ابو مريم الجزائري
New member
- إنضم
- 13/04/2007
- المشاركات
- 161
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
السلام عليكم و رحمة الله
القراءات في الجزائر إبان الحكم العثماني
بسم الله الرحمن الرحيم
اشتهر الجزائريون بتدريس القراءات أكثر مما اشتهروا بالتأليف فيها و كانت بعض المراكز في أنحاء الجزائر قد عرفت بالحذق في هذا الاختصاص مثل زواوة [ منطقة القبائل شرق الجزائر العاصمة ] حتى أنها كانت مقصد العلماء و طلبة العلم للإتقان و البراعة التي اشتهر بها قرائها وقد عرفت زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي بزواوة بأنها معهد متخصص في تعليم القرآن الكريم وتفسيره، وتدريس القراءات بالروايات العشر المشهورة" حتى أن هيئتها المشرفة ومنذ عهد المؤسس لم تسمح بتدريس الفقه بحجة أن هذا العلم يمكن أن يشكل منافساً خطيراً على حساب حفظ القرآن الكريم والروايات" ( أنظر كتاب محمد ميمون " زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي" ص: 41.) ، فهذا الشيخ محمد بن مزيان التواتي المغربي (1) وهو شيخ من شيوخ الفكُّون الذين يعتز بهم قال عنه في كتابه (منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية، ص: 58.): ((... كان ـ رحمه الله ـ من جملة الحفاظ، قصدته يوما لدار سكناه، فخرج إلي وبيده لوح به ما يزيد على الخمسين بيتاً من "الشاطبية الكبرى"... وكان ـ رحمه الله ـ يثني على شيخه المذكور [ يقصد أبا محمد عبد العزيز الحراز فقيه ونحوي مغربي لامع] في علم القراءات)أ.هـ.
وقد وفد إلى مدينة قسنطينة من المغرب وكان ضليعا في الفقه و النحو على الخصوص حتى أصبح يلقب بسيبويه زمانه و مع ذلك فإنه حين جاء إلى قسنطينة و جلس للتدريس بها لم يستغن عن الذهاب إلى زواوة لتعلم القراءات السبع بها و كان من شيوخه فيها عبد الله أبو القاسم و قد اخبر عنه تلميذه الفكون أنه بقى في زواوة لذلك الغرض حوالي عام ثم عاد "متمكنا من علم القراءات" و من أشهر أساتذة القراءات بزواوة أواخر القرن الحادي عشر و أوائل الثاني عشر الشيخ محمد بن صولة الذي قرأ عليه العالم التونسي أحمد بن مصطفى برناز(2) القراءات السبع أيضا.
و في تراجم الفكون و ابن مريم إشارات إلى بعض العلماء الذين اشتهروا بتدريس القراءات و حذقها في عهدهما و من ذلك ما رواه ابن مريم في (البستان) من أن محمد الحاج مناوي قد تصدر للتدريس في عدة علوم و لكنه مهر خصوصا في القراءات (3) أما الفكون فقد ذكر أثناء نقده لعلماء عصره إن محمد بن ناجي كان له درس عظيم و مشاركة في علم القراءات و قال عن أحمد الجزيري إنه كان مدرسا من أهل الفتوى و الشورى و إنه كان يتعاطى التفسير و الفقه و يدعى الأساتذية في القراءات السبع و معرفة أحكام القرآن (4) و كلمة "يدعى" هنا لا تهمنا كثيرا لأن الفكون كان شديد النقد للعلماء الذين ضلوا في نظره سواء السبيل لدخولهم في خدمة الولاة و أصحاب السلطة و الذي يهمنا هنا هو أن الجزيري كان ممن يجيدون الحفظ بالقراءات السبع.
كما يحفظ متن "المنشور" لعبد الكريم الفكون مادة شعرية متوسطة متناثرة بين فقرات التراجم، بلغ عدُّ أبياتها خمسة وثلاثين ومائة بيت الكثير منها في القراءات ، منها ما هو صادر عن المؤلف ، و بعضها لغيره وقد لا نجدها في مصدر آخر.
