القراءات الحداثية للقرآن من وجهة نظر د.طه عبد الرحمن.

إنضم
20/04/2003
المشاركات
567
مستوى التفاعل
24
النقاط
18
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
صدر أخيرا للمفكر المغربي الدكتور طه عبد الرحمن كتاب :
[align=center]روح الحداثة : المدخل إلى تأسيس الحداثة الاسلامية
نشر المركز الثقافي العربي.ط1 .2006.[/align]
[align=center]
Rooh.jpg
[/align]

وما يهمني في كتابه هو الفصل الرابع :القراءة الحداثية للقرآن والابداع الموصول....والممتد من الصفحة 175 إلى 206.فخطر لي أن أعرض على الملتقى بعض ما تناوله هذا الفصل في حدود "الانتصار للقرآن".وجعلت خارج اهتمامي ما يسميه المصنف"الحداثة الاسلامية" واعتبارها بديلا لما هو كائن...وفي الحقيقة مجرد اسم"الحداثة الاسلامية"يدفعني إلى الامتعاض. فلنقف عند حدود هدم الحداثة ولا بأس من أن نتعاون مع الدكتور عبد الرحمن.....حتى إذا جاء زمن البناء قلنا:لكم دينكم ولي دين.



[align=center]ثنائيات طه عبد الرحمن:[/align]1-

القراءة الحداثية/القراءة التراثية:
هذه الثنائية هي بدورها مندرجة ضمن ثنائية أعم متقابلة الطرفين: الابداع المفصول /والابداع الموصول.
الطرف الأول هو الذي أخذ به التطبيق الغربي إذ يكون هم المرء فيه الظهور بمظهر الذي قطع صلته بالماضي.
وتعبير الدكتور طه ب "هم"و"الظهور بمظهر" يوحي بكون هذا الابداع يستجيب لمقتضيات النفس والهوى ورد الفعل أكثر مما يستجيب لمقتضيات العقل والعلم.
ومقابله الابداع الموصول وتعريفه عند طه :هو إبداع لا يقطع فيه المرء صلته إلا بما اضمحل نفعه أو أصبح ضرره أكثر من نفعه، لا يبالي بزمانه، بعيدا كان أو قريبا مجددا بذلك أسباب اكتشاف الذات.
وهو بتعريفه ذاك يحاول أن يعالج التعارض الخفي بين الصفة والموصوف..فالوصل يفترض حضور الماضي في الحاضر أما الابداع هو خلق على غير مثال أي إعدام للماضي فحصل التدافع.....وجاء قوله" لا يقطع فيه المرء صلته إلا بما اضمحل نفعه" ليصالح بين المفهومين: فثمة شيئ يبقى: ذلك الوصل، وشيء يقطع: ذلك الابداع.
القراءة الحداثية تسعى إلى تحقيق القطيعة مع القراءات التراثية......وهذه بدورها يقدمها طه على نحو ثنائي.
2-القراءات التأسيسية/القراءات التجديدية.
يجعل الدكتور طه التأسيس وصفا لما قام به المتقدمون بدون تمييز في المناهج والتخصصات...فتفاسير المفسرين والفقهاء والمتكلمين والصوفية كلها تأسيسية عنده.
أما القراءات التجديدية فهي عنده ما قام به المتأخرون سلفيين إصلاحيين كانوا أو سلفيين أصولين أو إسلاميين علميين -على حد اصطلاحه -وذكر من المفسرين العلميين اسمين :طنطاوي جوهري ومصطفى محمود.
هذا التقسيم في الواقع شكلي لم يراع فيه إلا البعد الزمني..فأصحاب القراءات التجديدية وإن تأخر بهم الزمان لا شيء يربطهم بالحداثيين.....وروابطهم الفكرية كلها مع سابقيهم..ويوضح ذلك هذه الثنائية الحاسمة:
3-منهج الانتقاد/منهج الاعتقاد.
هذه الثنائية هي المميزة حقا للمناهج والمعسكرات-لا الزمن-
يرى الدكتور طه أن القراءات التراثية في زمنيها المتقدم والمتأخر هي تفسيرات للقرآن في ارتباطها الوثيق بالإيمان.....فتفسير القرآن لا يكون أو لا يراد به إلا :
-الوضع النظري لأسس الإيمان.
-التقوية للأسباب العملية للإيمان.
فالمفسر يقرأ ليؤمن......أو ليزداد إيمانه وتبعا لذلك ....يعمل أو يسدد عمله.باختصار إنها قراءات ذات صبغة اعتقادية صريحة.
أما القراءات الحداثية فتتموضع في الضفة المقابلة:فهي لا تسعى للاعتقاد ولكنها تتغيا الانتقاد ويلخص النوعين في قوله الجامع:
