القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع إمداد
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

إمداد

New member
إنضم
05/07/2004
المشاركات
257
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها

فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

المجلد الثامن > القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها


القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها محاضرة ألقيت في شهر صفر عام 1403 هـ في الجامع الكبير بمدينة الرياض ، وصدرت في كتاب بنفس العنوان .

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 8)

الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على عبده ورسوله وخليله ، وأمينه على وحيه ، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سلك سبيله ، واهتدى بهداه إلى يوم الدين ، أما بعد :

فلا ريب أن سلامة العقيدة أهم الأمور ، وأعظم الفرائض ؛ ولهذا رأيت أن يكون عنوان هذه الكلمة : ( القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها ) .

العقيدة : هي ما يعتقده الإنسان ويدين به ، من خير وشر ، من فساد وصلاح .

والمطلوب : هو التمسك بالعقيدة الصحيحة ، وما يجب على العبد في ذلك ؛ لأن في هذا العالم عقائد كثيرة ، كلها فاسدة إلا العقيدة التي جاء بها كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي العقيدة الإسلامية الصافية النقية من شوائب الشرك والبدع والمعاصي ، هذه هي العقيدة التي جاء بها كتاب الله ، ودلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي : الإسلام .

قال الله تعالى : سورة آل عمران الآية 19 إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وقال عز وجل : سورة المائدة الآية 3 الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا


(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 9)

فالإسلام هو دين الله ، لا يقبل من أحد سواه ، قال الله عز وجل :

سورة آل عمران الآية 85 وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

وهو دين الأنبياء كلهم ؛ فهو دين آدم أبينا عليه الصلاة والسلام ، وهو دين الأنبياء بعده : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وداود ، وسليمان ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف ، ودين غيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهو دين نبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي بعثه الله به للناس عامة ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : جزء من حديث رواه البخاري (3442 ، 3443) ، ومسلم (2365) (143 ، 144 ، 145) وغيرهما ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . قال في (مختار الصحاح) : بنو العلات : أولاد الرجل من نسوة شتى ، سميت بذلك ؛ لأن الذي تزوج أخرى على أولى قد كانت قبلها ناهل ، ثم عل من هذه ، و الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد وفي لفظ : صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3258),صحيح مسلم الفضائل (2365),سنن أبو داود السنة (4675),مسند أحمد بن حنبل (2/463). أولاد علات .

والمعنى : أن دين الأنبياء واحد : وهو توحيد الله ، والإيمان بأنه رب العالمين ، وأنه الخلاق العليم ، وأنه المستحق للعبادة دون كل ما سواه ، والإيمان بالآخرة والبعث والنشور ، والجنة والنار والميزان ، وغير هذا من أمور الآخرة ، أما الشرائع فهي مختلفة ، وهذا معنى أولاد علات : أولاد لضرات ، كنى بهذا عن الشرائع ، كما قال سبحانه : سورة المائدة الآية 48 لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا

إخوة الأب : أبوهم واحد وأمهاتهم متفرقات ، هكذا الأنبياء دينهم واحد وهو : توحيد الله والإخلاص له .


(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 10)

وهو معنى (لا إله إلا الله) ، وهو : إفراد الله بالعبادة ، والإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وما يتفرع بعد ذلك من البعث والنشور ، والجنة والنار ، والميزان والحساب والصراط ، وغير هذا .

هكذا الأنبياء دينهم واحد ، كلهم جاءوا بهذا الأمر - عليهم الصلاة والسلام - ولكن الشرائع تفرقت ، بمثابة الأولاد لأمهات العلات ، فشريعة التوراة فيها ما ليس في شريعة الإنجيل ، وفي الشرائع التي قبلها أشياء ليست فيها ، وفي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أشياء غير ما في التوراة والإنجيل ، فقد يسر الله على هذه الأمة وخفف عنها الكثير ، كما قال جل وعلا :

سورة الأعراف الآية 157 وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ وقال عليه الصلاة والسلام : مسند أحمد بن حنبل (5/266). بعثت بالحنيفية السمحة .

فالله بعثه بشريعة سمحة ليس فيها آصار ، وليس فيها أغلال ، وليس فيها حرج ، كما قال سبحانه : سورة الحج الآية 78 وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ

كان أتباع الشرائع الماضية قبل شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لا يتيممون عند فقد الماء ، بل يؤخرون الصلوات ويجمعونها حتى يجدوا الماء ، ثم يتوضئون ويصلون ، وجاء في هذه الشريعة المحمدية التيمم ، فمن عدم الماء أو عجز عنه تيمم بالتراب وصلى ، وجاء في ذلك أنواع كثيرة من التيسير والتسهيل .

وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامة؛ إلى الجن والإنس ، والعرب والعجم ، وجعله الله خاتم الأنبياء .

وكان من قبلنا لا يصلون إلا في بيعهم ومساجدهم ومحلات

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 11)

صلاتهم ، أما في هذه الشريعة المحمدية فإنك تصلي حيث كنت ، في أي أرض الله حضرت الصلاة صليت ، في أي أرض الله . من الصحاري والقفار ، كما قال عليه الصلاة والسلام : جزء من حديث رواه البخاري (335، 438، 3122)، ومسلم (521). وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .

فالشريعة الإسلامية التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم شريعة واسعة ميسرة ليس فيها حرج ولا أغلال ، ومن ذلك : المريض ؛ لا يلزمه الصوم ، بل له أن يفطر ويقضي ، والمسافر يقصر الصلاة الرباعية ، ويفطر في رمضان ، ويقضي الصوم ، كما قال الله عز وجل : سورة البقرة الآية 185 وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ

والمصلي إن عجز عن القيام صلى قاعدا ، وإن عجز عن القعود صلى على جنبه ، وإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيا ، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وإذا لم يجد من الأكل ما يسد رمقه من الحلال جاز له أن يأكل من الميتة ونحوها ما يسد رمقه حتى لا يموت .

فالعقيدة الإسلامية : هي توحيد الله والإخلاص له سبحانه ، والإيمان به ، وبرسله ، وبكتبه ، وبملائكته ، وباليوم الآخر من البعث والنشور ، ومن الجنة والنار وغير ذلك من أمور الآخرة ، والإيمان بالقدر خيره وشره ، وأنه سبحانه قدر الأشياء ، وعلمها وأحاط بها ، وكتبها عنده سبحانه وتعالى .

ومن أركان الإسلام : الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج .

ومن واجباته وفرائضه : الجهاد في سبيل الله ، والأمر بالمعروف

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 12)

والنهي عن المنكر ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، إلى غير ذلك .

فالإسلام : هو الاستسلام لله ، والانقياد له سبحانه بتوحيده ، والإخلاص له والتمسك بطاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام ، ولهذا سمي إسلاما؛ لأن المسلم يسلم أمره لله ، ويوحده سبحانه ، ويعبده وحده دون ما سواه ، وينقاد لأوامره ويدع نواهيه ، ويقف عند حدوده ، هكذا الإسلام .

وله أركان خمسة ، وهي : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا .

والشهادتان معناهما : توحيد الله والإخلاص له ، والإيمان بأن محمدا رسوله عليه الصلاة والسلام إلى جميع الثقلين الجن والإنس ، وهاتان الشهادتان هما أصل الدين ، وهما أساس الملة ، فلا معبود بحق إلا الله وحده ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، كما قال عز وجل : سورة الحج الآية 62 ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ

وأما شهادة أن محمدا رسول الله فمعناها : أن تشهد - عن يقين وعلم - أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي المكي ثم المدني هو رسول الله حقا ، وهو أشرف عباد الله ، وقرابته وأسرته هم أفضل العرب على الإطلاق ، فهو خيار من خيار من خيار عليه الصلاة والسلام ، وهو أشرف الخلق وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه .

فعليك أن تؤمن بأن الله بعثه للناس عامة ؛ إلى الجن والإنس ، إلى الذكور والإناث ، إلى العرب والعجم ، إلى الأغنياء والفقراء ، إلى الحاضرة

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 13)

والبادية ، هو رسول الله إلى الجميع ، من اتبعه فله الجنة ، ومن خالف أمره فله النار ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6851),صحيح مسلم الإمارة (1835),مسند أحمد بن حنبل (2/361). كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى . قيل : يا رسول الله ، ومن يأبى؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى . خرجه البخاري في صحيحه صحيح البخاري (8\139). .

فهذه العقيدة الإسلامية العظيمة مضمونها : توحيد الله ، والإخلاص له ، والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسوله حقا ، والإيمان بجميع المرسلين ، مع الإيمان بوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج ، والإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله .

هذه هي العقيدة الإسلامية المحمدية ، وقد وقع من بعض الناس قوادح فيها ، ونواقض تنقضها يجب أن نبينها في هذه الكلمة .

