القرآن الكريم وسقوط نظرية دارون

إنضم
27 فبراير 2009
المشاركات
35
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
في فتح علمي جديد وومضة إعجازية من ومضات القرآن المُتجددة والمُستمرة، وهي مناسبة للرد على من يكرر إسطوانة قديمة تقول بضرورة أن يكف المسلمون عن ترديد أن "هذا موجود عندنا في القرآن" أو أن "القرآن الكريم قد تحدث عن هذا الموضوع قبل ألف وأربعمة عام" وهكذا. والحقيقة أن تَجَدُد إعجاز القرآن الكريم يكمن غالباً في السبق القرآني في وصف الاكتشافات العلمية المتنوعة، والتي تؤيد ماجاء به كلام رب السماوات والأرض في زمن لم يكن يخطر على ذهن الإنسان شيء مما يتم إكتشافه الآن، وهذا لايعني طبعاً الركون إلى منهج إنتظار مايكتشفه الآخرون لنعلن أنه مذكور عندنا في القرآن الكريم بل يجب على الأمة إعتماد منهج علمي للبحث والدراسة يختص ببحث الحقائق القرآنية ومن أوجه مختلفة وزوايا متعددة للحقيقة القرآنية الواحدة.
وفي هذا الفتح الذي نتحدث عنه اليوم والذي له من الأبعاد ما يتجاوز مسألة الاكتشافات العلمية إلى حدود إعلامية بل وسياسية تتعلق بارضاء فئة من البشر من خلال الترويج لأكذوبة تتحدث عن أن أصل النشوء الإنساني، حيث يتحدث دارون ومن يؤيده عن أن أصل الإنسان "قرد" ولقد طبَّل وزمّرَ لهذه النظرية من راقت لهم وأطربتهم من الناس، حيث وجودوا فيها دفعاً كاذباً لحقية مسخ بعض أسلافهم إلى قردة وخنازير لفرط ما أرتكبوا من موبقات وفواحش مع اصرارهم عليها، وقد وصف لنا القرآن الكريم هذه الحقائق في غير آية من آياتهِ حيثُ قال تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} وهذا دليل واضح على أن الله تعالى قد مسخ بعض الناس إلى قردة وخنازير سواء على الحقيقة أو أنه جعل طباعهم طباع قردة وخنازيرعلى اختلافٍ بين أهل التفسير . وقال تعالى {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} وقال تعالى {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} أي تكبروا وابوا أن يتركوا مانهوا عنه {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} أي صاغرين أذلاء، بُعداء عن الناس. وهي طباع متأصلة في اليهود ومن يدين بأفكارهم، فهم يشعرون بالنقص والصَغار ويبدو ذلك في عدوانيتهم التي طالما حاولو أن يجعلوها تغطية موهومة من قِبَبِلِهم على ذلك النقص. وهذا مايعزز ربما
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
البقرة65
ينظر تفسير القرآن العظيم لأبن كثير أبي الفداء إسماعيل إبن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، تـ 774هـ دار طيبة للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية، ط2 / 1420هـ - 1999م ج1 ص291
المائدة60
الأعراف166
تفسير القاسمي، محمد جمال الدين1283-1332هـ ، تفسير القاسمي، المُسمى، محاسن التأويل، وقف على طبعه وتصحيحه ورقمه وخرّج آياته وأحاديثه، وعلق عليه، محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، ط1/ 1376هـ - 1957م ج7 ص2889

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رأي من قال مِن أهل التفسير بأن المسخ هو معنوي وقع في طباع هؤلاء. واليوم وبعد مرور أكثر من قرن على نظرية تشارلز داروين والتي حاولت أن ترسم خارطة النشوء الإنساني وتؤكد بأن أصل الإنسان هو "قرد" تطور حتى أصبح على هذه الشاكلة التي عليها الإنسان اليوم، ورغم تغاضي هذه النظرية عن الكثير من الحقائق والتساؤلات التي تنسفها من جذورها حتى قبل هذا الإكتشاف الأخير، ومنها .. لماذا إذاً لم تتطور بقية فصائل القردة وإقتصر التطور على "أسلاف" الإنسان؟ ولماذا لايعتبر القرد إنسان متأخر ونُصِرُ على افتراض أنه حيوان متطور؟ وفي علم الأجنة كما هو معلوم الكثير من التساؤلات الأخرى والتي تدور حول هذا الموضوع.
ولقد دخل الغرب بعد خمسة عشر سنة من الأبحاث العلمية، من الشُباك بعد أن أبقى القرآن الكريم له ولغيره الباب مفتوحاً لينظر ويتفكر ويكتشف حقائق علمية في وقت قياسي هو لاشك اقصر بكثير من ذلك الذي يقضيه في معاندتهِ، ومجانبتهِ للحق الصريح، وعلى أية حال فالحمد لله انه دخل أخيراً وذلك بأقراره بحقيقة علمية يؤمن بها المسلمون جميعاً كان قد نصّ عليه القرآن الكريم بنصوص واضحة صريحة نؤمن بها إيماناً لم يجعلها عندنا في يوم من الأيام موضع شَك شانها شأن جميع الحقائق القرآنية الأخرى، وذلك في طائفة من آيات القرآن الكريم منها قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } فهل يُعقل أن يكون هذا الخليفة الذي كرمهُ المولى تعالى كل هذا التكريم وفضله على جميع خلقه تفضيلاً بصيغة مبالغة في اضهار هذا التفضيل والتكريم، أوحتى اسلافه من القردة؟ وماهو وجه التفضيل والتكريم إذا كان أصله كبقية الحيوانات والبهائم الأخرى، ثم يخبرنا تعالى وهو خالق الإنسان {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} وهذا تصريح بأن أصل خلقة الإنسان هي إنسانية لاحيوانية من الأساس ثم ولتحديد أصل سلالته ولقطع الطريق على من تساوره الضنون إزاء طروحات دارون ومن سبقه ممن ماثله وشابهه في الطرح. يقول تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} سلالة من طين .. يعني آدم عليه السلام.. ثم جعلناه أي جعلنا نسله وذريته نطفة في قرار مكين إلى قوله، تبعثون .. فالأنسان إذا تفكر بهذا التنبيه بما جعل له من العقل في نفسه رآها مَدبَرة وعلى أحوال شتى مَصرَفة كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحما وعظما فيعلم أنه لم ينقل نفسه من حال النقص إلى حال الكمال . وقد بين تعالى صفة التفوق والإبداع في جميع خلقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشارلز داروين 1809 – 1882م من اشهر كتبه (أصل الأنواع) وفيه صرّح بنظريته في النشوء والإرتقاء، والتي حاول أن يثبت من خلالها أن أصل الإنسان هو من سلالة من القردة.
البقرة30
الحجر26
المؤمنون12
تفسير القرطبي، أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري ت671هـ ، الجامع لاحكام القرآن، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، ط3، 1387هـ - 1967م، ج: 2 ص: 202

