الفوائد المنتقاة من ( تكوين المفكر ) أ.د. عبد الكريم بكار

أبو مالك العوضي

فريق إشراف الملتقى المفتوح
إنضم
12/08/2006
المشاركات
737
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
الفوائد المنتقاة من كتاب
( تكوين المفكر )
أ.د. عبد الكريم بكار
الإسلام اليوم - دار وجوه للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى والثانية 2010​

وهو من الكتب المتميزة من حيث الأسلوب والفكرة والعرض، وفي آخر الكتاب تلخيص وانتقاء من المؤلف للأفكار والمفاهيم الأساسية الواردة في الكتاب.

ومن المهم أن يقرأ الإنسان كلام العلماء والمفكرين بتدبر وتأمل وتقليب لوجوه النظر قبل المسارعة إلى النقد؛ فليكن حرصك على الاستفادة أكبر من حرصك على تعقب الكلام؛ لأنه لا يسلم أحد من الدخل.

أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي​
 
7
... خشية أن يتوهم متوهم أنه إذا اطلع على كتاب أو كتابين أو عشرة كتب في تحسين المحاكمة العقلية وتحسين أسلوب ممارسة التفكير وفي تنمية الحس النقدي فإنه يصبح مفكرا، وهذا بالطبع غير صحيح.

8
وإذا عدنا إلى الوراء نحوا من عشرين سنة فسنجد أن كثيرا من طلاب العلم لم يكونوا يظهرون أي قدر من الارتياح والاطمئنان لتحليلات المفكرين ومقارباتهم، ولعل ذلك يعود إلى هشاشة المعرفة الشرعية لدى كثير من أصحاب الطرح الفكري.

8
هذا الكتاب هو هدية متواضعة لإخواني طلاب العلم الذين لم تسعفهم دراساتهم المتخصصة بامتلاك المفاهيم والقواعد الأساسية التي يحتاجون إليها في استيعاب التحديات المعاصرة والتعامل معها. لكن لا بد لي من القول: إن كلمة مفكر غامضة الدلالة، وسأبذل جهدا من أجل توضيحها، لكن مهما كانت درجة الوضوح التي سنصل إليها فإن مدلولها لن يكون أفضل وضوحا من كلمة عالم أو مثقف أو فيلسوف، وسنظل نتجادل فيما إذا كان فلان من الناس يستحق / أن يطلق عليه لقب من هذه الألقاب أو لا؟

9
ليس في الجامعات أي تخصص يمكن أن نقول إنه يجعل من دارسيه مفكرين صغارا ... لأن معرفة القواعد والأصول والأفكار مهما كانت ممتازة لا تصنع بالضرورة مفكرا ممتازا

9
إن هذا الكتاب يهدف ... إلى تحسين المحاكمة العقلية لدى القارئ وتمليكه قدرا جيدا من الرؤى والمفاهيم التي تساعده على فهم ذاته وفهم عصره كما تساعده على امتلاك رؤية نقدية للواقع الذي يعيش فيه

11
والحقيقة أن لدينا عددا من المصطلحات التي نستخدمها في حياتنا الدعوية والعلمية ونطلقها على أشخاص يعملون في حقول المعرفة والإصلاح والإبداع، ومن أهم تلك المصطلحات: العالم، المصلح، الداعية، المتخصص، المثقف، الفيلسوف ...
إن من الصعوبة بمكان وضع فواصل واضحة بين مدلولات هذه الكلمات ...
العقل ليس مجهزا بفطرته للتعامل مع الصفات بكفاءة على خلاف تجهيزه للتعامل مع ما هو من قبيل الكم والرقم

12
المتخصص هو طالب علم صرف قدرا من عمره في دراسة تخصص من التخصصات العلمية ...
العالم هو شخص برع في تخصص من التخصصات حتى فاق أقرانه أو صار بين المتفوقين من أقرانه ...
المصلح هو شخص لديه رؤى وأفكار إصلاحية ذات طابع سياسي أو أخلاقي أو اجتماعي

