):
"وادغم هنيئا وبريئا ومري".
ولو كانت )بريء(و)هنيئا( مقيدتين لنص المحقق على تقييدهما كعادته، كما نص مثلا على تقييد )رأى( للإصبهاني في قوله في الباب نفسه من "الطيبة" (في البيتين: 227 - 228):
أصفا رأيتهم رآها بالقصص=لما رأته ورآه النمل خص
رأيتهم تعجب رأيت يوسفا=تأذن الأعراف بعد اختلفا
فالظاهر إذن من هذه النصوص أنه لا فرق بين )بريئا(كيف تصرفت، و)هنيئا(حيث وقعت؛ ففيهما الإبدال والإدغام لأبي جعفر من الطرق المذكورة. والله أعلم.
فهل نص أحد من المقرئين على هذا التقييد قبل المعاصرين؟
 
يبدو أن مسألة (هنيئا) أيضا تثير إشكالا
فهل نص أحد من المقرئين على هذا التقييد قبل المعاصرين؟
شيخنا وأستاذنا العلامة فضيلة الشيخ أحمد كوري ـ حفظه الله ـ .
دائما تتحفنا بمواضيع لا تخطر لأحد علي بال ، ويبدو أن المسائل تفاقمت كثيرا .
نعم شيخنا الجليل بالفعل قال النشار ما ذكرتم وكذا قال المنصوري ، ويظهر أنها دوامة كبيرة لا تنتهي .
فكلمة "هنيئا " وردت في القرآن في أربعة مواضع :
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (النساء)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "الطور "
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ "الحاقة "
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (المرسلات )
الإمام النشار لم يذكر "هنيئا " في الحاقة والمرسلات
والشيخ المنصوري لم يذكر "هنيئا " في المرسلات .
وقد طالعت النشر فقيده وكذا الإتحاف .
فالذي يظهر إلي الآن تقيدها بالنساء ، وترك النشار في موضعين وذكرها في موضعين قد يكون موضع الطور سهوا .
والمشكل عند المنصوري ربما نسي المرسلات ، أو سهي في الطور والحاقة . ولعلي أطالع أصول النشر بإذن الله .
جزاكم الله خيرا شيخنا الحبيب علي درركم وما تتحفونا به من جميل مسائلكم
والسلام عليكم
 
فتح الله عليكم ووفقكم للعلم النافع ، والعمل الصالح .
موضوع قيم وفوائد دقيقة كعادتكم يا أبا عمر .
 