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم ميز بعد ذلك الإنسان، لالشيء سوى أنه يعتبر قمة هذا التفوق الذي أنشأه الله تعالى لحكمةٍ أرادها .. فقال تعالى {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} وهو بذلك يبين لنا أن أصل سلالة الإنسان هي ذاتها التي إبتدأ بها الله تعالى خلق هذا الكائن وأنه صمم شكله وهيئته هذه على هذا النسق أصلاً وتأكيد ذلك أيظاً في قوله تعالى {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} ومايؤكد حقيقة تركيبة الإنسان الجينية، وأنها هي ذاتها منذ أن خلق الله آدم وحتى يرث الأرض ومن عليها هو قوله تعالى {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} ويقال مشجت هذا بهذا أي خلطته فهو ممشوج ومشيج مثل مخلوط وخليط أي أن تركيبته التي خلقه الله تعالى عليها هي تركيبة إنسانية صرفة. فجعلناه سميعا بصيرا .. ليتمكن من استماع الآيات التنزيلية ومشاهدة الآيات التكوينية" .
نعم لقد أثبت قبل أيام ومن خلال دراسات استمرت لقرابة الخمسة عشر سنة، علماء من جامعات أمريكية بحسب الخبر الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية في الثالث عشر من شوال الموافق للثاني من نوفمبر من العام الجاري، والذي إنتشر في مختلف وسائل الإعلام انتشار النار في الهشيم، لعظيم وقعه على مختلف فئآت الناس، أثبتوا بطلان نظرية دارون المتعلقة بأصل الإنسان وذكر تقريرهم بصراحة تامة أن (لوسي) الشمبانزي لاعلاقة له بالإنسان وأن (اردي) الذي عثروا عليه في صحراء أثيوبياًعام 1994 والذي يعد اقدم من (لوسي) بمليون سنة على حد زعمهم هو إنسان طبيعي كان يمشي منتصب القامة تماماً كماهي هيئة الإنسان اليوم. وبهذا سقطت واحدة من أهم النظريات التي تم فرضها على عقول الأجيال الناشئة في عالمينا العربي والإسلامي منذ عقود طويلة من الزمن وكأنها قوانين لاتقبل النقاش شأنها شأن الكثير من النظريات الأخرى والتي لاتزيد عنها بشيء في ميزان العلم والمعرفة. وما نستفيده من هذا الدرس البليغ الذي لقنه القرآن الكريم للإنسانية أجمع هو متى تصحو المستويات الرسمية في أمتنا لتعيد النظر في مناهج التعليم التي بُني أغلبها على هذه النظريات التي صارت تتهافت يوماً بعد يوم والتي جاء القرآن الكريم بأدلة قاطعة على بطلانها ؟
والعبرة الثانية تتمثل في مسألةٍ قلما يلتفت إليها الباحثون وهي أن هنالك فرق هائل بين الإدعاء المبني على نظريات يُغلق فيها باب البحث بعد وصول الباحثين إلى تصور يفيد بعدم وجود مايعارض نظريتهم ليتلقفها الناس بتقادم الزمن وكأنها أنها حقائق علمية ثابته، و بين الدعوة إلى البحث العلمي الدقيق والمحايد للتوصل إلى حقائق موثوقة دلّنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السجدة7
الرحمن14
الإنسان2
تفسير القرطبي ج: 19 ص: 120
تفسير أبي السعود، محمد بن العمادي، المتوفى سنة951هـ ، ارشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1414هـ - 1994م تفسير أبي السعود ج: 9 ص: 70

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أسسها واصولها أو على طرق البحث والإستدلال للتوصل إليها على الأقل، القرآن العظيم، والذي لم يجعل مثلاً البحث في أصل النشوء الإنساني مُحرم بل دعى إليه رغم أنه عرض هذه الحقائق وكما تقم بصورة متدرجة ومُحكمة رعايةً لقدرة الإنسان على تلقي واحدة من أعظم وأخطر حقائق الوجود الإنساني ودليل ذلك أنه تعالى وبعد كل هذا التفصيل في حقيقة الإنسان وطريقة خلقهِ وطبيعة خلقتهِ .. قال {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} "للتنبيه على أن ما بيَّن من أن كل نفس عليها حافظ يحصى عليها كل ما يصدر عنها من قول وفعل مستوجب على الانسان أن يتفكر في مبدأ فطرته حق التفكر حتى يتضح له أن من قَدِر على انشائه من مواد لم تشم رائحة الحياة قط، فهو قادر على اعادته بل أقدر على قياس العقل" . والعبرة الكامنة بعموم اللفظ تفيد بوجوب البحث والدراسة في حقيقة الإنسان ولمختلف متعلقاتها من أصل النشوء إلى تركيبة الإنسان الكيميائة أو الفيزيائية.. ذلك أن بحث الإنسان بِنيَّة معرفة حقيقة تكوينهِ ووجودهِ بطرق تعتمد العلوم التطبيقية المعاصرة، ومن ثم معرفة موجده هو مايرفع قيمة العلم والمعرفة التي يسعى الإنسان العاقل إلى إمتلاكهما، لا ذلك البحث الذي يُزين للبشرية الضلالات المتمثلة بايحاءآت تفيد بأن "الطبيعة" بزعمهم، لم تتمكن من خلق الإنسان على الهيئة التي هو عليها اليوم إلا بالتدرج ولم تكن نظرية دارون هذه سوى مُكملة فكرية أو هي مُحاكاة تمهيدية لنظرية التطور الطبيعي للحياة وأن الطبيعة تخلق وتطور نفسها وما إلى ذلك من نظريات قديمة أو معاصرة تصب في هذا الإتجاه.
وما نأمله حقيقة هو أن تشكل هذه الحادثة منعطفاً تاريخياً في مجال البحث العلمي الذي يلتزم الحياد والموضوعية ويسعى وراء الحقيقة بالدليل العلمي والمنطقي الواضح، ولايتخذ من الأهواء والضنون مسرباً للتعامي عن الحقيقة التي تمثلت في شواهد حضارة القرآن، أو تسويغاً لنزعات عنصرية أو أفكار إلحادية لاتلبث أن تتهاوى دعائمها الواهية من جانب حتى ينفر شياطين الإنس قبل شياطين الجن لإسنادها من جانب آخر، وهو بالتالي واجب من واجبات الوقت، والتي تقع على عاتق دعاة الأمة وعلمائها ومفكريها ليتخذوا من مثل هذه الحوادث منطلقات للثورة على الفكر والإعلام الذي يروج لهذه الطروحات، وليعرضوا منهج القرآن الكريم في أصول البحث و الإستدلال على مرأى ومسمع العالم أجمع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطارق5
تفسير أبي السعود ج: 9 ص: 141
 
