القرآن الكريم والنظرية البنائية الجديدة ( 1 )

إنضم
17/02/2006
المشاركات
59
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الرياض
بسم1


القرآن الكريم والنظرية البنائية الجديدة (1)

كادت نظرية البنيوية المشهورة أن تكون فتحاً معرفياً غير مسبوق في تاريخ البشرية الحديث لولا أن كان هناك قصور في معطيات وفرضيات تلك النظرية أدى إلى ضبابية في الرؤية والمنهج أمام أعين رواد تلك النظرية ومن تبع خطاهم وقلدهم من البنيويين العرب.إن ما حدث لرواد البنيوية يشبه إلى حدٍّ كبير حكاية أربعة رجال وطئت أقدامهم الصحراء لأول مرة في يوم عاصف لا تكاد الرؤية تتضح فيه، ورأى كل منهم حسب مقدار رؤيته حيواناً في ذلك المكان وراح كل منهم يصف ما رأى، أحدهم وصف ذلك الحيوان بأن له رقبة طويلة وأخذ يقيس على حيوان الزرافة ويشبهه بها، وآخر قال إن له جسماً ضخماً وراح يشبهه بوحيد القرن، وثالث رأى أن ظهره مرتفع وصار يشبهه بارتفاع ظهر الفيل، والأخير رأى منه أرجله وراح يشبه دقتها بدقة أرجل النعامة، وهكذا اختلطت الرؤية مما أدى إلى الفشل في الوصول إلى الصورة الحقيقة لذلك الحيوان ولذلك اختلفت التصورات والأحكام، وكما هو معروف فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.هذه الحكاية تصور باختصار المأزق الذي وقع فيه البنيويون، وكل ما في الحكاية أن ذلك الحيوان لم يكن إلا حيوان الجمل (البعير)، ولو عرض لهم البعير بصورته الواضحة؛ لاستطاع كل واحد منهم التعرف عليه ودراسته بالتفصيل ومعرفة حياته وفوائده وكيف يمكن تسخيره لخدمة الإنسان وهذه هي قيمة المعرفة الصحيحة وتطبيقاتها.
والسؤال الآن هو: ما الذي كانت تحتاجه نظرية البنيوية؟!..السؤال بصيغة أخرى: إذا أردنا أن نبني نظرية بنائية بيانية لسانية جديدة، فما الذي نحتاجه، وما هي المعطيات والفرضيات التي كانت وما زالت تنقص نظرية البنيوية ونظرية ما بعد البنيوية؟
هنا يأتي دور القرآن الكريم كمرجعية معرفية شاملة متكاملة؛ يمكن الاستفادة منه للوصول إلى المعطيات أو المكونات التي نحتاجها لاستنباط النظرية البنائية الجديدة، وهذه المعطيات أو المكونات تتركز في أربعة أشياء رئيسة هي:
أولاً: النص المحكم القياسي، والمقصود بكلمة قياسي أي يمكن القياس عليه من ناحية بنائية وبيانية كما ذكرت سابقاً وشرحت في المقالة السابقة، وذلك هو القرآن الكريم.
ثانيا: العلاقة المرجعية البنائية القياسية، وهي العلاقة التي تنتظم وتشمل جميع عناصر البنية المدروسة، وهي العلاقة التي تربط الجزء بالجزء وتربط الجزء بالكل، وتربط ما هو داخل النص بما هو خارج النص، وأقصد بها العلاقة القرآنية المستنبطة من نص القرآن الكريم.
ثالثاً: اللسان البياني القياسي، وأقصد به ذلك النظام اللساني المحكم ذي الخصائص البنائية والبيانية التي يمكن القياس عليها، هذا اللسان القياسي هو اللسان العربي المبين الذي أنزل به القرآن الكريم للعالمين كافة من إنس وجن، وكدليل على تميز وفرادة اللسان العربي مما يجعله اللسان القياسي هو أن الحرف العربي، حين ينطقه اللسان العربي، يتكون من ثلاثة أصوات، فمثلاً حرف الألف ينطق هكذا: همزة ثم لام ثم فاء، أي ثلاثة أصوات محددة وواضحة؛ بمعنى ثلاثة أبعاد صوتية وهذا ما نحتاجه لدراسة البنية، لأن البنية لا تكون بنية حقيقية إلا إذا كان لها ثلاثة أبعاد تمتد في الفضاء ويكون لها تجسيد ذو ثلاثة أبعاد، وهذه الخاصية تنطبق على جميع حروف اللسان العربي الثمانية والعشرين، وهذه مسألة علمية بعيدة عن العاطفة الشخصية.والجدير بالذكر أن اللغات التي انطلق منها منظرو البنيوية الأوائل لا تملك هذه الخاصية، فالحرف اللاتيني، على سبيل المثال، مكون في غالبه من صوتين فقط وهذا يعتبر نقصاً بنيوياً يؤثر في رسم الصورة الحقيقة للبنية اللسانية المدروسة، وسيأتي تفصيل ضرورة هذه الخاصية لبناء النظرية البنائية في حينه.