أما التأليف في القراءات خلال هذا العهد فقد كان أقل من التفسير و يبدوا أن جل اعتماد علماء الجزائر حينئذ كان على (مورد الظمآن) للشريشي المعروف بالخراز المغربي و على شرح محمد التنسي و المسمى ((الطراز في شرح ضبط الخراز)) و في نهاية القرن التاسع ألف محمد شقرون بن أحمد المغراوي المعروف بالوهراني (ت 929هـ) عملا في القراءات أيضا سماه ((تقريب النافع في الطرق العشر لنافع )) (5) ، هكذا سماها البغدادي في "إيضاح المكنون"( 1/314 - ذيل كشف الظنون)، وتعتبر هذه القصيدة نموذجا من نماذج النظم التعليمي الذي برع فيه المغاربة بوجه خاص في هذه القراءة – قراءة الإمام نافع- وأشتهروا فيه شهرة كبيرة وقد ألفها متأثرا بقصيدة الإمام المقرئ أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن الصفار ، و هي تقع في ثلاثمائة بيت، وقد نظمها و هو في العشرين من عمره.
وقد خص د.عبد الهادي حميتو في بحثه الماتع " قراءة الإمام نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش" هذه القصيدة بشرح شامل في الفصل الخامس من الجزء الثالث جزاه الله بكل خير.
و النسخة التي اطلعنا عليها من هذا العمل عبارة عن قصيدة لامية نقتطف منها:
بدأت بحمد الله معتصما به... نظاما بديعا مكملا ومسهلا
وثنيت بعد بالصلاة على الرضا...محمدنا والآل والصحب والملا
وبعد فلما كان مقرأ نافع ... أجل مقارئ القرءان وأفضلا
لما قيل فيه: إنه سنة بدار ... هجرة خير المرسلين وكيف لا
وقد أخذ الثبت المقدم مالك ... به لا سواه من مقارئها العلا
أتيت بنظمي في روايته التي ... بعشر سمت مما يكون محصلا
رواية ورش ثم قالون مثله ... والأنصاري إسماعيل إسحافهم ولا
فالاثنان منهم الأولان ثلاثة ... لكل وباقيهم له اثنان فاعقلا
فورش روى عنه قل الأزرق الرضا... وعبد الصمد والأصبهاني تنقلا
وقالون يروي عنه فاعلم أبو نشيطهم... وحلوانيهم قد تأثلا
ونجل لإسحاق بقاضيهم سما...والأنصاري إسماعيل عنه تقبلا
( من أراد الاطلاع على القصيدة كاملة فهي منشورة في بحث د.عبد الهادي حميتو المذكور و يمكنكم تحميلها من منتدى الكتب و البحوث و المخطوطات – مشاركة أخينا الطيب وشنان بارك الله فيه - )
و القصيدة مقسمة إلى أبواب مثل باب الإستعاذة ، باب البسملة ، باب ميم الجمع، وباب المد و القصر ...الخ و يبدوا أن محمد الوهراني قد شرح هذه القصيدة أو شرح (مورد الظمآن) للخراز لأننا وجدنا له ما يدل على ذلك(6).