الأخ الكريم أشرف،

اسمح لي هنا أن أنبه إلى أمور أستحسن أخذها بعين الاعتبار عند البحث في نظرية التطور:

1. ما تم اكتشافه مؤخراً يثبت أن لا علاقة بين الإنسان والقرد، ولكن لا ينفي نظرية التطور في الكائنات الحية. وعلى أية حال فالخارطة الجينية التي يجهلها دارون تبين أن التشابه الظاهري لا يعني شيئاً، لأن العبرة بالخارطة الجينية. وخارطة القرد الجينية بعيدة عن خارطة الإنسان، وهذا العلم كان مجهولاً أيام دارون.
2. لا علاقة للتطور بالإلحاد والمادية، لأنّ كل المخلوقات بديعة الخلق في كل مراحلها، ومن هنا يستحيل أن تنتجها الصدفة العمياء، بل لا بد من قدرة مريدة وراء التطور إن وجد. ولكن منهجية الملحدين المتغافلة جعلتهم يزعمون الصدفة العمياء.
3. وعليه فمسألة تطور الكائنات الحية تترك للعلم يقرر نظرياتها وحقائقها، أما النص الديني الإسلامي فيؤكد خلق الإنسان خلقاً خاصاً ولم يتطرق لكيفية خلق الكائنات الحية.
4. خلق الإنسان من تراب يقصد به: أولاً: الجسم البشري يتشكل من التراب وهذا واقع. ثانياً: بداية خلق الإنسان الإنسان كانت من تراب، أما ما بين التراب والإنسان فغير مفصل الكلام فيه.
 
موضوع مناسب لهذا الملتقى، وينبغي أن يكون من موضوعات ((علم الإنتصار)) لسببين:
1- الإدعاء أن نص القرآن متناقض مع العلم.
2- التأويل الذي يفضي إلى التوفيق بين نص القرآن والعلم النظري.
مع ما بين المسألتين من علاقة إذ أن هذا الدافع يحيل إلى ذاك.

إن سمح السياق لذكر المقولة الشهيرة "التاريخ يعيد نفسه" فسوف نرى أن هذه الجدلية - إن صحّ التعبير - مرت بثلاثة مراحل؛ المرحلة الأولى بدأت مع تنزّل القرآن حيث كان الصراع بين "عقلية الخطاب القرآني" الذي يوجه العقل إلى النظر والتفكر والإعتبار والإتعاظ وإلى السمو العقلي، وبين "العقلانية الشركية" التي تستنكر جعل الآلهة إلها واحدا وتطالب بإحضار العلوي في السفلي، وهي "عقلانية" إعتمدت التجربة القريبة الزّمنية التي مفادها إذا لم يسبق أن رجع أحد من الموت إلى الحياة فإن إنكار البعث أمر مُبرّر. ثم جاءت المرحلة الثانية عندما تم ترجمة الفلسفة اليونانية إلى العربية فكان التعارض بين النص الشرعي والمقولات الفلسفية أي بين عقلية النقل الشرعي وعقلانية المنقول الأجنبي حيث أدى التباين إلى مواقف متباينة نتيجة حتمية لطبيعة الترجمة التي حدثت بطرق جعلت تلك الفلسفة في دائرة منغلقة لا تساعد من يتصل بها إلا في إنتاج القراءات فانفصل النص الفلسفي - خاصة الفلسفة العلوية أو الفلسفة الأولى أو الإلهيات - عن لغته الأصلية التي لا يمكن الفصل فيها بين إتصالها بالواقع اليوناني بثقافته وأساطيره ومعتقداته وآدابه وبين جوانبها التواصلية التي تجعلها قادرة على التناقل بين الحضارات والثقافات، فلم يكن عندئذ من سبيل إلا أن تنحصر الممارسة الفلسفية في علاقة الدين بالفلسفة! فظهر من يصل الدين بالفلسفة أي من يمزج بينهما (أبو نصر محمد الفارابي وأبي علي بن سينا)، من يفصل الدين عن الفلسفة (أبو الوليد ابن رشد) إلى جانب من يفصل ويصل بين الدين والفلسفة (أبو سليمان السجستاني). ثم جاءت المرحلة الثالثة مرحلة العلم الحديث حيث ظهر التباين بين العقلية الدينية والعقلانية الوضعية وأدى التعارض مرة أخرى إلى مواقف متباينة فظهر في الفضاء الثقافي الإسلامي من يصل العلم بالدين (مصطفى صبري والأفغاني)، من يفصل العلم عن الدين (صادق جلال العظم والتيار العلماني عموما)، من يصل ويفصل بين العلم والدين (على عزت بيجوفيتش)، ثم من لا يصل ولا يفصل بل يوسّع (طه عبدالرحمن).