"القراءات الحداثية لا تريد أن تحصل اعتقادا من الآيات القرآنية ،وإنما تمارس نقدها على هذه الآيات."
وقد يلاحظ القاريء أن الدكتور طه عندما يصف القراءات الحداثية فهو لا يستعمل عبارة "تفسير القرآن" أو تفسير النص....ولكنه يستعمل عبارة تفسير الآيات القرآنية....لأنه يرى أن الحداثيين حينما ادعوا أنهم يشتغلون بتفسير القرآن كالمتقدمين
كانوا زاعمين ذلك فقط...وإلا فهم مقتصرون في الحقيقة على تفسير بعض الآيات المأخوذة من سور مختلفة...
يخلص الدكتور طه إلى أن الوجه الذي تحقق به قراءة القرآن حداثيتها هو أن تكون قراءة انتقادية لا اعتقادية....ثم مضي يضرب الأمثلة فذكر:
قراءة محمد أركون ومدرسته بين التونسين بفرعيها : المقيمين بتونس مثل عبد المجيد الشرفي والمستقرين بباريس مثل يوسف صديق.
قراءة نصر حامد أبو زيد وطيب تيزيني.....والحق بهؤلاء حسن حنفي الذي دعا إلى ما يسميه "التأويل الموضوعاتي للقرآن"....
ما يجمع كل هؤلاء هو الانتقاد ....ولعلنا-مشيا وراء فكرة الدكتور طه عن شرط الحداثة-أن نوسع الدائرة زمانيا كما وسعها هو مكانيا....فيجوز لنا أن ندخل ضمن دائرة القراء الحداثيين أشخاصا من الماضي من أمثال ابن الراوندي فقد قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية:
ابن الراوندي
أحد مشاهير الزنادقة كان أبوه يهوديا فأظهر الإسلام ويقال إنه حرف التوراة كما عادى ابنه القرآن بالقرآن وألحد فيه وصنف كتابا في الرد على القرآن سماه الدامغ وكتابا في الرد على الشريعة والإعتراض عليها سماه الزمردة وكتابا يقال له التاج في معنى ذلك.
هذا البعد الانتقادي المميز للحداثة يدعونا إلى التنبيه على ثنائية أخرى هي:
4-القراءة الحداثية/القراءة المعاصرة.
يقول الدكتور طه:
الحداثة عندنا غير المعاصرة، إذ أن الحداثة ترتبط بأسباب التاريخ الحضاري والثقافي للمجتمع الغربي ، في حين أن المعاصرة لا يجب فيها مثل هذا الارتباط،إذ أن القاريء العصري يأخذ بمختلف منجزات عصره من غير أن يشتغل بإعادة إنتاج الأسباب التاريخية الخاصة لهذه المنجزات، بل قد يسعى إلى أن يستبدل مكانها أسبابا تاريخية أخرى تخص مجال التداول الذي يشهد قراءته ويتلقاها.....
ويضرب مثالين على القراءة المعاصرة :محمد شحرور في مؤلفه : الكتاب والقرآن.وعبد الكريم سروش في كتابه القبض والبسط في الشريعة.
ويبرر الدكتور طه-خاصة فيما يتعلق بالأول- هذا التصنيف والتسمية بدليلين:
أن شحرور نفسه وصف قراءته في عنوان كتابه بكونها قراءة معاصرة.
والثاني أن المفسرين الحداثيين نقدوا قراءته ونفوا عنها صفة الحداثة وذكر منهم اثنين:أركون وحامد أبو زيد....
معنى هذا أن الحداثة أمعن في التقليد واشد انغلاقا من العصرية....فالأولى لا تتصور الحضارة إلا على النهج الغربي...ولا تفهم التقدم إلا باتباع خطوات الغربيين فتسعى فقط إلى إعادة انتاج مراحل الحضارة الغربية على التربة المشرقية...أما العصرية فتستفيد من معطيات العصر لكنها لا ترى في اتباع الغربي ضربة لازب...
وهذا يجرنا على ثنائية أخرى:
5-الحداثة المبدعة/الحداثة المقلدة..
ولما كان يهمنا أكثر هو قراءات الحداثيين والتفصيل في منهجهم....فسنركز على هذا الطرف ونضرب صفحا عن البديل الذي يقترحه الدكتور لأننا قد نخالفه فيه ولأننا لا نريد أن نخرج عن مجال الانتصار للقرآن.
وقد أحسن الدكتور فعلا في بيان خطط القراءات الحداثية وإظهار خصائصها ونواياها.......وذلك هو موضوع حديثنا الآتي إن شاء الله.
 