كما ألف أحمد بن ثابت هذا رسالة في القراءات، لا تزال مخطوطة بالمكتبة الوطنية، وقد سماها: "الرسالة الغراء في ترتيب أوجه القراء"
و كان محمد بن توزينت العبادي التلمساني من القراء المشاهير أيضا و قد عرف عنه العلم و الجهاد أيضا ذلك أنه توفى مجاهدا ضد الإسبان سنة 1118 أي أثناء الفتح الأول لوهران أما عمله و خصوصا في القراءات فيكفي أنه أخرج فيه تلميذه أحمد بن ثابت الذي لعله فاق أستاذه شهرة فيه و كما تخرج على ابن توزينت العشرات من التلاميذ فقد ألف تقييدا في القراءات أيضا لعله كان الحافز الرئيسي لتلاميذه لكي يحتذوا حذوه غير أننا لم نستطع أن نطلع على هذا التقييد لأن النسخة التي حاولنا الرجوع إليها منه مفقودة الآن(7) و قد و جدنا في التعريف بهذه النسخة أن صاحبها هو محمد بن علي بن توزينت وانه قد تتلمذ على السنوسي [ و هذا وهم ، وذلك راجع للمسافة الزمنية الطويلة التي تفصل بينهما و الصحيح أن يقال إنه تلميذ لتلاميذ السنوسي ].
أما تلميذه أحمد بن ثابت صاحب((الرسالة الغراء في ترتيب أوجه القراء)) فلا نعرف عن حياته إلا القليل أيضا فقد ذكر بعض المعلومات عن نفسه في رسالته المذكورة مثل قراءته على شيخه ابن توزينت و ممن نوهوا به أبو راس الناصر الذي وصفه بالعلم الغزير و الجهاد أيضا فقد أخبر عنه أنه من أهل تلمسان و أنه من القائمين بواجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وقد حارب مع أهل تلمسان المعتدين "حتى دوخهم" و قد مات من أجل ذلك عدد كثير من الطُلْبَة [ بضم ثم سكون ففتحة ] (وهو مصطلح جزائري يقصد به العلماء و تلاميذهم) و أنه قاد الطلبة في الحرب ضد الإسبان في وهران مثل شيخه ابن توزينت كما اعتبره أبو راس شيخ مشائخه و قال عنه إنه ترك تلاميذ في القراءات و إنه كان من سلالة سلاطين تلمسان و قد توفي ابن ثابت في منتصف القرن الثاني عشر غير أن عبد الرحمان الجبرتي قد حدد تاريخ وفاته بسنة 1151 (8) و قد أورد الجبرتي بعض المعلومات التي تكمل معلوماتنا عن ابن ثابت فهو عنده "الأستاذ العارف أحمد بن عثمان بن علي بن محمد بن أحمد العربي الأندلسي التلمساني الأزهري المالكي" و نلاحظ أن الجبرتي لم يذكر كلمة "ثابت" في هذه السلسلة كما نلاحظ أنه قال إنه أخذ الحديث عن علماء المغرب العربي و مصر و الحرمين و تصدر للتدريس في هذه الأماكن، بقي علينا أن نتساءل هل أن أحمد بن ثابت عند أبي راس هو نفسه أحمد بن عثمان عند الجبرتي إن تطابق العصر و تاريخ الوفاة و النسبة إلى تلمسان تجعلنا نرجع أن الاسمين لشخص واحد.
و مهما كان الأمر فإن الذي يهمنا الآن هو رسالة أحمد بن ثابت المذكورة في القراءات فقد اعتمد فيها على المؤلفين السابقين في هذا العلم أمثال الشاطبي صاحب منظومة (حرز الإماني و وجه التهاني) و الجعبري و ابن الجزري و كثير ما يقول ابن ثابت إنه قرأ هو بقراءة كذا و بعد أن بين الدوافع التي جعلته يؤلف رسالته أوضح طريقته فيها بقوله "و بعد فهذه الرسالة الغراء سألنيها بعض الثقات ليعرف المقدم في وجوه الروات [كذا] فاستبنت القوي من الضعيف و باينت المشروف من الشريف.." و من عناوينه فيها ذكر اختلافهم أي القراء في التعوذ و البسملة و بيان الراجح من ذلك اختلاف سورة آل عمران ثم سورة النساء ...الخ.
