القرآن بين أركون والجابري وأبو زيد

أحمد بوعود

New member
إنضم
03/08/2007
المشاركات
78
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
تطوان المغرب
أحبابي الكرام
هذا جزء من حوار أجرته معي صحيفة الوقت (البحرين) كتعلق بالقراءة الحداثية للقرآن الكريم، أضعه بين أيديكم للاطلاع والتقويم والمراجعة. حفظكم الله ورعاكم ووفقكم وسدد حطاكم. أما باقي محاور الحوار فكانت حول التجديد الديني وفقه الواقع والحركة الإسلامية بالمغرب
الوقت-نادر المتروك:
يقرّ الدكتور أحمد بوعود أن هناك فراغاً كبيراً في البحوث التجديدية الخاصة بقراءة القرآن الكريم وتفسيره داخل الإسلاميين، ويرى أن هذا الفراغ أدّى إلى نمو القراءات المعاصرة للقرآن الكريم والتي عمدت إلى استثمار العلوم الجديدة في قراءة النص وتحليل الخطاب، وفي حين نشأت ردود فعل قاسية تجاه هذا النمط من القراءات؛ فإنّ بوعود يتبنى موقفاً علمياً ولا يؤيد التوجّه إلى تضليل وتكفير أصحاب هذه القراءات، ويعمل بدلا من ذلك على تناولها بالنقد والتحليل والوقوف على سلبياتها عبر طرائق البحث العلمي، وهو ماض في هذا الاتجاه وأنجز كتاباً بهذا الشأن سيصدر قريبا.

