القصص القرآني بين الوحي الإلهي والانحراف البشرى

إنضم
23/12/2009
المشاركات
9
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
طنطا ـ مصر

القصص القرآني بين الوحي الإلهي والانحراف البشرى
الدكتور: أنور إبراهيم منصور
الأستاذ المساعد بجامعة الطائف
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد :
فإن القرآن الكريم بحره عميق ، وفهمه دقيق ، تفاوتت فى فهمه الأذهان ، وتسابقت في إدراك دقائقه وعجائبه العقول والأبصار .
قرع الله به آذان أهل اللسان فكان وقعه أقوى من السنان ، وتحداهم به فى عبارات صارخة ولهجة واجزة عن محاكاته فى معانيه ، أو المجيء بمثل مبانيه ، فما فعلوا رغم تمرسهم فى البيان ، وتملكهم ناصية الفصاحة والكلام ، واستمر العجز والضعف عن مصاولته رغم تراخى الزمن وتقدمه ، وكأنما الناس أمام وجوه إعجازه منذ نزوله إلى اليوم إنسان واحد !
ومنذ نزول القرآن على قلب النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون عاكفون عليه قراءة وتدبراً ، ودراسة وتأملاً ، لا يفارق قلوبهم ، ولا يغيب عن حاضر حياتهم حتى وقفوا على آياته آية آية ، وعدوا كلماته كلمة كلمة ، وأحصوا حروفه حرفاً حرفاً ، وبحثوا فى وجوه إعجازه حتى أعياهم إحصاؤها ، فأقروا بعجزهم عن دركها والوصول إلى جميع مكنونها فانتهوا إلى أن وجوه إعجازه لا نهاية لها .
ومن جملة وجوه الإعجاز القرآني التي خاض العلماء في بيانها : ما اشتملت عليه آياته من حديث صادق عن الأمم البائدة والقرون السالفة .
تناول هذا الجانب ـ القصة القرآنية ـ فئات كثيرة من العلماء منهم المفسرون وعلماء التاريخ ، بالإيجاز تارة وبالإطناب أخرى ، اقتصر بعضهم على الخبر الصحيح ، وتوسع آخرون فنقلوا ما صح وما لم يصح ، وخاضوا فى أمور لا طائل من وراء ذكرها اللهم إلا تسويد الصحائف وتشتيت الأذهان .
على حين لبس بعضهم ثوب الدفاع عن القرآن وارتفع صوته بحجة الإصلاح ودفع عادية الأعداء ، فراح يحلل قصص القرآن على غرار القصص الأدبي فإذ به ينزلق فى متاهات وظلمات ..
وقد استخرت الله تعالى فى إعداد دراسة علمية تكشف أوجه الانحراف البشرى فى قصص القرآن وخصصت هذه الحلقة للحديث عن التعريف بمفردات العنوان فأقول وبالله التوفيق :
القصة فى اللغة والاصطلاح :
تدور مادة ( قص ) في المعاجم اللغوية حول : الشأن ، والأمر ، والتتبع ، والخبر ، والجملة من الكلام ، والبيان .. وغير ذلك.
قال ابن منظور : يقال في رأْسه قِصّةٌ يعني الجملة من الكلام .
والقاصّ الذي يأْتي بالقِصّة من فَصِّها ويقال قَصَصْت الشيء إِذا تتبّعْت أَثره شيئاً بعد شيء ومنه قوله تعالى " وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ " أَي اتّبِعي أَثَرَه .
ويجوز بالسين قسَسْت قَسّاً .
والقِصّة : الخبر . وهو القَصَصُ ، وقصّ عليّ خبَره يقُصُّه قَصّاً وقَصَصاً أَوْرَدَه .
والقَصَصُ الخبرُ المَقْصوص بالفتح وضع موضع المصدر حتى صار أَغْلَبَ عليه .
والقِصَص بكسر القاف جمع القِصّة التي تكتب .
والقَصُّ البيان ، والقَصَصُ بالفتح الاسم والقاصُّ الذي يأْتي بالقِصّة على وجهها كأَنه يَتَتَبّع معانيَها وأَلفاظَها .