و قد أسهم عبد الكريم الفكون أيضا بالتأليف في القراءات فقد ذكر أنه ألف عملا سماه ((سربال الردة في من جعل السبعين لرواة الاقرا [كذا ] عدة )) و قد نص على ان هذا التأليف لا يتجاوز كراسة و أنه قد وضعه بعد واقعة و قعت له مع أحد علماء قسنطينة عندئذ و هو أحمد بن حسن الغربي و يبدو من العنوان و من ظرف التأليف أن هذه الكراسة عبارة عن مناقشة لما ادعاه الغربي و لكن معرفتنا لبعض آثار الفكون الأخرى تجعلنا نعتقد أن هذا العمل غني بالآراء و النقول و أن صاحبه قد عالج فيه أنواع القراءات و رواتها و غير ذلك مما يتصل بهذا الموضوع و مما يتصل بأوجه القراءات طريقة النطق بالتكبير و الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم ) عند الختم و قد ألف في ذلك أيضا أحمد بن ثابت التلمساني الذي تقدم ذكره رسالة لا نعرف الآن بالضبط اسمها لأنها مبتورة و الذي نعرفه عنها أن صاحبها قد نظم أبياتا في التكبير عند الختم بطلب من بعض إخوانه ثم شرح الأبيات و جاء في مطلعها:
إذا أدرت الختم للمكي....من الضحي يروى عن النبي
أما الشرح فقد بدأه بهذه العبارات "....و بعد: فلما كان التكبير سنة مأثورة على أهل مكة و كان نظر شيخنا سيدي محمد بن توزينت كافيا في معرفة وجهه و كيفية تلاوته حالة الختم و استكثره بعض الإخوان و ليس بكثير..." وقد ثبت انه ألف الأبيات المذكورة مع شرحها تلبية لمن طلبه من تلامذته.
(( معظم مادة هذا البحث من " تاريخ الجزائر الثقافي " د.أبو القاسم سعد الله"
و من ترجمتي الشخصية لمقالات و دراسات تتناول تاريخ الجزائر تأليف مجموعة من المستشرقين والمؤرخين الفرنسيين في أعداد من المجلة الإفريقية REVUE AFRICAINNE الصادرة منذ أوائل القرن التاسع عشر الميلادي بتصرف.))
- ملاحظة : بارك الله في رجال هذا المنتدى الطيب ،إذا رغب إخواني في نقل مقالات أخرى في مثل هذه المواضيع فليعلموني فأنا مستعد لترجمتها وكتابتها و نشرها هنا ، مع دعواتكم.
هوامش:
(1) ترجم له تلميذه عبد الكريم الفكون في (منشور الهداية) و قد توفي التواتي بالطاعون في باجة بتونس سنة 1031هـ.
(2) حسين خوجة (بشائر أهل الإيمان) و قد توفي برناز سنة 1138 وزار
برناز الجزائر سنة 1107.
(3) ابن مريم (البستان) 266.
(4) الفكون (منشور الهداية) ص80.
(5) مخطوطات باريس رقم 4532 مجموع انتهى منه الوهراني سنة 899 و
النسخة التي اطلعنا عليها تعود إلى سنة 1149 و هي بخط محمد أبو
ناب الغريسي و فيها أخطاء كثيرة انظر أيضا المكتبة الملكية بالرباط
رقم 4497 مجموع . و توجد ترجمة الوهراني في (دوحة الناشر) و
غيره.
(6) في المكتبة الملكية بالرباط رقم 4497 مجموع ما يدل على ذلك حيث العنوان (تعليق على مورد الظمآن للخراز) و إن كنا لم نطلع على هذا العمل[ د.ابو القاسم ].
(7) المكتبة الوطنية الجزائر رقم 2243 و قد ذكره تلميذه أحمد بن ثابت في (الرسالة الغراء) و نوه به كما ذكر أبو راس الناصر في (عجائب الأسفار).
(8) الجبرتي (عجائب الآثار) 1/166.
(9) المكتبة الوطنية الجزائر رقم 2245 مجموع و هب فيه من ورقة 171 إلى 182.