13
كل من سميناهم مصلحين في تاريخنا الإسلامي كانوا ينطلقون من عقيدة الإسلام ومن أصالته وأصوله ومفاهيمه الكبرى ...
المصلح ... يتحرك على أرض الواقع بما لديه من رؤية إصلاحية حركة حثيثة ويغلب على أفكاره الطابع العلاجي والنهضوي وليس الطابع التنظيري الفلسفي.
....
الداعية شخص لديه علم وفكر وهم إصلاحي وعمله الأساسي هو التبليغ والتذكير والهداية ودفع الناس في طريق الصلاح ... كما أنه لا يقوم في الغالب بإجراء الدراسات والبحوث
....
الداعية دون المصلح في استيعابه لمشكلات الأمة وفي سعة أفقه وحركته، ودون العالم في معرفة أحكام الشريعة وآدابها
 
13
المثقف: شخص تجاوز تخصصه الأساسي ووسع دائرة اهتمامه على صعيد القراءة والمطالعة / وعلى صعيد التأثير ... يمتلك ملاحظات نقدية ... لا يوسع دوائر احتكاكه بالجماهير، فقلمه ولسانه هما الجسر الذي يعبر من خلاله إلى عقول الناس وقلوبهم ... الشخصيات العامة من فئة المتعلمين، بالإضافة إلى الكتاب الصحفيين، ومعدي البرامج الإذاعية والتلفازية، وكتاب القصص والروايات، والممارسين للنقد الأدبي
14
يقول نعوم تشومسكي: المثقف هو من حمل الحقيقة في وجه القوة
15
البحوث الفلسفية تلبي في معظم الأحيان حاجات العقل، على حين أن العلم والاختراع يلبيان الحاجات المختلفة للناس ...
أما الفيلسوف فإنه يبحث في التعريفات والمصطلحات والقيم والأهداف .... يبحث في مسائل وقضايا كلية ...
العالم يستخدم في عمله المفاهيم والأفكار الناجزة، أما الفيلسوف فإنه يقوم بصناعة المفاهيم وإبداعها ونقدها وتطويرها وغربلتها ...
أما الفيلسوف فيركز من خلال الأسئلة الكبرى التي يطرحها على إثارة المزيد من المشكلات واكتشاف المزيد من التناقضات في الحياة العامة.
16
لو فرضنا جدلا أننا اتفقنا على تعريف الفيلسوف والمثقف والمصلح يظل لدينا إشكال كبير جدا فيما سماه الأصوليون تحقيق المناط أي تحقيق الشخص الذي يستحق لقب مفكر أو عالم أو مثقف، وهذا الإشكال لا حل له.
16
المفكر يتبوأ منزلة ثقافية وعقلية هي فوق منزلة المثقف ودون منزلة / الفيلسوف
17
وإنما يقوم [التصنيف] على أساس مقدار التجريد والتنظير والتعالي عن الواقع لدى هذه الفئات الثلاث
17
المفكر يتردد بين صناعة المفاهيم وبلورة الرؤى واستخلاص العبر وكشف السنن، وبين إصلاح الواقع وتشخيص الأزمات التي يعاني منها الناس
17
ومن هنا فإن المفكر يشبه الفيلسوف في أنه يظل في حالة مستمرة من التلمس للمنهجية الصحيحة في التفكير ....
فالعالم يجد نفسه شديد اليقين في كثير من المواقف وعند بحث كثير من المسائل
18
أما المفكر فإنه بسبب اشتغاله بأمور كلية وبسبب اشتغاله باكتشاف الحقائق واستخدامه الموسع للنقد يجد نفسه بعيدا عن القطع والحسم في كثير مما يقوله
20
فالمرء في نهاية الأمر ليس شيئا أكثر من اهتماماته ومهامه وأخلاقه.
....
أما المفكر فيبتهج أشد الابتهاج بقانون يكتشفه أو ملاحظة ذكية يلتقطها أو رؤية جديدة يبلورها.
....
يقول أرسطو: إن الفلسفة تتطلب ممن يعمل فيها شروطا معينة؛ منها: عشق لاذع، وذهن بارع، وصبر مقيم. وسئل أنشتاين ذات مرة عن الفرق بينه وبين الإنسان العادي؟ فقال: إذا طلبت من الإنسان العادي أن يحاول العثور على إبرة في كومة قش فسوف يتوقف ذلك الشخص عن البحث حين يعثر على الإبرة، أما أنا فسوف أقفز على كومة القش بحثا عن الإبر المحتملة.​
 