في هذا المقام، مقام علاقة العقل بالعقلانية، وإن نحن أردنا في حاضرنا "الجمع" بين الأصالة والمعاصرة في تعاملنا مع التراث فعلينا أن نتمسّك بالمنهج العلمي (التجزيئي التفصيلي) ونترك المنهجية الفلسفية (التعميم والتجريد) جانبا. المنهجية العلمية هي منهجية أبو سليمان السجستاني، وهي نفسها نظرة حجة الإسلام الغزّالي إلى الفلسفة، وهي كذلك نظرة شيخ الإسلام إبن تيمية. بالنسبة للغزالي، هو كتب "تهافت الفلاسفة" ولم يكتب "تهافت الفلسفة" وهذا في حد ذاته دليل على أنه ميّز بين الفلسفة ومقولاتها أي ميّز بين المنهج والمادة المعرفية أو بين "محبة الحكمة" و "السفسطة" (إدعاء الحكمة) أو بين "إعمال العقل والتفكير" و "النزعة العقلانية". أما إبن تيمية فهو أيضا فصل ووصل بين الفلسفة والشرع على الأقل على المستوى المعرفي عندما يكتب مثلا يقول ما معناه أئمة المسلمين وأئمة الفلاسفة يجوزونه، أو عندما يخاطب المتكلمة يقول لهم إتفقتم مع الفلاسفة فيما يجب الإختلاف معهم وإختلفتم معهم فيما يجب الإتفاق إلى غير ذلك من المقولات التي تدل على أنه كان يفصّل ويميّز. بالنسبة لعامة الفقهاء الذين رفضوا الفلسفة فإنما رفضوها لأنهم نظروا إليها نظرة كلية (وهي نظرة فلسفية) لا نظرة تجزيئية تفصيلية (علمية) فتفلسفوا من حيث لم يدركوا، وهي نظرة إبن رشد.

على ضوء ذلك نستطيع رد (الإدعاء أن نص القرآن متناقض مع العلم) لأن أساس هذا الإدعاء هو عدم الفصل بين المنهج العلمي والمعطيات العلمية حيث يتبعه عدم الفصل بين المنهج التجريبي، المنهج النظري والمنهج النظري التجريبي. ثم عدم التّمييز في المعطيات العلمية بين الملاحظات، النظريات والفرضيات ويتبعه عدم التّمييز في المكونات (النظرية مثلا) بين البيانات، التأطير الإجرائي و التنظير المنهجي. عليه نستخلص بطلان الموقفين: الموقف الذي يقول بالتعارض لتقديم النص الشرعي على النظر العلمي، ثم بطلان موقف المؤولة الذي يفضي إلى التوفيق بين نص القرآن والنظر العلمي.

الموقف الأول أي القول بالتعارض لتقديم النص القرآني على النظر العلمي هو موقف الأخ أشرف الملاحمي؛ ولي عودة إلى مشاركته ففيها أغلاط يظهر أنه لم يقرأ عن نظرية التطور من مصادرها، إلى جانب خطأه في تأويل ((الكرامة الآدمية)). أما قراءة الأخ أبو عمرو البيراوي السريعة فهي القراءة التي يمكن لنا وصلها بالتاريخ والتراث؛ إن شئت قل: هي القراءة التي تستمد مشروعيتها من التراث، فهي القراءة التي تجمع بين الأصالة و المعاصرة، لكنها قراءة سريعة كما قلت وتفتقر إلى بيان أوسع.
 
نظرية التطور

نظرية التطور

التطور ظاهرة، نظرية وإستنتاج برهاني.

أما كونها ظاهرة أو حقيقة طبيعية فهذا ما يلاحظ بالعين المجرّدة، في نمو أو في أطوار الكائنات وفي المزرعة وفي تفاعل الجراثيم مع المضاد الحيوي وغيرها من الظواهر، كما هو أيضا ملاحظ بالتجربة العلمية مثل تجربة ريتشارد لينسكي وهي تجربة على المدى البعيد - بدأت سنة 1988 - أُجريت ومازال تُجرى على نوع من أنواع الجراثيم التي تسمى الإِشْريكِيَّةُ القولونِيَّة؛ هذه التجربة التي تعتمد على ثلاثة خطوات بعد عزل الجراثم يقوم المراقب بتغيير "المحيط البيئي" من خلال آليتين الأولى إمداد الجيل الأول بفائض من المادة السكرية ثم تجويعها، وبعد تجميد فيصل من الجيل الأول ينتقل إلى الجيل الثاني لكن هذه المرة يغير من كمية المادة السكرية التي يزود بها الجراثيم كما يغيّر مدة التجويع الزمنية، وهكذا .. بحلول 2010 كان المختبر يحتوي على 50 ألف من الأجيال؛ مقارنة بالإنسان إذا افترضنا 150 ألف سنة تفصل بيننا وبين آدم عليه السلام ثم افترضنا 33 سنة كمدة للجيل الواحد فإن عدد الأجيال سيكون 4545 تقريبا، إذن ما مدة جيل الجرثومة الاشريكية القولونية في التجربة؟ بدأت التجربة عام 1988 وبحلول 2010 (بعد 22 سنة) حصل المختبر على 50,000 ألف جيل إذن 22 سنة (22 سنة × 365 يوم × 24 ساعة) = 192,720 ساعة ÷ 50,000 جيل = 3.85 ساعة.

تلك هي التجربة، أما الإستنتاج البرهاني فمبني على التسليم بسلف مشترك إلى جانب وجود إختلافات جينية وظاهرية بين الخلف.

السؤال المطروح ماذا تفيد التجربة؟ تفيد أن التكيّف مع البيئة وبالتالي التطور ظاهرة طبيعية. وهي تفيد أجزاء مهمة في نظرية التطور أما الإستنتاج الكلي فيتوقف على طريقة التأويل؛ إذا حصل هذا التطور في النوع الواحد فتستنتج إمكانية إنقسام هذا النوع إلى نوعين مختلفين - أو أكثر - جينيا وظاهريا؛ من طبيعة الحال هو إفتراض من قبيل المصادرة على المطلوب، ولهذا يضطر عالم التطور إلى البحث عن قرائن أخرى في علوم أخرى غير علم الأحياء العام والجزيئي والتطوري. إن هذا المجال المفتوح أمام التأويل هو الذي يجعل المشتغلين بالعلم ينقسمون إلى مناصر ومخالف للنظرية أو متردد فيها، لذلك قال رونالد بلاسترك[1] يوما "إن نظرية التطور هي علم الأحياء للمسنين فما عليك إلا أن تطلق العنان للتفلسف إذ لا تجربة تنضبط بها"[2] ووجد التطوريون الهولنديون في تجربة لينسكي ضالتهم للرد على بلاسترك إلا أن التجربة في واقع الأمر لم تثبت إلا ما يمكن الإصطلاح عليه بالتطور الجزيئي ثم حتى لو أثبتت التطور الكلي أو العام فإنه من الصعب تعميم النتيجة على كل الجراثيم كما لا يمكن إعمال قياس الغائب على الشاهد في هذا المقام.