والقوادح قسمان :

قسم ينقض هذه العقيدة ويبطلها ، فيكون صاحبه كافرا ، نعوذ بالله .

وقسم ينقص هذه العقيدة ويضعفها .

فالأول : يسمى : ناقضا ، وهو : الذي يبطلها ويفسدها ، ويكون صاحبه كافرا مرتدا عن الإسلام ، وهذا النوع هو : القوادح المكفرة :

وهي نواقض الإسلام ، وهي الموجبة للردة ، هذه تسمى : نواقض .

والناقض : يكون قولا ، ويكون عملا ، ويكون اعتقادا ، ويكون شكا . فقد يرتد الإنسان بقول يقوله أو بعمل يعمله ، أو باعتقاد يعتقده ، أو بشك يطرأ عليه ، هذه الأمور الأربعة كلها يأتي منها الناقض الذي يقدح في العقيدة ويبطلها ، وقد ذكرها أهل العلم في كتبهم وسموا بابها :

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 14)

( باب حكم المرتد ) ، فكل مذهب من مذاهب العلماء ، وكل ففيه من الفقهاء ألف كتبا - في الغالب - عندما يذكر الحدود يذكر (باب حكم المرتد) : وهو الذي يكفر بعد الإسلام ، ويسمى هذا : مرتدا ، يعني : أنه رجع عن دين الله وارتد عنه ، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الجهاد والسير (2854),سنن الترمذي الحدود (1458),سنن النسائي تحريم الدم (4060),سنن أبو داود الحدود (4351),سنن ابن ماجه الحدود (2535),مسند أحمد بن حنبل (1/282). من بدل دينه فاقتلوه خرجه البخاري في الصحيح صحيح البخاري (3017). .

وفي الصحيحين : صحيح البخاري استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6525),سنن أبو داود الحدود (4354),مسند أحمد بن حنبل (4/409). أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى الأشعري إلى اليمن ، ثم أتبعه معاذ بن جبل رضي الله عنهما فلما قدم عليه قال : انزل . وألقى له وسادة ، وإذا رجل عنده موثق ، قال : ما هذا؟ قال : هذا كان يهوديا فأسلم ثم راجع دينه - دين السوء - فتهود . فقال معاذ : لا أنزل حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله ، فقال : انزل . قال : لا أنزل حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله ، ثلاث مرات ، فأمر به أبو موسى رضي الله عنه فقتل .

فدل ذلك على أن المرتد عن الإسلام يقتل ، إذا لم يتب ، يستتاب فإن تاب ورجع فالحمد لله ، وإن لم يرجع وأصر على كفره وضلاله يقتل ، ويعجل به إلى النار ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري (3017) . من بدل دينه فاقتلوه .

فالنواقض التي تنقض الإسلام كثيرة ، منها :

الردة بالقول : مثل : سب الله ، هذا قول ينقض الدين ، وهكذا سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، يعني : اللعن والسب لله ولرسوله ، أو العيب والتنقص ، مثل أن يقول : إن الله ظالم ، إن الله بخيل ، إن الله فقير ، إن الله جل وعلا

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 15)

لا يعلم بعض الأمور ، أو لا يقدر على بعض الأمور ، كل هذه الأقوال وأشباهها سب وردة عن الإسلام .

فمن انتقص الله أو سبه أو عابه بشيء فهو كافر مرتد عن الإسلام - نعوذ بالله من ذلك - وهذه ردة قولية ، إذا سب الله أو استهزأ به أو تنقصه أو وصفه بأمر لا يليق ، كما تقول اليهود : إن الله بخيل ، إن الله فقير ونحن أغنياء ، وهكذا لو قال : إن الله لا يعلم بعض الأمور ، أو لا يقدر على بعض الأمور ، أو نفى صفات الله ولم يؤمن بها ، فهذا يكون مرتدا بأقواله السيئة .

أو قال مثلا : إن الله لم يوجب علينا الصلاة ، فهذه ردة عن الإسلام ، فمن قال : إن الله لم يوجب الصلاة فقد ارتد عن الإسلام بإجماع المسلمين ، إلا إذا كان جاهلا بعيدا عن المسلمين لا يعرف ، فيعلم ، فإن أصر كفر ، وأما إذا كان بين المسلمين ، ويعرف أمور الدين ، ثم قال : ليست الصلاة بواجبة . فهذه ردة ، يستتاب منها ، فإن تاب وإلا قتل ، أو قال : الزكاة غير واجبة على الناس ، أو قال : صوم رمضان غير واجب على الناس ، أو الحج مع الاستطاعة غير واجب على الناس ، من قال هذه المقالات كفر إجماعا ، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل - نعوذ بالله من ذلك - وهذه الأمور ردة قولية .