فضيلة الشيخ العلامة المقرئ عبد الحكيم عبد الرازق: لله دركم، وهنيئا لكم على هذا الحق الأبلج، ولا زلتم توشحون هذا الملتقى بتحقيقاتكم البارعة، وبحوثكم الرائعة، جزاكم الله خيرا.
يبدو أن مسألة )هنيئا( أيضا تثير إشكالا؛ فقد أشكل علي كلام العلامة محمد إبراهيم محمد سالم في "فريدة الدهر" (2/522 – 523 وهامش 1/869)؛ إذ قيد إبدال وإدغام )هنيئا( لأبي جعفر بكونها مع )مريئا( (أي: في سورة النساء) ونص على أن )هنيئا( في المواضع الأخرى لا تبدل ولا تدغم في طريق من طرق أبي جعفر، وهو تقييد لم أقف على ما يساعده من النصوص؛ فعبارة المحقق ابن الجزري في النشر 1/405: "وأما )بريء(و)بريئون(حيث وقع و)هنيئا( و)مريئا( وهو في النساء"، فقد أطلق )هنيئا(ثم عطف عليها )مريئا(وكذلك عاطف بين الكلمتين في تقريب النشر (ص: 112 ط. دار الحديث)؛ فقوله: "و)مريئا(" ليست تقييدا لـ)هنيئا(وإن لا لما استعمل واو العطف بين الكلمتين، وقوله: "وهو في النساء" ليست تقييدا لـ)هنيئا(وإن لا لما استعمل واو العطف بين الكلمتين، ولما استعمل ضمير المفرد "هو"، ولو كان يعني الكلمتين لقال: "وهما"، وهي أيضا ليست تقييدا لـ)مريئا(لأن هذه الكلمة لم تقع في القرآن إلا مرة واحدة، فلا تحتاج إلى تقييد؛ بل جرى المحقق هنا على عادة المقرئين في ذكر سورة الكلمة أو ذكر ما يتبعها مع عدم الحاجة إلى التقييد، كما يقول المحقق في النشر في باب الهمز المفرد: 1/396: "وفي )خاسئا(في الملك، وفي )ناشئة الليل( في المزمل، وفي )شانئك( وهو في الكوثر". فكل هذه الكلمات لم تتكرر في القرآن ولا تحتاج إلى تقييد بسورتها، وإن كان المقرئون يذكرون سورها من باب الإيضاح.
وقد نص الشيخ النشار في "البدور الزاهرة" (2/325 ط. عالم الكتب) على وجه الإدغام في )هنيئا(لأبي جعفر في سورة الطور.
ونص كذلك الإمام المنصوري في "إرشاد الطلبة إلى شواهد الطيبة" (ص: 241 و 265 ط. دار الصحابة) على أن )هنيئا(في الطور والحاقة داخلة في قول الطيبة (البيت: 226):
"هيئةَ أدغم مع بري مري هني".
ومن أدلة عدم التقييد أن ابن الجزري في "الطيبة" قدم )مريئا(على )هنيئا(فقال (البيت: 226):
"هيئةَ أدغم مع بري مري هني"
وكذلك فعل ابنه في الشرح (ص: 95، ط. دار الكتب العلمية)، وقد فصل الشيخ الأبياري في "منحة مولي البر" بين الكلمتين فقال (ضمن فريدة الدهر: 1/869):
"وادغم هنيئا وبريئا ومري".
ولو كانت )بريء(و)هنيئا( مقيدتين لنص المحقق على تقييدهما كعادته، كما نص مثلا على تقييد )رأى( للإصبهاني في قوله في الباب نفسه من "الطيبة" (في البيتين: 227 - 228):
أصفا رأيتهم رآها بالقصص=لما رأته ورآه النمل خص
رأيتهم تعجب رأيت يوسفا=تأذن الأعراف بعد اختلفا
فالظاهر إذن من هذه النصوص أنه لا فرق بين )بريئا(كيف تصرفت، و)هنيئا(حيث وقعت؛ ففيهما الإبدال والإدغام لأبي جعفر من الطرق المذكورة. والله أعلم.
فهل نص أحد من المقرئين على هذا التقييد قبل المعاصرين؟