رابعاً: العلامة (البنية) اللسانية القياسية، وهي العلامة التي تشمل وتحيط بكل العلامات اللسانية الأخرى؛ وأقصد بهذه العلامة أو البنية اللسانية حرف (النون)، على وجه التحديد، وسنكتشف في المقالات القادمة كيف عرض القرآن الكريم حرف النون عرضاً خاصاً يشير إلى فرادة هذا الحرف وما فيه من خصائص بنائية وبيانية خاصة؛ ولا يخفى على خبراء اللغة العربية ما لهذا الحرف من خصائص صوتية عجيبة ترتبط بخصائص هذا اللسان العربي (القياسي) المبين.
إن هذه المعطيات أو المكونات الأربعة تتكامل وتتفاعل مع بعضها البعض فالعلامة اللسانية القياسية وهي تمثل مرجعية لسانية حقيقية (ولها طبيعة مركزية عامة) تساعد في دراسة العلاقة المرجعية البنائية القياسية المذكورة في الفقرة الثانية وتساعد في دراسة النظام اللساني المذكور في الفقرة الثالثة وذلك في سياق النص المحكم القياسي المذكور في الفقرة الأولى، ولذلك فإن هناك ترابطاً بنائياً وبيانياً بين تلك المكونات أو الأشياء الأربعة، بمعنى آخر فإن النص المحكم مبني حسب العلاقة البنائية القياسية وهذه العلاقة مبنية حسب النظام اللساني القياسي والنظام اللساني القياسي مبني حسب العلامة القياسية، وبذلك تكون المعطيات كافية للانطلاق نحو وضع الفرضيات الأولى ومن ثم الانطلاق في بناء النظرية البنائية اللسانية التي ستكون الأساس في بناء نظرية الأدب، ونظرية الأدب (أو النظرية الأدبية) ستكون الأساس في بناء النظرية النقدية الأدبية. وهذا هو التدرج المعرفي المطلوب؛ فإنه لا يمكن الوصول إلى نظرية نقدية أدبية قبل أن يكون لدينا نظرية أدبية ولا يمكن الوصول إلى نظرية أدبية قبل أن يكون لدينا نظرية بنائية لسانية نستلهم منها المعرفة المطلوبة لتعريف وتحديد (المعاني القياسية) لمصطلح الأدب ومصطلح النقد.
أخيراً، إن فشل البنيوية وانتقال منظروها للحديث عن نظرية ما بعد البنيوية ما هو إلا بسبب القصور في المعطيات والمكونات الضرورية لبناء النظرية، حيث لم يكن لدى منظري البنيوية نص قياسي يمكن له أن يكون مرجعية معرفية يمكن القياس عليها والاستنباط منها؛ ولم تكن لديهم العلاقة القياسية القرآنية، ولم ينطلق منظرو البنيوية من دراسة اللسان العربي ولم تكن لديهم العلامة البنائية القياسية؛ ولذلك كانوا كمن يهيم على وجهه في صحراء التيه المعرفي؛ ليس له ما يرجع إليه أو يهتدي به.بعد هذا العرض الموجز للقصور الذي عانت منه نظرية البنيوية؛ وحسب هذه المعطيات أو المكونات الأربعة التي يختص بها القرآن الكريم، كتاب الله رب العالمين؛ أستطيع أن أقول إن عصر البنيوية أو ما بعد البنيوية ما هو إلا عصر القرآن الكريم، وأن نظرية ما بعد البنيوية ما هي إلا النظرية البنائية القرآنية وهي التي ستقودنا، بإذن الله تعالى، إلى حقبة معرفية جديدة على عدة مستويات معرفية غير مسبوقة متى ما بذلنا في دراستها ما تستحق من الجهد والصبر والمثابرة.والله تعالى أعلم،،،​
منقول من جريدة الجزيرة