بارك الله فيكم .
ما زلت أدعو لقراءة كتب الدكتور طه عبدالرحمن في نقد المناهج الحداثية نقداً يستخدم آلات الحداثيين في نقدهم ، فأظنه من أفضل من كتب في نقدهم من المعاصرين بهذه الطريقة ، وكتبه المطبوعة مليئة بالرؤى النقدية التي تستحق التلخيص والترتيب ليستفيد منها المتخصص في الدراسات القرآنية ، مع الأخذ في الاعتبار منهجه الشخصي في التصوف ، وتأثير ذلك في نظرياته النقدية. ولعلك تقوم بهذا الدور يا أبا عبدالمعز شيئاً فشيئاً ، لمعرفتك بمناهجهم ومعرفتك بالدكتور طه عبدالرحمن وكتبه من جهة أخرى . وفقك الله وسدد خطاك .
 
في الحقيقة أنا ممن يقرأون له ولكن كتاباته تتميز باختيار اللغة المعقدة والتي تجعل المتابع له لا يكاد يفهم مراميه ومقاصده ويشبهه في ذلك الدكتور أبو يعرب المرزوقي وهما يقومان بصك المصطلحات والتراكيب اللغوية الخاصة بهم والتي تتسبب في إرباك القارئ ولعل السبب هو كون المخزون الفكري واللغوي لديهما في أغلبه هو من التراث الفلسفي الغربي ولذلك تأتي كتاباتهم أشبه بالترجمة الصعبة ..
هذا رأي متواضع والله أعلم .
ولا أدري ما قولكم ؟
 
[align=center]ثلاثيات الدكتور طه عبد الرحمن...[/align]
آثرنا أن نستعرض بقية فقرات الفصل على نسق ثلاثيات كما عرضنا افتتاحيته على شكل ثنائيات....والقصد من ذلك الحصر والاختزال البداغوجي فقط ولا أدعي تفكيك عقل الدكتور طه وإعادة تنظيمه وفق متواليات حسابية أو هندسيةَ!!
1-استكشاف/استنزاف/استشراف.

(مع الاعتذار لأخي الدكتور الطعان ...فالمصطلحات أعلاه من وضعي لا من وضع الدكتور طه..أهي العدوى ؟)
لقد قسم الدكتور معالجته إلى مراحل ثلاث:
-استكشاف القراءات الحداثية وضبط آلياتها والوشاية بأهدافها....
-استنزافها من الداخل أو قل نقدها وتفكيكها وتقويمها انطلاقا من مرجعيتها نفسها وهي الحداثة.
-ازاحة هذه القراءات بعد استنزافها واستشراف بديل يسميه طه القراءة الحداثية المبدعة.
مرحلة الاستكشاف:
حاول الدكتور طه أن يكشف عن خطط واستراتيجيات القراءات الحداثية حسب اصطلاحه....وتوظيف المصطلحين خطة/ استراتيجية المنتميتين إلى الحقل المعجمي العسكري ليس اعتباطا -فالمؤلف معروف بدقة المصطلح واختيار الكلمة ونظريته في الترجمة وتطبيقاته عليها معروفة ولا تكاد مؤلفاته الأخيرة تخلو من الإيماء إليها-
فكأن طه يعلن أن هؤلاء ليسوا قراء ولكنهم محاربون......وخططتهم الحربية مختزلة في ثلاث استراتيجيات.....تعبر عنها الثلاثية الثانية:
2-خطة التأنيس/خطة التعقيل/خطة التأريخ.

