القائدُ إلى صَفاءِ العَقائدِ

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قوله تعالى في سورة يونس :{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قال الشوكاني في فتح القدير :
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ جُبِلُوا عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ فِي الشَّدَائِدِ، وَأَنَّ الْمُضْطَرَّ يُجَابُ دُعَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى أَصْنَامِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَمَا يُشَابِهُهَا، فَيَا عَجَبًا! لِمَا حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ طَوَائِفَ يَعْتَقِدُونَ في الأموات؟ فإذا عَرَضَتْ لَهُمْ فِي الْبَحْرِ مِثْلُ هَذِهِ الْحَالَةِ دَعَوُا الْأَمْوَاتَ، وَلَمْ يُخْلِصُوا الدُّعَاءَ لِلَّهِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُشْرِكُونَ كَمَا تَوَاتَرَ ذَلِكَ إِلَيْنَا تَوَاتُرًا يَحْصُلُ بِهِ الْقَطْعُ، فَانْظُرْ هَدَاكَ اللَّهُ مَا فَعَلَتْ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتُ الشَّيْطَانِيَّةُ، وَأَيْنَ وَصَلَ بِهَا أَهْلُهَا، وَإِلَى أَيْنَ رَمَى بِهِمُ الشَّيْطَانُ، وَكَيْفَ اقْتَادَهُمْ وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ؟ حَتَّى انْقَادُوا لَهُ انْقِيَادًا مَا كَانَ يَطْمَعُ فِي مِثْلِهِ وَلَا فِي بَعْضِهِ مِنْ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
 
قوله تعالى في سورة يونس :{وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49)}
قال الشوكاني في فتح القدير :
وَفِي هَذِهِ أَعْظَمُ وَاعِظٍ، وَأَبْلَغُ زَاجِرٍ لِمَنْ صَارَ دَيْدَنُهُ وَهِجِّيرَاهُ الْمُنَادَاةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَالِاسْتِغَاثَةَ بِهِ عِنْدَ نُزُولِ النَّوَازِلِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَارَ يَطْلُبُ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ. فَإِنَّ هَذَا مَقَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَ الْأَنْبِيَاءَ، وَالصَّالِحِينَ، وَجَمِيعَ الْمَخْلُوقِينَ، وَرَزَقَهُمْ، وَأَحْيَاهُمْ، وَيُمِيتُهُمْ، فَكَيْفَ يَطْلُبُ مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ صَالِحٍ مِنَ الصَّالِحِينَ مَا هُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ، غَيْرُ قادر عليه، وَيَتْرُكُ الطَّلَبَ لِرَبِّ الْأَرْبَابِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شيء، الخالق، الرزاق، الْمُعْطِي، الْمَانِعِ؟ وَحَسْبُكَ بِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَوْعِظَةً، فَإِنَّ هَذَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَخَاتَمُ الرُّسُلِ، يَأْمُرُهُ اللَّهُ بِأَنْ يَقُولَ لِعِبَادِهِ: لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ لغيره، وكيف يملكه غيره- من رُتْبَتُهُ دُونَ رُتْبَتِهِ وَمَنْزِلَتُهُ لَا تَبْلُغُ إِلَى مَنْزِلَتِهِ- لِنَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَمْلِكَهُ لِغَيْرِهِ، فَيَا عَجَبًا لِقَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى قُبُورِ الْأَمْوَاتِ الَّذِينَ قَدْ صَارُوا تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُمْ مِنَ الْحَوَائِجِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ كَيْفَ لَا يَتَيَقَّظُونَ لِمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَلَا يَتَنَبَّهُونَ لِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِمَعْنَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَدْلُولِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ؟ وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا اطِّلَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَحُولُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، بَلْ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا، فَإِنَّ أُولَئِكَ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْخَالِقُ، الرَّازِقُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُونَ أَصْنَامَهُمْ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَمُقَرِّبِينَ لَهُمْ إِلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ لَهُمْ قُدْرَةً عَلَى الضَّرِّ وَالنَّفْعِ، وَيُنَادُونَهُمْ تَارَةً عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، وَتَارَةً مَعَ ذِي الْجَلَالِ. وَكَفَاكَ مِنْ شَرِّ سَمَاعِهِ، وَاللَّهُ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُطَهِّرٌ شَرِيعَتَهُ مِنْ أَوَضَارِ الشرك وأدناس الكفر، ولقد توسّل الشَّيْطَانُ، أَخْزَاهُ اللَّهُ، بِهَذِهِ الذَّرِيعَةِ إِلَى مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ وَيَنْثَلِجُ بِهِ صَدْرُهُ مِنْ كُفْرِ كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُبَارَكَةِ {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } إنا لله وإنا إليه راجعون-
 
جاء في" أَدَبِ الطَّلَبِ وَمُنْتَهَى الْأَرَبِ " للشوكاني رحمه الله:
وَأما هَؤُلَاءِ فعمدوا إِلَى جمَاعَة من الْأَمْوَات الَّذين لَا يَسْتَطِيعُونَ توصية وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ فقصدوهم فِي الْمُهِمَّات وعكفوا على قُبُورهم ونذروا لَهُم النذور ونحروا لَهُم النحاير وفزعوا إِلَيْهِم عِنْد الْمُهِمَّات
فَتَارَة يطْلبُونَ مِنْهُم من الْحَاجَات مَا لَا يقدر عَلَيْهِ إِلَّا الله عز وَجل وخصوهم بالنداء وأفردوهم بِالطَّلَبِ وَتارَة ينادونهم مَعَ الله عز وَجل ويصرخون بِأَسْمَائِهِمْ مَعَ اسْم الله سُبْحَانَهُ فَيَأْتُونَ بِكَلِمَات تقشعر لَهَا جُلُود من يعلم معنى لَا إِلَه إِلَّا الله وَيعرف مَدْلُول قل هُوَ الله أحد وتلاعب بهم الشَّيْطَان فِي ذَلِك ونقلهم من مرتبَة إِلَى مرتبَة وَمن منزلَة إِلَى منزلَة حَتَّى استعظموا من جَانب هَؤُلَاءِ الْأَمْوَات الَّذِي خلقهمْ الله ورزقهم وأحياهم وأماتهم مَا لَا يستعظمونه من جَانب بارئ الْبَريَّة وخالق الْخَالِق يستعظمون جلّ اسْمه وَتَعَالَى قدره وَلَا إِلَه غَيره .
وأفضى ذَلِك إِلَى أَن أحدهم يحلف بِاللَّه تَعَالَى فَاجِرًا وَلَا يحلف بِمن يَعْتَقِدهُ من الْأَمْوَات وَيقدم على الْمعْصِيَة فِي الْمَسَاجِد الَّتِي هِيَ بيُوت الله وَلَا يقدم عَلَيْهَا عِنْد قبر من يَعْتَقِدهُ , وتزايد الشَّرّ وعظمت المحنة وتفاقمت الْمُصِيبَة حَتَّى صَار كثير مِنْهُم ينسبون مَا أَصَابَهُم من الْخَيْر فِي الْأَنْفس وَالْأَمْوَال والأهل إِلَى ذَلِك الْمَيِّت وَمَا أَصَابَهُم من الشَّرّ فِي ذَلِك إِلَيْهِ وَقد صَارَت تَحت أطباق الثرى وغيب عَن أعين الْبشر وَصَارَ مَشْغُولًا عَاجِزا عَن جر نفع إِلَيْهِ أَو دفع ضرّ عَنهُ منتظرا لما ينْتَظر لَهُ مثله من الْأَمْوَات لَا يدْرِي مَا نزل بِهِ من هَؤُلَاءِ النوكاء وَلَا يشْعر بِمَا ألصقوه بِهِ وَلَو علم بذلك لجالدهم بِالسَّيْفِ ودفعهم بِمَا يقدر عَلَيْهِ.