نعم لفظ (((هنيئاً))) يثير إشكالاً كبيراً، ولكن لعلَّ الإشكال والله أعلم هو صيغة عبارة النشر، وجميع من نعرف من الشيوخ يقييدونها بموضع النساء غير أني قبل أكثر من ثلاث سنوات أخبرني أحد تلاميذ الشيخ أبي الحسن، محمد بن حسن البوصو السنغالي أن الشيخ أبا الحسن البوصو يرى أن الإدغام لأبي جعفر في (((هنيئاً))) عامٌّ وليس مختصًّا بموضع النساء، وقد وقفت سابقًا أتأمَّل الضمير (وهو) في "النشر" وكان يبدو لي أن الخطأ في الواو العاطفة، فكنت أقول لعل الصواب: "(((هنيئاً مريئاً))) وهو في النساء ..." بدون الفصل بينهما بالواو، لما سيأتي:
ـ في كتاب الكامل للهذلي ص (372) هكذا:
"واتفق أصحاب أبي جعفر وشيبة على ترك همز (((بريء)))، و(((بريئون)))، و(((هنيئاً)))، (((مريئاً)))، و(((كهيئة))) ...".
فيلاحظ أنه ليس فيه واو عاطفة بين (((هنيئاً))) و(((مريئًا))).
ـ وفي "المبسوط في القراءات العشر" لابن مهران ص (105) وإن لم يكن من أصول النشر:
"وزاد أبو جعفر ترك الهمز من قوله: (((ثم يرم به بريئاً))) [النساء 112] (((وأنا بريّ))) [هود 25ويونس 41] و(((أنتم بريئون))) [يونس 41] و(((هنيئاً مريئاً))) [النساء 4] ...".
ـ وفي "إرشاد المبتدي" للقلانسي ص (99):
"فإن تحركت الهمزة وسكن ما قبلها وكان الساكن حرف مد ، فإن السلمي والحنبلي والأهوازي يقلبون الهمزة إلى الياء ويدغمون الياء الأولى فيها، كقوله: (((هنيئاً مريئاً)))، و(((بريئون)))، و(((بريء))) ".
فهذه بعض النصوص التي وقفت عليها وهي تفيد أن (((هنيئاً))) مقيد بموضع النساء، فهذا ما تيسر لي تسطيره الآن، ولعل الشيخ الفاضل عبد الحكيم حفظه الله يشبع هذه المسألة بحثاً كما عهدناه، والله تعالى أعلم.
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ، وشكرا جزيلا لكم على هذا التعليق القيم المفيد.
هذه المسألة - كما ذكرتم - مشكلة؛ وسبب إشكالها - في رأيي المتواضع - أخذ بعض المقرئين المعاصرين بالتقييد، مع عدم وضوح مستندهم في ذلك.
فالمحقق ابن الجزري لا تدل عباراته في كتبه على التقييد؛ فقد عاطف بين الكلمتين في "النشر"، ويبدو أنه كان واعيا متعمدا لذلك، لأنه عبر بالتعبير نفسه في "التقريب"، وعكس ترتيب الكلمتين في "الطيبة"، وكذلك فعل ابنه أحمد في الشرح، و"الظواهر إذا كثرت أفادت القطع". وكذلك فهم كلامَه المقرئون المتأخرون؛ فقد نص النشار والمنصوري على عدم التقييد، وفصل الأبياري بين الكلمتين، وكل ذلك يدل على عدم التقييد.
ثم إن الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم لم يقل ولم يعز إلى شيوخه أنهم حرروا )بريئا(و)هنيئا(اعتمادا على الرجوع إلى أصول "النشر"، وإنما احتجوا بعبارة "النشر" وبالرواية لأنها سنة متبعة، لكن يعكر على احتجاجهم بالرواية أن جميع أسانيدهم (أو أشهرها على الأقل) يمر بالإمام المنصوري، وهو قد صرح بعدم التقييد في )هنيئا(، وذلك يدل على أن التقييد هو استحسان أو "تحرير" من بعض من جاء بعده. حتى أن الأبياري حسب ما يفهم من عبارته في "منحة مولي البر" لم يقيد )بريئا( ولا )هنيئا(، فلعل هذا "التحرير" متأخر عنه. لذلك فإن الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم قد استدرك عليه فعلق على هامش "منحة مولي البر" وقيد الكلمتين (انظر: فريدة الدهر: 1/869).
فإذا رجعنا إلى أصول "النشر" لا نجد أيضا دليلا جليا على التقييد؛ فعبارة القلانسي في "الإرشاد" نص في عدم التقييد، فقد أتى بقاعدة عامة يدخل فيها كل ما تنطبق عليه وهي قوله (ص: 28 ط. دار الصحابة): "فإنتحركت الهمزة وسكن ما قبلها وكان الساكن حرف مد ، فإن السلمي والحنبلي والأهوازييقلبون الهمزة إلى الياء ويدغمون الياء الأولى فيها" ثم صرح بأن الكلمات التي ذكر هي مجرد أمثلة فقال: "كقوله ..."، و"المثال لا يقتضي الحصر". ويمكن حمل عبارة "الكامل" و"المبسوط" على التمثيل أيضا، صحيح أنهما لم يعاطفا بين الكلمتين، لكن الظاهر أنهما أوردا هذه الكلمات لمجرد التمثيل واختارا آية النساء لأنها تصلح مثالا للكلمتين )هنيئا( و)مريئا(؛ ويدل على ذلك أن "المبسوط" مثلا لم ينص على إدغام جميع ما ورد في القرآن من )بريء(؛ فعبارته (ص: 105 ط. مجمع اللغة العربية بدمشق): "وزاد أبو جعفر ترك الهمز من قوله )ثم يرم به بريئا()وأنا بريء()وأنتم بريئون(و)هنيئا مريئا(". فقد نص على إدغام )وأنا بريء(فقط، وقد وردت في موضعين من القرآن، وبقيت سبعة مواضع أخرى وردت فيها )بريء(غير مسبوقة بـ)وأنا(، مثل: )أن الله بريء من المشركين( (التوبة: 3) وهي – في رأيي المتواضع – داخلة في كلامه؛ لأنه إنما ذكر هذه الكلمات لمجرد التمثيل لا للتقييد، وإن لا لنص على خروجها، لأن من عادة المقرئين أن يقيدوا بقيود واضحة، مثل تقييدهم لمسألة تسهيل )رأى(للإصبهاني؛ فلما كان الإصبهاني يسهلها في بعض المواضع ويحققها في بعضها، نص المقرئون نصا جليا على تحديد ما يسهله، وقيدوه تقييدا جليا. وكذلك في مسألة )بريئا(؛ فالمقرئون لم يقيدوها بحالة الرفع أو الجمع، وإن كان أغلبهم لم ينص على حالة النصب، فتبقى على إطلاقها.
والله أعلم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على رسوله الكريم،،، وبعد
فأشكر الأخ عبد الحكيم عبد الرازق على ما تفضل به للملتقى من بحث محيط بمسألة الخلاف الملحوظ في (((بريئا))) دون أخواتها الثمانية من (((بريء))) و (((بريئون)))، كما أخص الشكر والامتنان للشيخ الأستاذ/ محمد أحمد الأهدل على حسن قيامه بمتطلبات العلم . وأود أن أنبه إلى أن ما نقله عني الشيخ الأهدل من تعميم الإدغام في كلمة (((هنيئا))) في مواضعه الأربعة غير صحيح في أية مرحلة من مراحل ممارستي لهذا العلم الجليل.
ذاكرت مع الشقيقين الحبيبين/ صادق ونجيب محمد عبد الله اليمنيين، في رمضان 1429 بفندق أجنحة السفراء بجدة بالمملكة العربية السعودية، مشكلات "طيبة النشر" وذكرا لي أنهما قرآ بعموم الإدغام في المواضع الأربعة، وقلت لهما نص الطيبة لا يساعد على تخصيص حرف النساء وأصله "النشر" غير حاسم في الموضوع ولكني قرأت على الشيخ أبي حسان محمد تميم مصطفى عاصم الزعبي بإدغام حرف النساء فقط دون أخواتها في الطور والحاقة والمرسلات. فاتصل صادق بمن وصفه بأخص تلامذة الشيخ عبد الباسط هاشم، وذكر ذاك - وأنا أسمع من الهاتف - أن الإدغام عام في الكلمات الأربع. ثم اتصل بالشيخ عبد الباسط فذكر الشيخ أن الإدغام عام في الكلمات الأربع واستشهد ببيت الطيبة، ثم بعد دقائق اتصل الذي من الرياض ليصحح ويقول : الإدغام خاص بحرف النساء.
وقد ناقشت في هذه المسألة علماء أجلاء في السعودية والمغرب وموريتانيا والكويت وقطر ولم يختلف كلامي فيها. هذا ما لزم توضيحه ووجب تبيينه.
وقد كنت كتبت إلى السيد الكريم المشرف العام عبر بريده الخاص قريبا من هذا التوضيح فلم ينشر وقررت التسجيل في الملتقى للتوضيح.
وجزاكم الله خيرا
 