(10) عبد الكريم الفكون (منشور الهداية) ص 79.
القراءات في الجزائر إبان الحكم العثماني
بسم الله الرحمن الرحيم
اشتهر الجزائريون بتدريس القراءات أكثر مما اشتهروا بالتأليف فيها و كانت بعض المراكز في أنحاء الجزائر قد عرفت بالحذق في هذا الاختصاص مثل زواوة [ منطقة القبائل شرق الجزائر العاصمة ] حتى أنها كانت مقصد العلماء و طلبة العلم للإتقان و البراعة التي اشتهر بها قرائها وقد عرفت زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي بزواوة بأنها معهد متخصص في تعليم القرآن الكريم وتفسيره، وتدريس القراءات بالروايات العشر المشهورة" حتى أن هيئتها المشرفة ومنذ عهد المؤسس لم تسمح بتدريس الفقه بحجة أن هذا العلم يمكن أن يشكل منافساً خطيراً على حساب حفظ القرآن الكريم والروايات" ( أنظر كتاب محمد ميمون " زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي" ص: 41.) ، فهذا الشيخ محمد بن مزيان التواتي المغربي (1) وهو شيخ من شيوخ الفكُّون الذين يعتز بهم قال عنه في كتابه (منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية، ص: 58.): ((... كان ـ رحمه الله ـ من جملة الحفاظ، قصدته يوما لدار سكناه، فخرج إلي وبيده لوح به ما يزيد على الخمسين بيتاً من "الشاطبية الكبرى"... وكان ـ رحمه الله ـ يثني على شيخه المذكور [ يقصد أبا محمد عبد العزيز الحراز فقيه ونحوي مغربي لامع] في علم القراءات)أ.هـ.
وقد وفد إلى مدينة قسنطينة من المغرب وكان ضليعا في الفقه و النحو على الخصوص حتى أصبح يلقب بسيبويه زمانه و مع ذلك فإنه حين جاء إلى قسنطينة و جلس للتدريس بها لم يستغن عن الذهاب إلى زواوة لتعلم القراءات السبع بها و كان من شيوخه فيها عبد الله أبو القاسم و قد اخبر عنه تلميذه الفكون أنه بقى في زواوة لذلك الغرض حوالي عام ثم عاد "متمكنا من علم القراءات" و من أشهر أساتذة القراءات بزواوة أواخر القرن الحادي عشر و أوائل الثاني عشر الشيخ محمد بن صولة الذي قرأ عليه العالم التونسي أحمد بن مصطفى برناز(2) القراءات السبع أيضا.
و في تراجم الفكون و ابن مريم إشارات إلى بعض العلماء الذين اشتهروا بتدريس القراءات و حذقها في عهدهما و من ذلك ما رواه ابن مريم في (البستان) من أن محمد الحاج مناوي قد تصدر للتدريس في عدة علوم و لكنه مهر خصوصا في القراءات (3) أما الفكون فقد ذكر أثناء نقده لعلماء عصره إن محمد بن ناجي كان له درس عظيم و مشاركة في علم القراءات و قال عن أحمد الجزيري إنه كان مدرسا من أهل الفتوى و الشورى و إنه كان يتعاطى التفسير و الفقه و يدعى الأساتذية في القراءات السبع و معرفة أحكام القرآن (4) و كلمة "يدعى" هنا لا تهمنا كثيرا لأن الفكون كان شديد النقد للعلماء الذين ضلوا في نظره سواء السبيل لدخولهم في خدمة الولاة و أصحاب السلطة و الذي يهمنا هنا هو أن الجزيري كان ممن يجيدون الحفظ بالقراءات السبع.
كما يحفظ متن "المنشور" لعبد الكريم الفكون مادة شعرية متوسطة متناثرة بين فقرات التراجم، بلغ عدُّ أبياتها خمسة وثلاثين ومائة بيت الكثير منها في القراءات ، منها ما هو صادر عن المؤلف ، و بعضها لغيره وقد لا نجدها في مصدر آخر.