(المصطلحات هذه المرة للمصنف )
وقبل أن نبين فحوى كل خطة ،نشير إلى أن الخطة -كما في علم النفس السلوكي- تتكون من عناصر ثلاث:
-هدف يرمي إليه السالك.....مثاله: القرد الذي يستهدف الموز المعلق فوقه .
-التصميم الذهني والخطاطة العقلية المتصورة للوصول إلى الهدف مثاله ما يقدره القرد
في نفسه للوصول إلى الموز عندما يقتنع أن القفز لا ينفع.
-العمليات الحركية التي ينفذ بها تصميمه السابق مثاله : جذب العصا من خارج القفص وزحزحة الصندوق الخشبي والارتقاء عليه وإسقاط الموز بالعصا....
هذه المراحل الثلاث يعبر عنها الدكتور طه بثلاثيته الثالثة:
3-الهدف النقدي/الآلية التنسيقية/العمليات المنهجية.
الهدف النقدي يتلخص دوما في "إزالة العائق الاعتقادي" و هو القاسم المشترك النوعي بين كل الخطط...ولا يكون التميز إلا باعتبار شخص ذلك العائق.
معنى هذا أن الدكتور يعدنا بتسع فقرات: كل خطة من الخطط الثلاث مضروبة في أضلاعها الثلاث فتلكم تسعة كاملة.
خطة التأنيس:
يسميها أيضا الأنسنة.....ولو سماها- في نظري- التدنيس لما أبعد النجعة.
1-الهدف: رفع العائق الاعتقادي الذي هو القدسية...
2-الآليات: نقل الآيات من الوضع الإلهي إلى الوضع البشري....بمعنى التعامل مع القرآن إما باعتباره منتوجا بشريا-على أسوء الفروض- أو كمنتوج بشري – على أحسن الفروض-
3-العمليات:وهي كثيرة نلخصها في ثلاث:
-الحذف والاستبدال اللغويين.
-التسوية بين المختلفين.
-التفرقة بين المتماثلين.
فمن وجوه الحذف ذكر القرآن بدون عبارات التعظيم ......( ومثله ذكر الله بدون تسبيح أو إجلال و ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد:محمد.....وهلم جرا)
ومن وجوه الاستبدال هجر المصطلحات المعهودة بين المسلمين .....فمن المعروف أن المؤمنين منذ الزمن الأول ميزوا القرآن الكريم عن كلام البشر واستعملوا-إما توقيفا وإما اجتهادا-مصطلحات خاصة بالقرآن العظيم إمعانا في التنزيه والتقديس.....فسموا الجلد والورق مصحفا ولا يجوز أن يسمى غيره كذلك وإن كان من تلك المواد ذاتها....وسموا الجملة آية والسجع فاصلة والوحدة سورة والجزء حزبا....أما الحداثيون فقد استعملوا المصطلحات التي تقال عن غيره أيهاما بأن المشاركة في الاسم دليل على المشاركة في المسمى....فقالوا العبارة القرآنية والظاهرة القرآنية.....والواقعة القرآنية...وقد نجد عن بعضهم أسلوبا معاكسا لكن الغرض واحد....فيأخذون مصطلحا خاصا بالقرآن وينقلونه إلى ما هو بشري....فيتحدثون عن أسباب النزول لقصيدة شاعر....أو مسرحية ناثر...أو تشريع مؤسسة......

التسوية بين المختلفين:
ومن وجوهه تصدير الحداثيين لكتبهم وفصولها بآيات قرآنية مجاورة لعبارات للناس.....وكان لسان الحداثين هنا هو المثل المعروف قل لي من تعاشر اقل لك من أنت ..... بل وقع في يدي كتاب لسفيه مغربي أذكر أنه صدر كتابه-المدرسي- بقولة لنيتشه ثم قولة لآخر-لم اعد أذكر اسمه-ووضع في أسفل الترتيب جزءا من آية هي: وهم يصطرخون فيها......
وهي جملة حالية مقتطعة من السياق ليس فيها فائدة يحسن السكوت عليها....فكأن الخبيث قد مكر بالقرآن مرتين:عندما جعل كلام الملاحدة فوق كلام الله...وعندما اقتبس من الكفار جملا تامة مفيدة وجاء من القرآن بجملة مبتورة.....فانظر إلى أخلاق القوم.

ومن أغرب الجمع بين المختلفين صنيع حامد أبو زيد :
قال هذا العبقري:الكلمة تجسدت في عيسى ابن مريم.....وكلام الله تجسد في القرآن....إذن يلزم المسلمين إما تأليه المسيح وإما بشرية القرآن فلا يعقل ان يكون المسيح بشرا والقرآن غير بشر و هما شيء واحد......لله دره ما أحكم منطقه....ولست أدري كيف سيقول لو فهمناه أن المسيح تكلم بالانجيل والانجيل كلام الله.....إذن الشيء يخرج من نفسه ويتقدم عن نفسه ويتأخر عنها في ذات الوقت ويحتوي نفسه....رحم الله العقاد لقد تذكرت نقده لشوقي وكلامه عن مشية الربيع في الربيع كمشية الأمير في الأمير.
وعكس هذا الهراء هراء آخر هو:
المخالفة بين المتماثلين:
كان يعمد الحداثي إلى القرآن وهو واحد....فيقسمه بحسب هواه ويخالف بين القسمين في التسمية :فهذا قرآن وذلك كتاب،وهذا قرآن شفوي وذاك قرآن مكتوب......ويفرق بين الوحي في اللوح المحفوظ والوحي في اللسان العربي.