مرحبا وتحية لصديقي الأخ العلامة محمد الحسن بوصو
ولقد شرف به ملتقى أهل التفسير
وسأتتبع الكلمات المذكورة .
طالب العلم
الحسن بن ماديك
 
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على رسوله الكريم،،، وبعد
فأشكر الأخ عبد الحكيم عبد الرازق على ما تفضل به للملتقى من بحث محيط بمسألة الخلاف الملحوظ في (((بريئا))) دون أخواتها الثمانية من (((بريء))) و (((بريئون)))، كما أخص الشكر والامتنان للشيخ الأستاذ/ محمد أحمد الأهدل على حسن قيامه بمتطلبات العلم . وأود أن أنبه إلى أن ما نقله عني الشيخ الأهدل من تعميم الإدغام في كلمة (((هنيئا))) في مواضعه الأربعة غير صحيح في أية مرحلة من مراحل ممارستي لهذا العلم الجليل.
ذاكرت مع الشقيقين الحبيبين/ صادق ونجيب محمد عبد الله اليمنيين، في رمضان 1429 بفندق أجنحة السفراء بجدة بالمملكة العربية السعودية، مشكلات "طيبة النشر" وذكرا لي أنهما قرآ بعموم الإدغام في المواضع الأربعة، وقلت لهما نص الطيبة لا يساعد على تخصيص حرف النساء وأصله "النشر" غير حاسم في الموضوع ولكني قرأت على الشيخ أبي حسان محمد تميم مصطفى عاصم الزعبي بإدغام حرف النساء فقط دون أخواتها في الطور والحاقة والمرسلات. فاتصل صادق بمن وصفه بأخص تلامذة الشيخ عبد الباسط هاشم، وذكر ذاك - وأنا أسمع من الهاتف - أن الإدغام عام في الكلمات الأربع. ثم اتصل بالشيخ عبد الباسط فذكر الشيخ أن الإدغام عام في الكلمات الأربع واستشهد ببيت الطيبة، ثم بعد دقائق اتصل الذي من الرياض ليصحح ويقول : الإدغام خاص بحرف النساء.
وقد ناقشت في هذه المسألة علماء أجلاء في السعودية والمغرب وموريتانيا والكويت وقطر ولم يختلف كلامي فيها. هذا ما لزم توضيحه ووجب تبيينه.
وقد كنت كتبت إلى السيد الكريم المشرف العام عبر بريده الخاص قريبا من هذا التوضيح فلم ينشر وقررت التسجيل في الملتقى للتوضيح.
وجزاكم الله خيرا

