القراءة الحداثية للنص القرآني دراسة نظرية حول المفهوم والنشأة والسمات والأهداف ندوة دولية

إنضم
22/10/2010
المشاركات
47
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
المملكة المغربية
جامعة محمد الأول
الكلية المتعددة التخصصات
الناظور



ندوة دولية حول:
الحداثة والهوية الثقافية، أية علاقة؟
يومي 29-30 أبريل 2011

عنوان المداخلة:

القراءة الحداثية للنص القرآني
دراسة نظرية حول المفهوم والنشأة والسمات والأهداف

دة: فاطمة الزهراء الناصري

مقدمة:
لقد أصبح مفهوم الحداثة من المفاهيم الهلامية التي يصعب الإمساك بأطرافها، فاستعمل هذا المصطلح من طرف من شاء كيفما شاء، لذلك نجده أحيانا متسربلا بالخير والإصلاح والتطور والنهوض، ونجده تارة أخرى رمزا للتقليد والتبعية والقعود عن اللحاق بالركب الحضاري، كما تم الخلط بينه وبين مجموعة من المفاهيم تقترب منه أو تبتعد كثيرا أو قليلا، ويزداد الأمر حساسية وتعقيدا عندما يتم ربط الحداثة بالنص القرآني كنص مقدس، من أجل الخروج بقراءة تبعث الحياة في النص وتربطه بالواقع، فما هو المفهوم الصحيح لهذا المصطلح ذي الشجون؟ وكيف نفرق بينه وبين ما يتداخل معه من المفاهيم؟ وما مدى مشروعية وجدوى ما يسمى بالقراءة الحداثية للنص القرآني؟ وهل يمكن اعتبارها إضافة علمية للدرس القرآني الحديث والمعاصر؟ هذا أهم ما سيتم تناوله في هذه المداخلة، وذلك من خلال المحاور الآتية:
المحور الأول: الحداثة وما بعد الحداثة[[1]]المفهوم والنشأة والانتقادات.
1- مفهوم الحداثة:
2- نشأة الحداثة
3- انتقاد الحداثة:
4- انتقاد ما بعد الحداثة أو الحداثة البعدية:
5- بين الحداثة والإسلام
المحورالثاني: القراءة الحداثية للقرآن الكريم المفهوم والسمات والأهداف
1- مفهوم القراءة الحداثية للنص القرآني
2- سمات القراءة الحداثية للنص القرآني
أ- سيادة العقل في العملية التأويلية
ب- الغموض والتضارب المنهجي
3- - من أهداف القراءة الحداثية للنص القرآني
أ- إعادة قراءة النص القرآني
ب- القطيعة المعرفية بالتراث القرآني وتضخيم الآراء الشاذة

المحور الأول: الحداثة وما بعد الحداثة[[2]]المفهوم والنشأة والانتقادات.