للحديث صلة إن شاء الله.
 
نتائج خطة التأنيس:
خطة التأنيس تلك من شأنها أن تجعل من القرآن نصا لغويا لا يتميز عن غيره من النصوص اللغوية....فوجب-عند الحداثي- تماثل المنهج.
ومن بنود هذا التماثل المنهجي:
1-القرآن- كغيره من النصوص- إنتاج مرتبط بمقتضيات ثقافية وحضارية .فلا يعبر إلا عن محيطه ولا يمكن فهمه معزولا عنه.(حامد أبو زيد)

2-القرآن-كغيره من النصوص-قابل لتعدد القراءات والأفهام واحتمال التأويلات...لكن مع اعتبار حاسم هو أن التعدد يتموضع فقط على صعيد التحقق والوجود ولا يمكن تموضعها على سلم الحقيقة والخطأ......فليس ثمة قراءة أفضل من أخرى ولا مكان لمن يدعي أن قراءته للقرآن هي الأمثل.(طيب تيزيني)

3-القرآن-كغيره من النصوص- خرج من سلطة المتكلم ودخل في سلطة القاريء....
فالحداثي يرى أنه لا سبيل إلى الاطلاع على مقاصد المتكلم....هذا بالنسبة للمتكلم البشري فكيف والقرآن منسوب لمتكلم متعال فهو أولى بأن تجهل مقاصد قائله....
كل ما يمكن أن يحصل عليه القاريء هو ما يؤتاه من فهم نسبي مشروط بوضعيته المعرفية ومحيطه الثقافي.

4-القرآن-كغيره من النصوص- ينتابه ما ينتاب النصوص الموروثة في التراث البشري من ضياع ونقص وزيادة وتحريف.....ودعوى الاجماع والنقل المتواترأمر خارج المصداقية التاريخية التوثيقية.(طيب تيزيني)

خطة التعقيل.
وقد توصف بالعقلنة.
1-الهدف:
إذا كانت خطأة التأنيس قد سارعت إلى نزع "عائق التقديس" فإن خطةالتعقيل تكفلت بنزع عائق آخر هو" عائق الغيبية" وهو العائق الذي ينص على أن القرآن وحي ورد من عالم الغيب.
2-الآليات:
الصبغة العامة لآليات التنسيق هنا هي التعامل مع الآيات القرآنية بكل وسائل النظر والبحث التي توفرها المنهجيات والنظريات الحديثة.
3-العمليات:
الهجوم على الموروث/الترحيب بالمستحدث/إطلاق سلطة العقل.
-فمن الأول دعوى الحداثي أن علوم القرآن ومباحثها وسائط متحجرة ينبغي رفعها لكي تتم القراءة المباشرة للنص القرآني.
-ومن مظاهر الثاني:
نقل مناهج علوم الأديان المتبعة في تفسير وتحليل ونقد التوراة والانجيل إلى دراسة القرآن...لأن وضع الكتب الدينية المنزلة واحد فلا ينبغي ان تختلف مناهجها.
ومنه نقل مناهج علوم الإنسان (اللغويات والعلاميات وعلم النفس وعلم الاجتماع) واعتمادها في تحليل النص القرآني.
ومنه أخيرا اعتماد مستحدثات النظريات النقدية والفلسفية كالبنيويات والتفكيكيات والحفريات لمقاربة النص القرآني.
-ومن مظاهر الثالث:
إخضاع كل الآيات لاجتهاد العقل وعدم الاعتراف بوجود شيء في القرآن يعلو على العقل ....
ومن أهداف خطة التعقيل:
إعادة النظر في:
مصدر القرآن/ مضمونه/ أهدافه/
1-اقتراح مصدر للقرآن ضمن الكفاءات المعقولة للبشر....ولا حاجة إلى افتراض وحي متعال....وإن كان لا بد من ذكر الوحي فليكن بالمعنى البشري (وحي الشعراء مثلا)

2-اقتراح قرآن "مشذب ومهذب ومنقح" بعد إزاحة كل الشوائب اللاعقلية وكل الجزئيات التي لم ينفع فيها التأويل......مثل أخبار الأمم التي لا تعدو أن تكون أساطير .....ومثل العبادات التي لا تعدو أن تكون طقوس جامدة.

3-اقتصار القرآن على وظيفة واحدة هي تخليق الانسان...وبث الروح المعنوية فيه.