أولاً/ أرحب بفضيلة الشيخ المقرئ الفاضل/ محمد الحسن البوصو حفظه الله تعالى في ملتقاه المبارك بين إخوانه وأحبابه، وأحمد الله تعالى أني كنت السبب في تسجيله في هذا الملتقى.
أما ما نقلتُه عنه من تعميم الإدغام في كلمة (((هنيئا))) في مواضعه الأربعة، فالذي أخبرني به هو أحد الأخوين الفاضلين المذكورين في مشاركته، وهو الشيخ/ صادق عبد الله حفظه الله، ووصفته بأنه من تلامذته؛ لما فهمته من كلامه بأنه استفاد منه علم رسم المصاحف، ولو لم أكن متيقناً من ذلك لما تفوهت به، فأنا أذكر مناقشتي معه لهذه المسألة وكان ذلك اللقاء أول لقاء يجمعني به حيث التقينا في مركز الإقراء والإجازة بالسند بصنعاء ـ وكنت مدرساً فيه لعلم القراءات ـ بعد صلاة العصر، ولا أذكر التاريخ بالضبط للأسف، ولم أكن أعرف الشيخ صادق قبل ذلك الوقت، فعرَّفني أحد زملائي في المركز عليه، وهو الشيخ خالد البعداني حفظه الله، وكان نِعْمَ الشيخ، ولما كان أصحاب القراءات أكثر اشتغالاً به بدأنا مباشرة باستفسار كل واحد للآخر عن مشايخه، ثم تطرقنا إلى هذه المسألة ومن أجل أني أول مرة في حياتي أسمع بتعميم الإدغام في كلمة (((هنيئا))) ثبت نقاشها في ذاكرتي، وأنا على يقين أنه قال لي: الشيخ محمد البوصو يرى أن الإدغام فيها ليس مختصًّا بسورة النساء، بل هو عام، فنقلت ذلك عنه هنا، فلعله فهِمَ ذلك من الشيخ البوصو وهو لم يقصده، والعلم عند الله، فالمهم أن نقلي هذا هو عن الشيخ صادق عبد الله أن الشيخ محمد البوصو قال ذلك، فهذا ما أرى أنه يلزمني بيانه، والمعذرة لشيخنا الكريم محمد الحسن البوصو عن إزعاجه وإقلاقه، والله المستعان.
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ، وشكرا جزيلا لكم على هذا التعليق القيم المفيد.
هذه المسألة - كما ذكرتم - مشكلة؛ وسبب إشكالها - في رأيي المتواضع - أخذ بعض المقرئين المعاصرين بالتقييد، مع عدم وضوح مستندهم في ذلك.
فالمحقق ابن الجزري لا تدل عباراته في كتبه على التقييد؛ فقد عاطف بين الكلمتين في "النشر"، ويبدو أنه كان واعيا متعمدا لذلك، لأنه عبر بالتعبير نفسه في "التقريب"، وعكس ترتيب الكلمتين في "الطيبة"، وكذلك فعل ابنه أحمد في الشرح، و"الظواهر إذا كثرت أفادت القطع". وكذلك فهم كلامَه المقرئون المتأخرون؛ فقد نص النشار والمنصوري على عدم التقييد، وفصل الأبياري بين الكلمتين، وكل ذلك يدل على عدم التقييد.
ثم إن الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم لم يقل ولم يعز إلى شيوخه أنهم حرروا )بريئا(و)هنيئا(اعتمادا على الرجوع إلى أصول "النشر"، وإنما احتجوا بعبارة "النشر" وبالرواية لأنها سنة متبعة، لكن يعكر على احتجاجهم بالرواية أن جميع أسانيدهم (أو أشهرها على الأقل) يمر بالإمام المنصوري، وهو قد صرح بعدم التقييد في )هنيئا(، وذلك يدل على أن التقييد هو استحسان أو "تحرير" من بعض من جاء بعده. حتى أن الأبياري حسب ما يفهم من عبارته في "منحة مولي البر" لم يقيد )بريئا( ولا )هنيئا(، فلعل هذا "التحرير" متأخر عنه. لذلك فإن الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم قد استدرك عليه فعلق على هامش "منحة مولي البر" وقيد الكلمتين (انظر: فريدة الدهر: 1/869).
فإذا رجعنا إلى أصول "النشر" لا نجد أيضا دليلا جليا على التقييد؛ فعبارة القلانسي في "الإرشاد" نص في عدم التقييد، فقد أتى بقاعدة عامة يدخل فيها كل ما تنطبق عليه وهي قوله (ص: 28 ط. دار الصحابة): "فإنتحركت الهمزة وسكن ما قبلها وكان الساكن حرف مد ، فإن السلمي والحنبلي والأهوازييقلبون الهمزة إلى الياء ويدغمون الياء الأولى فيها" ثم صرح بأن الكلمات التي ذكر هي مجرد أمثلة فقال: "كقوله ..."، و"المثال لا يقتضي الحصر". ويمكن حمل عبارة "الكامل" و"المبسوط" على التمثيل أيضا، صحيح أنهما لم يعاطفا بين الكلمتين، لكن الظاهر أنهما أوردا هذه الكلمات لمجرد التمثيل واختارا آية النساء لأنها تصلح مثالا للكلمتين )هنيئا( و)مريئا(؛ ويدل على ذلك أن "المبسوط" مثلا لم ينص على إدغام جميع ما ورد في القرآن من )بريء(؛ فعبارته (ص: 105 ط. مجمع اللغة العربية بدمشق): "وزاد أبو جعفر ترك الهمز من قوله )ثم يرم به بريئا()وأنا بريء()وأنتم بريئون(و)هنيئا مريئا(". فقد نص على إدغام )وأنا بريء(فقط، وقد وردت في موضعين من القرآن، وبقيت سبعة مواضع أخرى وردت فيها )بريء(غير مسبوقة بـ)وأنا(، مثل: )أن الله بريء من المشركين( (التوبة: 3) وهي – في رأيي المتواضع – داخلة في كلامه؛ لأنه إنما ذكر هذه الكلمات لمجرد التمثيل لا للتقييد، وإن لا لنص على خروجها، لأن من عادة المقرئين أن يقيدوا بقيود واضحة، مثل تقييدهم لمسألة تسهيل )رأى(للإصبهاني؛ فلما كان الإصبهاني يسهلها في بعض المواضع ويحققها في بعضها، نص المقرئون نصا جليا على تحديد ما يسهله، وقيدوه تقييدا جليا. وكذلك في مسألة )بريئا(؛ فالمقرئون لم يقيدوها بحالة الرفع أو الجمع، وإن كان أغلبهم لم ينص على حالة النصب، فتبقى على إطلاقها.
والله أعلم.