 
وَمن أعظم الذرائع الشيطانية والوسائل الطاغوتية أَنهم بالغوا فِي التأنق فين عمَارَة قُبُور من يعتقدونه من الصَّالِحين ونصبوا عَلَيْهَا القباب وَجعلُوا على أَبْوَابهَا الْحجاب وَوَضَعُوا عَلَيْهَا من الستور الْعَالِيَة والآلات الرائعة مَا يبهر النَّاظر إِلَيْهِ وَيدخل الروعة فِي قلبه ويدعوه إِلَى التَّعْظِيم كَمَا جبلت عَلَيْهِ طبائع الْعَوام من دُخُول المهابة فِي قُلُوبهم والروعة فِي عُقُولهمْ بِمَا يتعاطاه المريدون لذَلِك كَمَا يَفْعَله غَالب مُلُوك الدُّنْيَا من الْمُبَالغَة فِي تَزْيِين مَنَازِلهمْ وتعظيمها والتألق فِي بنائها والاستكثار من الْحجاب والخدم والصياح والجلبة وارتباط الْأسود وَنَحْوهَا من الْحَيَوَانَات وَلبس فاخر الثِّيَاب قَاصِدين بذلك تربية المهابة لَهُم والمخافة مِنْهُم وصنع هَؤُلَاءِ القبوريون كصنعهم فَفَعَلُوا فِي الْأَمْوَات من جوالب التَّعْظِيم وَأَسْبَاب الهيبة مَا يكون لَهُ من التَّأْثِير فِي قُلُوب من يزورهم من الْعَامَّة مَا لَا يقادر قدره ثمَّ يزِيد ذَلِك قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى يحصل لَهُم من الِاعْتِقَاد فِي أُولَئِكَ الْأَمْوَات مَا يقْدَح فِي إسْلَامهمْ ويخدش فِي توحيدهم .
وَلَو اتبع النَّاس مَا أرشد إِلَيْهِ الشَّارِع من تَسْوِيَة الْقُبُور كَمَا ثَبت فِي = صَحِيح مُسلم = وَغَيره من حَدِيث أبي الْهياج قَالَ قَالَ لي عَليّ بن أبي طَالب أَلا أَبْعَثك على مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا تدع قبرا مشرفا إِلَّا سويته وَلَا تمثالا إِلَّا طمسته فَانْظُر كَيفَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمِيرا لهدم الْقُبُور المشرفة وطمس التماثيل هُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ ثمَّ بعث عَليّ أَيَّام خِلَافَته أَمِيرا على ذَلِك هُوَ أَبُو الْهياج.
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان وَالْحَاكِم من حَدِيث جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يجصص الْقُبُور وَأَن يَبْنِي عَلَيْهِ
وَأَن يكْتب عَلَيْهِ وَأَن يوطئ وَأخرجه مُسلم فِي صَحِيحه بِدُونِ ذكر الْكِتَابَة قَالَ الْحَاكِم النَّهْي عَن الْكِتَابَة على شَرط مُسلم وَهِي صَحِيحَة غَرِيبَة قَالَ وَالْعَمَل من أَئِمَّة الْمُسلمين من الْمشرق إِلَى الْمغرب على خلاف ذَلِك يَعْنِي يقررون كِتَابَة الِاسْم من دون إِنْكَار انْتهى
وَأَقُول لَا حجَّة فِي أحد خَالف السّنة الثَّابِتَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَائِنا من كَانَ قل عَددهمْ أَو كثر فَلَيْسَ لَهُم أَن يشرعوا للنَّاس غير مَا شَرعه الله بل يحملون على الْخَطَأ وَعدم الْعِنَايَة بِأَمْر الشَّرْع والتساهل فِي أَمر الدّين , وَمَا هَذَا بِأول بَاب من أَبْوَاب الشَّرْع أهمله النَّاس وخالفوا فِيهِ السّنَن الْوَاضِحَة والشرائع الثَّابِتَة وَلَا سميا بعد أَن استعلى الْجَهْل على الْعلم وغلبت آراء الرِّجَال مَا جَاءَ فِي الْكتاب وَالسّنة وَصَارَ التَّقْلِيد والتمذهب هُوَ الْمَعْرُوف عِنْد الْجُمْهُور وَغَيره الْمُنكر.