1- مفهوم الحداثة:
لا يخلو إيجاد تعريف جامع مانع للحداثة من صعوبات، ليس لعدم وجود قصد للتعريف ولكن لكثرة هذه التعاريف واختلاف مقاصدها، إذ أغلبها لا يعدو أن يكون وصفا لجانب أو أكثر من جوانب هذا المفهوم، والتي يعتبرها علي حرب بمثابة: "جهد يمارسه الفكر على نفسه لا يتوقف، وبناء متواصل للذات في علاقتها بذاتها، وانفتاح أقصى على الكون، وخلق مستمر للعالم"[[3]]، ويرى نايف العجلوني أنها: "حركة تفكيكية تستمد معناها وقوى دفعها من رفض أو نفي ما حدث قبلا"[[4]]، ومن المفارقات أن نجد بعض الحداثيين أنفسهم يتنكرون لمصطلح الحداثة كحسن حنفي الذي قال: إنه يفضل مصطلح "الاجتهاد" بدل "الحداثة" لأن"لفظ الحداثة لفظ غربي يكثر استعماله في هذه الآونة حتى يبين المثقف العربي أنه مطلع على آخر موضات العصر، وأنا لا أحبذ هذا اللفظ "الحداثة"... لدينا الاجتهاد وهو اللفظ الذي أفضله"[[5]].
بسبب هذا الاختلاف في النظر إلى مصطلح الحداثة عند المفكرين المسلمين، كان من اللازم أن نستمد مفهومها من الفلاسفة الغربيين أنفسهم، فالحداثة عند سلوتر ديجك هي: "حركة ذاتية تولد نفسها بشكل ذاتي، والتقدم هو حركة لأصل الحركة، إنها حركة تستهدف زيادة القدرة على التحرك"[[6]]، وهي عند هنري لوفيفر"عبادة الجديد من أجل الجديد"[[7]]، ويقول آلان تورين: "أنا أعرف الحداثة اليوم بأنها الدفاع عن الذات بقدر ما هي عقلنة"[[8]]، وفي تعريف أكثر شمولية قال جيف فاونتاين إنها: "سلسلة من التحولات في المجتمع المعاصر قائمة على أساس التمدن والتصنيع والعلم والتكنولوجيا والتي أصبحت أساسا لفكرة الشك الديني وعدم الاعتقاد بصحة الكتب المقدسة"[[9]].
من خلال هذه التعاريف مجتمعة يمكننا تلخيص الركائز التي تقوم عليها الحداثة في العناصر الآتية:
1- الحركة الدائمة التي همها توليد الحركة.
2- تقديس الجديد من حيث هو جديد لا لاعتبار أخر، ذلك أنه في فلسفة الحداثة تسقط كل معايير التفضيل، ويبقى الزمن وحده معيارا لذلك، فيكون الشيء أفضل من غيره لا لأمر ذاتي فيه، بل لمجرد كونه اللاحق زمنيا، قال جمال سلطان في هذا الصدد: "هل هذه الخاصية الزمانية تعطيها قيمة مطلقة فضلا عن القداسة، بحيث يصبح هذا النتاج مثلا يحتدى...ومعيارا يقاس عليه غيره من النتاجات الإنسانية الأخرى" [[10]].
3- الاهتمام بالحاضر والرفض التام للماضي.
4- التمركز حول الذات.
5- تمجيد العقل والسعي نحو العقلنة.
6- التمدن والتصنيع والتكنولوجيا.
7- الشك في صحة الكتب المقدسة وفي كل ما هو ديني.
8- الانفتاح الكامل على الكون.
وقد اصطبغت القراءات الحداثية للنص القرآني بأغلب هذه المواصفات وقامت على أهم هذه الركائز؛ لذلك فهي تحاول قطع الصلة بالتراث التفسيري، وتغلب العقل على ما سواه من الأصول للنظر في القرآن الكريم،كما أنها تستبعد مفهوم القداسة في التعامل مع نصوص الوحي، لذلك يرى عبد المجيد الشرفي أن إحاطة القرآن بالقداسة يجعلنا لا نهتدي إلى دلالاته العميقة قال: "مهما كان التوجه فإن معظم التفاسير حاولت أن توجد معنى للقرآن في إطار القداسة فلم نوفق إلى بلوغ منطقه العام"[11].
2-نشأة الحداثة
لقد رأى الفيلسوفان شارل بودلير ودونرفال أن سنة1850هي البداية الرسمية لظهور مصطلح "الحداثة"، لكن لابد من الإشارة إلى اختلاف المفكرين حول بداية نشأتها[[12]] كحركة فكرية ومجتمعية، بعد أن طرحوا سؤالا كالآتي: إذا كانت الكلمة اللاتينية "الحديث" Modernus قد ظهرت في القرن الخامس للميلاد، والكلمة الفرنسية "حداثة"Modernitéقد ظهرت بعد ذلك بحوالي عشرة قرون، فمتى ظهرت الحداثة تعبيرا عن رؤية خاصة للوجود والفكر والمجتمع؟ ألحق"ريتشارد روتي" الحداثة بفكر ديكارت[[13]]، وربطها الفيلسوف الألماني "يورغن هابرماس" ب"عصر الأنوار"[[14]]، وحدد الناقد الأدبي الأمريكي"فريدريك جمسون" تاريخ ميلادها في النصف الأول من القرن العشرين، فالحداثة كمشروع ثقافي هي من صناعة المجتمعات الأوربية، وهي وليدتها الشرعية[[15]].
من خلال معرفة نشأة الحداثة سنقف على الجذور التاريخية للقراءة الحداثية للنص القرآني، ومن ثمة أيضا يلح علينا السؤال عن إمكانية استنساخ هذه التجربة الأوربية إلى العالم الإسلامي، وإسقاط فلسفاتها[[16]] على الوحي.
3- انتقاد الحداثة:
كثير من الأقلام العربية والغربية كذلك، تتحدث عن أزمة ومأزق الحداثة[[17]] وتهافتها، وفي ذات الوقت هناك من المفكرين من ينظر لها ويدعو إليها، بل إن العقود الأخيرة تشهد تنافسا كبيرا حول تمثل الفكر الحداثي وأسلمته! مع العلم أن الحداثة ليست علما بحتا وليست منهجا للبحث يتسم بالحياد، وإنما هي فلسفة ومجموعة من الإيديولوجيات، لهذا وُلِدَت فلسفة جديدة تسمى: "ما بعد الحداثة"Post Modernityأجهضت المشروع [[18]] الحداثي وسفهته، ومن أهم الانتقادات الموجهة للحداثة ما يأتي: "1- العقل الذي قامت عليه خلق ثقافة أحادية الجانب، تقوم على الثنائيات القاتلة بين العقل واللاعقل، وبين النظام واللانظام... 2ـالإنسان الذي قدسته وأحلته في الوجود بديلا عن الإله، وأعطته حق التحكم في الوجود...لم يأخذ بـعـين الاعتبار أثر تصـرفه على الإنسان والطبيعة معا. 3- العلم الذي يعتبر مرجعية مقدسة بالنسبة للحداثة لكونه أداة الـوصول إلى الحـقيقة،...ترى ما بعد الحداثة أنـه ليس إلا أسطورة[[19]]"وذلك لعدة عوامل: أ- عدم خلق المساواة المرجوة منه بين الدول المتقدمة والنامية بل العكس. ب- عدم تمكن التكنولوجيا من حفظ الوقت وتقليل الجهد والضغط بل العكس. ت- لم يساهم العلم في فهم العالم كما كان مرجوا منه.ث- استفاد القطاع الخاص من التطور على حساب أرواح الكثيرين، منهم العلماء. ج- يقدم العلماء أحيانا مصالحهم على حساب الفوائد المتوخاة من البحث العلمي. ح-التقدم كما تراه الحداثة هو مرحلة حتمية سوف تصل إليه كل حضارة سارت على خطاها، وهو ما اتخذه الغربيون ذريعة لسلوك مختلف السبل المشروعة منها وغير المشروعة لتحقيق التقدم"[[20]].
ثم إن تقليد الحداثة أمر غير ممكن "لأن هذه الأخيرة عبارة عن إمكانات متعددة، وليست كما رسخ في الأذهان، إمكانا واحدا، وينهض دليلا على ذلك أن المشهد الحداثي الغربي ليس بالتجانس المظنون، بل فيه من التنوع ما يجوز معه الكلام عن حداثات كثيرة... فهناك باعتبار الأقطار "حداثة فرنسية" و"حداثة ألمانية" و"حداثة إنجليزية"[[21]]، غير أن هناك من لا يسلم بهذا ويعتبر الحداثة فوق الزمن"لأنها ليست قرينة للجدة أو المعاصرة، فهي ليست تاريخية وحسب، لأنه إذا كان الجديد والمعاصر يشير إلى الزمن، وكان من تم توصيفا تاريخيا، فإن الحداثة تشير إلى حساسية وأسلوب ما، فهي إذن تعبير عن القيمي، ومعنى ذلك أن الحداثة لا يمكن أن تنتهي ولا أن يتجاوزها الزمن، الحداثة قيمة لا تاريخية" [[22]].
هذا التضارب في طبيعة العلاقة بين الحداثة والتاريخ يعود كما ذكر الدكتور طه عبد الرحمن إلى اختلاف أساس بين التعاريف التي وضعت للحداثة إذ "عرفها البعض بكونها حقبة تاريخية متواصلة ابتدأت في أقطار الغرب...وعرفها آخرون بصفات طبعت بقوة عطاء هذه الحقبة، مع اختلافهم في التعبير عن هذه الصفات وعن أسبابها ونتائجها"[[23]]، والواقع أنها خليط من الفلسفات طبعت القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
وفي سياق الحديث عن الانتقادات الموجهة للحداثة لن تفوتنا الإشارة إلى النقد اللاذع للفيلسوف الألماني فريديريك نتشه، الذي حاول هدم المبادئ والأسس الكبرى التي تقوم عليها الحداثة، كمبدأ "العقلانية" ومبدأ "الفردانية" ومبدأ "الحرية"[[24]].
4 ـ انتقاد ما بعد الحداثة أو الحداثة البعدية
بعد أن فقد الغرب ثقته في الحداثة ظهرت مدارس فلسفية[[25]] لكل واحدة منها موقف من الحداثة المأزومة، ورؤية مختلفة للطريقة التي يجب بها معاملتها، والأسلوب الذي يمكن به تجاوز هذا المأزق، ولأن المقام لا يسمح بإيراد هذه التفاصيل سنقف عند تعريف "ما بعد الحداثة"، وكيف لم تسلم هي أيضا من انتقادات أعمق من التي وجهت للحداثة! لنخلص إلى أن الغرب الآن يعيش حالة من الفراغ والتوقف الفكري والفوضى المعرفية والعبث والاحتضار الروحي، ذلك أن "ما بعد الحداثة" كما يقول الدكتورعبد الوهاب المسيري: "تعني في واقع الأمر النهاية: نهاية التاريخ، ونهاية الإنسانية، ونهاية السببية ونهاية المحاكاة ونهاية الميتافيزيقا ونهاية التفسير"[[26]].
وفي محاولات لتصوير ما بعد الحداثة يرى أحمد حجازي أنها "حركة نشأت في أحشاء الحداثة ذاتها لنقدها أو للتواصل معها والبحث عن البديل"[[27]]، وقال ديفيد هارفي: "هي الوضع الذي وجد العالم به نفسه بعد تحطم مشروع الأنوار"[[28]]، أما ديك هبدايج فقد اعتبرها "حالة من فقدان المركزية ومن التشعب والتشتت، نساق فيها من مكان إلى مكان"[[29]]، وفي محاولة تعريفية أكثر وضوحا وتفصيلا قال عبد الوهاب المسيري: "مصطلح "ما بعد الحداثة"، مصطلح نفي سلبي، وهو ترجمة لمصطلح (post-modernisme)، وأحيانا يطلق على مصطلح ما بعد الحداثة تعبير"ما بعد البنيوية"، باعتبار أن فلسفات ما بعد الحداثة قد ظهرت بعد ظهور وسقوط (الفلسفة البنيوية)، ويكاد مصطلح ما بعد الحداثة يترادف ومصطلح "التفكيكية"، وللتمييز بينهما نقول إن "ما بعد الحداثة" هي الرؤية الفلسفية العامة، أما "التفكيكية" فهي بالمعنى العام أحد ملامح وأهداف هذه الفلسفة، فهي تقوم بتفكيك الإنسان كما أنها منهج لقراءة النصوص يستند إلى هذه الفلسفة"[[30]].
أما خصائص ما بعد الحداثة فسيظهر أهمها من خلال الانتقادات اللاذعة الموجهة إليها والتي يمكن إجمالها في الآتي: 1- ما بعد الحداثة مناقضة لنفسها، بإطلاق القول: إنه ليس هناك حقيقة، وهذا في حد ذاته حقيقة يطلب من كل الناس التسليم بها. 2- سعي ما بعد الحداثة لإثبات عدم مصداقية العقل، مبني على قواعد عقلية، فكيف يطعنون في العقل وموضوعيته بوسائل وحجج عقلية. 3- تضخيمهم من أثر الثقافة على الفرد وزعمهم أن الفرد مسجون داخل ثقافته. 4ـعجز العلم عن اكتشاف وتفسير بعض الظواهر، لا يبرر الطعن في قدرة العلم على سبر واكتشاف كثير من الظواهر الطبيعية، فهذا العجز يدحض الحداثة في إعلاء العقل وجعله مطلقا، ولكنه لا يقوى على أن يكون حجة على إلغاء قيمته والتشكيك في جميع أحكامه. 5- ما بعد الحداثة تحاول إبعاد هيمنة إيديولوجية محددة لكنها في الواقع تعرض على العالم هيمنتها هي كإيديولوجية وفلسفة[[31]].
فإذا كانت "الحداثة"- كما يقول أنصارها- حركة مستمرة تنتقد نفسها باستمرار، وأنها مشروع غير مكتمل، فإن علاقة "ما بعد الحداثة" بالحداثة هي الاستمرار- كما تقول المدرسة الألمانية- لا القطيعة -حسب المدرسة الفرنسية- لذلك اختار محمد سبيلا اسم "الحداثة البعدية" عوض "ما بعد الحداثة"، قال: "هذه الأخيرة- يقصد الحداثة البعدية- ليست إلا الحداثة في مرحلتها الثانية، أي الحداثة وقد وسعت مكتسباتها ورسختها، وسعت مفهومها للعقل ليشمل اللاعقل، ووسعت مفهومها عن القدرات الإنسانية لتشمل المتخيل، والوهم والعقيدة والأسطورة، وهي الملكات التي كانت الحداثة الظافرة، المزهوة بعقلانيتها قد استبعدتها"[[32]]، لهذا فمجهود بعض الحداثيين العرب لتصنيف أنفسهم في مرحلة "ما بعد الحداثة"[[33]]، والقول بتجاوزها يأخذ طابعا تمويهيا لأن "ما بعد الحداثة" ليس إلا امتدادا وتطويرا لأسس الحداثة، أما الغرب اليوم فيعيش "ما وراء الحداثة البعدية"، الذي يتسم بالرجوع إلى الدين، وهو"السعي للوصول إلى محور روحاني ومعنوي، قد تم ضياعه في دنيا العلمانية"[[34]].
وهنا تلح علينا الأسئلة الآتية: إذا كان هذا حال الحداثة وحال ما بعدها، فماذا تعني مناداة من ينادي بتبنيها في الفكر العربي الإسلامي، بل وإسقاط فلسفاتها في التعامل مع النصوص المقدسة على القرآن الكريم؟ وهل من الضروري دخول نفس الجحور[[35]] التي ارتادها الفكر الغربي، حتى إذا لسعته "الحداثة" وجب أن تلسعنا، وعندما تلدغه "الحداثة البعدية" نمد عقولنا لتلدغها؟ إن الحداثة مجموعة من الفلسفات، وأسلمتها تعني أسلمة هذه الفلسفات، فهل هذا ممكن؟؟
والقراءات الحداثية للقرآن الكريم لا تميز بين بين مرحلة "الحداثة" وبين "ما بعد الحداثة"، إذ تجد الواحد منهم مثلا بنيويا وتفكيكيا في الوقت ذاته.
5-بين الحداثة والإسلام
هناك من يقارن بين الحداثة والإسلام فيعتبر أن كل واحد منهما نظام ونسق مختلف كليا عن الآخر قال نادر كاظم: "إن الحداثة لا تقبل أن تنحصر في مجال ضيق كما انتهت إليه فلسفة اليونان، ولا الإسلام كذلك يقبل أن ينحصر في مجال ضيق كما انتهت إليه مسيحية الغرب،...فالمسعى الأول؛ تحديث الإسلام، يقدم الحداثة على حساب الإسلام، والمسعى الثاني؛ أسلمة الحداثة، يغلب الإسلام على الحداثة وهذا يعني أن كل مساعي الدمج بين النظامين لن يكتب لها النجاح، إلا بمحو الطابع الكلي عن النظام المستوعب"[[36]]، إلا أنه لابد من التحفظ على مثل هذه المقارنات، ذلك أن التناقض إنما يكون بين ما له نفس الموضوع والمرتبة، ولا يخفى أن الحداثة لا ترقى إلى مستوى الإسلام من حيث هو دين وتصور متكامل عن الكون، ولهذا لا معنى لما يتحدث عنه بعض المفكرين من "تصالح الإمكان الإسلامي مع الإمكان الحداثي"[[37]].