شيخنا الكريم الدكتور أحمد كوري جزيت خيراً على هذا التوضيح المبارك، والذي يظهر أنه يكاد أن يكون تخصيص إدغام (((هنيئاً))) لأبي جعفر متفقاً عليه بين المعاصرين من حيث الأداء.
 
وشكرا للشيخ الأهدل على التوضيح الموثق، وعلى الترحيب الحار، وكل ما ذكرتموه من حيثيات النقل صحيح. وصادق محمد عبد الله انتهز فترة زيارتي للملكة فرحل إليَّ من اليمن إلى جدة لغرض تعلم علم الرسم. وأخذ مني هو وشقيقه " المحتوي لجامع رسم الصحابة وضبط التابع" و "كشف العمى والرين عن ناظري مصحف ذي النورين" وبابي حذف الألفات والهمزات من "مورد الظمآن" وكامل بيان الخلاف والتشهير لابن القاضي ومنظومة شيخنا محمد المصطفى المشهور بصداف ولد محمد البشير في اختلاف ترجيحات المشارقة والمغاربة.
وأؤكد لكم بأن نص الطيبة لا يساعد على تخصيص حرف النساء لكني قرأت بإدغامه خاصة دون الثلاثة الباقية.
لكم مني أسمى آيات الاعتبار
 
جزيت خيراً فضيلة الشيخ محمد الحسن بوصو على التصديق، فقد كاد قلبي أن ينخلع من الموقف بأن أنقل عن أحد من الشيوخ ما لم يقل حتى عزمت على أن لا أنقل عن أحد بعد اليوم إلا ما سمعته منه مباشرة، أسأل الله أن ييسر لنا الاستفادة من علمكم.
وتقبل مني خالص التحية والتقدير.
 
عودة
أعلى