والقصة : الشأن والأمر . يقال : ما قصتك ؟ أي ما شأنك .
وقص أثره قصاً وقصصاً تتبعه ، والخبر : أعلمه " فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا " أي رجعا من الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ نبين لك أحسن البيان .
قال الراغب : القصص : الأخبار المتتبعة . قال تعالى " إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ " " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ " ، " وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ " ، " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ " ، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ " ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " ، " فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ".
والأقصوصة : القصة الصغيرة ، والجمع أقاصيص .
ومن خلال الاشتقاق اللغوي للكلمة نرى أنها تدور حول الكشف عن آثار ماضية نسيها الناس أو تغافلوا عنها وإعادة عرضها من جديد للتذكير بها لتكون لهم عبرة وآية .
والمراد من القصص القرآني : إخباره عن أحوال الأمم الماضية والأنبياء السابقين والحوادث والكائنات الواقعة فيما مضى من الزمن
وبناء على هذا التعريف : يشترط أن تكون قصة غابرة في الماضي ، ونزل القرآن متحدثا عنها ، أما المناسبات الحاضرة فى زمن النبوة فلا تسمى قصصا ، وذلك كالغزوات التي تحدث عنها القرآن والحوادث التي وقعت فى هذا الزمن كحديث الإفك والظهار وما شابه هذه الأمور بحجة أن هذه الأحداث عايشها من شهدوا الوحي والتنزيل فلا تعد بالنسبة لهم قصصا .
قال ابن عاشور : القصة : الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر .فليس ما في القرآن من ذكر الأحوال الحاضرة فى زمن نزوله قصصاً ، مثل ذكر وقائع المسلمين مع عدوهم
هذا بخلاف بعض العلماء فقد عدوا هذه الأحوال من أنواع القصص القرآني باعتبار أن الأجيال التي جاءت بعد عصر الصحابة لم يشاهدوها ، فهي بالنسبة لهم ولمن جاء بعدهم إلى يوم القيامة قصصا .
وجوه الكلمة فى القرآن :
قال الدامغانى : تفسير القصص على ستة أوجه : التسمية – القراءة – البيان – الطلب – أخبر – ينزل .
فوجه منها : القصص : التسمية . قوله تعالى فى سورة النساء " وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ " يعنى سميناهم لك مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ مثلها فى حم المؤمن " مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ " يعنى سميناهم لك .
والوجه الثاني : القصص : القراءة . قوله سبحانه فى سورة الأعراف " فَاقْصُصِ الْقَصَصَ " أى فاقرأ ، مثلها فيها : " يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي " يعنى يقرءون ويتلون .
والوجه الثالث : يقص يعنى يبين . قوله تعالى فى سورة النمل " إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ " يعنى : يبين " عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ " مثلها " وَكُلًّا نَقُصُّ " أى : نبين " عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ " ونحوه.
والوجه الرابع : قصصنا أى طلبنا الأثر ، قوله سبحانه فى سورة الكهف " فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا " " يعنى : يقصان الأثر ويطلبان الموضع الذى انسرب فيه الحوت،مثلها فى سورة القصص "وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ "
والوجه الخامس : قص أى : أخبر . قوله تعالى فى سورة القصص " فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ " يعنى أخبره بخبره ، كقوله تعالى فى سورة يوسف عليه السلام " لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ " يعنى لا تخبرهم ، وكقوله تعالى فيها " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ " يعنى فى أخبارهم " عِبْرَةٌ "
والوجه السادس : يقص أى ينزل عليك . كقوله تعالى قى سورة طه " كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ " أى ننزل عليك "مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ " يعنى بالأنباء : الأخبار " وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا ".
ألفاظ متداخلة
هناك بعض الكلمات تداخلت في معانيها مع معنى قص ، ونظراً لهذا التقارب اشتط بعض الباحثين فوصف القصص القرآني بالأسطورة ، لذا رأيت من المناسب فى هذا المقام أن ألقى الضوء عليها هنا حتى لا يضل فيها من لا يعرفها . ومن هذه الكلمات :
الأسطورة : تشترك كلمة الأسطورة مع القصة في أن كلا منهما يدور حول أحداث وروايات غابرة .