ومن ثمرات خطة التعقيل:
-رفض مبدأ هيمنة القرآن على الكتب السابقة......واعتبارها أنواعا متماثلة ضمن جنس واحد.....فلا معنى للقول بأفضلية القرآن....ولا يعقل أيضا أن نصف التوراة والانجيل بالتغير والتبدل ونستثني القرآن من هذا الوصف.
ويقترح أركون في هذا المقام التخلي عن مفهوم "أهل الكتاب" لأنه لا يدخل المسلمون فيه.....واستبدال مفهوم "مجتمع الكتاب"به.
(كما اقترح بعضهم تشييد معابد دينية واحدة مشتملة على ثلاثة أجنحة لمارسة الطقوس الدينية)

-رفض مبدأ تنزيه القرآن عن الاختلاف والاضطراب...فترتيب آياته لا يخضع لاتساق منطقي كما لا يخضع للاتساق التاريخي.....فيكون الاختلال هو الحصيلة.
-رفض مبدأ تنزيه القرآن عن الباطل....فأسلوبه مبني على المجازات والاستعارات ومخاطبة العواطف....فهو بهذا المعنى أقرب إلى العقل الاسطوري والمناخ الشعري وأبعد من العقل البرهاني والمجال العلمي...

-رفض مبدأ صلاحية القرآن لكل عصر.....وأكبر دليل على ذلك هو اشتماله على مفردات مصادمة للعقل .....وحسب القرآن أنه عبر عن مرحلة من مراحل التطور الانساني...... وليس من الحصافة ان نجعل تعبيره يتخطى حدود المراحل اللاحقة...

خطة التأريخ:...........
 
خطة التأريح:
1-الهدف :
رفع عائق الحكمية.والمراد به عدم التسليم بثبات أحكام القرآن والتسليم بعكسه أي أن القرآن نتاج تاريخي وهو –كأي نتاج آخر-محكوم بالصيرورة التاريخية،فلا غرو أن تنحصر صلاحية أحكام القرآن في ظرف زماني وتاريخي معين.
2-الآليات:
مدار الخطة هنا على وصل أحكام القرآن ببيئته الزمنية والتاريخية والتأكيد على كل مظاهر الربط ومجالات الارتباط (اجتماعية وثقافية وسياسية ولغوية .....)حتى إذا تحرك التاريخ وتغيرت المعالم أصبحت الحاجة إلى أحكام جديدة لا يستطيع القرآن أن يوفرها ...وهذا الوصل بين القرآن وبيئته الخاصة يتم من خلال:
3-العمليات:
-استغلال بعض مفردات علوم القرآن المعتبرة عند السلف لإثبات دعواهم في نسبية القرآن وارتباطه بزمنه فقط....ومن هذه المفردات مسائل "أسباب النزول" و"المكي والمدني"و"الناسخ والمنسوخ"........ويتهمون السلف بالتناقض لأنه من لوازم اقرارهم بتلك المفاهيم أن يستبعدوا القول بأزلية الأحكام القرآنية.
-التمييز بين الحكم القرآني المستفاد من الآية والقاعدة القانونية الوضعية....على اعتبار أن الأول يتسم بالغموض والعمومية والاحتمال ،في حين أن الثانية أمر صريح في ظرف معين يستتبعه عقاب محدد للمخالف......
فالحكم التشريعي المستفاد من الآية قد يختلف بشأنه بالنظر إلى الناسخ والمنسوخ وبالنظر إلى العموم والخصوص فضلا عن تعدد الصور اللغوية ل"الأمر" فقد يأتي خبرا وإنشاء كما أن معناه قد يتراوح بين الوجوب والاباحة إلى غير ذلك مما يفقد الحكم دقته التشريعية.....
-تضييق دائرة آيات الأحكام:
أولا : كميا ، فهم يرون أن النسخ قد أتى على حصة من الأحكام وتغير الظروف أتى على أخرى....فلم تعد الأحكام الصالحة تتجاوز الثمانين آية (محمد سعيد العشماوي)
ثانيا: كيفيا،فهم يرون أن أحكام القرآن بسبب ارتباطها الظرفي والمحلي اتسمت بالطابع النسبي ،وشاهد هذه النسبية اختلاف أفهام المستنبطين من الفقهاء والمفسرين ذلك لأنهم يستنبطون انطلاقا من ظروفهم التاريخية.....وهذا يتعارض مع دعوى ثبات واستقرار الحكم القرآني.
-تعميم مبدأ النسبية التاريخية على القرآن كله...وليس فقط المجال التشريعي....فكثير من العبادات مثلا خاطب بها القرآن أفرادا وجماعات كان لهم درجة ما من درجات الوعي...وهذا الخطاب لا يصلح لمن أتى بعدهم ممن شهدوا الرقي العقلي والعلمي......
-حصر القرآن في الأخلاقيات فقط .....حيث يكون الأمر القرآني المستفاد من الآية غير ملزم ولا تكليف معه ومن ثم ينزل إلى مقام التوجيه والارشاد لا غير.....
 