* يمثل النصّ القرآني محوريّة الإيمان الدّيني في الإسلام، وهو المرجعيّة الأساسية التي تستمدّ منها القيم والأحكام والتشريعات، ولكنه خضع لجملة من العمليات التأويلية التي جعلته يتحرّك في إطار تداولي مفعم بالتشابهات، وتأتي القراءات المعاصرة في مقدمة الفعّاليات التأويلية إثارةً للإشكال. ما تعليقكم النقدي العام على القراءات المعاصرة؟ وما هي أصول المقاربة القرآنيّة ''المعاصرة'' في رأيكم؟
- إن كثيرا من علومنا في حاجة إلى مراجعة وتجديد، وفي مقدمتها علوم القرآن التي يخشى كثير من الناس الاقتراب منها خوفا من الزلل والانزلاق إلى الكفر والضلال. وكثير ممن تصدّوا إلى قراءة القرآن الكريم قراءة معاصرة أو قراءة حداثية باستخدام العلوم الإنسانية والألسنية إنما فعلوا ذلك بسبب الفراغ المهول الحاصل في هذا المجال. لكن عوض الاكتفاء برمي أصحابها بالضلال والكفر، فإن الحاجة ماسة إلى النظر فيها لتمييز صوابها من خطئها، وبيان الرأي الذي يتفق مع الشرع والعقل والواقع واللغة. والمتأمل في أطروحات الحداثيين بشأن النص القرآني يجدها ذات مرتكزات ثلاثة:
• مرتكز من كتب علوم القرآن (البرهان، الإتقان... )، وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من المباحث في علوم القرآن تحتاج إلى مراجعة وتمحيص لاحتوائها على نصوص وروايات تخالف كمال النص القرآني وقدسيته.
• ومرتكز من الفكر الاستشراقي (ومن رموزه ''نولدكه''، صاحب الكتاب الضخم تاريخ القرآن، وبلاشير، صاحب ترجمة القرآن المشهورة وكتاب القرآن تاريخ تنزيله..). وهذا الفكر يعتمد المنهج الإسقاطي؛ حيث يسقط الصراع الذي دار عن الكتاب المقدس عندهم على النص القرآني. بل إنهم لا يؤمنون أن القرآن الكريم من عند الله، وإنما يعتبرونه من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم وما شابه ذلك.
• وهناك مرتكز من الفكر الحداثي (فلسفة الأنوار، البنيوية، التفكيكية...)، وهذا الفكر ولد من رحم العداوة للكنيسة والدين، فيرفض الخضوع لأي سلطة فوقية سوى سلطة العقل، بل يدعو إلى القطيعة مع كل ما هو غيبي ميتافيزيقي.
* وماذا تقولون في الإنجاز القرآني أولاً للمفكرر محمد أركون؟
- بالنسبة لمحمد أركون، فإنه يرى أن هناك ثلاث منهجيات في بحث الظاهرة القرآنية، وهي: المنهجية التيولوجية، والمنهجية التاريخية الأنتربولوجية، والمنهجية الألسنية السيميائية النقدية التفكيكية التي يتبناها. والمنطلق الرئيس للسيميائيات كان هو الحكايات الشعبية، وهي كما يقول روادها مطاردة للمعنى لا ترحم، بقدر ما يتمنع ويتدلل ويزداد غنجه، بقدر ما يكبر حجم التأويل ويزداد كثافة وتماسكا ويؤدي إلى ''انزلاقات دلالية لا حصر لها ولا عد'' حسب تعبير أمبيرتو إيكو. ويهدف الدرس السيميائي إلى تخليص حقول المعرفة الإنسانية من القيود الميتافيزيقية التي تكبلها. أما التفكيك فهو من المصطلحات المتداولة في الدراسات النقدية المعاصرة، ويرتبط بهـايدغر(Heidegger) (1976)، قبل أن ينتشر في الفكر الفرنسي المعاصر على يد اليــهودي جـــاك دريـدا (Jacques Dérida)(2004) ابتداء من سنة .1967 ويقصد به القطيعة مع الميتافيزيقا والخروج من سلطتها، بل كل فكر غيبي ميتافيزيقي ماورائي ينبغي تقويضه لإعادة البناء. وأشير إلى أن هناك دراسة بعنوان ''الظاهرة القرآنية عند محمد أركون'' ستصدر لي قريبا بالمغرب إن شاء الله.
* كذلك ينصبّ اهتمام المفكر محمد عابد الجابري على مشروعه في نقد العقل العربي، على دراسة القرآن.. وفي الموضوع نفسه عُرف نصر حامد أبو زيد بهذا الاختصاص. فما هي نظرتكم لعملهما في هذا المجال؟
- محمد عابد الجابري يمكن وصف منهجه بالفيلولوجي، لأن حسب آخر ما صدر له ''التعريف بالقرآن الكريم'' اكتفى بإيراد الروايات والنصوص وقابل بعضها ببعض في حدود من الأدب مع كتاب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وعليه، أرى أن الكتاب يمكن أن يكون مفيدا لمن يريد التدقيق في نصوص علوم القرآن حيث يقدم مادة ضخمة للمهتمين، وإن كنت لا أتفق مع الجابري فيما توصل إليه من نتائج.
وبخصوص نصر حامد أبو زيد، فإنه يعمل على واجهتين:
الأولى: دراسة علوم القرآن، من أجل تأكيد تأثر النص القرآني بواقع نزوله، وذلك من خلال دراسة مباحث المكي والمدني وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك.
والثانية: تأويل آيات من النص القرآني من خلال تطبيق درسي السيميوطيقا والهيرمينوطيقا. وتعتبر هيرمينوطيقا هانس جورج غادمير (2002) مستندة في التأويل. هذه الهيرمينوطيقا التي تنتمي إلى المنهج الفينومينولوجي تذهب إلى أن التوتر القائم بين الحاضر والماضي عمل محوري في الفهم والتأويل. وملخص هذه الهيرمينوطيقا، التي تسمى أيضا بهيرمينوطيقا الوقائع، أن التأويل أو الفهم هو التحام أفق القارئ مع أفق النص، وكل فهم هو فهم تاريخي يتغير بتغير أفق القارئ وخبرته وواقعه.
إن عمل نصر حامد أبو زيد غايته إثبات تأثر القرآن بواقع نزوله ومن ثم تأكيد تاريخيته.
* وما هو المنهج الذي ترونه في إطار التعاطي مع مجمل القراءات المعاصرة أو الحداثية للقرآن؟
- في الخلاصة يمكن القول في ذلك، إن هناك حاجة ماسة إلى
• عدم سلوك منهج التكفير تجاه أصحاب هذه القراءات، فالنوايا يعلمها الله، وإنما يجب مواجهة الفكرة بالفكرة.
• ولابد من مراجعة نقدية لتراث علوم القرآن وتنقيته مما لا يتفق وقدسية النص القرآني.
• وسبر أغوار النظريات المعاصرة في الفهم والتفسير،
• وبحث اللسانيات والعلوم الاجتماعية الحديثة،
• ومراجعة القواعد التفسيرية في تراث علم التفسير.
وكل هذا من أجل الوصول إلى فهم معاصر للنص القرآني ينضبط بضوابط الشرع واللغة والعقل والواقع.
للاطلاع على باقي مضامين الحوار : www.alwaqt.com
 
وفقكم الله وأيدكم ...
هناك نقد لأركون ما رأيكم فيه وهو أن أسماء المنهجيات المتعددة التي ترد في كتاباته كل واحد منها يحتاج إلى متخصص يقضي فيها شطراً من عمره حتى يتمكن من استخدامها وتوظيفها ولكنها ترد عند محمد أركون بالجملة وبشكل متلاحق وكأن الرجل تخصص بكل هذه المنهجيات ؟!
أمر آخر سيدي الفاضل : وهو كأن المنهجيات في الغالب ليست هي التي توجه الباحث وإنما الباحث هو الذي يوجه منهجياته ، فالتكوين الفكري والفلسفي للباحث هو الذي يسير منهجياته غالباً ولذلك نجد أن الخلفية الإيمانية تُسيِّر الباحث باتجاه أسلمة منهجياته وضبطها بينما الخلفية التشكيكية تُسيِّر منهجيات الباحث نحو الهدم والتهشيم دائماً ...