لكن من خلال المدلول اللغوى نقف على أن المراد بالأساطير الأخبار الكاذبة كالخرافات والأوهام وهى بهذا المدلول لا يمكن تسمية القصص القرآني بها .
فقد نصت كتب اللغة على أن الأَساطيرُ تعنى الأباطيل ، الواحد أُسْطورَةٌ، بالضم .
ففى اللسان : والأَساطِيرُ أَحاديثُ لا نظام لها ، يقال سَطَّرَ فلانٌ علينا يُسَطّرُ إِذا جاء بأَحاديث تشبه الباطل يقال هو يُسَطِّرُ ما لا أَصل له أَي يؤلف
وكان العرب يطلقونه على ما يتسامر الناس به من القصص والأخبار على اختلاف أحوالها من صدق وكذب ، ولا يميِّزون بين التواريخ والقصص والخرافات فجميع ذلك مرمي بالكذب والمبالغة .
قال صاحب الظلال : والأساطير واحدتها أسطورة . وهي الحكاية المتلبسة - غالباً - بالتصورات الخرافية عن الآلهة ، وعن أقاصيص القدامى وبطولاتهم الخارقة ، وعن الأحداث التي يلعب فيها الخيال والخرافة دوراً كبيراً .
وقد وردت الكلمة فى آيات عديدة من القرآن :
وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
فقولهم : { إن هذا إلاّ أساطير الأولين } . يحتمل أنّهم أرادوا نسبة أخبار القرآن إلى الكذب على ما تعارفوه من اعتقادهم في الأساطير . ويحتمل أنهم أرادوا أنّ القرآن لا يخرج عن كونه مجموع قصص وأساطير ، يعنون أنّه لا يستحقّ أن يكون من عند الله لأنهم لقصور أفهامهم أو لتجاهلهم يعرضون عن الاعتبار المقصود من تلك القصص ويأخذونها بمنزلة الخرافات التي يتسامر الناس بها لتقصير الوقت
النبأ والخبر :
قال الراغب : النبأ: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة.
وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب كالتواتر، وخبر الله تعالى، وخبر النبي عليه الصلاة والسلام، ولتضمن النبأ معنى الخبر يقال: أنبأته بكذا كقولك: أخبرته بكذا، ولتضمنه معنى العلم قيل: أنبأته كذا، كقولك: أعلمته كذا .
قال الله تعالى: {قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون} ، وقال: {عم يتساءلون * عن النبأ العظيم} ، {ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم} ، وقال: {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك} وقال: {تلك القرى نقص عليك من أنبائها}، وقال: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك}، وقوله: {إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} فتنبيه أنه إذا كان الخبر شيئا عظيما له قدر فحقه أن يتوقف فيه ، وإن علم وغلب صحته على الظن حتى يعاد النظر فيه، ويتبين فضل تبين .
ونبأته أبلغ من أنبأته، {فلننبئن الذين كفروا} ، {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} ويدل على ذلك قوله: {فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير} ولم يقل: أنبأني، بل عدل إلى (نبأ) الذي هو أبلغ تنبيها على تحقيقه وكونه من قبل الله.وكذا قوله: {قد نبأنا الله من أخباركم} ، {فينبئكم بما كنتم تعملون}.
ومنه نعلم الفرق بين النبأ والخبر أن : النبأ لا يكون إلا للأخبار بما لا يعلمه المخبر ويجوز أن يكون المخبر بما يعلمه وبما لا يعلمه ، ولهذا يقال تخبرني عن نفسي ولا يقال تنبئني عن نفسي، وكذلك تقول تخبرني عما عندي ولا تقول تنبئني عما عندي، وفي القرآن " فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " وإنما استهزءوا به لأنهم لم يعلموا حقيقته ولو علموا ذلك لتوقوه يعني العذاب وقال تعالى " ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ "
والأنباء عن الشيء أيضا قد يكون بغير حمل النبأ عنه تقول هذا الأمر ينبئ بكذا ولا تقول يخبر بكذا لان الأخبار لا يكون إلا بحمل الخبر.