 
اخي / عبد الرحمن النور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا شك أن أهل مكه أدرى بشعابها
المثل الذي ضربته ، الاربعة في الصحراء ..لاأخفي عليك باني لم أرى شيئا في هذه الصحراء ، مرجعه عدم فهمي للبنيويه حتى قراءت عنها
الظاهر أن مفهومها في الغرب واضح ،وأنه تم تعريفها وحدها بأمور منها عدم زج العقيده والدين عند دراسه النص ، ولاأستبعد كذلك ، وجود معارضه من المتبنين لهذه الفلسفه الغربيه من الادباء العرب ،فلن يسلموا لك ، بتعريف جديد يمس أصول البنيويه ، وفي المقابل قد تجد المعارضه من إخوانك في الله ، لإرتكاز المطروح (المسميات على الاقل ) على فكره غامضه ملحده ، وقد يرى البعض محاولة لإسلمة مفهموم غربي (كالديموقراطيه ) مثلا.

فما رايك بارك الله فيك
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

المنهج الصحيح الذي أراه هو أن استنبط ما أبحث عنه من نظريات أو اطروحات من كتاب الله عز وجل أي القرآن الكريم، وما أكتبه ليس وليد اللحظة بل هو نتيجة بحث ودراسة ومراجعة تمتد في بعض المواضيع لأكثر من عشر سنوات؛ لذا أنا لا انتظر التأييد من البنيويين العرب أو من غيرهم، أما اعتراض البعض أو عدم ادراكهم لما قد أطرح فهذا من الأمور المتوقعة ، وقد يستفيد الإنسان من ملاحظة هنا أو توجيه من هناك؛ و في نهاية المطاف فإن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وأما الزبد فيذهب جفاء.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...اما بعد....جزاك الله تعالى خيرا اخي الكريم عبد الرحمن وبارك
فيك....أتمنى من حضرتكم ان تتكرموا فتذكروا لإعضاء وعضوات الملتقى الكرام...
أمثلة واضحة للمكونات الاربعة-التي ذكرتها في مقالتك- من القرآن الكريم لكي تكون
الصورة واضحة جلية بعون الله تعالى....مع فائق الاحترام...والسلام.
 