في نظري أنا أرى أن هذه التجربة دحض للنظرية التي تقول أن الكائنات الحية إنتشرت من سلف واحد، لأن المفترض وبما أن عمر الجيل الواحد هو ±231 دقيقة أن تذهب التجربة إلى أبعد حد مما وصلت إليه؛ كما أن المعالجة الرياضياتية تجعلني أشك في نية التطوريين لأننا أمام الملايين من الكائنات وبالتالي على السجل الحفري أن يحتوي على أضعاف أضعاف ما فيه الآن، كما على السجل أن يظهر غرائب وعجائب كثيرة جدا إندثرت، أما في الواقع فالسجل الموجود الآن فقير وبالمقارنة مع الكائنات الموجودة فهو ليس فقير فقط بل إن عدد المستحاثات فيه = 0. في نفس الوقت أظن هناك سبب آخر يتمسك به التطوريون، الدهريون والمؤمنون، غير الأسباب الإيديولوجية (فصل الدين عن السياسة) وهو السبب الجمالياتي؛ في الحقيقة النظرية في قمة الرّوعة والجمال الأخّاذ إلا أن العقل الرياضياتي يقف عاجزا أمام تصديق ما تستلزمه النظرية.

من جانب آخر نتساءل ما الذي دفع بأكبر داعية إلحاد في الغرب ريتشارد دوكينز إلى أن يفترض وجود حضارة ذكية في الفضاء الخارجي قامت بهندسة الخلية وزرعها في كوكب الأرض؟ هو جمال الخلية بلا شك؛ وهذا الجمال الذي كان يجهله تشارلز داروين هو في الحقيقة عالم مبهر فيه من التعقيد الغير القابل للإختزال ما يمنع أي عقل رياضياتي من الخوض في حساب الإحتمالات. الذي أستغربه هو تجاهل جمالية النظرية نفسها! إن النظرية تتيح لنا الوقوف أمام عالم مثير: آليات حتمية متمثلة في الإنتخاب الطبيعي وطفرات حرة وتكيّفات متتالية تؤدي إلى هذا العدد المدهش من الكائنات المتنوعة؛ كان عليه أن يفترض حضارة ذكية هندست التطور قبل أن يفترض أنها هندست الخلية! لكن التطور عند دوكينز تطور لا يمكن فصله عن معتقده وهو معتقد ينفي الإله ويقر بالرب وربه حضارة ذكية في الفضاء الخارجي !!!

فما هي النظرية إذن وهل هي نظرية أم فرضية؟ نظرية التطور تفسير نظري علمي لظاهرة التطور خاصة ولتاريخ الحياة على كوكب الأرض عامة؛ لكن هل هي نظرية فعلا أي هل هي نظرية تستوفي شروط النظرية العلمية أم مجرد فرضية[3] أم خليط؟ مجتمع ما يسمى بالتصميم الذكي ومجتمع الخَلقيين الذين يؤمنون بالخلق الإعجازي للكائنات (خلقها دفعة واحدة) لا يعترفون بعلمية النظرية وعليه فهي مجرد تخمين عندهم. ويذكر أن كارل بوبر أحد كبار المجددين في فلسفة العلوم كان قد أنكر علمية الآلية التطورية الإنتخاب الطبيعي لكن حسب البعض تراجع عن موقفه هذا، والله أعلم. الكلام بتفصيل في هذا الجانب هو دخول في عالم الفلسفة لكن يمكن الإشارة إلى أهم ركن في الشروط العلمية للنظرية: قابلية التفنيد؛ وهذه القابلية معطلة في جزء مهم من النظرية لأن السلف المشترك والأسلاف المشتركة "تاريخ"، وهذه الإشكالية يمكن حلها بإمكانية التنبأ بمستقبل نوع من الأنواع الحية لكن يُقال إن التكهّن هذا مستحيل لأن التطور العام يحدث عبر مدة زمنية طويلة، وعليه فإن الإفتراض شبيه بمن يفترض أن الإنسان يتحول إلى القرد والقرد يتحول إلى الإنسان في سلسلة من الدورات؛ إن سألته ما دليلك، قال: "ألا ترى أنها متشابهة! لكن لا يمكن تفنيد الفرضية لأن التحول يحتاج إلى مدة زمنية طويلة." ! الإعتراض الثاني الموجّه إلى هذا التبرير هو أن المدة الزمنية الطويلة غير مشروطة بالنسبة للكائنات المجهرية وقد لوحظ أن مدة جيل الجرثومة في تجربة لنسكي تقريبا 4 ساعات. إضافة إلى ذلك ليس كل تطوري دارويني أو بمعنى آخر ليس كل تطوري يؤمن بالحتمية الطبيعية بل هناك من يستبعد هذه الحتمية - الإنتخاب الطبيعي أساسا - أو لا يعتبرها الآلية الرئيسة في التطور. يشرح التطوري لورانس موران ذلك في مقالة له (لماذا لست داروينيا؟) ويفترض التطور بالمصادفة؛ إفتراضه هذا يجعل النظرية أمام محك أقوى، وهو ما لا ينفيه بل يرد على التطوريين القائلين بالتطور من خلال الإصطفاء الطبيعي والذين يزعمون بإمكانية التّنبأ بما سيحصل في سباق التطور ويوضّح لهم أن التطور غير قابل للتكهن بالطريقة التي يتصورونها؛ نحن أمام تصورين: الأول يزعم بإمكانية التنبأ لكنه غير ممكن لأن المدة الزمنية طويلة جدا، والتصور الثاني يجعل المصادفة آلية رئيسية وبالتالي إنتفاء إمكانية التكهّن وهذا تصور يفتح الباب أمام تخيّلات لا تعد ولا تحصى. المهم أن نعرف أن هذا الضعف في نظرية التطور راجع إلى طبيعة علوم الأحياء لأنها علوم تجميعة شبه تفسيرية أي هي علوم من حيث كونها جمع وتركيب معلومات يحصل عليها بالملاحظات وبالآلات، بل غير تفسيرية بالمرة عند مقارنتها بالعلوم القابلة للنمذجة والتصييغ الرياضياتي مثل العلوم الفيزيائية التي تسمح بتصييغ يتمكن من خلاله التنبأ بنتائج معينة في حالة توفر شروط النموذج. وضعف علوم الأحياء مثل ضعف الفيزياء النظرية أمام العلوم الصلبة كالعلوم الفيزيائية راجع بدوره إلى عدم الدقة في تحديد الحياة تحديدا علميا منطقيا كما تحدد الظواهر الطبيعية الأخرى ولذلك التعدد في التعريفات.