أما التأليف في القراءات خلال هذا العهد فقد كان أقل من التفسير و يبدوا أن جل اعتماد علماء الجزائر حينئذ كان على (مورد الظمآن) للشريشي المعروف بالخراز المغربي و على شرح محمد التنسي و المسمى ((الطراز في شرح ضبط الخراز)) و في نهاية القرن التاسع ألف محمد شقرون بن أحمد المغراوي المعروف بالوهراني (ت 929هـ) عملا في القراءات أيضا سماه ((تقريب النافع في الطرق العشر لنافع )) (5) ، هكذا سماها البغدادي في "إيضاح المكنون"( 1/314 - ذيل كشف الظنون)، وتعتبر هذه القصيدة نموذجا من نماذج النظم التعليمي الذي برع فيه المغاربة بوجه خاص في هذه القراءة – قراءة الإمام نافع- وأشتهروا فيه شهرة كبيرة وقد ألفها متأثرا بقصيدة الإمام المقرئ أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن الصفار ، و هي تقع في ثلاثمائة بيت، وقد نظمها و هو في العشرين من عمره.
وقد خص د.عبد الهادي حميتو في بحثه الماتع " قراءة الإمام نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش" هذه القصيدة بشرح شامل في الفصل الخامس من الجزء الثالث جزاه الله بكل خير.
و النسخة التي اطلعنا عليها من هذا العمل عبارة عن قصيدة لامية نقتطف منها:
بدأت بحمد الله معتصما به... نظاما بديعا مكملا ومسهلا
وثنيت بعد بالصلاة على الرضا...محمدنا والآل والصحب والملا
وبعد فلما كان مقرأ نافع ... أجل مقارئ القرءان وأفضلا
لما قيل فيه: إنه سنة بدار ... هجرة خير المرسلين وكيف لا
وقد أخذ الثبت المقدم مالك ... به لا سواه من مقارئها العلا
أتيت بنظمي في روايته التي ... بعشر سمت مما يكون محصلا
رواية ورش ثم قالون مثله ... والأنصاري إسماعيل إسحافهم ولا
فالاثنان منهم الأولان ثلاثة ... لكل وباقيهم له اثنان فاعقلا
فورش روى عنه قل الأزرق الرضا... وعبد الصمد والأصبهاني تنقلا
وقالون يروي عنه فاعلم أبو نشيطهم... وحلوانيهم قد تأثلا
ونجل لإسحاق بقاضيهم سما...والأنصاري إسماعيل عنه تقبلا
( من أراد الاطلاع على القصيدة كاملة فهي منشورة في بحث د.عبد الهادي حميتو المذكور و يمكنكم تحميلها من منتدى الكتب و البحوث و المخطوطات – مشاركة أخينا الطيب وشنان بارك الله فيه - )
و القصيدة مقسمة إلى أبواب مثل باب الإستعاذة ، باب البسملة ، باب ميم الجمع، وباب المد و القصر ...الخ و يبدوا أن محمد الوهراني قد شرح هذه القصيدة أو شرح (مورد الظمآن) للخراز لأننا وجدنا له ما يدل على ذلك(6).