 
وَلَا اعْتِبَار بسكوت أهل الْعلم الَّذين هم أَهله فَإِنَّهُم مغلوبون مكثورون مخبوطون بِسَوْط الْعَامَّة الَّذين مِنْهُم السلاطين وجنودهم كَمَا قدمنَا الْإِشَارَة إِلَى هَذَا وأطباق أهل الْمشرق وَالْمغْرب على الْكِتَابَة هُوَ كأطباقهم على رفع الْقُبُور وتجصيصها وَوضع القباب عَلَيْهَا وَجعلهَا مَسَاجِد فخالفوا مَا تقدم عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ مخالفتهم لما ثَبت فِي الصَّحِيح عَنهُ ثبوتا لَا يُخَالِفهُ فِيهِ مُخَالف من أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تجْعَلُوا قَبْرِي مَسْجِدا لَا تجْعَلُوا قبرى وثنا لعن الله الْيَهُود اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسْجِدا وَكَانَ هَذَا القَوْل من آخر مَا قَالَه فِي مرض مَوته كَمَا ثَبت أَن آخر مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَمر بِإِخْرَاج الْيَهُود من جَزِيرَة الْعَرَب وتنفيذ جَيش أُسَامَة ثمَّ كَانَ الْوَاقِع من أمته بعد هَذَا التَّأْكِيد أَنهم بنوا على قَبره الشريف قبَّة ومازال مُلُوك الْإِسْلَام يبالغون فِي تحسينها وتزيينها وَرفع سمكها وَوَضَعُوا القباب وَرفعُوا الْقُبُور وَكَانُوا يَفْعَلُونَ هَذَا بِأَهْل الصّلاح ثمَّ تزايد الشَّرّ وصاروا يَفْعَلُونَ ذَلِك لمن لَهُ رئاسة دنيوية وَإِن كَانَ من أفجر الفجرة وَقد يُوصي الْمَيِّت فِي وَصيته بذلك.
 
وَالْخَيْر كل الْخَيْر فِي الْكتاب وَالسّنة فَمَا خرج عَن ذَلِك فَلَا خير فِيهِ وَإِن جَاءَنَا أزهد النَّاس فِي الدُّنْيَا وأرغبهم فِي الْآخِرَة وأتقاهم الله تَعَالَى وأخشاهم لَهُ فِي الظَّاهِر فَإِنَّهُ لَا زهد لمن لَا يمشي على الْهدى النَّبَوِيّ وَلَا تقوى وَلَا خشيَة لمن لم يسْلك الصِّرَاط الْمُسْتَقيم, فَإِن الْأُمُور لَا تكون طاعات بالتعب فِيهَا وَالنّصب وإيقاعها على أبلغ الْوُجُوه بل إِنَّمَا تكون طاعات خَالِصَة مَحْضَة مباركة نافعة بموافقة الشَّرْع وَالْمَشْي على الطَّرِيقَة المحمدية .
وَاعْتبر بالخوارج فقد وَصفهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا وصف من تِلْكَ الْعِبَادَات والمجاهدات الَّتِي لَا تبلغ عبادتنا وَلَا مجاهدتنا إِلَى شئ مِنْهَا وَلَا تعْتَبر بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا وَمَعَ هَذَا فَقَالَ إِنَّهَا لَا تجَاوز تراقيهم وَقَالَ إِنَّهُم يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية وَقَالَ إِنَّهُم كلاب النَّار فَانْظُر كَيفَ كَانَت مجاهداتهم وعباداتهم وقيامهم اللَّيْل وصيامهم النَّهَار نقمة عَلَيْهِم وبلية ومحنة لَهُم لم تعد عَلَيْهِ بنفع قطّ إِلَّا مَا أصيبوا بِهِ من الخسار والنكال والوبال فَكَانَت تِلْكَ الطَّاعَات الصورية من صَلَاة وَصِيَام وتهجد وَقيام هِيَ نفس الْمعاصِي الْمُوجبَة للنار .
وَهَكَذَا كل من رام أَن يُطِيع اله على غير الْوَجْه الَّذِي شَرعه لِعِبَادِهِ وارتضاه لَهُم فَإِنَّهُ رُبمَا يلْحق بالخوارج بِجَامِع وُقُوع مَا أطاعوا الله بِهِ على غير مَا شَرعه لَهُم فِي كِتَابه وعَلى لِسَان رَسُوله .