كأن المسألة في النهاية ليست مسألة منهجيات ولا " حاجة " وإنما : موقف .
والله أعلم .
 
إعادة النظر في نقد أركون و نصر أبو زيد

إعادة النظر في نقد أركون و نصر أبو زيد

شكرا للأخ أحمد بوعود ود.الطعان...
هنا نقاط أدلي بها أظن أنها عقبات تواجه من أراد ولوج هذه المضايق الفكرية:
أولـها:تمثل التراث بكل حيثياته و هذا التمثل يحتاج لتفصيل آخر.
ثانيها:اللغة التي نشأت فيها المنهجيات المشار إليها إحدى العقبات التي تواجه ناقدي الفكر المعاصر.
فإتقان اللغة المنشيئة لهذه المنهجيات يشكل سندا فكريا مهما لمن أراد الإشتغال على مثل هذه المنهجيات فإدراكها في سياقها اللغوي و الثقافي يتيح للباحث مقدرة نقدية عالية و تصورا سليما لهذه المفاهيم ومدى صلاحيتها للتعاطي مع النص القرآني.
ثالثها:حتى ما تم ترجمته من مدونات هذه المنهجيات لم يدرس حق الدراسة و لم يقيم تقيما دقيقا و مدى صلاحية نقلها من سياقها الثقافي إلى سياق ثقافي آخر.
رابعها:الضعف المستشري في كل الكتابات الناقدة لهؤلاء الكتاب فهؤلاء أنفقوا عمرا طويلا في التعامل مع المنهجيات و الآليات الغربية بنفس لغاتها و بعد ذلك ينفقون عمرا جديدا مع التراث للتوظبف و التطبيق لهذه المنهجيات ومن ذلك إخضاع النص القرآني لهذه المنهجيات.
خامسها:عدم وجود استراتجية و خطة متقنة لمواجهة مثل هذه الدراسات.
و بعد:
فكل ما يدور في هذا الملتقى المبارك من نقد لهذه الاطروحات يمثل ردة فعل تنسى بعد لحظة صدورها و تبقى هذه المشارع الكبرى منهلا لكل المعجبين و الناقمين على حد سواء مما يبرهن على صحة وجود هذه العقابات و غيرها عقبات أخر.
و هنا أتسأل:
لماذا هذا الضعف في التأصيل؟
لماذا هذا الضعف في التصور لما يقوله الآخر؟
لماذا فعلنا ردة فعل وليست فعلا يؤسس و يؤصل ثم يرد و يناقش؟
ما يكتيبه أركون و نصر حامد و طيب تزيني و الشرفي يقلقني كثيرا من كثرة المتهافتين علي مشاريعهم.
لماذا أصبحت الكتابات الإسلامية في الردود على هؤلاء مروجة لهم أكثر من نقد ينسنا ذكرهم؟
نحتاج إعادة نظر جادة في كيفية التعامل مع هؤلاء...
 
المطلوب التركيز في تعليم الأجيال المسلمة على المنهجيّة السوية في التفكير. وعندما ينشأة المسلم على المنهجية السوية يكون قد اكتسب حصانة ضد الجراثيم الفكرية القادمة من الحضارات الملوثة. والوقاية كما هو معلوم خير من العلاج.

في سبيل منهجية سويّة لا بد من التدرب على نقد معطيات المنهجيات المعاصرة، والنقد يعنى الأخذ والرد.
هناك من يختبئ وراء العبارات والألفاظ والمصطلحات الغريبة ليخفي هشاشة بنائه الفكري، مستندين في ترويج فكرهم إلى عقدة النقص التي أصيب بها عدد من المثقفين في العالم الإسلامي تجاه الفكرة الغربية. إلا أن التطورات المعاصرة تبشر بمستقبل واعد للفكرة الإسلامية وإن كنا نطمع بما هو أفضل وبما يليق بالمسلم المعاصر.
أثبت تاريخ الصراع الفكري بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية أن الحصاد يكون لصالح الفكرة الإسلامية. ولا شك أن العودة إلى الذات الحضارية يأتي أسرع مما نتوقع مع اقرارنا بوقوع ضحايا يمكن الاستفادة منهم في تثوير الفكر استناداً إلى حصانة منهجية بالإضافة إلى الحصانة الإيمانية.
 
عودة
أعلى