كما ألف أحمد بن ثابت هذا رسالة في القراءات، لا تزال مخطوطة بالمكتبة الوطنية، وقد سماها: "الرسالة الغراء في ترتيب أوجه القراء"
و كان محمد بن توزينت العبادي التلمساني من القراء المشاهير أيضا و قد عرف عنه العلم و الجهاد أيضا ذلك أنه توفى مجاهدا ضد الإسبان سنة 1118 أي أثناء الفتح الأول لوهران أما عمله و خصوصا في القراءات فيكفي أنه أخرج فيه تلميذه أحمد بن ثابت الذي لعله فاق أستاذه شهرة فيه و كما تخرج على ابن توزينت العشرات من التلاميذ فقد ألف تقييدا في القراءات أيضا لعله كان الحافز الرئيسي لتلاميذه لكي يحتذوا حذوه غير أننا لم نستطع أن نطلع على هذا التقييد لأن النسخة التي حاولنا الرجوع إليها منه مفقودة الآن(7) و قد و جدنا في التعريف بهذه النسخة أن صاحبها هو محمد بن علي بن توزينت وانه قد تتلمذ على السنوسي [ و هذا وهم ، وذلك راجع للمسافة الزمنية الطويلة التي تفصل بينهما و الصحيح أن يقال إنه تلميذ لتلاميذ السنوسي ].
أما تلميذه أحمد بن ثابت صاحب((الرسالة الغراء في ترتيب أوجه القراء)) فلا نعرف عن حياته إلا القليل أيضا فقد ذكر بعض المعلومات عن نفسه في رسالته المذكورة مثل قراءته على شيخه ابن توزينت و ممن نوهوا به أبو راس الناصر الذي وصفه بالعلم الغزير و الجهاد أيضا فقد أخبر عنه أنه من أهل تلمسان و أنه من القائمين بواجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وقد حارب مع أهل تلمسان المعتدين "حتى دوخهم" و قد مات من أجل ذلك عدد كثير من الطُلْبَة [ بضم ثم سكون ففتحة ] (وهو مصطلح جزائري يقصد به العلماء و تلاميذهم) و أنه قاد الطلبة في الحرب ضد الإسبان في وهران مثل شيخه ابن توزينت كما اعتبره أبو راس شيخ مشائخه و قال عنه إنه ترك تلاميذ في القراءات و إنه كان من سلالة سلاطين تلمسان و قد توفي ابن ثابت في منتصف القرن الثاني عشر غير أن عبد الرحمان الجبرتي قد حدد تاريخ وفاته بسنة 1151 (8) و قد أورد الجبرتي بعض المعلومات التي تكمل معلوماتنا عن ابن ثابت فهو عنده "الأستاذ العارف أحمد بن عثمان بن علي بن محمد بن أحمد العربي الأندلسي التلمساني الأزهري المالكي" و نلاحظ أن الجبرتي لم يذكر كلمة "ثابت" في هذه السلسلة كما نلاحظ أنه قال إنه أخذ الحديث عن علماء المغرب العربي و مصر و الحرمين و تصدر للتدريس في هذه الأماكن، بقي علينا أن نتساءل هل أن أحمد بن ثابت عند أبي راس هو نفسه أحمد بن عثمان عند الجبرتي إن تطابق العصر و تاريخ الوفاة و النسبة إلى تلمسان تجعلنا نرجع أن الاسمين لشخص واحد.
و مهما كان الأمر فإن الذي يهمنا الآن هو رسالة أحمد بن ثابت المذكورة في القراءات فقد اعتمد فيها على المؤلفين السابقين في هذا العلم أمثال الشاطبي صاحب منظومة (حرز الإماني و وجه التهاني) و الجعبري و ابن الجزري و كثير ما يقول ابن ثابت إنه قرأ هو بقراءة كذا و بعد أن بين الدوافع التي جعلته يؤلف رسالته أوضح طريقته فيها بقوله "و بعد فهذه الرسالة الغراء سألنيها بعض الثقات ليعرف المقدم في وجوه الروات [كذا] فاستبنت القوي من الضعيف و باينت المشروف من الشريف.." و من عناوينه فيها ذكر اختلافهم أي القراء في التعوذ و البسملة و بيان الراجح من ذلك اختلاف سورة آل عمران ثم سورة النساء ...الخ.