وَإِنِّي أخْشَى أَن يكون من هَذَا الْقَبِيل مَا يَقع من كثير من المتصوفة من تِلْكَ الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال الَّتِي ظَاهرهَا التنفير عَن الدُّنْيَا والبعد عَن أَهلهَا
والفرار عَن زينتها مَعَ تِلْكَ الْوَظَائِف الَّتِي يلازمونها من التخشع والإنكسار والتلهب والتأسف والصراخ تَارَة والهدوء تَارَة أُخْرَى والرياضيات والمجاهدات مُلَازمَة أذكار يذكرُونَ بهَا لم ترد فِي الشَّرْع على صِفَات لم يَأْذَن الله بهَا مَعَ مُلَازمَة تِلْكَ الثِّيَاب الخشنة الدرنة وَالْقعُود فِي تِلْكَ المساطب القذرة وَمَا يَنْضَم إِلَى ذَلِك من ذَلِك الهيام والشطح وَالْأَحْوَال الَّتِي لَو كَانَ فِيهَا خير لكَانَتْ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الَّذين هم خير الْقُرُون .
وَلَا أنكر أَن فِي هَذِه الطَّائِفَة من قد بلغ فِي تَهْذِيب نَفسه وغسلها من الطواغيب الْبَاطِنَة والأصنام المستورة عَن النَّاس كالحسد وَالْكبر وَالْعجب والرياء ومحبة الثَّنَاء والشرف وَالْمَال والجاه مبلغا عَظِيما وارتقى مرتقا جسيما , وَلَكِنِّي أكره لَهُ أَن يتداوى بِغَيْر الْكتاب وَالسّنة وَأَن يتطبب بِغَيْر الطِّبّ الَّذِي اخْتَارَهُ الله لِعِبَادِهِ فَإِن فِي القوارع القرآنية والزواجر المصطفوية مَا يغسل كل قذر ويرخص كل درن ويدمغ كل شهية وَيدْفَع كل عَارض من عوارض السوء.
فَأَنا أحب لكل عليل فِي الدّين أَن يتداوى بِهَذَا الدَّوَاء فيعكف على تِلَاوَة كتاب الله متدبرا لَهُ متفهما لمعانيه باحثا عَن مشكلاته سَائِلًا عَن معضلاته ويستكثر من مطالعة السِّيرَة النَّبَوِيَّة ويتدبر مَا كَانَ يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ليله ونهاره ويتفكر فِي أخلاقه وشمائله وهديه وسمته وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابه وَكَيف كَانَ هديهم فِي عِبَادَتهم ومعاملاتهم ,فَإِنَّهُ إِذا تداوى بِهَذَا الدَّوَاء ولاحظته الْعِنَايَة الربانية وجذبته الْهِدَايَة الإلهية فَازَ بِكُل خير مَعَ مَاله من الْأجر الْكثير وَالثَّوَاب الْكَبِير فِي مُبَاشرَة هَذِه الْأَسْبَاب , وَإِذا حَال بَينه وَبَين الِانْتِفَاع بِهَذِهِ الْأُمُور حَائِل وَمنعه من الظفر بِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مَانع فقد نَالَ بِتِلْكَ الْأَسْبَاب الَّتِي بَاشَرَهَا أجرا عَظِيما لِأَنَّهُ طلب الْخَيْر من معدنه ورام نيل الرشد من موطنه فَكَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الأشغال من الْأجر مَا لطلبة علم الشَّرْع لِأَنَّهُ قد جهد نَفسه فِي الْأَسْبَاب وَلم يفتح لَهُ بَاب.
فَانْظُر كم بَين هذَيْن الْأَمريْنِ من الْمسَافَة الطَّوِيلَة فَإِن طَالب الرشد بِغَيْر الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة لَا يَأْمَن على نَفسه بعد الْوُصُول إِلَى مَطْلُوبه من أَن يكون صنعه كصنع الْخَوَارِج فِي خسرانهم بِمَا ظنوه ربحا ووقوعهم فِي الظلمَة وَقد كَانُوا يظنون أَنهم يلاقون صبحا لأَنهم خالفوا الطَّرِيقَة الَّتِي أرشد الله إِلَيْهَا عباده وَأمرهمْ بسلوكها.