إثارة!

إثارة!

موضوع مهم
أين مكمن الأهمية في الموضوع هذا أستاذنا منينة حفظك الله ونصرك؟
الأستاذ الكبير طه عبدالرحمان يعالج القراءات الحداثية في إطار الرؤية التي يدور حولها الكتاب (الحداثة الإسلامية) ولذلك هو لا يتجاوز دائرة القيم بينما القراءات الحداثية لا تحتك بالقيمة فقط. والسؤال كيف له ذلك وعلماءنا قدّموا ما أعتمد عليه الحداثيون في خطة التأريخ مثلا. ألا نجد "أسباب النزول" كعملية من عمليات خطة الـتأريخ في تراثنا؟ نحن غالبا ما نبطل محاولة "رفع عائق الحكمية" بقاعدة أصولية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إلا أن الراحل محمدعابد الجابري شكك في هذه القاعدة يقول [ومع أن "جمهور الأصوليين" يقولون بذلك، فإن كثيرين منهم يقولون بالعكس، أعني: "الاعتبار بخصوص السبب لا بعموم اللفظ". ولكل منهم حججه وتبريراته. والناظر في حجج هؤلاء وهولاء يتبين له أن اختلافهم لا يمس جوهر الأحكام وإنما يخص طريقة الاستدلال عليها.]. ثم لم يتعرض لهذا الإختلاف لكنه أعمل منهجا من مناهج "السلفية الإستشراقية" (التي إنتقدها في كتبه الأخرى كنحن والتراث) أي الفيلولوجيا حيث يقول [وليست صيغة هذه القاعدة هي وحدها المستحدثة من طرف علماء الأصول، بل إن المفاهيم التي منها تتكون (عموم، خصوص، سبب) هي أيضا من المفاهيم المستحدثة. إن الأمر يتعلق بألفاظ تنتمي إلى الجهاز المفاهيمي الذي شيده علماء الأصول ... و"قواعد المنهج" –في أي حقل معرفي- مرجعها الاجتهاد لا غير، ولذلك فهي تختلف من حقل معرفي لآخر ومن وقت لآخر .... وإذا نحن عدنا إلى تاريخ نشأة "قواعد المنهج" في علم أصول الفقه، فإننا سنجد أن أول محاولة "عالمة"، قامت بالتأسيس لها هي محاولة اللغويين الذي عاشوا في أوائل عصر التدوين ..]. ألا يريد المرحوم الجابري هنا الإشارة إلى تاريخانية القاعدة من خلال الإرتفاع بدرجة التجريد إلى ما وراء الكلام في الإختلاف المنهجي؟

إن أهمية طه عبدالرحمان فيما يتصل بهذه الموضوع تكمن في إستفزاز أهل التفسير وأهل الفقه ليتعاملوا مع القراءات الحداثية على مستوى الفهم ومستوى الحكم كما تعامل معها طه عبد الرحمان على مستوى القيمة.
 