وقد استعمل القرآن الكريم الخبر والنبأ بمعنى التحدث عن الماضي ، وإن كان قد فرق بينهما في المجال الذي استعملا فيه جريا على ما قام عليه نظمه من دقة وإحكام وإعجاز .
فاستعمل النبأ والأنباء فى الإخبار عن الأحداث البعيدة زمانا أو مكاناً ، على حين أنه استعمل الخبر والإخبار فى الكشف عن الوقائع القريبة العهد بالوقوع ، أو التي لا تزال مشاهدها قائمة ماثلة للعيان .
ففى النبأ والأنباء يقول الله تعالى فى أصحاب الكهف : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ، ويقول سبحانه فى شأن الأمم الماضية وما وقع فيها من مثلات " ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ " ، ويقول سبحانه فيما يقص على نبيه من قصص الأولين " تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا "
وفى الخبر والأخبار يقول سبحانه مخاطبا المؤمنين " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ، ويقول جل شأنه فيما يكون من أحداث يوم القيامة " يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا " والتحديث بالأخبار إنما يكون فى هذا الوقت الذى تقوم فيه الساعة .
الحكاية :
حكَيْت فلاناً وحاكَيْتُه فَعلْتُ مثل فِعْله أَو قُلْتُ مثل قَوْله سواءً لم أُجاوزه وحكيت عنه الحديث ، والمحاكاة المشابهة تقول فلان يَحْكي الشمسَ حُسناً ويُحاكِيها بمعنًى .
وإنما سميت الحكاية قصصاً لأن الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئاً فشيئاً كما يقال تلا القرآن إذا قرأه لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ منه آية بعد آية .
قال الجرجاني : الحكاية : عبارة عن نقل كلمة من موضع إلى موضع آخر بلا تغيير حركة ولا تبديل صيغة، وقيل: الحكاية: إتيان اللفظ على ما كان عليه من قبل.
وقيل: استعمال الكلمة بنقلها من المكان الأول إلى المكان الآخر، مع استبقاء حالها الأولى وصورتها.
وبناء على هذا التعريف لا يصح أن نطلق لفظ الحكاية على قصص القرآن .
لأن الحكاية يلاحظ فيها المحاكاة والوقوف على ما جرى فقط .أما القصص فإنه ينقلك بنفسك وعقلك ووجدانك إلى هذا الزمان الغابر لتعيش فيه فتأخذ العبرة والعظة
الوحي
الوحى في اللغة : الإشارة ، والكتابة ، والإلهام ، والكلام الخفي ، وكل ما ألقيته إلى غيرك . وأصله : الإشارة السريعة وقيل أصله في اللغة إعلامٌ في خفاء
والقول الجامع فى معنى الوحى اللغوى : أنه الإعلام الخفى السريع الخاص بمن يوجه إليه بحيث يخفى على غيره ، ومنه الإلهام الغريزى كالوحى الى النحل ، وإلهام الخواطر بما يلقيه الله فى روع الإنسان السليم الفطرة الطاهر الروح كالوحي إلى أم موسى ، ومنه ضده وهو وسوسة الشيطان " وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ " ، " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا " ، ووحى الله تعالى إلى أنبيائه قد روعى فيه المعنيان الأصليان لهذه المادة ، وهما الخفاء والسرعة .
وأمَّا تعريف الوحي في الاصطلاح الشرعي ، فله عدة تعريفات دائرة بين الإطالة والإيجاز :
قال ابن حجر : هو الإعلام بالشرع ، وقد يطلق الوحي ويراد به اسم المفعول منه ، أي الموحى ، وهو كلام الله المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم .
وعرفه الأستاذ الإمام بقوله : وقد عرفوه شرعاً : بأنه إعلام الله تعالى لنبي من أنبيائه بحكم شرعي ونحوه . أمَّا نحن فنعرفه على شرطنا بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة ، والأول بصوت يتمثل لسمعه أو بغير صوت ، ويفرق بينه وبين الإلهام بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس وتنساق إلى ما يطلب من غير شعور منها من أين أتى ، وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن والسرور .