حياك الله أخي البهيجي
المقالة المنشورة تحمل الرقم ( 1 )، وسيتم مواصلة نشر بقية المقالات إن شاء الله وعرضها في الملتقى، وسيكون فيها شرحا تفصيلا للمعطيات الأربعة المذكورة ولا أخفيك أن الموضوع يحتاج إلى التدرج في الطرح حتى يمكن للقارئ استيعاب موضوع نظرية البنائية الجديدة خصوصا وأنني أحاول استنباط هذه النظرية متخذا القرآن الكريم المرجعية المعرفية ومصدرا للتقييم وهذا هو الاختلاف المنهجي الأساسي بين الطرح الغربي لنظرية البنيوية و بين ما أحاول طرحه .
وآمل أن تبدأ الصورة في الوضوح للقارئ بعد طرح المقالة رقم (4) إن شاء الله.
شاكرا لك اهتمامك وحرصك، وفقنا الله جميعا إلى ما فيه الخير.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...اما بعد...جزاكم الله تعالى خيرا...اخي الكريم عبد الرحمن وبارك بكم....واذا تسمح لي فإن لي ملاحظات ربما مفيدة والله تعالى اعلم هي-
1- أرجو من حضرتكم ان تٌعرِف لنا المصطلحات المستخدمة مع مثال او اكثر فإني
لحد الآن لا أعرف تعريف النظرية البنيوية.
2- كما أرجو التفضل منكم عند الربط بين المفهوم الغربي والقرآن الكريم ان توضحوا
ذلك الرابط بشكل كاف مع ذكر الآيات التي تعنيها.
3- أتمنى على حضرتكم أخي الفاضل محاولة الربط مع أفكار لبعض المفسرين المجددين.
4- ارجو توضيح الفائدة المرجوة من البحث في البنيوية واني أعتقد ان الكثير من الافكار
الغربية نستطيع بإذن الله تعالى الاستفادة منها وتسخيرها لتطوير الدراسات القرآنية...
والله تعالى أعلم....والسلام.
 
بسم1
الطفرة العلمية التي ظهرت في الغرب على أيدي علماء وكان من نتائجها ظهور نظريات غيرت واقع الناس منها مثلا نظرية نيوتن في الفيزياء ثم نظرية النسبية وما تلاها من نظريات؛ تزامن معها رغبة بعض المتخصصين في اللغات مثل العالم السويسري المسمى فرديناند دي سوسير في وضع نظرية تضبط دراسة اللغات بشكل منهجي علمي له قواعد ومعادلات تشبه ما يحدث في العلوم التطبيقية في مجال الفيزياء أو الكيمياء، وبدأ سوسير في وضع تصوراته الأولية عن كيف يتم صناعة المعاني في اللغة وبدأ في دراسة ما يسمى بالعلامة اللغوية، وكيف أن كلمة ما تدل على معنى في ذهن السامع، وأن هذه الكلمة التي سماها ( الدال) تشير إلى ( مدلول) يفهمه السامع وأن العلاقة بين هذا الدال والمدلول هو ما يشكل العلامة اللغوية أو البنية الأولى في صناعة المعاني في اللغات ومن هنا انطلقت نظرية البنيوية وأخذت اسمها من فكرة بنية العلامة اللغوية التي هي العلاقة بين الدال والمدلول، ثم جاء بعد سوسير من أضاف ومن اعترض فتوسعت الاطروحات والأفكار في هذه النظرية.
من هذا العرض السريع ندرك أن أساس البنيوية هو أساس ورغبة علمية بحتة ليس لها علاقة بمحاربة الأديان أو المجتمعات الأخرى، لكن سبب اخفاق البنيوية كما ذكرت في المقالة أنه لم يكن لدى مفكريها ( نموذج ) يمكن له أن يشكل مرجعية معرفية لهم في بناء النظرية بشكل صحيح وعند دراستي للحروف الرامزة أو الحروف المقطعة في القرآن والاطلاع على بحث عن دلالة حرف (ن) أدركت أن هذه الحروف هي علامات لسانية قياسية محكمة يمكن لمن يدرسها ويتخذها مرجعية له في سياق ورودها في القرآن الكريم أن يبني هذه النظرية من جديد على هدى القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كما يقول الحق سبحانه وتعالى، و هذا من تدبر القرآن الذي أمرنا الله به ، أما أمور التشريع فقد أكتملت باكتمال نزول القرآن ولله الحمد والمنة و لا يستطيع كائن من كان أن يمس القرآن بسوء وهو محفوظ بحفظ الله.