المحورالثاني: القراءة الحداثية للقرآن الكريم المفهوم والسمات والأهداف
1- مفهوم القراءة الحداثية للنص القرآني
المقصود بالقراءة الحداثية تلك المدرسة التي تبنى أصحابها فلسفات ومذاهب غربية حديثة، وحاولوا تطبيقها في تفسير القرآن الكريم، متجاوزين الأدوات العلمية التفسيرية المسطرة عند أهل الاختصاص في هذا العلم، ومن أبرز أسماء هذه المدرسة الذين تعاملوا مباشرة مع الآيات القرآنية: محمد أركون، ومحمد شحرور، ونصر حامد... وغيرهم.
وقد يعبر عن القراءة الحداثية للآيات القرآنية "بالقراءة الحديثة"[38] أو "القراءة المعاصرة"[39] أو"القراءة الجديدة"[[40]]، لكن الأقرب إلى مفهوم هذه القراءة بالنظر إلى مضامينها هو نسبتها إلى فلسفة الحداثة[41]، لأن عبارة: القراءة الحديثة أو المعاصرة أو الجديدة تفيد التحديد الزمني دون الإشارة إلى أية مرجعيات فلسفية، مع العلم أنه لا ينبغي إدانة كل تعامل مع القرآن في العصر الحديث أو المعاصر لمجرد أنه حديث أو معاصر، وإلا وقعنا من حيث لا نشعر في "الحداثة المعكوسة" أو "القدامة" بحيث يكون الزمن هو معيار القيمة، ويكون الفرق الوحيد بين فلسفتنا وفلسفة الحداثة هو أن هذه الأخيرة تقدس الزمن الآني بينما نقدس الزمن الماضي، والحقيقة أن قيمة الأفكار ومعيار التفضيل بينها لا يعود إلى الزمن لا ماضيا ولا آنيا، وإنما يعود إلى مدى التزامها بالمنهج العلمي الموضوعي المجمع عليه في حقل معرفي معين.
فليس المقصود إذن هو رفض كل الاجتهادات الحديثة أو المعاصرة أو الجديدة في التعامل مع القرآن الكريم وتفسيره، وليس مبعث الحذر من هذه القراءات هو كونها جديدة غير معهودة، لأنه ليس كل جديد مردود متوجس منه، وإنما المقصود تلك القراءات المرتبطة بفلسفة الحداثة التي تقوم على الآنية الزمنية، وعلى إسقاط الفلسفات الغربية على النص القرآني مهما اختلفت طبيعتها عن طبيعته، يعني أنه من الممكن منهجيا وجود اجتهادات تفسيرية حديثة أو معاصرة تتجاوز الاجتهادات القديمة، مع التزامها بالمنهج العلمي المسطر في أصول التفسير وقواعده، كما قال الشاعر سامي البارودي:

كم غادر الشعراء من متردم***ولرب تال بز شأو مقدم

ولذلك فمقولة: "ليس في الإمكان أفضل مما كان" إنما تصح جزئيا فقط في مجال علوم القرآن والتفسير، أي في أنواع من علوم القرآن كأسباب النزول والمكي والمدني والناسخ والمنسوخ....وكل ما يتعلق بالاتجاه الأثري واللغوي...في التفسير، بحيث يكون القرب من زمن الرسالة قيمة مضافة، على خلاف اتجاهات تفسيرية أخرى نشأت حديثا كالاتجاه الاجتماعي، الذي سيمكن المسلمين من تأسيس نظريات قرآنية في النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد والتربية....قادرة على مواجهة التحدي الحضاري وتجاوزه بالكشف عن الإعجاز القرآني في العلوم الإنسانية، وكذلك التفسير العلمي الذي أثبت أن الكتاب المسطور القرآن العظيم لا يتناقض أبدا مع الكتاب المنظور الكون...
كما يجب التنبه إلى الفرق الكبير بين الحداثة والتحديث فإذا كانت الأولى مرتبطة بالأفكار والمعتقدات والفلسفات فإن الثاني يرتبط بالجوانب المادية وبمظاهر الحياة المدنية، لذلك لا يمكن الحديث عن حداثة في الحقل الديني، ولكن يمكن الحديث عن التحديث؛ حيث استعملت الميكروفونات في خطب الجمعة مثلا، واستثمرت بعض القنوات التلفزيونية كأداة دعوية في المساجد... فكل ما يتعلق بالجانب التقني والصناعي والمادي يسمى تحديثا (modernisation) لا حداثة لأنها تتعلق بنمط التفكير والوعي والهوية.، قال هشام شرابي: "التحديث هو سباق التحول الاقتصادي والتكنولوجي كما جرى تاريخيا لأول مرة في أوربا، في حين أن الحداثة هي مجموعة العناصر والعلاقات التي يتألف منها الكيان الحضاري المتميز، فمن حيث هي وعي تشكل أنموذجا ونمطا فكريا تجد فيه أوربا الحديثة هويتها"[[42]].
وقد كان الدكتور طه عبد الرحمن أكثر احتراسا عندما جعل الحداثة صنفين: مبدعة ومقلدة[[43]]، لكن فريقا آخر من المفكرين يرفض هذا المصطلح شكلا ومضمونا- بالنظر إلى ظروف ولادته- كزينب عبد العزيز[[44]]، بل إن البعض لم يعتبر مفـردة "الحداثة" مفردة عربية سليمة كمفردة "المعاصرة"[[45]]، وهذا نوع من المبالغة في الرفض؛ لأن مادة (ح- د- ث) في اللغة العربية تـدل على الكثير من الدلالات التي يقصدها الحداثيون بهذا المصطلح[[46]].
فالأمر إذن يتعلق "بالحداثة" وليس "بالتحديث" ولا "بالتجديد" ولا "بالعصر الحديث"، وعبارة "القراءة الحداثية" أكثر دقة لتصويرها واقع هذه القراءات التي تستند إلى فلسفات غربية المنشأ؛ كالتاريخية والمادية والعلمانية وغيرها...
2- سمات القراءة الحداثية للنص القرآني
أ- سيادة العقل في العملية التأويلية
تعتمد القراءة الحداثية أساسا على العقل في التعامل مع الآيات القرآنية، بل والرأي المجرد عن الدليل حتى فيما يتعلق بالحقائق الغيبية والقضايا التي وردت فيها أحاديث صحيحة وقطعية الدلالة، وهو الشيء الذي لا يتوافق مع أصول وقواعد تفسير القرآن، ولهذا فهم يستبعدون السنة تماما في العملية التفسيرية، ولا يلتفتون مطلقا إلى الآثار الواردة في التفسير.
قال ابن النقيب في معنى حديث تفسير القرآن بالرأي: "جملة ما تحصل في معنى حديث التفسير بالرأي[[47]] خمسة أقوال، أحدها: التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير، الثاني: تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، والثالث: التفسير المقرر للمذهب الفاسد، بأن يجعل المذهب أصلا والتفسير تابعا فيرد إليه بأي طريق أمكن وإن كان ضعيفا، الرابع: التفسير على أن مراد الله كذا على القطع من غير دليل، والخامس: التفسير بالاستحسان والهوى"[[48]]، وإذا تأملنا القراءة الحداثية للآيات القرآنية نجد أن بها جل هذه الخصائص؛ لأن الحداثيين يتعرضون للقرآن من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير، بل إن جلهم غير متخصص في العلوم الشرعية والقرآنية بالخصوص[[49]]، وأكثر من ذلك هناك من لا يحسن حتى الكتابة باللغة العربية[[50]] فما بالك بتفسير القرآن! ورحم الله الإمام الشاطبي الذي اشترط في المجتهد بلوغ درجة الاجتهاد في اللغة العربية[[51]] حرصا منه على عدم إساءة تفسير النصوص الشرعية وإن كان هذا الرأي مبالغا فيه، إلا أنه ينم عن مدى خطورة اللغة في فهم النصوص، ولتغطية النقص في الآليات المعرفية اللازمة للتفسير يسمي الحداثيون تعاطيهم مع القرآن الكريم "قراءة".
أما الخاصية الثانية للتفسير بالرأي المذموم التي هي تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، فكثير كذلك في الكتابات الحداثية التي لا تعرف أن لون ابتلاء العقل بالتكليف- كما ابتلي السمع والبصر وغيرها من الجوارح- هو توقيفه عند المتشابهات، ومن هذا ما أتى به أبو القاسم حاج حمد فيما يخص الآيات المتعلقة ب"يأجوج ومأجوج"[[52]] التي هي من علم الغيب ومن أشراط الساعة[[53]].
أما الخاصية الثالثة للتفسير بالرأي المذموم؛ التي هي التفسير المقرر للمذهب الفاسد، بأن يجعل المذهب أصلا والتفسير تابعا، فهذا هو صلب القراءة الحداثية للآيات القرآنية؛ تنطلق من الفلسفات الغربية كمذهب أصل، وتجعل التفسير- أو القراءة بالمصطلح الحداثي- تابعا، وهو بالذات ما يحصل عندما تُقرأ الآيات بخلفية علمانية أو تاريخية أو داروينية، بل إن بعض الحداثيين قد حاولوا التأصيل للحداثة مصطلحا ومفهوما من خلال القرآن نفسه[[54]]!كما أن هناك الكثير من الدعاوى العارية عن الدليل، والتي لا تستند إلا إلى الاستحسان والهوى.
ب- الغموض والتضارب المنهجي
يجمع بين القراءة الحداثية قاسم مشترك هو الغموض، إذ يعتبر الغموض الفكري والمنهجي والمصطلحي ظاهرة بارزة في هذا الخطاب، حيث اتخذ الإغراب والتعقيد تعويضا عن الضحالة الفكرية والتضارب المنهجي الغالب على هذه الكتابات، وقد يبلغ هذا الغموض درجة "الإرهاب المصطلحي" عند بعض الحداثيين في تعاملهم مع القرآن الكريم كمحمد شحرور، بحيث لا يتردد القارئ في البداية باتهام نفسه بقصور الفهم والاستيعاب، فيصرف كل جهده لفك رموز ومغاليـق "الكتاب والقرآن"، لكنه لا يلبث طويلا حتى يكتشف ضحالة المعاني والدلالات، فيكون قد كرس قواه ولهث وراء السراب الذي â ãbŠöbYEøy÷&#143;Ó–öF buBÓè<<ö÷&#129;NO j@H µ§,BÓ‚ ëê™NôEöÓ&#144; A\^r;`A ÷~]j'b‰Ó§,BÓÑ&#144; b‰ÌqRöÑ&#143;Ó–öF LBè<<÷–Eö\{z á (النور/38)لأن غموض التعبير هو حتما نتيجة لغموض التفكير، وكل استعلاء فكري إنما هو تغطية عن قلة الزاد المعرفي، وهو ما عبر عنه محمد أركون، نفسه فعاب على غيره الغموض والإبهام قائلا: "يستخدمون الرطانة الفلسفية ويتلاعبون بها؛ أقصد الكلام الغامض المبهم الذي يقول كل شيء ولا يقول شيئا يذكر، أقصد العبارات الملتوية المعقدة التي توهم أنها تحتوي على ألغاز الكون وأسراره وهي فارغة من المعنى"[[55]]!
ثم إن القراءة الحداثية للآيات القرآنية لا تفترض منهجا علميا محددا في التعامل مع النص القرآني، بل تتبنى عدة مناهج مختلفة أو حتى متناقضة في الآن نفسه، فتجد الواحد منهم مثلا يتبنى الماركسية والبنيوية ونظرية التلقي في الوقت نفسه رغم أن بعضها قام على أنقاض بعض، مما يجعل هذا الخطاب بعيدا مطلقا عن الانسجام الفكري أو متسما باللامنهج، وهذا مزية للبحث العلمي بالنسبة لمحمد أركون، ويسميه بالمنهج متعدد الاختصاصات[[56]]، وقال في كتابه: "القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني": "إن وجهة النظر هذه تتخذ أهمية حاسمة...لأنها هي وحدها التي تجبرنا على الربط بين مختلف أنواع المنهجيات التحليلية"[57]، فهو من خلال المزج بين العديد من المناهج، ينتظر ولادة فكر تأويلي جديد للظاهرة الدينية، ويغطي على ذلك بما يسميه ب"الإسلاميات التطبيقية" التي يدعي أنها تحتاج إلى مناهج متعددة في نفس الآن.
والحقيقة أن هذا اللامنهج الذي ينهجه إنما رمى بفكره في العبثية، وقد سبقه إلى ذلك الفيلسوف "فيراباند بول"؛ وهو من فلاسفة ما بعد الحداثة الذين دعوا إلى نظرية الفوضى؛ ألف كتابا بعنوان: "ضد المنهج"، ودعا إلى إعادة الاعتبار إلى التنجيم والكهانة والأساطير، بعد أزمة العقل الغربي الذي كانت الحداثة قد رفعته إلى مستوى التقديس، وألف كذلك كتاب: "وداعا للعقل" حارب فيه العقل والموضوعية، وادعى بأن العلم ليس أدق ولا أنفذ من الأسطورة، ولهذا نجد اهتماما بالغا من محمد أركون بالأسطورة والفكر الخرافي، قال: "ينبغي القيام بتحليل بنيوي لتبيين كيف أن القرآن ينجز أو يبلور (بنفس طريقة الفكر الأسطوري الذي يشتغل على أساطير قديمة متبعثرة ) شكلا ومعنى جديدا...لأنه من المهم أن نعرف مدى تشظي الأساطير المعاد استخدامها إذا ما أردنا أن نطلق حكما دقيقا على الروابط بين الأسطورة والتاريخ وبين العجيب المدهش وبين الوقائع الحقيقية وذلك فيما يخص القرآن"[58]، وفي هذا الكلام تقليد سافر "فيراباند بول" وأمثاله من الفلاسفة، فهل على تفسير القرآن الكريم أن يتجرع الأخلاط الفكرية المرة التي تسفر عنها الحرب بين النظريات الفلسفية الغربية!
وعلى العكس من هذا نجد أن في التراث الإسلامي عموما مجموعة من الأنساق الفكرية المنسجمة، حتى وإن كانت تمثل انحرافا عقديا أو غلوا فكريا كما هو الأمر بالنسبة إلى فرق الشيعة والخوارج والمعتزلة، وقد كان هذا الأمر وراء ظهور الآراء الشاذة عندما يحاول المجتهد الوفاء لمنهجه الفكري[[59]].
2- من أهداف القراءة الحداثية للنص القرآني
أ- إعادة قراءة النص القرآني
إن هم الحداثيين اليوم هو إعادة قراءة القرآن، ومحاولة الشرعنة لذلك من خلال القرآن الكريم نفسه، وهنا يلح التساؤل عن مصير القراءة الأولى[[60]] التي تقوم على منهج نعرفه، ينبع من القرآن نفسه، رغم وجود بعض الانحرافات- كما في الاتجاه الباطني والمعتزلي مثلا- إلا أن الطابع العام لهذاالمنهج هو الانطلاق من داخل النص، لكن القراءة الحداثية لا تجد أي غضاضة في استنساخ وإسقاط فلسفات غربية متنوعة على النص القرآني! والشرعنة لنفسها من فلسفات الحداثة وما بعدها!