وقريب من هذا تعريف الشيخ الزرقانى إذ دار حول هذا المعنى بقوله : الوحي معناه في الشرع أن يُعلم الله تعالى من اصطفاه من عباده كلّ ما أراد إطلاعه إليه من ألوان الهداية والعلم ، ولكن بطريقة سرية خفية غير معتادة للبشر
مفهوم التحريف :
تدور كلمة التحريف فى معاجم اللغة حول التغيير والعدول بالكلمة عن معناها .
ففى اللسان :حَرَفَ عن الشيء يَحْرِفُ حَرْفاً وانْحَرَفَ وتَحَرَّفَ واحْرَوْرَفَ عَدَلَ .. وإذا مالَ الإنسانُ عن شيء يقال تَحَرَّف وانحرف واحرورف .. وقَلمٌ مُحَرَّفٌ عُدِلَ بأَحد حَرفَيْه عن الآخر ...وتَحْرِيفُ الكَلِم عن مواضِعِه تغييره والتحريف في القرآن والكلمة : تغيير الحرفِ عن معناه والكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه كما كانت اليهود تُغَيِّرُ مَعانَي التوراة بالأَشباه فوصَفَهم اللّه بفعلهم فقال تعالى" يُحَرِّفُون الكَلِمَ عن مواضعه "..
والانحراف : الميل عن القصد .
وفى الاصطلاح : التحريف يراد به تغيير لفظ الكلمة أو الميل بها عن معناها إلى معنى آخر ، وهو يتطابق مع المعنى اللغوى : تغيير الشيء عن موضعه. وللتحريف معان أخرى عند المحدثين والقراء
وقد وقع فى القصص القرآني تحريف من ناحية المعاني وسيأتي تفاصيله فى هذا البحث ، ومن ناحية الشكل.
ومن أمثلة الانحراف فى عرض القصص القرآنى من ناحية الشكل والعرض :
أن بعض الدارسين يعمد إلى القصة القرآنية ليتلمس كل ما يقرره النقد المعاصر من عناصر القصة الفنية ، فيجتهد كل الاجتهاد ليوضح الأحداث والأشخاص والحوار والمناجاة فى جميع ما يعرض له من نص قرآني ينحو منحى القصة فى التعبير ، بل قد يصل به التفنن التقليدى إلى أن يكتب بعض آيات القرآن الكريم على نحو ما نشهد فى كتابة التمثيليات المعاصرة معتقدا أنه يبرز نمطا من الحوار القرآنى على النحو المألوف لكل قارئ للقصة .
قال الدكتور البيومى :وأضرب المثل هنا بأستاذ كريم ـ أحترمه وأجله ـ وقد راق له أن يكتب النص القرآنى كما يلى :
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ :
مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ
قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ
قَالَ :
لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
قَالُوا:
أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ
قَالَ :
بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ
غير نصوص أخرى ساقها هذا المساق !
إذن فمصدر الخطر على بعض الدارسين للقصة القرآنية هو شغفهم بالتطبيق المنهجي الذي لا يستقر على نهج راسخ ، ومحاولة إخضاع الأثر المعجز لما يعرفون من مقياس رجراج ، مع أن المسألة هنا ذات وضوح لا يتحمل التكرار ، مسألة انفراد القرآن بطابعه الأسلوبي انفرادا ينادى بعلوه عن كل مقياس

وإلى الملتقى فى الحلقة القادمة عن مناهج القصص القرآني
 
[align=center]الدكتور الفاضل أنور إبراهيم
مرحبا بك وبمشاركتك الأولى وجزاك الله خيرا
ولكن لا أرى أن العنوان :
"القصص القرآني بين الوحي الإلهي والانحراف البشرى"
يتطابق مع المضمون.
[/align]
 
الأخ الكريم حجازى الهوى
يسعدنى مطالعتك للمادة العلمية وجزاك الله خيرا على تعليقك
لكن أخى المبارك لو دققت النظر لرأيت أن ما كتب عن الموضوع عبارة عن تمهيد لابد منه لفهم مصطلحات العنوان
وشكر الله لكم
 
عودة
أعلى