القرآن في حكم سورة واحدة ؟؟

إنضم
24/06/2007
المشاركات
90
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
السلام عليكم ورحمة الله
إخواني الكرام مر معي مقولة شهيرة عند المفسرين والمعتنين بعلوم القرآن وهي قولهم ( القرآن في حكم سورة واحدة أو في منزلة سورة واحدة )
هل هذه المقولة مسلم بها ؟ أم أن هناك من يعارضها ؟؟
وكيف نجمع بينها وبين قولهم ( والقرآن يفسر بعضه بعضا ) ؟؟

مع خالص الشكر والتقدير لجميع الأعضاء
 
التعديل الأخير:
وددتُ لو نقلت لنا هذه المقولة الشهيرة - على حد تعبيرك - في سياق كلام واحدٍ ممن ذكرها من العلماء حتى يفهم المقصود بها ، وريثما تنقل لنا المطلوب دعني أذكر لك بعض ما يرد إلى ذهني من احتمالات المقصود بها .
- مقولة : ( القرآنُ في حكم سورةٍ واحدةٍ أو في منزلة سورةٍ واحدةٍ ) مقولةٌ صحيحةٌ إذا أراد قائلها أن القرآن الكريم في كمال اتساقه وانسجامه وبلاغته وترابطه وتناسب أوله وآخره وفقراته وموضوعاته كأنه سورة واحدة .
- ومقولة : ( القرآنُ في حكم سورةٍ واحدةٍ أو في منزلة سورةٍ واحدةٍ ) مقولةٌ صحيحةٌ إذا أراد بها صاحبها الإشارة إلى أن إعجاز القرآن الكريم يكون بأقصر سورة منه، وأنَّ سور القرآن تشترك في إعجازها للبشر ، وسور القرآن في ذلك سواء .
- ومقولة : ( القرآنُ في حكم سورةٍ واحدةٍ أو في منزلة سورةٍ واحدةٍ ) مقولةٌ صحيحةٌ إذا أراد صاحبها أنَّ السورة من القرآن يُقالُ لها : قرآن ، وكل سور القرآن في ذلك سواء .
- ومقولة : ( القرآنُ في حكم سورةٍ واحدةٍ أو في منزلة سورةٍ واحدةٍ ) مقولةٌ صحيحةٌ إذا أراد صاحبها أن السورة من القرآن لها حكم القرآن كله في وجوب الصيانة ، والاحترام ، والإجلال ، ورعاية ما كتبت فيه من ورق ونحوه .

وأما إذا أراد قائل هذه العبارة أن سور القرآن من حيث المعاني سواء فهذا خطأ ، وأظنك أوردت سؤالك لاستشكالك هذا الإيراد على العبارة ، بدليل إيرادك لمقولة أخرى ، وهي (القرآن يفسر بعضه بعضاً) . وليست سور القرآن بمنزلة سورة واحدة في هذا المعنى ، بل هي تتكامل فيما بينها ، ولا تعارض بينها .

هذه بعض الخواطر التي جالت في ذهني بعد قراءتي لسؤالك أخي الحبيب ، وليتك تنقل لنا نصاً أو أكثر وردت فيه هذه العبارة ، فإن السياق سوف يكشف عن مراد المتكلم ولا بد .
وفقك الله ونفع بك .

 
فضيلة الشخ الدكتور حفظك ربي من كل سوء ومكروه ووفقك في الدنيا والآخرة :

هذه المقولة ذكرها القراء في تعليل إسقاط حمزة للتسمية بين السور ، إذ لم يذكر البسملة إلا في الفاتحة فقط ..
قالوا ( لئلا يظن ظان أنها آية من أول كل سورة ، فالقرآن عنده كله كالسورة الواحدة ، فكما لا يفصل بين بعض سوره وبعض بالتسمية كذلك لا يفصل بين سورة وسورة بالتسمية )