على أساس ما تقدّم يمكن لنا فهم التساؤلات المثيرة حول النظرية.

يتبع بقراءة ما كتبه أخي الأستاذ أشرف الملاحمي.

---
[1] بلاسترك درس علم الأحياء والإقتصاد؛ وزير الداخلية والشؤون الملكية في هولندا؛ كان وزيرا للتعليم والثقافة وتكوين الأطر العلمية. عضو في الحزب العلماني الإشتراكي الديموقراطي.
[2] http://www.expeditiebeagle.nl/essays/column2_auke_rafael.pdf
[3] محمد غيلان التطور فرضية لا نظرية.
 
تساءل أخي الأستاذ أشرف (لماذا إذاً لم تتطور بقية فصائل القردة وإقتصر التطور على "أسلاف" الإنسان؟ ولماذا لايعتبر القرد إنسان متأخر ونُصِرُ على افتراض أنه حيوان متطور؟) ومثل هذه الأسئلة مبنية على تصور أن أصل الإنسان قرد كما يظهر من قول الأخ (حيث يتحدث دارون ومن يؤيده عن أن أصل الإنسان "قرد") لكن من خلال أدبيات نظرية التطور لا نستطيع أن نسند هذا التصور لدارون ولا للدّراونة ولا للتطوريين. وفي الأصل لم يكن هذا التصور حقيقي بل كان التصور نوعا من السخرية إذ كان العلماء ورجال الكنيسة حينئذ يسخرون من دارون وفرضياته؛ ومن سخرية تطور المعرفة أن تتحول السخرية إلى النقد. في تلك الأدبيات نقرأ أن أنواع القردة الستة ونوع الإنسان تطوروا من السلف الأناسي وهو السلف المشترك؛ هذا يعني أن تلك القرود تطورت أيضا في حين إنقرضت فصائل أخرى من الأناسيّات لأنها لم تتكيّف ولم تقدر على التكيّف بسبب ما فرضته التحديات البيئية، وعليه: لم يقتصر التطور على الإنسان ولا على أسلاف الإنسان بل كل الأناسيّات خضعت للتطور؛ بالمقارنة وفي سياق "البقاء للأصلح" يمكن في عصرنا هذا أن ينقرض شعب أو قوم بأكمله بسبب الكوارث البيئية إن توفر شرط إجتماع هذا القوم في المنطقة الجغرافية التي تكتسحها الكارثة. وفي النظرية نفهم المصطلحات على أنها إجرائية لذلك لا معنى للإنسان المتأخر ولا معنى للحيوان المتطور فكل الكائنات حيوانات وكلها متطورة.

أما الخبر الذي بثته قناة الجزيرة والذي إنتشر في مختلف وسائل الإعلام - على حد تعبير الأخ أشرف - إنتشار النار في الهشيم فهو خبر لا علاقة له بأصل الإنسان ثم إن الجزيرة نقلت الخبر بالطريقة التي نقلت بها القنوات الأمريكية الإخبارية هذا الخبر، ولم تنقله من القنوات الوثائقية العلمية؛ الفرق هو أن القنوات الأمريكية الإخبارية تهمها الأرقام، أرقام المشاهدة، فتعرض الخبر في إطار سياق المعرفة الجمهورية، معرفة العوام، أو المعرفة العامة، وتوقّعاتهم. أما المؤتمر في حقيقته فكان موضوعه عرض "آردي" في سياق إعادة النظر في السجل الحفري وقد بيّن العلماء التطوريون في المؤتمر أن مهمة الممارسة العلمية هو أن تفترض ثم تعرض هذا الإفتراض على الملاحظات البيانية وهكذا تعمل النظرية العلمية: إفتراض ــ ثم ملاحظات بواسطة البيانات ــ ثم النظرية والنتيجة في النهاية تطوير النظرية وتحسينها وتعديلها أو إعادة بناءها أو طرحها نهائيا، والبداية من إفتراض جديد. عليه: آردي أسقطت فرضية في علاقة الإنسان بنوع من أنواع القردة في كيفية التطور وليس في التطور في حد ذاته. النظرية نفسها ليست بدليل بل هي تحتاج إلى الأدلة، وعندما يتعلّق الأمر بتطور الإنسان فإن كل ما في النظرية هو الفرضيات والفرضيات تتغيّر. الخلاصة: آردي كانت أساس بناء فرضية جديدة على أنقاض الفرضية التي بنيت على لوسي، وبقاء الفرضية ضمان لبقاء النظرية؛ لو أسقطت آردي الفرضية الرئيسة (تطور الأناسيات من سلف مشترك) لسقطت نظرية تطور الإنسان. هذا ما لم يحدث. نحن كمسلمين علينا أن نتمسّك بتعاليم القرآن المتمثلة في التثبّت من الخبر والعدل والتجديد المستمر في رحلات البحث عن المعلومة الصحيحة. هذه علاقة أخلاقية وأخلاقياتية بين القرآن والعلم الحديث إن كنا ولابد أن نعين علاقة ما.