 
وَإِذا كَانَ هَذَا الْأَمر مجوزا فِي طلبة الْخَيْر من غير طَرِيق الشَّرْع كصلحاء الصُّوفِيَّة اللَّذين لَا رَغْبَة لَهُم فِي غير تَهْذِيب أَخْلَاقهم على وَجه يُوجب زهدهم فِيمَا ترغب النُّفُوس إِلَيْهِ وتتهالك الطبائع البشرية عَلَيْهِ فَمَا ظَنك بِمن كَانَ من متصوفة الفلاسفة الَّذين يدورون بمرقعاتهم وأبدانهم القشفة وثيابهم الخشنة ووجوههم المصفرة حول مَا يَقُوله الفلاسفة من تِلْكَ المقالات الَّتِي هِيَ ضد الشَّرْع وَخلاف لَهُ وينهقون عِنْد إِدْرَاك شئ من تِلْكَ المعارف الشيطانية نهيقا مُنْكرا ويسمون ذَلِك حَالا وَهُوَ عِنْد التَّحْقِيق حَال حَائِل عَن طَرِيق الدّين وخيال مائل عَن سَبِيل الْمُؤمنِينَ , وللرد على هَؤُلَاءِ جمعت الرسَالَة الَّتِي سميتها الصوارم الْحداد هِيَ من المجموعات الَّتِي جمعتها فِي أَيَّام الحداثة وأوائل الشَّبَاب.
وَبعد هَذَا كُله فلست أَجْهَل أَن فِي رجال هَذِه الطَّائِفَة الْمُسَمَّاة بالصوفية من جمع الله لَهُ بَين الْمُلَازمَة لهَذِهِ الشَّرِيعَة المطهرة وَالْمَشْي على الطَّرِيقَة المحمدية والصراط الإسلامي مَعَ كَونه قد صَار من تصفية بَاطِنه من كدورات الْكبر وَالْعجب والحسد والرياء وَنَحْوهَا بِمحل يتقاصر عَنهُ غَيره ويعجز عَنهُ سواهُ
وَلَكِنِّي فِي هَذَا المُصَنّف بِسَبَب الْإِرْشَاد إِلَى الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة والتنفير عَمَّا عداهما كَائِنا مَا كَانَ فلست أحب لمن أَرَادَ الْقرب إِلَى الله والفوز بِمَا لَدَيْهِ وَالظفر بِمَا عِنْده أَن يتسبب إِلَى ذَلِك بِسَبَب خَارج عَنْهُمَا من رياضة أَو مجاهدة أَو خلْوَة أَو مراقبة أَو يَأْخُذ عَن شيخ من شُيُوخ الطَّرِيقَة الصُّوفِيَّة شَيْئا من الاصطلاحات الموصلة إِلَى الله عِنْدهم بل يطْلب علم الْكتاب وَالسّنة ويأخذهما عَن الْعلمَاء المتقنين لَهما المؤثرين لَهما على غَيرهمَا المتجنبين لعلم الرَّأْي وَمَا يُوصل إِلَيْهِ النافرين عَن التَّقْلِيد وَمَا يحمل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك سلك مَسْلَك النُّبُوَّة وظفر بهدى الصَّحَابَة وَسلم من الْبدع كائنة مَا كَانَت فَعِنْدَ ذَلِك يحمد مسراه ويشكر مسعاه ويفوز بِخَير أولاه وأخراه.............
جاء في الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد للشوكاني رحمه الله:
وإذا عرفت هذا فاعلم أن الرزية كل الرزية، والبلية كل البلية أمر غير ما ذكرناه من التوسل المجرد، والتشفع ممن له الشفاعة، وذلك ما صار يعتقده كثير من العوام، وبعض الخواص في أهل القبور، وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء من أنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله -جل جلاله- ويفعلون بهم ما لا يفعله إلا الله -عز وجل- حتى نطقت ألسنتهم مما انطوت عليه قلوبهم، فصاروا يدعونهم تارة مع الله تعالى، وتارة استقلالا، ويصرحون بأسمائهم، ويعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع، ويخضعون لهم خضوعا زائدا على خضوعهم عند وقوفهم بين يدي ربهم في الصلاة والدعاء.
وهذا إذا لم يكن شركا فلا ندري ما هو الشرك، وإذا لم يكن كفرا فليس في الدنيا كفر .
 
عودة
أعلى