وسبب إرادي لهذه المقولة هنا أنني وجدت بعض النحاة قد استعملها ، وعلل بها ، في قوله تعالى ( لا أقسم بيوم القيامة )
حيث ذكر الزجاج أنّه ( لا اختلاف بين الناس أن معناه أقسِم بيوم القيامَةِ.
واختلفوا في تفسير " لاَ " ، فقال بعضهم " لا " لَغوٌ وإن كانت في أول السورة ، لأن القرآن كله كالسورَةِ الوَاحِدَةِ ، لأنه متَصِلٌ بَعْضه بِبَعْضٍ فجعلت " لا " ههنا بمنزلتها في قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ)...)
قال أبو جعفر النّحاس في اعتراض الفراء على القول بزيادة ( لا ) : ( " أما قوله إنّ ( لا ) لا تزاد في أول الكلام فكما قال ، لا اختلاف فيه ، لأنّ ذلك يشكل ولكنّه قد عورض فيما قال ، كما سمعت علي بن سليمان يقول : إنّ هذا القول صحيح ، يعني قول من قال : أن ( لا ) زائدة قال : وليس قوله بأنها في أول الكلام مما يردّ هذا القول ؛ لأن القرآن كلّه بمنزلة سورة واحدة ، وعلى هذا نظمه ورصفه وتأليفه وقد صح عن ابن عباس أن الله جل وعز أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان ثم نزل متفرقا من السماء وإنما يرد هذا الحديث أهل البدع )
وقد رد الاعتماد على هذا القول أعني أن القرآن في حكم سورة واحدة الزمخشري ، إذ يقول : ( واعترضوا عليه ( يقصد الفراء ) بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوّله ، وأجابوا بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض ، والاعتراض صحيح ، لأنها لم تقع مزيدة إلا في وسط الكلام ، ولكن الجواب غير سديد. ألا ترى إلى امرئ القيس كيف زادها في مستهل قصيدته.) في قوله :
لا وأبيك ابنةَ العامرِيْ ... يِ لا يَدَّعِي القومُ أنِّي أفِرّْ أهـ
وقد فهم بعض المحدثين من قول ابن هشام في الجهة السابعة التي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها : ( أن يحمل المعرب كلاما على شيء ، ويشهد استعمالا آخر في نظير ذلك الموضع بخلافه ) فهم منه أنه ( بذلك يجعل القرآن الكريم بمختلف سوره نصا واحدا تتكامل معانيه ودلالاته في تكوين ضابط سياقي عام يوجه إعراب الكلمات في النص القرآني على هدي منه )



فمن خلال ما سبق يفاد من مقولة ( القرآن في حكم سورة واحدة ) القارئ في تعليل عدم بسملة حمزة بين السور ، ويفيد منها المعرب إذا أعرب شيئا من كتاب الله ، ويفيد منها البلاغي الذي يبحث في إعجاز القرآن ....

فعلى هذا ، هل يكون معنى ( القرآن في حكم سورة واحدة ) عند المعربين بمعنى ( أن القرآن يفسر بعضه بعضا ) ؟؟
لعل السؤال اتضح الآن
 
تتمة للأمثلة وفي قوله تعالى : ( لإيلاف قريش )
حيث ذكر بعضهم تعلق الجار ب( فجعلهم ) ، يقول أبو البقاء : ( وَقِيلَ: تَتَعَلَّقُ بِـ «جَعَلَهُمْ» مِنَ السُّورَةِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُمَا كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ.)
ويقول ابن النحاس : ( وفي إجماع المسلمين على الفصل بينهما ما يدل على غير ما قال وأيضا فلو كان كما قال لم يكن آخر السورة تماما وهذا غير موجود في شيء من السور ..)
ويقول السمين : ( قوله تعالى : {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} : في متعلَّقِ هذه اللامِ، أوجهٌ، أحدُها: أنه ما في السورةِ قبلَها مِنْ قولِه {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ} [قريش: 5] . قال الزمخشري: «وهذا بمنزلةِ التَّضْمينِ في الشِّعْرِ» وهو أَنْ يتعلَّقَ معنى البيتِ بالذي قبلَه تَعَلُّقاً لا يَصِحُ إلا‍َّ به، وهما في مصحفِ أُبَي سورةٌ واحدٍ بلا فَصْلٍ. وعن عُمَرَ أنه قرأهما في الثانية من صلاة المغرب وفي الأولى بسورةِ «والتين» انتهى. وإلى هذا ذهبَ أبو الحسنِ الأخفشُ إلاَّ أنَّ الحوفيَّ قال: «ورَدَّ هذا القولَ جماعةٌ: بأنَّه لو كان كذا لكان» لإِيلافِ «بعضَ سورةِ» ألم تَرَ «وفي إجماعِ الجميعِ على الفَصْلِ بينهما ما يدلُّ على عَدَمِ ذلك»
ويقول ابن هشام : ( وقيل : ( تعلق اللام ) بما قبله أي ( فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ) ورجح بأنهما في مصحف أبي سورة واحدة وضعف بأن جعلهم كعصف إنما كان لكفرهم وجرأتهم على البيت )
وصحح هذا القول أبو علي الفارسي فقال : ( يُحمل عندي على معنى ما يؤوُلُ إليه عاقبة الأمر كقوله تعالى : { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } ، ألا ترى أن المعنى في هذه الأخبار عن العاقبة ؟ لأنهم التقطوه ليكون لهم عدّواً وحزناً ، فكذلك جعلوا { كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ } ، لتكون العاقبة في اهلاكهم "

فهل الاستدلال بنظائر اللآيات يدخل في قول ( القرآن في حكم سورة واحدة ) و( القرآن يفسر بعضه بعضا ) ؟
جزاكم الله خيرا
 
اتضحت الفكرة الآن وفقك الله ، وقد استفدت من هذه النقول أحسن الله إليك . وفي نظري أنه لا يوجد تعارض بين المقولتين ، فالقول بأن القرآن في حكم السورة الواحدة لترابطه واتصال بعضه ببعض فهذا صحيح ، ولا يعارض القول بأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً . فمحمل المقولتين مختلف .
 