ويتساءل الأخ أشرف (وماهو وجه التفضيل والتكريم إذا كان أصله كبقية الحيوانات والبهائم الأخرى؟) وهو سؤال أظن أنه ينطلق فيه من تصور خاطئ للكرامة الآدمية كما إنطلق في الأسئلة الأخرى من تصور خاطئ لفرضية تطور الإنسان من الأناسيّات حيث يختزل أصل الإنسان في الصفات الجسمانية في حين أن هذه الصفات وبغض النظر عن التطور هي "صفات مشتركة" تفاضليّا يثبتها الجزّار في مجزرته قبل أن يثبتها التشريح وعلم الأحياء وعلم وظائف الأعضاء. تركيبيّا ليس هناك فرق بين الإنسان والحصان إلا أن الحصان أقوى منه أما الأصل فلحم ودم وغيرها من الأشياء المعروفة؛ ظاهريا القردة قريبة من الإنسان؛ جينيّا الخنازير قريبة من الإنسان .. ثم إذا كانت الآيات الآيوية[1] القرآنية آيات كونية وليست آيات تأملية في المقام الأول فإننا نقرأ في القرآن الكريم أن أصل كل الحياونات من ماء {وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}؛ ويخبرنا الله جل جلاله أن الأمم متماثلة؛ لذا يبطل وجه الإعتراض بغض النظر عن صحة وعلمية النظرية في أشكالها السلفية والعصرية.

إذا كان ولابد أن نبحث عن علاقة بين النص القرآني والتطورات العلمية الحديثة فعلينا أولا أن نفهم أن العلم الحديث متعدد في طرقه وتجويزي في أطواره و نسبي في نتائجه ومتقلّب في إفتراضاته، فكيف نربط بين المطلق والنسبي؟ هنا علينا أن نميّز بين تفسير القرآن والقرآن ثم بين تطبيق القرآن والقرآن؛ عندما تقف لأداء الصلاة لا تستطيع أن تقول: "أنا الآية {وأقيموا الصلاة}" بل تقول أنا أطبّق الآية، إذن: الواسطة الأدنى بين المصلي والآية هي "التطبيق" وفي الواقع هناك سنة وفقه ومذهب وتطبيق بين المصلي والآية القرآنية. كذلك في التفسير. إن كانت العلاقة بين نص القرآن والعلم الحديث ممكنة فالعلاقة هنا بين تفسير الآيات القرآنية وتفسير الظواهر الطبيعية؛ وكما أن ليس كل تفسيرات الآيات القرآنية صحيحة ومنضبطة بأصول التفسير، كذلك ليس كل معطيات العلم الحديثة على درجة واحدة من الصحة/العلميّة ومنضبطة بالمنهج العلمي.

في المعطى الآيات القرآنية الآيوية آيات كونية، آيات تأملية أو آيات تأملية كونية؟ سؤال لا يمكن الإجابة عليه دون تحديد معنى القرآن لكن إذا كان القرآن كتاب هداية حصراََ، فإن هذه الآيات تأملية. وإذا كانت الهداية القرآنية هداية إلى الإيمان والتقوى كما هي دعوة إلى النظر والتفكر فإن الآيات تأملية كونية. وفي العلم الحديث هناك نماذج تأملية أي أنها أمثالية أو مثالية غير متطابقة مع الواقع لكن النمذجة وسيلة من وسائل التأمل لدراسة الواقع أي لدراسة الظاهر. المفارقة هنا تتمثل في كون الآيات القرآنية الكونية وسيلة للوصول إلى علم التوحيد وتثبيت الإيمان، أما النمذجة في العلوم الحديثة فوسيلة للوصول إلى علم الظواهر، والشخصية الإسلامية لا تفصل بين النظر الأصلي والنظر الفرعي ويشرح طه عبدالرحمن هذا في كتابه "الحق الإسلامي في الإختلاف الفكري":
والأصل في نظر المسلم إلى الأشياء أنها تأمل في آيات أي "نظرة ملكوتية"، ولا يصار إلى عدها ملاحظة لظواهر أي "نظرة ملكية" إلا بدليل كما إذا باشر الكشف عن قوانينها السببية ولذلك فإن للمسلم نظرين اثنين إلى الأشياء لا ينفك يزاوج بينهما:
1 - نظر أصلي يتدبر به الأشياء هو النظر الملكوتي الذي يوصله إلى الإيمان.
2 - نظر فرعي يدبّر به الأشياء وهو النظر الملكي الذي يوصله إلى العلم (بالظواهر - إضافة).
هذه هي طريقة الوصل بين القرآن و العلم الحديث، فكيف الفصل بينهما؟ في الفصل نعتمد آليات مقترنة بطبيعة النص القرآني في الآيات الآيوية و آليات مقترنة بطبيعة المقولة العلمية الحديثة. أما في الأولى فكما قال أخي الأستاذ أبو عمرو البيراوي الآيات الكونية غير مفصل الكلام فيها إضافة إلى أن القرآن خاطب السلف الأول كما يخاطبنا نحن اليوم رغم ما بيننا من إختلاف في "العقل المكتسب" أعني الإختلاف في المعارف الدنيوية وعليه نحن سنفهم هذه الآيات بطريقة مختلفة عن فهمهم دون القطيعة بين فهمنا وفهمهم فالفهم الصحيح لا يتغيّر بتغيّر الأزمان حتى لو تغيّرت طرق الفهم ووسائله لأن الهدف واحد: تأمل قدرة الله وعظمته وحكمته وصفاته العلى في المخلوقات للوصول إلى توحيد الله وإلى مزيد من الإطمئنان والتقوى. أما في الثانية فالعلم الحديث فيه الصالح والطالح، فيه الثابت والمتغيّر، فيه الفرضي والنظري، فيه التجريبي والتمثيلي .. وليس فيه ما يسمى "الحقيقة العلمية" لأن الحقائق الظاهرية يشتغل عليها العلم الحديث كما تشتغل به المعارف الأخرى الأدبية والفنية والإنسانية والعامة.