و قد أسميت المقالة بعنوان القرآن الكريم والنظرية البنائية الجديدة للتفريق بينها وبين البنيوية الغربية، وأنا لا أريد المقارنة بين النظريتين بل أريد أن أبني نظرية جديدة ولذلك أسميتها الجديدة لأن منهجها يختلف عن منهج البنيوية التقليدية عن الغرب.
أما بخصوص ما يطرحه المفسرون المجددون فهذا مجال لا يتطرقون فيه إلى مثل هذه النظريات لأسباب عديدة تخصهم ولذلك ليس هناك انتاج يمكن الاستفادة منه في هذا الخصوص كثيرا.

أما الفائدة من هذا الطرح؛ فإننا أمة اللغة العربية وأمة القرآن الكريم ؛ فإذا استطعنا حل مشكلات النظريات العلمية التي طرحت في الغرب واستطعنا أن نأتي بعلم جديد يكون فيه فائدة للناس ومرجعنا في ذلك القرآن الكريم الذي هو كلام الله عز وجل وليس كلام فلان أو علان من الناس؛ فإن في ذلك انتصارا للقرآن الكريم وانتصار للغة القرآن وانتصار لأمة القرآن ، وهذا من أشرف العلوم .
والحديث يحتاج إلى تفصيل أكثر ولكن هذه إجابة على عجالة.
والله أعلم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...اما بعد...جزاكم الله تعالى خيرا وبارك بكم.
 
