"القرآن يفسره الزمان".. هل هي مأثورة عن ابن عباس؟

إنضم
23/01/2007
المشاركات
1,211
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
الإقامة
كندا
الموقع الالكتروني
www.muslimdiversity.net
لفت انتباهي كلام لسلمان العودة في إحدى محاضراته الأخيرة (http://www.islamtoday.net/salman/artshow-78-109725.htm)، ذكره لعبارة منسوبة لعبد الله بن عباس رضي الله عنه: "القرآن يفسره الزمان"، وقال إن العبارة تداولها المفسرون.
فما مدى صحة هذا النقل؟ وما معناها؟
 
قال الشيخ سلمان ـ في المصدر الذي أعاد إليه الأخ محمد بن جماعة ـ : ( ولذلك فمن الكلمات الجميلة التي ذكرها الْمُفَسِّرُون عن ابن عباس رضي الله عنه، ما ذكره ابن كثير في تفسيره على سبيل المثال، أنه كان يقول : القرآن يفسره الزمان، وهذا معنى قد يكون جديدًا على طلبة العلوم الشرعية، وهل معنى هذا أن هناك معاني في القرآن لا يعرفها السالفون؟ ليس الأمر كذلك، ولكن العلم ليس معلوماتٍ توضع في الذاكرة فقط، وليس معرفة فحسب، فهذه المعرفة لها امتدادات مرتبطة بالواقع والمعايشة ) .
وهذه العبارة بهذا النص ليست من العبارات التي تُعرف عن ابن عباس ، فمن قرأ كلامه لا يجد فيه مثل هذه الصيغ الحديثة ، ولعل الشيخ نقل المعنى بهذا الصياغة ، والأمر يحتاج إلى سؤال الشيخ ليوقفنا على النص في تفسير ابن كثير ، والتفسير مشهور بأيدي الناس .
 
بحثت قليلا في الإنترنت، فوجدت مقالا صحفيا ينسه العبارة لعبد الله بن مسعود. وأغلب المواقع الأخرى تذكر أن مصدر النقل هو كتاب لجعفر السبحاني. والقولة اعتبرها بعض مراجع الشيعة أحد القواعد الأساسية في التفسير.
وفي ما عدا ذلك، لم أجد له أثرا.
 
لعل الشيخ سلمان يقصد الأثر الوارد عن ابن مسعود رضي الله عنه ورواه الطبري في تفسيره، ونقله ابن كثير في تفسيره (3/213) : (وقال عبد الرزاق: أنبأنا مَعْمَر، عن الحسن أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) فقال: إن هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة. ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا -أو قال: فلا يقبل منكم-فحينئذ (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ). ورواه أبو جعفر الرازي، عن الربيع عن أبي العالية، عن ابن مسعود في قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) الآية، قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) الآية. قال: فسمعها ابن مسعود فقال: مَهْ، لم يجئ تأويل هذه بعد إن القرآن أنزل حيث أنزل، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه آي تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار. فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة ولم تلْبَسوا شِيعًا، ولم يَذُق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا. فإذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبسْتُم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه، عند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية. رواه ابن جرير).

وكما قال الشيخ مساعد، لا تعرف الصيغة التي ذكرها الأخ محمد عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولعل أقرب كلام إلى تلك الصيغة ما أثر ابن مسعود رضي الله عنه، ولكن ينبغي التنبه أن ابن مسعود رضي الله عنه لم يقصد بالتأويل هنا التفسير وفهم المعنى، وإنما أراد ما نبَّه عليه شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (17/372): (فابن مسعود رضي الله عنه قد ذكر في هذا الكلام تأويل الأمر وتأويل الخبر، فهذه الآية (عليكم أنفسكم) من باب الأمر، وما ذكر من الحساب والقيامة من باب الخبر، وقد تبين أن تأويل الخبر هو وجود المخبر به وتأويل الأمر هو فعل المأمور به ...).
 
فالقرآن الكريم صدر من لدن حكيم خبير

فالقرآن الكريم صدر من لدن حكيم خبير

الله تعالى نزّل القرآن تبياناً لكلّ شيء وهو كتاب أبديّ خالد ينطوي على أبعاد مختلفة وبطون لا يمكن للبشر أن يكتشف جميعها جملة واحدة ، وإنّما يكتشف في كلّ عصر بعداً من أبعاده ، وحقيقة من حقائقه. وأتاح للمفسرين أيضاً إمكانية استخراج حقائق قرآنية هامة لم تكن معروفة من ذي قبل ، فالقرآن الكريم صدر من لدن حكيم خبير لا يحد ولا يتناهى ، ففي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن ، فانّه شافع مشفّع ، وماحل مصدَّق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدل على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وله ظهر وبطن ، فظاهره حكم ، وباطنه علم ، ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، له نجوم ، وعلى نجومه نجوم ، لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى و منار الحكمة ، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة ، فليجل جال بصره ، وليبلغ الصفة نظره ، ينج من عطب ، ويتخلّص من نشب ، فانّ التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ) ، وجاء في مقالة للامام علي بن أبي طاب (ثمّ أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو توقّده ، وبحراً لا يدرك قعره ، فهو ينابيع العلم وبحوره ، وبحراً لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون ) ومن بلغاء العرب الوليد بن المغيرة الذي أشاد بالقرآن ويصفه بقوله :
(واللّه لقد سمعت من محمد كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وانّ له لحلاوة ، وانّ عليه لطلاوة ، وانّ أعلاه لمثمر ، وانّ أسفله لمغدق ، وانّه ليعلو وما يعلى عليه ) ، فالدين الخاتم يستدعي معجزة خالدة للّه تعالى حيث لم يجعله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، بل هو في كلّ زمان جديد .​
 
عودة
أعلى