وقد حاول محمد الطالبي التأصيل للقراءة الحداثية من خلال القرآن، وجعل الخلفية التاريخية منهجا قرآنيا فقال: "إن الله هو â e™Ó&#143;>j@]A b}pöe–Eö]ZW>j@H (253) ]œ› 'b‰.^qöaZ&#144;Bö]‡F ·‡Šö]óEøz ]œ›æo $¸}÷p]ZöFá (البقرة، من الآيتين254- 255) ويتبع ذلك أن كلامه حي أبدا بيننا، فينبغي أن أصغي إليه إذن في الحين والآن الذي أنا فيه؛ ما يقول لي الله في هذه اللحظة وفي هذا المكان؟ ولا أستطيع أن أستفهم النص هذا الاستفهام، أي من صلب الحداثة، إلا إذا وضعته أولا في أبعاده التاريخية والزمنية"[[61]]، ويعتبر حاج حمد إعادة القراءة هي الحل لكل الصعوبات التي تواجهنا في فهـم القرآن الكريم في الوقت الراهن: "كل الآيات التي تبدو من سياقها الجبرية المتناقضة مع الإطلاق، يجب أن تعاد قراءتها في إطار الإطلاق وضمن توسطات جدلية، كالآية â BÓ&#129;NZöF;`A ¨b‰bsö÷‚%&A ,A\^r;`A \rAæt%&A IIBèö<<÷–E\{z ÷u]A *gpöaZWd–öF 'bŠö]j v.öƒ bup.ö„Óö–EÓöYXá (يس/81) فالتوسطات الجدلية تشتمل هنا على ثلاثية تبدأ بالأمر وتتشكل في صيرورتها عبر الإرادة لتنتهي إلى التشيؤ، فهناك صيرورة وليس من خلق فجائي"[[62]]، فيجب إذن أن تنبني إعادة القراءة على أساس مفهوم الصيرورة في أصل الخلق ونفي الخلق الفجائي، وقد يستعمل أحيانا مصطلح "الاسترجاع" بدل "إعادة القراءة"، قال: "استرجاعنا للنص القرآني هو استرجاع ألسني رياضي لنتكشف ما تعطيه المفردة القرآنية من عائد معرفي محدد"[[63]]، وأكد هذا بأن ما يقوم به: "إنما هو تجديد يتجه إلى استرجاع النص القرآني وفق دلالة معرفية ألسنية للمفردة القرآنية العربية"[[64]]، وقد بين للقارئ مسبقا اختلاف العملية التي يقوم بها اتجاه القرآن الكريم عما هو موجود في التراث القرآني فقال: "هنا ستجدون اختلافا كبيرا وكثيرا بين الخلاصات والنتائج التي توصلنا إليها باسترجاعنا للنص القرآني عبر هذه المداخل وما يكاد يجمع عليه علماء أمتنا"[[65]].
لقد علمنا التاريخ أن كل مشروع لهدم بناء حضاري ما يبدأ من إعدام النص المؤسس وإبادة معالمه الدلالية، لذلك فالحداثيون المتذرعون بالتجديد لإعادة قراءة النص القرآني على أسس المنهجيات الفلسفية واللغوية الغربية الحديثة بعد القطع مع التراث التفسيري والبدء من الصفر! إنما يكررون نفس عمل المستشرقين الذين وجهوا سهامهم إلى النص القرآني بشكل مباشر أو غير مباشر بإثارة كل أنواع الشبهات حوله، ويكرسون نفس المحاولة لإبادة المعالم الدلالية للنص المؤسس.
ب- القطيعة المعرفية بالتراث القرآني وتضخيم الآراء الشاذة
من الحداثيين الذين سفهوا التراث التفسيري ودعوا إلى التعامل المباشر مع القرآن الكريم، جمال البنا وعبد المجيد الشرفي، قال الأول: "المسلمون فهموا القرآن عبر التفاسير فضلوا...لابد أن نستبعد الالتزام بالتفاسير، إذ لا فائدة فيها، ونقرأ القرآن مباشرة"[[66]]، وقال الثاني: "لو أبعدنا- وهذا مجرد افتراض- هذه النصوص الثواني[[67]]، وهذه السنة التأويلية، فإننا إذ ذاك نتعامل مباشرة مع النص القرآني بطريقة مختلفة عن هذه التأويلات التاريخية، فما نقوله بالنسبة للنص المقدس، وتعامل المسلمين معه، لا يختلف اختلافا نوعيا مع حكم التقليد في المسيحية(La tradition)، ففي المسيحية الكاثوليكية، نرى أن هذا التقليد له أولوية بالنسبة إلى النص... ولهذا السبب فإن الإصلاح البروتستانتي كان بمثابة رد فعل على هذه الوساطة، وقد رفع البروتستان شعار"الكتاب وحده"[[68]]، هذه هي وجهة نظر الحداثيين النهضوية: "الكتاب وحده"[[69]]! فما أشبهها من دعوة بصنيع الخوارج عندما أشهروا المصاحف داعين إلى تحكيم القرآن وحده! وهل يحكِّم القرآن غير الرجال؟! وهل يمكن فهم النص و تفعيله خارج أي منهج من المناهج! إنها إيديولوجية قديمة يعيدها التاريخ!
ثم إن هناك مجالات لا يمكن أن يضاهي فيها المتأخرون الأوائل من المفسرين، سواء الصحابة الذين عاصروا نزول القرآن أم التابعين الذين أخذوا عنهم؛ ومن ذلك كل ما يتعلق باللغة والبلاغة، وهذا أمر بديهي أكده- أحد كبار المنظرين للهرمينوطيقا- "شليرماخر" قائلا: "كلما تقدم النص في الزمن صار غامضا بالنسبة إلينا وصرنا - من ثم- أقرب إلى سوء الفهم لا إلى الفهم، وعلى ذلك لابد من قيام "علم" أو "فن" يعصمنا من سوء الفهم، ويجعلنا أقرب إلى الفهم"[[70]]، ومن المقتضيات المنهجية في علم أصول التفسير الأخذ بقول الصحابي ثم التابعي فيما يتعلق بالأمور النقلية واللغوية، وتقديم آرائهما في هذا المجال على رأي المجتهد، وليس في هذا أية دعوة لتذويب الذات في"التراث"، وإنكار القدرة على الإتيان بمثل جهود الأقدمين في التفسير، إذ لم يدع أحد أن في الإسلام نصوصا مقدسة غير القرآن الكريم والسنة النبوية، فالمطلوب إذن إنما هو استلهام أدوات الفهم ومناهج البحث والدرس مع فهم يكفل لنا الإضافة وإتمام البناء.
وكثيرا ما حاول الحداثيون الاستدراك على علوم القرآن فظهر أنهم لم يستوعبوها أصلا! فأين هم من الاستدراك؟ ومن الأمثلة على ذلك رفض استخدام كلمة "سبب" فيما يتعلق بأسباب نزول القرآن، والدعوة إلى ضرورة استبدالها بعبارة: "تاريخية نزول التشريع"، قال سامر إسلامبولي: "لا يصح استخدام كلمة "سبب" على نزول التشريع الإلهي لأن السبب هو: "ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم"، وهذا غير منطبق على التشريع، لأنه سوف ينزل لا محالة كونه تشريعا إنسانيا عالميا وليس قوميا عينيا، والأصح إطلاق تاريخية نزول التشريع التي تفيد دلالة الوقت والحدث المناسب الذي تم اختياره من قبل الخالق لينزل النص التشريعي بصياغة مناسبة فورا، لأن النص التشريعي ليس للتلاوة وإنما هو تشريع للواقع الاجتماعي، ومن هذا الوجه ارتبطت أحداث معينة بنزول النص التشريعي، ليس كسبب نزول له، وإنما كظرف مناسب لإنزال النص الإلهي إلى حيز التطبيق العملي"[[71]]، ينم هذا الكلام ـ رغم أنه مليء بالنفس الاستدراكي ـ على عدم استيعاب صاحبه لمبحث أسباب النزول كما سطره العلماء، فبنى زعمه بتصحيح خطأ السابقين على خطأ منهجي آخر؛ وذلك بإسقاط المفهوم الفلسفي للسبب[[72]] على مفهومه في علوم القرآن، مع العلم باختلاف دلالات المصطلحات باختلاف الحقول المعرفية! فاستعمال مصطلح السبب في مبحث أسباب النزول في علوم القرآن، إنما هو على أصله اللغوي، أي الوسيلة و"كل شيء يتوصل به إلى غيره"[[73]] كما في قوله U:âvöÓ‚ æuB\öƒ evöaO Ó–öF u%&A ØvNj b‰Ósc“óEöd–öF bf/@H —PYX BÉö–EZ>öFÏqj@¢A ù‡‰ÓsöøZ&#144;]œ›Aæo >r.qö÷&#129;Óö–Eö>iÓöYX ¼_DÓöYEæy`YöF ™]j¢A ù§,BÓ&#129;föyj@]Aá (الحج/15(.
ومن منطلق الاعتقاد بالإرادة الإلهية المطلقة لا يلزم من حصول الوسيلة وجود النتيجة، وأن النتيجة غير متوقفة حتما على حصول الوسيلة، لهذا كان تعبير علماء القرآن ب"أسباب النزول"صحيحا، لأنهم يقصدون الأحداث والوقائع التي قدرها الله لتكون وسيلة ومدعاة لنزول الوحي، ولم يستعملوا السبب بمفهومه الفلسفي، إذ الأصل في الكلام حمله على أصله اللغوي حتى يثبت أنه اصطلاح.
ويكتسب "السبب" دلالة أخرى عند الأصوليين- غير الدلالة اللغوية والمنطقية- إذ هو"ما يكون طريقا إلى الحكم من غير تأثير ولا توقف للحكم عليه"[[74]]، وقد فصل الإمام الشاطبي القول في مبحث السبب بما يسمح بملاحظة الفروق الكبيرة بين كل من مفهومه الأصولي والمنطقي فقال: "مشروعية الأسباب لا تستلزم مشروعية المسببات وإن صح التلازم بينهما عادة، ومعنى ذلك أن الأسباب إذا تعلق بها حكم شرعي من إباحة أو ندب أو منع أو غيرها من أحكام التكليف، فلا يلزم أن تتعلق تلك الأحكام بمسبباتها، فإذا أمر بالسبب لم يلزم الأمر بالمسبب، وإذا نهي عنه لم يلزم النهي عن المسبب..."[[75]]، فالشاطبي بتركيزه على مسألة عدم التلازم بين الأسباب والمسببات، إنما قصد استبعاد المفهوم المنطقي للسبب عن مفهومه الأصولي، لهذا يجب التنبه إلى أن ما يدعوه الحداثيون بالدراسة النقدية للتراث القرآني، يقوم على الكثير من الخلط المنهجي، مما يجعله على هامش الأعمال العلمية الرصينة.
وقد حرص الحداثيون على التلويح بالآراء الشاذة في التراث مع أن ضرورة الترجيح غير مقتصرة على الأحكام، بل تشمل كل خلاف في أي مجال من المجالات الفكرية، وهذا لا يتنافى مع قبول التعدد والاختلاف، ولكنه ضد الفوضى والعبثية، والحد الفاصل بينهما هو الدليل، فكل قول لا يستند إلى دليل وجوده كعدمه، ولا يعتبر مجرد وجوده دلالة على صحة المعارضة به، فليست كل الخلافات حقيقية ومعتبرة بحجة وجودها في التراث، وبالتالي كل من جاء بقول له سلف في التراث يكون له الحق في معارضة والطعن في الحقائق الثابتة الراجحة، ويكون بالتالي قوله أصيلا لانتمائه إلى التراث! إنما يريد الحداثيون بهذا الأسلوب إغلاق أفواه من يسمونهم ب"التراثيين"، فيشهرون في وجوههم تأويلات منسوبة إلى التراث أو موجودة فيه فعلا!
فالحاصل أن القراءة الحداثية للآيات القرآنية ليست منهجا علميا للتعامل مع الآيات القرآنية، يتميز بالحياد ويستند إلى أصول وقواعد، وإنما هي خليط من الفلسفات والإيديولوجيات اتخذت كمنطلقات للتعاطي مع الآيات القرآنية، لهذا اصطبغت بمجموعة من السمات جعلتها قراءة موجهة مسطرة الأهداف مسبقا بعيدة عن الموضوعية والمنهج العلمي، ولا أدل على ذلك من جمعها بين مناهج متناقضة كالبنيوية والتفكيكية وغيرها....