ومنها : الردة بالفعل :

والردة الفعلية مثل : ترك الصلاة ، فكونه لا يصلي وإن قال : إنها واجبة - لكن لا يصلي - هذه ردة على الأصح من أقوال العلماء ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : سنن الترمذي الإيمان (2621),سنن النسائي الصلاة (463),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079),مسند أحمد بن حنبل (5/346). العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر رواه الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه بإسناد

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 16)

صحيح ، وقوله صلى الله عليه وسلم : صحيح مسلم الإيمان (82),سنن الترمذي الإيمان (2620),سنن أبو داود السنة (4678),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078),مسند أحمد بن حنبل (3/370),سنن الدارمي الصلاة (1233). بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة . أخرجه مسلم في صحيحه .

وقال عبد الله بن شقيق العقيلي - التابعي المتفق على جلالة قدره رحمه الله : (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) رواه الترمذي السنن (2624). ، وإسناده صحيح .

وهذه ردة فعلية ، وهي ترك الصلاة عمدا .

ومن ذلك : لو استهان بالمصحف الشريف وقعد عليه مستهينا به ، أو لطخه بالنجاسة عمدا ، أو وطأه بقدمه يستهين به ، فإنه يرتد بذلك عن الإسلام .

ومن الردة الفعلية : كونه يطوف بالقبور يتقرب لأهلها بذلك ، أو يصلي لهم أو للجن ، وهذه ردة فعلية.

أما دعاؤه لهم والاستعانة بهم والنذر لهم : فردة قولية .

أما من طاف بالقبور ، يقصد بذلك عبادة الله ، فهو بدعة قادحة في الدين ، ووسيلة من وسائل الشرك ، ولا يكون ردة ، إنما يكون بدعة قادحة في الدين إذا لم يقصد التقرب إليهم بذلك ، وإنما فعل ذلك تقربا إلى الله سبحانه جهلا منه .

ومن الكفر الفعلي : كونه يذبح لغير الله ، ويتقرب لغيره سبحانه بالذبائح ، يذبح البعير أو الشاة أو الدجاجة أو البقرة لأصحاب القبور تقربا إليهم يعبدهم بها ، أو للجن يعبدهم بها ، أو للكواكب يتقرب

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 17)

إليها بذلك ، وهذا مما أهل به لغير الله ، فيكون ميتة ، ويكون كفرا أكبر ، نسأل الله العافية من ذلك ، هذه كلها من أنواع الردة والنواقض عن الإسلام الفعلية .

ومنها : الردة بالاعتقاد :

ومن أنواع الردة العقدية التي يعتقدها بقلبه وإن لم يتكلم بها ولم يفعل ، بل بقلبه يعتقد : إذا اعتقد بقلبه أن الله جل وعلا فقير ، أو أنه بخيل ، أو أنه ظالم ، ولو أنه ما تكلم ، ولو لم يفعل شيئا ، هذا كفر - بمجرد هذه العقيدة - بإجماع المسلمين .

أو اعتقد بقلبه أنه لا يوجد بعث ولا نشور ، وأن كل ما جاء في هذا ليس له حقيقة ، أو اعتقد بقلبه أنه لا يوجد جنة أو نار ، ولا حياة أخرى ، إذا اعتقد ذلك بقلبه ولو لم يتكلم بشيء ، هذا كفر وردة عن الإسلام - نعوذ بالله من ذلك - وتكون أعماله باطلة ، ويكون مصيره إلى النار بسبب هذه العقيدة .

وهكذا لو اعتقد بقلبه - ولو لم يتكلم - أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بصادق ، أو أنه ليس بخاتم الأنبياء وأن بعده أنبياء ، أو اعتقد أن مسيلمة الكذاب نبي صادق ، فإنه يكون كافرا بهذه العقيدة .

أو اعتقد بقلبه أن نوحا ، أو موسى ، أو عيسى ، أو غيرهم من الأنبياء عليهم السلام أنهم كاذبون أو أحدا منهم ، هذا ردة عن الإسلام .