هو مهم، أيضاً، لأنك علقت عليه ، هذا مهم اخي شايب
الجابري يحاور حول القاعدة لجعلها تاريخية مع ان ماوراءها هو قرآن موحى به، فالله عز وجل أنزل آيات معينة انتخبت شخوص معينة أو حالات محددة لتكون ، أو لتصير، نموذجا لنا ومثالا
فالسبب لايغلق القاعدة إنما يفتحها على التاريخ المطلق والمتكرر والمتشابه ولو من بعض الوجوه الرئيسية.
كما أن الله عز وجل عرض لنا من تاريخ الأمم الماضية فلم يذكرها إلا للعظة والإعتبار فلم تغلق القصة على التاريخ القديم وإنما هي مفتوحة بأسبابها على المشابه لها.
أما العلمانيين أمثال الجابري وإن كان لايهمهم عموم أو خصوص لأن الكل منفتح على الوحي، وهو ماينفونه!، إلا أنهم يحاولون خلخلة العلوم القرآنية، وهي كما تعلم علوم مقاصدية، وعلى الرغم أن الجابري يحاول أن يستخدم موضوع مقاصد القرآن للتستر حولها، أو خلفها، وهو من مدح العلماء الأندلسيين المقاصديين كالشاطبي مثلا، لأجل إلغاء ثوابت الشريعة وتفصيلاتها، إلا أنه يحاول أن يلغي تلك القاعدة التي هي علاقة بين الخصوص والعموم في التاريخ، بل إنها قاعدة لاينكرها أحد من البشر إلا أمثال الجابري وأبي زيد وأشباههما، ولذلك وضعت الأمم الأمثال وتكلم بها الكبار والصغار، وهي قاعدة مقاصدية بحق اذ ان القصد منها القياس على حادثة شبيهة او شبيهة من وجوه مركزية فيها أو تاريخ مشابه، لكن الجابري ينكر القياس مع أنه هنا ، وفي مسألتنا هو أمر ضروري بديهي عقلي وتاريخي.
العلمانيون لايهمهم اي قاعدة اسلامية غير انهم يريدون بطردها لا بإطرادها إفساح الطريق أمام عمومهم وخصوصهم هم!، عموم نظرياتهم وخصوص مسائلهم.
كما أن بالغاء القاعدة المرتبطة بالتنزيل أو إن شئت فقل بإستغلالها لصالح التاريخية المادية، يحاولون فض العلاقة الاصيلة بين الوحي والحدث التاريخي، ومن ثم رفض علمية الوحي وهيمنته على الأفكار والفرضيات الخاطئة.
ماذا فعل الجابري لما الغى القاعدة
راح يقول لك ان الحدث القرآني هو ماضي من إفراز الأوضاع المعرفية القديمة، المكونة اسطوريا وفي ظروف بيئات معاصرة خاطئة تاريخيا وعلميا، ثم راح يستجلب النظريات التفسيرية الغربية فيقول ان الجغرافيا شكلت اوهام معينة (تصورات عن الله والغيب ) في بيئة خاصة وكل صحراء لها حتميتها بزعمهم، وأما بيئة الأعرابي فقد شكلتها جغرافيا الصحراء (لجزيرة العرب)، ثم دلجت نظرته المعرفية متوغلة مؤولة لمنظومة الوحي القرآني فهو وحي أعرابي صحراوي!!، تكون هناك،في الصحراء، وبدوره -أي الوحي هذا -كون نظرة معدلة ورؤية زائدة، لكنها تظل تدور داخل العقل الصحراوي فكيف نجعلها مرجعا لعالم متطور!!؟
ثم راح يضيف بأن هذا العقل كان قد تأثر بالمعارف الشرقية القديمة، هرمسية وغيرها، (ولا أعرف كيف يمكن أن يتأثر عقل إنغلق على مؤثرات الجغرافيا وحتمياتها ثم هو ينفتح على جغرافيات مختلفة واخرى؟)، فهو عقل اشراقي صحراوي بياني متخلف!
فليس الأمر بقاصر على رفض قاعدة اصولية وانما فك كافة القواعد عن منظومة الوحي او من مصدرها السماوي الرباني لأجل موضعتها في بيئات وجغرافيات انتجتها المخيلة العلمانية المادية الحديثة ونظرياتها الخائبة بحيث لاترى من وراء نظارتك الا ماتراه من خلال ثقوبها السوداء القائمة.
فلو قلنا بأن الحداثيون اعتمدوا على قواعد اسلامية فلنا أن نضيف إنه اعتماد استخدام واستغلال وخبيء دفين!
إنهم يدورون حول قيم أرضية ، تنفي الوحي وكل قاعدة لها علاقة به وبتفسيره وتأويله للتاريخ والنبوة والوحي نفسه.
 
ذكره للشاطبي ومنهجه في المقاصد به أنهى الحفر في .. العموم، الخصوص، السبب .. ليؤكد على تلك القطيعة الابيستيمية بين الشرق والغرب أو بين قياس الغائب على الشاهد والقياس الجامع أو بين التوفيق بين الدين والفلسلفة وبين الفصل بينهما، ورغم أنه إدعى إجرائية إستعماله للقطيعة إلا أنه في حفره حاول بكل الوسائل إبعاد صفة الإجرائية عن المفاهيم التي طورها الأصوليين، وهذا نوع من الإرتباك الذي لا يهمه هو لأن المراد البحث عن أصل للعلمانية في التراث الإسلامي الغربي والوصول إلى تعميم التاريخانية على التراث بأكمله (=الفصل) فلا يبقى منه إلا ما نريده منه نحن (= الوصل).

المهم أن طه عبدالرحمان طور رسالات مهمة جدا على مستوى القيم، ويبقى دور المفسرين والأصوليين على مستوى الفهم ومستوى الأحكام.
 
عودة
أعلى