-[1] أول من استعمل عبارة: "ما بعد الحداثة" هو "إيهاب حسن" في ندوة عالمية عن العمارة عام 1970، انظر مقال بعنوان: "أن نقرأ ما بعد الحداثة"، لفوزي البوشتي، مجلة: "فضاءات"،ع12، مارس 2004.

-[2] أول من استعمل عبارة: "ما بعد الحداثة" هو "إيهاب حسن" في ندوة عالمية عن العمارة عام 1970، انظر مقال بعنوان: "أن نقرأ ما بعد الحداثة"، لفوزي البوشتي، مجلة: "فضاءات"،ع12، مارس 2004.

-[3] "أسئلة الحقيقة ورهانات الفكر: مقاربات نقدية وسجالية"ص58-59.

[4]- "الحداثة والحداثية: المصطلح والمفهوم"، ص47 مجلة: "أبحاث اليرموك"،ع2، م14، س1998.

-[5] "الخطاب الإسلامي المعاصر محاورات فكرية"، حاوره: وحيد تاجا، ص62.

-[6] "ما بعد الحداثة"، نقلا عن "ما بعد الحداثة" لباسم علي خريسان، ص45.

-[7] "ما الحداثة"، ص15، نقلا عن المرجع نفسه، ص46.

-[8] "نقد الحداثة ولادة الذات" القسم الثاني، ترجمة صباح الجهيم، ص208.

[9]- "post-modernity-Aglobal wether change?"Jeff Fountain, نقلا عن: "ما بعد الحداثة"، ص47.

-[10] "الغارة على التراث"، ص23..

[11]- "في قراءة النص الديني" لعبد المجيد الشرفي وآخرين، ص89، سلسلة موافقات، طبعة1989

[12]- نشأت الحداثة في الغرب كثورة على واقع خلقته الكنيسة، وكانت النتيجة تعديل هذا الواقع بحسب التصور المرسوم، فجاءت الحداثة كمولود ذي خلقة سوية، ومن أبوين- على الأقل- شرعيين؛ التصور والواقع، أما نشأة الحداثة في الشرق أو العالم الإسلامي، فهي تقليد لنفس الثورة على أوضاع مختلفة تماما! فكانت النتيجة اضطرابا في التطبيق لاصطدام التصور بالواقع المختلف عنه جذريا.

[13]- أي القرنان السادس عشر والسابع عشر.

[14]- أي القرن الثامن عشر"حيث ظهر في فرنسا وألمانيا اتجاه سياسي واجتماعي حاول ممثلوه أن يصححوا نقائص المجتمع القائم، بنشر آراء في الخير والعدالة والمعرفة العلمية... زمن مفكري التنوير ( فولتير، وروسو، ومنتسكيو، وهيردر، وليسنج، وشيلر، وغوته)، وقد ساعد نشاطهم بقدر كبير على التغلب على نفوذ الأيديولوجية الكنسية والإقطاعية"، "الحداثة وما بعد الحداثة" لعبد الوهاب المسيري وفتحي التريكي، ص355.

-[15] لمزيد من التفصيل انظر: "ما بعد الحداثة دراسة في المشروع الثقافي الغربي" لعلي باسم خريسان، ص21.
وفي هذا السياق تحسن الإشارة إلى أنه إضافة إلى الاختلاف في النشأة، هناك تضارب كذلك في الفترة التي امتدت فيها الحداثة، فهناك من قال: "إنها تمتد على مدى خمسة قرون كاملة، بدءا من القرن السادس عشر بفضل حركة النهضة وحركة الإصلاح الديني، ثم حركة الأنوار والثورة الفرنسية، تليها الثورة الصناعية، فالثورة التقانية ثم الثورة المعلوماتية، ومنهم من جعل هذه الحقبة التاريخية أدنى من ذلك، حتى نزل بها إلى قرنين فقط"، انظر: "روح الحداثة" لطه عبد الرحمن، ص23.

[16]- أهم الفلسفات التي تقوم عليها الحداثة هي المادية والتاريخية والتطورية والعقلانية، إضافة إلى منهجيات التعامل مع النصوص الحديثة كاللسانيات البنيوية والسميائيات ومبادئ الهرمنوطيقا على العموم، يدعي البعض ضرورة الانثروبولوجيا كذلك كمحمد أركون.

-[17] انظر مثلا مقال للؤي صافي بعنوان: "أزمة الحداثة" إضافة إلى كلمة التحرير المعنونة : ب"مأزق الحداثة" مجلة: "رؤى"، س4، ع81-91 ،س2003، ص3-4، وانظر ما ذكره رشدي فكار تحت عنوان: "أزمة الحضارة الغربية..القرن العشرون قرن بلا قلب" ضمن كتاب: "رشدي فكار المفكر الإسلامي في حوار متواصل حول مشاكل العصر" لخميس البكري، ص31.

[18]- من أشهر من اعتبر الحداثة مجرد مشروع، "يوركن هابرماس" الذي خاض معركة فلسفية في الربع الأخير من القرن العشرين مع فلاسفة الاختلاف في فرنسا، ورموز ما بعد الحداثة، رافعا شعار: (إن الحداثة مشروع لم يكتمل بعد) انظر: "رهان الحداثة وما بعد الحداثة" لعصام عبد الله، ص17.

[19]- "ما بعد الحداثة " لعلي خريسان، ص210- 214 بتصرف كبير.

[20]- انظر: "ما بعد الحداثة " لعلي خريسان، ص210 بتصرف.

-[21] "روح الحداثة" لطه عبد الرحمن، ص16- 17.

[22]- "أصوات الحداثة" لإدوار الخراط، ص25 بتصرف.

-[23] "روح الحداثة"، ص23 بتصرف.