أو اعتقد أنه لا بأس أن يدعى مع الله غيره كالأنبياء أو غيرهم من الناس ، أو الشمس والكواكب أو غيرها ، إذا اعتقد بقلبه ذلك صار مرتدا عن الإسلام؛ لأن الله تعالى يقول : سورة الحج الآية 62 ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 18)

وقال سبحانه : سورة البقرة الآية 163 وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وقال : سورة الفاتحة الآية 5 إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وقال : سورة الإسراء الآية 23 وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وقال : سورة غافر الآية 14 فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ وقال سبحانه : سورة الزمر الآية 65 وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ والآيات في هذا المعنى كثيرة .

فمن زعم أو اعتقد أنه يجوز أن يعبد مع الله غيره؛ من ملك ، أو نبي ، أو شجر ، أو جن ، أو غير ذلك فهو كافر ، وإذا نطق وقال بلسانه ذلك صار كافرا بالقول والعقيدة جميعا ، وإن فعل ذلك ودعا غير الله واستغاث بغير الله صار كافرا بالقول والعمل والعقيدة جميعا ، نسأل الله العافية من ذلك .

ومما يدخل في هذا : ما يفعله عباد القبور اليوم في كثير من الأمصار من دعاء الأموات ، والاستغاثة بهم ، وطلب المدد منهم ، فيقول بعضهم : يا سيدي ، المدد المدد ، يا سيدي ، الغوث الغوث ، أنا بجوارك ، اشف مريضي ، ورد غائبي ، وأصلح قلبي .

يخاطبون الأموات الذين يسمونهم : الأولياء ، ويسألونهم هذا السؤال ، نسوا الله وأشركوا معه غيره - تعالى الله عن ذلك - فهذا كفر قولي وعقدي وفعلي .


(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 19)

وبعضهم ينادي من مكان بعيد وفي أمصار متباعدة : يا رسول الله ، انصرني . . . ونحو هذا ، وبعضهم يقول عند قبره : يا رسول الله ، اشف مريضي ، يا رسول الله ، المدد المدد ، انصرنا على أعدائنا ، أنت تعلم ما نحن فيه ، انصرنا على أعدائنا .

والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ؛ إذ لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه ، هذا من الشرك القولي والعملي ، وإذا اعتقد مع ذلك أن هذا جائز ، وأنه لا بأس به صار شركا قوليا وفعليا وعقديا ، نسأل الله العافية من ذلك .

وهذا واقع في دول وبلدان كثيرة ، وكان واقعا في هذه البلاد ، كان واقعا في الرياض والدرعية قبل قيام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، فقد كانت لهم آلهة في الرياض والدرعية وغيرهما ، أشجار تعبد من دون الله ، وأناس يقال : إنهم من الأولياء يعبدونهم مع الله ، وقبور تعبد مع الله .

وكان قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه موجودا في الجبيلة حيث قتل في حروب الردة أيام مسيلمة ، كان قبره يعبد من دون الله حتى هدم ذلك القبر ، ونسي اليوم والحمد لله ، بأسباب دعوة الشيخ محمد ، قدس الله روحه وجزاه عنا وعن المسلمين أفضل الجزاء .

وقد كان في نجد والحجاز من الشرك العظيم والاعتقادات الباطلة ، ودعوة غير الله ما لا يعد ولا يحصى ، فلما جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في النصف الثاني من القرن الثاني عشر ، أي : قبل ما يزيد عن مائتي سنة ، دعا إلى الله وأرشد الناس ، فعاداه كثير من العلماء الجهلة وأهل الهوى ، لكن الله أيده بعلماء الحق ، وبآل سعود - رحم الله الجميع - فدعا إلى الله ، وأرشد الناس إلى توحيد الله ، وبين

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 20)

لهم : أن عبادة الجن والأحجار والأولياء والصالحين وغيرهم شرك من عمل الجاهلية ، وأنها أعمال أبي جهل وأمثاله من كفار قريش في عبادتهم اللات ، والعزى ، ومناة ، وعبادة القبور ، هذه هي أعمالهم .

فبين - رحمه الله- للناس وهدى الله على يديه من هدى ، ثم عمت الدعوة بلاد نجد والحجاز وبقية الجزيرة العربية ، وانتشر فيها التوحيد والإيمان ، وترك الناس الشرك بالله وعبادة القبور والأولياء بعد أن كانوا يعبدونها إلا من رحم الله ، بل كان بعضهم يعبد أناسا مجانين لا عقول لهم ، ويسمونهم : أولياء ، وهذا من عظيم جهلهم الذي كانوا واقعين فيه .