أشكرك يا دكتور عبد الرحمن على ما أسديته لهذه النافذة وأسأل الله لك الأجر

شيخنا تميما للأمثلة السابقة فقد وجدت مثالين آخرين لهما :
أحدهما قديم ، وهو للإمام الرازي رحمه الله ي، فقد رجح أن يكون الناصب لـ( إذ ) فعلا مقدرا هو الذكر ـ يقول : (
المسألة الأولى :
في إذ قولان :
أحدهما : أنه صلة زائدة إلا أن العرب يعتادون التكلم بها والقرآن نزل بلغة العرب.
الثاني : وهو الحق أنه ليس في القرآن ما لا معنى له وهو نصب بإضمار اذكر ، والمعنى أذكر لهم قال ربك للملائكة فأضمر هذا لأمرين :
أحدهما : أن المعنى معروف.
والثاني : أن الله تعالى قد كشف ذلك في كثير من المواضع كقوله : {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَه بِالاحْقَافِ} (الأحقاف : 21) وقال : {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُادَ} (ص : 17) ، {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا أَصْحَـابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} (يس : 13 ، 14) والقرآن كله كالكلمة الواحدة ولا يبعد أن تكون هذه المواضع المصرحة نزلت قبل هذه السورة فلا جرم ترك ذلك ههنا اكتفاء بذلك المصرح. )

وثانيهما محدث ، وهو للدكتور فاضل السامرائي ، يقول في لمسات بيانية عن سورة الحديد : ( نظرة عامة تبدأ سورة الحديد بقوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) هل لها علاقة بما قبلها؟ هي قبلها سورة الواقعة تنتهي بقوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)) وقال بعدها (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) الحشر) يعني لقد سبّح لله فسبِّح أنت، توافق مع ما في السموات والأرض، هؤلاء كلهم سبحوا الله سبحانه وتعالى فسبِّح أنت باسم ربك العظيم. لا شك أن هذه مناسبة بيانية لطيفة.
علاقتها بما بعدها؟ بعض الذين كتبوا في القرآن قالوا: القرآن في إتصال بعضه ببعض وقالوا كالسورة الواحدة ثم قالوا بل كالآية الواحدة بل قالوا كالكلمة الواحدة في كونه متصلاً بعضه ببعض. وقال الرازي " هو كالكلمة الواحدة في توافقه وإتصال بعضه ببعض". فعلاقة السورة بما بعدها: خاتمة السورة هي (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)) وتأتي بعدها سورة المجادلة (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1))

ومع ذلك فقد رأى ابن عاشور عدم إطلاق هذه المقولة يقول في تفسيره في المقدمة الثانية :(
ذكر ابن هشام ، في مغنى اللبيب ، في حرف لا ، عن أبي علي الفارسي ، أن القرآن كله كالسورة الواحدة ، ولهذا يذكر الشيء في سورة وجوابه في سورة أخرى ، نحو ) وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ( وجوابه ) ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( اهـ .

وهذا كلام لا يحسن إطلاقه ، لأن القرآن قد يحمل بعض آياته على بعض وقد يستقل بعضها عن بعض ، إذ ليس يتعين أن يكون المعنى المقصود في بعض الآيات مقصودا في جميع نظائرها ، بله ما يقارب غرضها .)
 
التعديل الأخير:
الذي يظهر لي أن المقولة لا بأس بها على الوجه الذي ذكره العلماء وهو الإشارة إلى شدة تناسق سور القرآن مع بعضها وكمال اتصالها ، وهي في هذه الحدود مقبولة .
وأما قول ابن عاشور رحمه الله الذي نقلتموه :(وهذا كلام لا يحسن إطلاقه ، لأن القرآن قد يحمل بعض آياته على بعض وقد يستقل بعضها عن بعض ، إذ ليس يتعين أن يكون المعنى المقصود في بعض الآيات مقصودا في جميع نظائرها ، بله ما يقارب غرضها).فلا يلزم من القول بأن القرآن في كمال اتصاله وانسجام سوره مع بعضها كالسورة الواحدة ألا يكون بعضه مفسراً لبعض، وألا يحمل المطلق منه على المقيد ونحو ذلك . فهما أمران منفصلان والله أعلم .
 
عودة
أعلى