-[24] انظر كتابه: "La volonté"، وقد فصل محمد الشيخ هذه المبادئ في كتابه: "ما معنى أن يكون المرء حداثيا"، سلسلة شرفات، منشورات الزمن، الكتاب 17، س2006.

-[25] هناك ثلاث مدارس فلسفية في هذا الموضوع: المدرسة الفرنسية التي ترى أن ما بعد الحداثة تشكل قطيعة تامة مع ما قبلها، وهي المدرسة الأم في ما بعد الحداثة لكثرة إسهاماتها الفلسفية، وهنا تبرز عدة أسماء كدولوز و دريدا وبودريارد وفرانسو ليوتار...، أما المدرسة الثانية وهي الألمانية فقد دعت إلى التواصل والتكامل وتجديد الحداثة من الداخل، فهي ترفض القطيعة وتنظر إلى ما بعد الحداثة كامتداد للحداثة، ومن أهم الأسماء التي ساهمت في بناء هذه المدرسة نذكر كانت وهيكل وماركس ونتشه وهايدغر وماركوز، ثم المدرسة الأمريكية التي ترى في "ما بعد الحداثة" مرحلة رأسمالية جديدة. انظر: "ما بعد الحداثة"، علي خريسان، ص253، فالمشروع الحداثي قد كان عرضة للعديد من الانتقادات إما على شكل محاولات فردية أو حركات كالرومانتيكية، وفي ذات السياق تأتي الطروحات النظرية النقدية في بداية القرن العشرين استمرارا في هذا الاتجاه والتي أصبحت مرتكزا للمدرسة الألمانية في ما بعد الحداثة، التي تسمى (بمدرسة فرانكفورت) وهي امتداد للماركسية الأوربية إذ جعل أهم كتابها (ماكس فيبر وهوركهايمر وأدورنو وماركوز) النقد الثقافي للمجتمع البورجوازي مدخلا أساسيا للتحليل، المرجع السابق، ص254.

[26]- "الحداثة وما بعد الحداثة"، ص87، بالمشاركة مع فتحي التريكي.

[27]- "علم اجتماع الأزمة: تحليل نقدي للنظرية الاجتماعية في مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة"، نقلا عن "ما بعد الحداثة"، لعلي خريسان، ص205

[28]- "ما بعد الحداثة"لعلي خريسان، ص205.

[29]- نفس المرجع، ونفس المكان.

[30]- "الحداثة وما بعد الحداثة"، ص81.

[31]- "ما بعد الحداثة"، علي خريسان، ص 283- 284 بتصرف.

[32]- "الحداثة وما بعد الحداثة"، ص61.

[33]- يتجلى هذا مثلا في محاولة أركون التموقع فيما بعد الحداثة برد الاعتبار للأساطير والرموز والخيال والمتخيل من خلال الاهتمام بالانثروبولوجيا، رغم أنه مخلص جدا للبنيوية وهي من الفلسفات المحورية للحداثة.

[34]- انظر: "علم الكلام: ضرورات النهضة ودواعي التجديد"، سلسلة كتاب الحياة الطيبة، رقم:5، س2004.

[35]- عن أبي سعيد الخذري tعن النبي eقال: "لَتتَّبِعُنَّ سَنَنَ من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سَلَكوا جُحر ضَبٍّ لسَلَكْتُموهُ، قلنا يا رسول الله،اليهود والنصارى؟ قال: فَمَنْ"، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم الحديث3456.

-[36] مقال بعنوان: "حداثيون... ويصلون! أدلجة الدين وأدلجة الحداثة"، ص29-30 بتصرف، مجلة: "علامات"، ع26، س2006، دعم وزارة الثقافة، مكناس المغرب.

-[37] وهو عنوان لحوار مع إدريس هاني، بمجلة: "قضايا إسلامية معاصرة"، ع30، س9، شتاء1425هـ/ 2005م، مركز دراسات فلسفة الدين بغداد.

[38]- وقد سميت بالقراءة الحديثة في المؤتمر الذي نظم ببيروت من طرف: المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، والملتقى الفكري للإبداع ببيروت، بتاريخ: 12-13محرم1427هـ/11-12فبراير2006م تحت شعار: "التطورات الحديثة في دراسة القرآن".

[39]- وسمت بذلك في الكثير من العناوين منها: "القراءة المعاصرة مجرد تنجيم" لسليم الجابي، و"القراءة المعاصرة تحت المجهر" لنفس الكاتب، و"القرآن وأوهام القراءة المعاصرة" لجواد عفانه، و"تهافت القراءة المعاصرة" لمنير محمد الشواف.

- [40] كما في رسالة د عبد الرزاق هرماس: "القراءة الجديدة للقرآن الكريم"، وكذا د أحمد نصري عنون أحد فصول رسالته لدبلوم الدراسات العليا حول: "آراء الاستشراق الفرنسي في القرآن الكريم في القرنين التاسع عشر والعشرين-دراسة نقدية-" ب"الإطار العام الذي تنتظم فيه قضية القراءة الجديدة للقرآن الكريم"، وسماها كذلك بالتوجهات الجديدة للاستشراق في كتابه: "بحوث في الاستشراق: قراءة في المفهوم والتاريخ والأهداف والمآل".

-[41]أول من نسبها إلى الحداثة الفيلسوف طه عبد الرحمن في محاضرة علمية بعنوان: "الآيات القرآنية و القراءات الحداثية"، ألقاها في إطار: "المنتدى الجامعي للدراسات والأبحاث القرآنية"، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية- المحمدية- يوم الثلاثاء 27 محرم 1426هـ/ 8 مارس 2005.

-[42] ، "البنية البطركية: بحث في المجتمع العربي المعاصر"، ص33.

-[43] كما في كتابه: "روح الحداثة"، حيث دعا إلى تبني روح الحداثة دون واقعها من خلال تمثل مبادئها الثلاثة: مبدأ الرشد ومبدأ النقد ومبدأ الشمول، وبهذا نكون- في نظره- حداثيين مبدعين لا حداثيين مقلدين! إلا أن تمثل روح الحداثة دون شكلها وواقعها غير ممكن: لأن روحها هي الفلسفات التي ساهمت في تشكيلها، فالحداثة ليست ببساطة ضد ما هو قديم، فيرد عليها بأنه ليس كل قديم مذموم، وليس كل جديد محمودا لا لشيء إلا لجدته، إنما هي فسيفساء فلسفية معقدة.

-[44] كما في كتابها: "هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة: الحداثة والأصولية"، انظر: ص35- 63.

[45]- انظر كتاب: "الماركسلامية والقرآن"، لمحمد المعراوي، ص230.

-[46] قال في القاموس المحيط: "حَدثَ حُدوثا وحداثة، نقيض قَدُمَ، وتضم داله إذا ذكر مع قدم، وحِدْثان الأمر بكسر أوله وابتداؤه كحداثته، والحديث الجديد" الفيروزآبادي، فصل الجيم والحاء، باب الثاء، ج1، ص164، "أحدث الشيء ابتدعه، وأحدثه أوجده، وفي التنزيل العزيز: â dhöÓm]j ]f/@]A .{Cùq÷&#143;b–öF \qö÷mÓYöF \†çjü\^r LAsö÷‚%&Aá( الطلاق/1)"، "المعجم الوسيط" لإبراهيم أنيس وآخرين، مادة: (ح- د- ث)، ج1، ص159.

[47] ـ يقصد قوله e: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ"، وهناك العديد من الأحاديث في هذا الموضوع، كقولهe: "من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار"،أخرجه الترمذي في سننه عن أبي هريرة t، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه، وقال هذا حديث حسن صحيح.

[48]- نقلا عن "الإتقان" للسيوطي، ج2، ص402.

[49]ـ فهذا محمد شحرور المهندس، وهذا نصر حامد اللساني...

[50] ـ كمحمد أركون الذي يكتب في الأصل باللغة الفرنسية ويقوم بترجمة أعماله تلميذه هاشم صالح.

-[51] "الموافقات"، ج4، ص78، وما بعدها.

[52]- كما في قوله U:# âëê™NôEöÓ&#144; A\^r;`A ̈DÓ&#143;ùôEöbYX bÑ&#141;pöbÑ&#144;BÓ–öF bÑ&#141;pöbÑ&#144;BÓ‚æo ~aŒæo vö³ù‚ ±Ph.öƒ ¿_C\qöÓ&#144; æupöaiøyóEÓ–öFá (الأنبياء/95)

-[53] قال مثلا: "القوم لا يكادون يفقهون قولا، وفي ذلك الزمن الغابر إنما تمضي عقولهم بتمثل الظواهر تمثلا إحيائيا، يؤلهونها في ذاتها، فوجهوا الخطاب بصورة العاقل إلى ظاهرتين طبيعيتين قاهرتين لأراضيهم الزراعية في ذلك الأخدود الجبلي الضيق، الظاهرة الأولى وهي(مأجوج)، والمأجوج هو (الماء) الذي يتموج فيصبح ماء مأجوجا، بالغ الاندفاع....ثم هناك الظاهرة الثانية وهي (يأجوج) والمتأجج يكون نارا عاصفة كثيفة تلقي بحممها عليهم... إذن فيأجوج ومأجوج هي قوى الطبيعة الثائرة، من مصدري الماء والحمم"، "منهجية القرآن المعرفية"، ص151-152، بتصرف.