ومنها : الردة بالشك :

عرضنا للردة التي تكون بالقول ، والردة بالعمل ، والردة بالعقيدة ، أما الردة بالشك : فمثل الذي يقول : أنا لا أدري هل الله حق أم لا؟ أنا شاك . هذا كافر كفر شك ، أو قال : أنا لا أعلم هل البعث حق أم لا؟ أو قال : أنا لا أدري هل الجنة والنار حق أم لا؟ أنا لا أدري ، أنا شاك . فمثل هذا يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل كافرا لشكه فيما هو معلوم من الدين بالضرورة وبالنص والإجماع .

فالذي يشك في دينه ويقول : أنا لا أدري هل الله حق؟ أو هل الرسول حق؟ وهل هو صادق أم كاذب؟ أو قال : لا أدري هل هو خاتم النبيين؟ أو قال : لا أدري مسيلمة كاذب أم لا؟ أو قال : ما أدري هل الأسود العنسي - الذي ادعى النبوة في اليمن - كاذب أم لا؟ هذه الشكوك كلها ردة عن الإسلام ، يستتاب صاحبها ويبين له الحق ، فإن تاب وإلا قتل . ومثل لو قال : أشك في الصلاة هل هي واجبة أم لا؟ أو الزكاة هل هي واجبة أم لا؟ وصيام رمضان هل هو واجب أم لا؟ أو

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 21)

شك في الحج مع الاستطاعة هل هو واجب في العمر مرة أم لا؟ فهذه الشكوك كلها كفر أكبر يستتاب صاحبها ، فإن تاب وآمن وإلا قتل ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الجهاد والسير (2854),سنن الترمذي الحدود (1458),سنن النسائي تحريم الدم (4060),سنن أبو داود الحدود (4351),سنن ابن ماجه الحدود (2535),مسند أحمد بن حنبل (1/282). من بدل دينه فاقتلوه رواه البخاري في الصحيح صحيح البخاري (3017) . .

فلا بد من الإيمان بأن هذه الأمور - أعني : الصلاة والزكاة والصيام والحج - كلها حق وواجبة على المسلمين بشروطها الشرعية .

هذا الذي تقدم هو القسم الأول من القوادح ، وهو القسم الذي ينقض الإسلام ويبطله ، ويكون صاحبه مرتدا يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل .

أما النوع الثاني : فهو وجود القوادح دون الكفر ، لكنها تضعف الإيمان وتنقصه ، وتجعل صاحبها معرضا للنار وغضب الله ، لكن لا يكون صاحبها كافرا .

وأمثلة ذلك كثيرة منها : الزنا إذا آمن أنه حرام ولم يستحله ، بل يزني ويعلم أنه عاص ، هذا لا يكون كافرا وإنما يكون عاصيا ، لكن إيمانه ناقص . وهذه المعصية قدحت في عقيدته لكن دون الكفر . فلو اعتقد أن الزنا حلال صار بذلك كافرا .

وهكذا لو قال : السرقة حلال ، أو ما أشبه ذلك ، يكون كافرا؛ لأنه استحل ما حرم الله .

وكذلك الغيبة والنميمة وعقوق الوالدين وأكل الربا وأشباه ذلك ، كل هذه من القوادح في العقيدة المضعفة للدين والإيمان .

وهكذا البدع ، وهي أشد من المعاصي ، فالبدع في الدين تضعف الإيمان ، ولا تكون ردة ما لم يوجد فيها شرك .


(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 22)

ومن أمثلة ذلك : بدعة البناء على القبور ، كأن يبني على القبر مسجدا أو قبة ، فهذه بدعة تقدح في الدين وتضعف الإيمان ، لكن إذا بناها وهو لا يعتقد جواز الكفر بالله ، ولم يقترن بذلك دعاء الميتين والاستغاثة بهم والنذر لهم ، بل ظن أنه بفعله هذا يحترمهم ويقدرهم ، فهذا العمل حينئذ ليس كفرا ، بل بدعة قادحة في الدين تضعف الإيمان وتنقصه ، ووسيلة إلى الشرك .

ومن أمثلة البدع : بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ؛ حيث يحتفل بعض الناس في الثاني عشر من ربيع الأول بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا العمل بدعة ، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا خلفاؤه الراشدون ، ولم يفعلها أهل القرن الثاني ولا الثالث ، بل هذه بدعة محدثة .