و قد أسهم عبد الكريم الفكون أيضا بالتأليف في القراءات فقد ذكر أنه ألف عملا سماه ((سربال الردة في من جعل السبعين لرواة الاقرا [كذا ] عدة )) و قد نص على ان هذا التأليف لا يتجاوز كراسة و أنه قد وضعه بعد واقعة و قعت له مع أحد علماء قسنطينة عندئذ و هو أحمد بن حسن الغربي و يبدو من العنوان و من ظرف التأليف أن هذه الكراسة عبارة عن مناقشة لما ادعاه الغربي و لكن معرفتنا لبعض آثار الفكون الأخرى تجعلنا نعتقد أن هذا العمل غني بالآراء و النقول و أن صاحبه قد عالج فيه أنواع القراءات و رواتها و غير ذلك مما يتصل بهذا الموضوع و مما يتصل بأوجه القراءات طريقة النطق بالتكبير و الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم ) عند الختم و قد ألف في ذلك أيضا أحمد بن ثابت التلمساني الذي تقدم ذكره رسالة لا نعرف الآن بالضبط اسمها لأنها مبتورة و الذي نعرفه عنها أن صاحبها قد نظم أبياتا في التكبير عند الختم بطلب من بعض إخوانه ثم شرح الأبيات و جاء في مطلعها:
إذا أدرت الختم للمكي....من الضحي يروى عن النبي
أما الشرح فقد بدأه بهذه العبارات "....و بعد: فلما كان التكبير سنة مأثورة على أهل مكة و كان نظر شيخنا سيدي محمد بن توزينت كافيا في معرفة وجهه و كيفية تلاوته حالة الختم و استكثره بعض الإخوان و ليس بكثير..." وقد ثبت انه ألف الأبيات المذكورة مع شرحها تلبية لمن طلبه من تلامذته.
(( معظم مادة هذا البحث من " تاريخ الجزائر الثقافي " د.أبو القاسم سعد الله"
و من ترجمتي الشخصية لمقالات و دراسات تتناول تاريخ الجزائر تأليف مجموعة من المستشرقين والمؤرخين الفرنسيين في أعداد من المجلة الإفريقية REVUE AFRICAINNE الصادرة منذ أوائل القرن التاسع عشر الميلادي بتصرف.))
- ملاحظة : بارك الله في رجال هذا المنتدى الطيب ،إذا رغب إخواني في نقل مقالات أخرى في مثل هذه المواضيع فليعلموني فأنا مستعد لترجمتها وكتابتها و نشرها هنا ، مع دعواتكم.
هوامش:
(1) ترجم له تلميذه عبد الكريم الفكون في (منشور الهداية) و قد توفي التواتي بالطاعون في باجة بتونس سنة 1031هـ.
(2) حسين خوجة (بشائر أهل الإيمان) و قد توفي برناز سنة 1138 وزار
برناز الجزائر سنة 1107.
(3) ابن مريم (البستان) 266.
(4) الفكون (منشور الهداية) ص80.
(5) مخطوطات باريس رقم 4532 مجموع انتهى منه الوهراني سنة 899 و
النسخة التي اطلعنا عليها تعود إلى سنة 1149 و هي بخط محمد أبو
ناب الغريسي و فيها أخطاء كثيرة انظر أيضا المكتبة الملكية بالرباط
رقم 4497 مجموع . و توجد ترجمة الوهراني في (دوحة الناشر) و
غيره.
(6) في المكتبة الملكية بالرباط رقم 4497 مجموع ما يدل على ذلك حيث العنوان (تعليق على مورد الظمآن للخراز) و إن كنا لم نطلع على هذا العمل[ د.ابو القاسم ].
(7) المكتبة الوطنية الجزائر رقم 2243 و قد ذكره تلميذه أحمد بن ثابت في (الرسالة الغراء) و نوه به كما ذكر أبو راس الناصر في (عجائب الأسفار).
(8) الجبرتي (عجائب الآثار) 1/166.
(9) المكتبة الوطنية الجزائر رقم 2245 مجموع و هب فيه من ورقة 171 إلى 182.
(10) عبد الكريم الفكون (منشور الهداية) ص 79.