-[54] كمحمد الطالبي في كتابه: "عيال الله"، ص143،

-[55] "الفكر الإسلامي نقد واجتهاد"، ص250.

-[56] انظر كتابه: "الفكر الإسلامي قراءة علمية"، ص125،

[57]ص70،

[58]-"الفكر الإسلامي قراءة علمية"، ص203.

-[59] فيكون رأيه شاذا بالنسبة إلى الآخرين منسجما مع مذهبه هو، وقد يكون مقتنعا بمخالفة هذا الرأي للأصول العامة للفكر الإسلامي، إلا أنه يقدم الالتزام المنهجي، لذلك كانت الصرامة المنهجية في التفكير من خصوصيات كل التراث الإسلامي بما في ذلك التفسير.

-[60] المقصود التفسير التراثي، واستعمال عبارة: "القراءة الأولى" فقط لمناسبتها لعبارة "إعادة القراءة".

-[61] "عيال الله"، ص143.

[62]- "جدلية الغيب والإنسان"، ص275-276.

[63]- "الإسلام ومنعطف التجديد"، ص1.

-[64]"نفسه.

[65]- نفسه، ص2.

-[66] "نحو قراءة جديدة للقرآن في ظل التحديات المعاصرة"، حوار أجرته معه صباح البغدادي، ص108، مجلة: "رؤى"، ع23-24، س2004، تصدر عن مركز الدراسات الحضارية بباريس.

[67]- يسمي التفسير نصا ثانيا بدعوى أن المسلمين يقدسونه تقديس النصوص! وهذا ما لم يقل به أحد! وإنما هي دعوى أطلقها الحداثيون لتبرير هجومهم على التراث التفسيري.

[68]- "تحديث الفكر الإسلامي"، ص13.

[69]- وقد كان أول من رفع هذا الشعار: "الإسلام هو القرآن وحده" توفيق صدقي في مجلة: "المنار: س1907، قاصدا بذلك تنحية السنة كمصدر للتشريع، وشعار: "القرآن وحده" يُشهر تارة لتنحية السنة وأخرى لتنحية التفسير للخروج بإسلام حداثي!

-[70] "إشكالية القراءة وآليات التأويل" لنصر حامد، ص20. والعلم المقصود هنا "الهرمنوطيقا".

[71]- "ظاهرة النص القرآني تاريخ ومعاصرة"، سامر إسلامبولي، ص130.

-[72] جاء في"المعجم الفلسفي" أن: "للسبب في اصطلاح الفلاسفة ثلاثة معان منها: 1- العامل في وجود الشيء ويطلق على كل حالة نفسية؛ شعورية أو غير شعورية، تؤثر في حدوث الفعل الإرادي وهو قسمان عقلي وانفعالي...2- ما يحتاج إليه الشيء في ماهيته أو وجوده، لذلك سمي سببا عقليا، أو مبدأ ( Principe) ومنه قولهم سبب الوجود( Raison d'être) "، جميل صليبا، ص648 بتصرف. وجاء في "كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم" عن معنى السبب فلسفيا: "هو ما يحتاج إليه الشيء إما في ماهيته أو في وجوده، وذلك الشيء يسمى مسببا بفتح الموحدة المشددة، وترادفه العلة " التهانوي، ج1، ص924.

[73]- "لسان العرب"، ابن منظور، مادة: (س- ب- ب)، وبعد الاستشهاد بقوله U:â >r.qö÷&#129;Óö–Eö>iÓöYX ¼_DÓöYEæy`YöF ™]j¢A ù §,BÓ&#129;föyj@]Aáقال: "السبب الحبل"، م3، ص229.

[74]- "كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم"، التهانوي، ج1، ص924.

[75]- "الموافقات"، ج1، ص137.
 
الموضوع حقا من الأهمية بمكان..... وفي نظري أن حصر الإشكاليات التي يطرحها أصحاب القراءة الحداثية للقرآن الكريم، ما لم توضع تحت ضابط علمي يضحض شبههم فإنه يعسر الحصول على الكلمة الأخيرة في الرد عليهم.
أشكر جزيل الشكر على هذا الموضوع وقائله، جعله الله تعالى أجرا وذخرا ليوم المزيد
 
ثناء واقتراح

ثناء واقتراح

السلام عليكم ورحمة الله
أشكر كاتب موضوع (دراسة نظرية حول مفهوم الحداثة، والنشأة والسمات والأهداف).
لا شك أن هذا موضوع مهم في بابه، لا يقل أهمية عن الموضوعات التي تناولت الأفكار الغربية الدخيلة على المجتمعات الإسلامية وأفكار المسلمين؛ كالعلمانية والشيوعية والديموقراطية ونحوها.
أقترح أن يتم سرد المصطلحات التي يستعملها الحداثيون مع بيان معناها عندهم، والمآخذ عليها، وذلك في دراسة قادمة إن شاء الله، وتتبعها دراسات أخرى بهذا الصدد.
كان الله في عونكم، وأمدكم بالصحة والثبات في الدين والدنيا والأخرى، وكلَّ مسلم.
 
جزاكم الله خيرا
يقدم العلماء أحيانا مصالحهم على حساب الفوائد المتوخاة من البحث العلمي
صدقت وابنت
ولقد اظهر ذلك كلود ليفي شتراوش في الحوار الذي اجراه معه ديدييه إريبون في كتاب بعنوان من قريب ومن بعيد الدوائر الباردة ترجمة مازن م حمدان،دار كنعان سوريا الطبعة الثانية 2004م
فقد ابان عن الصراعات العميقة في الاكاديميات والتي تلفها المصالح القريبة والبعيدة وكيف انه هو نفسه أُوذي من ذلك.
ولاشك ان التوجهات الفكرية والمنهجية والعلمية تتأثر بهذه الصراعات والمناصب كما ظهر من كلام شتراوس
فهي حرب ابادة في الاكاديميات وفي عالم الافكار النظرية كما اشار شتراوس ص 163 من نفس الكتاب
ومما قاله شترواس عن فوكو وان كان خارج التعليق هو قوله:" وكأن فوكو كان يعرف مسبقا مايريد اثباته ثم يبحث فيما بعد عما يسند طرحه .ان هذا يزعجني من طرف مؤرخ أفكار"(ص104)
واظن ان شترواس استفاض في بيان ماقلته في كتابه المدارات الحزينة وقد اشير اليه في الدوائر الباردة ولم اطلع عليه الى الان
 
شكر الله تعالى للأخوين الكريمين ياسين مبشيش وإبراهيم عيسى وبارك فيهما
الأخ الكريم ياسين، الكلمة الأخيرة في هذه الكتابات يمكن ان تفهم منذ القراءة الأولى لأي كتاب من كتب هذا الاتجاه فالأمر فيها واضح لا يحتاج إلى تأويل، ولكنها ليست جميعا في سلة واحدة؛ هناك من يخفي ومن يعلن ومن يظهر ومن يبطن، وهناك الحاقد والجاهل والمقلد المستلب، وإن كانت هناك من كلمة أخيرة فيها فهي أنها تحتاج إلى مزيد من كشف جعجعاتها الفارغة وأحابيلها المنهجية، تحتاج إلى نقد يفضح قلة علم وضعف إيمان كتابها....
الأخ الكريم إبراهيم عيسى صحيح ان أصحاب هذه القراءات يستعملون المصطلحات التراثية استعمالا مختلفا لكنه غير ممنهج فيصعب الامساك بمعنى المصطلح الواحد عند الكاتب الواحد لما يتلون به دلالات وما يتسم به من خلط مفهومي، ولذلك نحتاج فعلا إلى دراسة مصطلحية ناقدة كما ذكرت، ولا أخفيكم أن احتكاكي بهذه اللغة أثناء تحضيري رسالة الدكتوراه جعلني لا أبالغ أذ أقول إن لغة الحداثيين لغة إرهابية، يستعملون الرطانة والإرهاب المصطلحي الفارغ ليسحروا أعين الناس وآذانهم بمصطلحات طنانة توحي بأنها تحتوي كل ألغاز الكون وهي فارغة من المعنى كما قال اركون نفسه وهو يعيب على زملائه الحداثيين مصطلحاتهم ولغتهم الغريبة....
 
بارك الله في علمك أخي طارق , وأدامك سيفا بتارا في وجه المغرضين والعابثين بكتاباتك ذات النفس النقدي القوي، ونوركم بنور القرآن.
 
بارك الله فيكم دكتورة فاطمة ولقد استفدت من بحثك المهم العميق المفاهيم الدقيق الصياغة السلس العرض والهضم والقراءة ، وهذا هو افضل بحث نقدي يمكن ان يقبل عليه من هو اعلى ثقافة ومن هو رجل عادي يريد ان يفهم.
 
عودة
أعلى