أو الاحتفال بمولد البدوي ، أو عبد القادر الجيلاني ، أو غيرهما ، فالاحتفال بالموالد بدعة من البدع ، ومنكر من المنكرات التي تقدح في العقيدة ؛ لأن الله ما أنزل بها من سلطان ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح مسلم الجمعة (867),سنن النسائي صلاة العيدين (1578),سنن ابن ماجه المقدمة (45),مسند أحمد بن حنبل (3/311),سنن الدارمي المقدمة (206). وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة رواه مسلم جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه (867) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما . ، وقال عليه الصلاة والسلام : صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270). من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته صحيح البخاري (2697) ، صحيح مسلم (1718) [17]، واللفظ هنا لمسلم ، وعند البخاري : ((ما ليس فيه)) . ، أي : فهو مردود عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام : صحيح مسلم الأقضية (1718),مسند أحمد بن حنبل (6/256). من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد خرجه مسلم في صحيحه ، وقال : رواه الإمام أحمد في مسنده (4\126 ، 127) ، وأبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وابن ماجه (42) ، والحاكم (1\95) وصححه من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه . إياكم

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 23)

ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .

فالبدع من القوادح في الدين التي دون الكفر ، إذا لم يكن فيها كفر ، أما إذا كان في الاحتفال بالمولد دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به وطلبه النصر صار شركا بالله ، وكذا دعاؤهم : يا رسول الله انصرنا ، المدد المدد يا رسول الله .. الغوث الغوث ، أو اعتقادهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب أو غيره ، كاعتقاد بعض الشيعة في علي والحسن والحسين أنهم يعلمون الغيب ، كل هذا شرك وردة عن الدين ، سواء كان في المولد أو في غير المولد .

ومثل هذا قول بعض الرافضة : إن أئمتهم الاثني عشر يعلمون الغيب ، وهذا كفر وضلال وردة عن الإسلام؛ لقوله تعالى : سورة النمل الآية 65 قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ

أما إذا كان الاحتفال بمجرد قراءة السيرة النبوية ، وذكر ما جرى في مولده وغزواته ، فهذا بدعة في الدين تنقصه ولكن لا تنقضه .

ومن البدع : ما يعتقده بعض الجهال في شهر صفر من أنه لا يسافر فيه ، فيتشاءمون به انظر فتح الباري : (10\ 158 ، 159) . ، وهذا جهل وضلال ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الطب (5421),صحيح مسلم السلام (2225),سنن ابن ماجه الطب (3540). لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة متفق على صحته ، وزاد مسلم : رواه البخاري في مواضع مختلفة في صحيحه ، وبألفاظ عدة ، منها (5774) كتاب الطب ، باب (لا عدوى ولا طيرة) ، ورواه مسلم (2221) أيضا . ولا نوء ولا غول ؛ لأن اعتقاد العدوى والطيرة والتعلق

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 24)

بالأنواء أو الغول ، كل هذه من أمور الجاهلية التي تقدح في الدين .

ومن زعم أن هناك عدوى فهذا باطل ، ولكن الله جعل المخالطة لبعض المرضى قد تكون سببا لوجود المرض في الصحيح ، ولكن لا تعدي بطبعها ، ولما سمع بعض العرب قول النبي صلى الله عليه وسلم : رواه البخاري (5717 ، 5770 ، 5775) ، ومسلم (2220) [101، 102، 103] . لا عدوى... قال : يا رسول الله ، الإبل تكون في الرمال كأنها الظباء ، فإذا دخلها الأجرب أجربها ؟ قال صلى الله عليه وسلم : فمن أعدى الأول؟ أي : من الذي أنزل الجرب في الأول؟ .

فالأمر بيد الله سبحانه وتعالى إذا شاء أجربها بسبب هذا الجرب ، وإن شاء لم يجربها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : رواه البخاري (5771) ، ومسلم (2221) ، والممرض : هو الذي له إبل مرضى ، والمصح: من له إبل صحاح . لا يوردن ممرض على مصح يعني : لا توردوا الإبل المريضة على الصحيحة ، بل تكون هذه على حدة وهذه على حدة ، وذلك من باب اتقاء الشر والبعد عن أسبابه ، وإلا فالأمور بيد الله ، لا يعدي شيء بطبعه ، إنما هو بيد الله : سورة التوبة الآية 51 قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا فالخلطة من أسباب وجود المرض فلا

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 25)

تنبغي الخلطة ، فالأجرب لا يخالط الصحيح ، هكذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الاتقاء والحذر من أسباب الشر ، لكن ليس المعنى : أنه إذا خالط فإنه سيعدي ، لا ، قد يعدي وقد لا يعدي ، والأمر بيد الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الطب (5387),صحيح مسلم السلام (2220),سنن أبو داود الطب (3911),مسند أحمد بن حنبل (2/434). فمن أعدى الأول؟ .

ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم : رواه البخاري في صحيحه (3707) تعليقا ، ورواه أحمد في مسنده 2\443 ، وذكر الحافظ ابن حجر في شرحه (فتح الباري) (10\158) : أن أبا نعيم وصله من طريق أبي داود الطيالسي ، وسنده صحيح ، وذكر أيضا أن ابن خزيمة وصله كذلك ، وقال البغوي بعد أن أورده في شرح السنة (3247) فر من المجذوم فرارك من الأسد والمقصود : أن تشاؤم أهل الجاهلية بالعدوى وبالتطير أو الهامة - وهي : روح الميت ، يقولون : إنها تكون كأنها طائر حول قبره يتشاءمون بها - وهذا باطل لا أصل له ، وروح الميت مرتهنة بعمله إما فى الجنة أو النار .

والطيرة والتشاؤم بالمرئيات والسمعيات من عمل الجاهلية ، حيث كانوا يتشاءمون إذا رأوا شيئا لا يناسبهم مثل الغراب ، أو الحمار الأسود ، أو مقطوع الذنب ، أو ما أشبه ذلك ، فيتشاءمون به ، هذا من جهلهم وضلالهم ، قال الله جل وعلا في الرد عليهم : سورة الأعراف الآية 131 أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فالله بيده الضر والنفع ، وبيده العطاء والمنع ، والطيرة لا أصل لها ، ولكنه شيء يجدونه في صدورهم ولا حقيقة له ، بل هو شيء باطل ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الطب (5422),صحيح مسلم السلام (2223),سنن ابن ماجه الطب (3536),مسند أحمد بن حنبل (2/267). لا طيرة .

ولذا يجب على المسلم إذا رأى ما يتشاءم به : ألا يرجع عن حاجته ، فلو خرح ليسافر ، وصادفه حمار غير مناسب أو رجل غير مناسب أو ما أشبه ذلك ، فلا يرجع ، بل يمضي في حاجته ويتوكل

(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 26)

على الله ، فإن رجع فهذه هي الطيرة ، والطيرة قادحة في العقيدة ولكنها دون الشرك الأكبر ، بل هي من الشرك الأصغر .

وهكذا سائر البدع ، كلها من القوادح في العقيدة ، لكنها دون الكفر ، إن لم يصاحبها كفر .

فهذه البدع مثل : بدعة الموالد ، والبناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ، ومثل صلاة الرغائب هذه كلها بدع ، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج التي يحددونها بسبع وعشرين من رجب ، هذه بدعة ليس لها أصل ، وبعض الناس يحتفل بليلة النصف من شعبان ويعمل فيها أعمالا يتقرب بها ، وربما أحيا ليلها أو صام نهارها يزعم أن هذا قربة ، فهذا لا أصل له ، والأحاديث فيه غير صحيحة ، بل هو من البدع .

والجامع في هذا : أن كل شيء من العبادات يحدثه الناس ولم يأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ولم يقره فهو بدعة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270). من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ، وقال : صحيح مسلم الأقضية (1718),مسند أحمد بن حنبل (6/256). من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وكان يقول في خطبة الجمعة : جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه (867) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما . وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ، يحذر الناس من البدع ويدعوهم إلى لزوم السنة صلى الله عليه وسلم .

فالواجب على أهل الإسلام أن يلزموا الإسلام ويستقيموا عليه ، وفي هذا كفايتهم وكمالهم ، فليسوا بحاجة إلى بدع ، يقول الله تعالى : سورة المائدة الآية 3 الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا


(الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 27)

فالله أكمل الدين وأتمه بحمده وفضله ، فليس الناس بحاجة إلى بدع يأتون بها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : رواه أبو داود (4607) ، والترمذي (2678) ، وابن ماجه (42 ، 43 ، 44) . عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ .

فليس الناس بحاجة إلى بدع زيد وعمرو ، بل يجب التمسك بما شرعه الله ، والسير على منهج الله ، والوقوف عند حدوده ، وترك ما أحدثه الناس ، كما قال الله سبحانه وتعالى ذما للبدع وأهلها : سورة الشورى الآية 21 أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ

وفق الله الجميع لما فيه الخير ، وأصلح أحوال المسلمين ، ووفقهم للفقه في دينه ، وجنبهم أسباب الزيغ والضلال والانحراف ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وآله وصحبه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين .









 
عودة
أعلى