يمكن أن نتوخى من التراث انطلاق النهضة بشرط نقد الماضي والحاضر معا

يمكن أن نتوخى من التراث انطلاق النهضة بشرط نقد الماضي والحاضر معا

الحمد لله وحده ،
السلام عليكم ورحمة الله
المستشرق صاحب المنهج التاريخي: يفكر شموليا في الفلسفة الإسلامية لا بوصفها جزءا من كيان ثقافي عام، هو الثقافة العربية الإسلامية، بل بوصفها امتدادا منحرفا أو مشوها للفلسفة اليونانية ، وبالمثل، يفكر في النحو العربي ومدارسه، يوجهه هاجس ربطها بمدارس النحو اليونانية في الإسكندرية أو برغام وبيان تأثرها بالمنطق الأرسطي، كما لايتردد في ربط الفقه الإسلامي، نوعا من الربط، بالقانون الروماني وما خلفه في المنطقة العربية من آثار وأعراف
والصورة العصرية الاستشراقوية الرائجة في الساحة الفكرية العربية الراهنة عن التراث العربي الإسلامي، سواء منها ما كتب بأقلام المستشرقين أو ما صنف بأقلام من سار على نهجهم من الباحثين والكتاب العرب، صورة تابعة إنها تعكس مظهرا من مظاهر التبعية الثقافية، على الأقل على صعيد المنهج والرؤية
ويرى محمد عابد الجابري أنه من المستحيل تحقيق نهضة عربية إسلامية معاصرة، بدون أن ننطلق من تراثنا العربي الإسلامي، أو ننتظم داخل تراث غيرنا، بل علينا أن نقرأ تراثنا بأدوات جديدة، وبعقلية معاصرة، تنطلق من تصورات بنيوية داخلية، واستقراء لحيثيات الموروث مرجعيا وتاريخيا، قصد استقراء أبعاده الأيديولوجية لمحاربة التخلف، ومواجهة الطغيان الاستعماري، وتقويض النزعة المركزية الأوروبية فضحا وتعرية وتفكيكا ، وكل هذا من أجل تشييد ثقافة عربية أصيلة مستقبلية، تكون أرضية ممهدة لانطلاقنا حيال المستقبل، فلابد –إذاً- من خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام، بشرط أن تكون قراءتنا موضوعية قائمة على الاستمرارية والتأويل المعقلن، وذلك في ضوء تصورات معاصرة متجددة ، علاوة على ذلك، لا يمكن أن تتحقق النهضة الفكرية إلا بالتعامل مع التراث داخل الثقافة نفسها، بممارسة نقد الماضي والحاضر معا:" إنه بممارسة العقلانية النقدية في تراثنا وبالمعطيات المنهجية لعصرنا، وبهذه الممارسة وحدها، يمكن أن نزرع في ثقافتنا الراهنة روحا نقدية جديدة وعقلانية مطابقة، وهما: الشرطان الضروريان لكل نهضة ، وفي هذا السياق، يقول محمد عابد الجابري:" أما المستشرق صاحب المنهج الذاتوي فإنه، على الرغم من تعاطفه مع بعض الشخصيات الإسلامية، كتعاطف ماسينيون مع الحلاج، أو هنري كوربان مع السهروردي، فإنه يبقى مع ذلك موجها من داخل إطاره المرجعي الأصلي، إطار المركزية الأوروبية، مشدودا إليه، غير قادر ولا راغب في الخروج عنه، أو القطيعة معه. إنه يتمرد على حاضره الأوروبي، يتمسك بماضيه، فيعيشه رومانسيا عبر تجربة هذه الشخصية أو تلك من الشخصيات الروحانية في الثقافة العربية الإسلامية.وقد يذهب إلى أبعد من هذا فيطالب، من خلال تلك التجربة، استعادة روحانية الغرب مما لدى الشرق ، وهناك سؤال آخر ملح ولافت للانتباه، فهل يمكن أن يكون التراث بالفعل نقطة انطلاق إيجابية لنهضتنا العربية الحديثة والمعاصرة؟ ألا يمكن أن يكون تراثنا عائقا أمام تحقيق نهضة علمية تكنولوجية سريعة؟ والآتي، أنه كم سيستغرق تفكيرنا في إشكالية التراث؟ لأننا ضيعنا الوقت الكثير في معالجة إشكالية التراث، ومناقشة ثنائية الأصالة والمعاصرة ، وبالتالي، لم نصل إلى نتائج ملموسة أو نتائج يقينية لها مردودية فعالة في واقعنا الاجتماعي والثقافي والفكري والسلوكي ، وفي هذا الصدد، يقول الباحث اللساني المغربي عبد القادر الفاسي الفهري:" إنه يمكن أن يتوخى من التراث انطلاق النهضة ، كذلك يمكن أن ننظر إلى التراث كعائق للنهضة ، وهذا شيء ليس من باب التمني، ولا من باب عدم التمني، ولكنه شيء موجود وفعلي، وهو أن التراث في كثير من الأحيان عائق لهاته النهضة، وفي المجال اللغوي والمجال اللساني أتحدث عن تجربة ، كانت الدعوة إلى التراث، في كثير من الأحيان، ومازالت، عائقا للتطور وللتصور ولحل مشاكل اللغة العربية، فمشاكل اللغة العربية الفعلية يمكن أن نتحدث عنها، وأن نقف عندما يقدم لنا التراث من حلول لها إذا أردنا، مثلا، أن نضع كتابا مدرسيا، كتابا لقواعد اللغة العربية، فما هي الحلول التي يقدمها لنا التراث؟ وماهي الحلول التي يمكن أن نستخلصها من اللسانيات الحديثة ؟ إذا أردنا أن نحل مشكل التعريب، وهو مشكل فعلي، ما هو التنظير أو ما هو المنهج الذي يمكن أن يأتي عبر التراث؟ إن التراث في كثير من الأحيان، يجعلنا نتأخر عن ظرفنا، ونبقى دائما في زمان التراث لا زماننا الحالي والمستقبلي .






 
و قد أسميت المقالة بعنوان القرآن الكريم والنظرية البنائية الجديدة للتفريق بينها وبين البنيوية الغربية، وأنا لا أريد المقارنة بين النظريتين بل أريد أن أبني نظرية جديدة ولذلك أسميتها الجديدة لأن منهجها يختلف عن منهج البنيوية التقليدية عن الغرب.
بارك الله فيك وسدد خطاك
 
عودة
أعلى