أما ما يسمى الإعجاز العلمي، وبتعبير الأخ أشرف: ومضة إعجازية، فمصطلح متعارض، كما يقول الأخ محمد غيلان:
Scientific "Miracles" of the Quran?
يتكون المصطلح من متضادين: العلم و المعجزة، وقد لا يكون تعارض شرط أن نقول أن المعجزة يقدر عليها قوم في زمن غير الزمن الذي حدثت فيه، وهذه القدرة هي في التفسير السببي أو في الإتيان بالمثل. والمعارضة الثانية هي أن المعجزة "ظاهرة" بينما العلم الحديث تفسير للظواهر. وبالمقابل يمكن القول أن في القرآن الكريم تنبؤ بالإكتشافات المعرفية المستقبلية ولكن مرة أخرى هذه الإكتشافات لا علاقة لها بالعلم لكن بالتقانة أي أن التقانة هي التي تكشف الحجاب عن الصغير والبعيد والمحجّب عامة. ولإثبات هذا النوع من التنبؤ سنضطر إلى إثبات علمية تفسير القرآن وفق أصوله؛ التوفيق بين صحيح المنقول (فهم السلف) وصريح المعقول (الإكتشاف) لأن السلف أقرب للغة القرآن من الخلف ولأن القرآن خطاب مبين، ولا يعترض على المفارقة إن وُجدت من خلال التفريق بين الفهم والتأويل أو بين التفسير والتحقق[2] إلا بدليل.

يتبع بقراءة مشاركة الأخ أبو عمرو.

---
[1] الآية الآيوية: الآية التي تشير إلى ظاهرة في السماوات والأرض، في النفس، في التاريخ وفي المجتمع.
[2] روي عن عكرمة أن عمر بن الخطاب قال: "لما نَزلت {سيهزم الجمع ويولون الدبر} جَعَلْتُ أقول: أيُّ جمع يهزم؟ فلما كان يومُ بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، ويقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}"؛ أي لم يتبين له المراد بالجمع الذي سيُهزم ويولِّي الدبر فإنه لم يكن يومئذٍ قتال ولا كان يخطر لهم ببال. (تفسير إبن عاشور).
 
كتب أخي أبو عمرو (ما تم إكتشافه مؤخرا يثبت أن لا علاقة بين الإنسان والقرد) وهذا لا يصح في إطار مقولات نظرية تطور الإنسان كما بيّنت سابقا؛ ثم إن التعبير هنا بالفعل "أثبت" تعبير ليس في محله لأن المقام ليس مقام تقرير بل إفتراض والإفتراض مفتوح ليس أمام البيانات الجديدة فقط بل أيضا أمام تأويلات هذه البيانات، والعمليات التأويلية قد تدوم لسنوات طوال كما هو الحال مع آردي المستحاثّة التي أكتشفت عام 1992 وخرجت إلى حيّز الإعلام العلمي عام 2009؛ هنا عندما نتحدّث عن (آردي) فنحن لا نتحدّث فقط عن المستحاثة لأنها بقايا من الهياكل العظمية بل نتحدث عن عمليات إعادة بناء والتمثيل والملاحظات، وهذه العمليات قابلة للتأويل المستمر؛ أسباب هذه القابلية بكل تشعّباتها لا يمكن حصرها في طبيعة المستحاثة وما يصحبها من عمليات ومعالجات بل لطبيعة "علم الآثار" ذاته بإعتباره من "العلوم الإنسانية" (مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية) وهي العلوم التي يصعب فيها فصل الذاتي عن الموضوعي كما هو معروف، من هنا من اللامعقول جدّا إستبعاد تأثر الإستنتاجات العلمية بالقناعة الذاتية. بالنسبة للخارطة الجينية فلاشك أنها مهمة في تشكيل الشكل الظاهري إلا أن هناك عوامل أخرى تحدد هذا الشكل، وكون هذه الخريطة بعيدة عن تلك فهذه مسألة نسبية لأن التباعد الجيني موجود داخل الأسرة، داخل القوم وبين كل الناس. من المعلوم أن أقوى الإنتقادات لنظرية التطور جاءت من جهة علم الأحياء الجزيئي عامة وعلم الوراثة خاصة لكن المنتقدين لا يقدمون تفسيرا طبيعيا لتاريخ الحياة كبديل لذلك يفضّل المجتمع العلمي مواصلة البحث على أساس الإفتراضات الموجودة الآن وذلك لأن الممارسة العلمية تنطلق من مسلّمة أن الطبيعة تفسر بالطبيعة كما تنطلق من حلم ونظرة مستقبلية في تطور العلوم الطبيعية. هذا هو المحرّك الذي يبقي البحث العلمي على قيد الحياة، وتصرف عليه ميزانيّات كبيرة، والفلسفة: إن لم نصل إلى تحقيق القريب فعلى الأقل نقترب منه ليحققه الجيل القادم، وهذا كله بغض النظر عن قيمة الفرضية حتى لو كانت خياليّة مادامت لها معنى في نطاق ((الطبيعة تتكلّم)) بل وحتى لو كانت معاكسة للبديهيّات مثل سكون الأرض ودوران الشمس فيما مضى. ثم إن التركيز على الخريطة الجينية بشكل رئيسي بمعزل عن العوامل الأخرى تركيز قد يؤدي إلى فرضيات جديدة أكثر غرابة وهذا ما حدث بالفعل عندما توصل العالم التطوري المتخصص في الوراثة اوجين مكارثي إلى فرضيته أن الإنسان تطور من سلف ظهر نتيجة التزواج المختلط بين الخنزير والقرد.

هناك تشابه بين الكائنات الحية، وهناك تغيّرات تحدث على المستوى الداخلي، الجيني، والظاهري؛ أما نظرية التطور التي تربط بين الكائنات الحية الحيوانية والنباتية عبر شجرة من الأسلاف المشتركة فهي نظرية قامت على أساس المنهج العلمي النظري، لا المنهج العلمي التجريبي ولا المنهج العلمي التجريبي النظري، وعليه هي نظرية لا توازي النظريات العلمية الأخرى في العلوم التجريبية مثل الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء العام والجزيئي والتطوري.. الخ. كل ما تقوم عليه: فرضيات وهذه الفرضيات في مجملها تأويل للبيانات وإستنتاجات نظرية داخل نظريات أخرى (في علم الأحياء العام والجزيئي والتطوري بشكل خاص).

يتبع في علاقة النص القرآني بالنظريات العلمية ...
 
عودة
أعلى