21
طريق المفكرين يبدأ بحب البحث وينتهي بالتفاني في البحث ....
المجال الذي يتحرك فيه المفكر مجال رحب للغاية؛ إنه الشأن الإنساني كله والحضارة الإنسانية كلها، وهذا يعني إتاحة مدى واسع للاختلاف بين المفكرين.

22
حين يبلغ الباحث مرتبة عالية في العلم والفكر ويجد نفسه في القمة فإن اكتراثه بنقد المخالفين يصبح أقل أهمية لديه، كما أن جرأته على صوغ المفاهيم والمقولات وتقديم الطروحات الجديدة تصبح أكبر.

23
لهذا نجد المفكر الحق شديد الدقة في أحكامه واستنتاجاته وتعميماته؛ لأنه يعرف أن هناك من يتلقى كلامه بشكل حرفي، وهناك من يمكن أن يستغل غموض صياغته على نحو سيء.
....
لا يستطيع أي إنسان مهما بلغ من النضج أن يكون مستقلا تمام الاستقلال، وهذا من جملة القصور المستولي على البشر ... عليه أن يبذل جهدا متواصلا في بناء عقلية متحررة من كثير من القيود

24
وهذا الانعتاق من تأثير البيئة هو الذي يمهد الطريق أمام المفكر للانتقال من المحلية إلى العالمية.
....
وبعض الناس لديهم ذكاء وعلم وتمرس في الكتابة ولاجدل، لكنهم تحولوا إلى أبواق أو أشياء استعمالية ....
إن الانتماء يكون فضيلة بل شيئا أساسيا في حياة الإنسان حين ينحاز المرء إلى الكليات والثوابت والمعطيات المتفق عليها ....
رأيت في حياتي أشخاصا يتمتعون بقدر كبير من الذكاء والفطنة، ومع هذا فقد كانت لهم طروحات فجة وأقوال تدعو إلى العجب، وما ذلك إلا لأنهم منحوا العصمة لأشخاص غير معصومين

25
إن الواحد منا يشعر بالفخر والثراء حين يتذكر الحجم الضخم لما يحفظه من نصوص وشواهد وقصص وعبر وتجارب وخبرات ... لأن العقل من غير معرفة أشبه بحاسب آلي من غير برامج .... ونحن حتى نحافظ على مخزوننا المعرفي فإن الذاكرة تلح علينا بأن نشرح ما لدينا من محفوظات، ونبدع في تلخيصه وتعليله وتطلب دوام مراجعته والاهتمام به حتى لا نفقده، وهذا يعني اشتغال العقل به وانصرافه إليه .... أي تطلب من العقل أن ينصرف عن التفكير في الماضي ... والتاريخ يدل على أن سطوة الذاكرة هائلة وأن معظم العقول تخضع لها بالفعل، والدليل هو قلة المجتدين والمفكرين وكثرة الحفظة والمقلدين

26
إذن على الواحد منا أن يغترف من الذاكرة دون أن يبلل ثيابه بمائها ....
لكن الذي حدث هو اتجاه السواد الأعظم من الناشئة والشباب إلى الحفظ مع إهمال شبه تام للتدبر والتفكير في معاني القرآن الكريم ومراداته .... ويذكرون في هذا الإطار أن أبا حنيفة النعمان كان عند الأعمش وكان الأعمش يلقي عليه مسائل فيجيبه أبو حنيفة فيقول له الأعمش: من أين لك هذا؟ يسأل عن مستنده في إجاباته فيقول أبو حنيفة: أنت حدثتنا عن إبراهيم بكذا وحدثتنا عن الشعبي بكذا، فكان الأعمش يقول: يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة.

27
وإذا تأملنا في تراجم المحدثين المعروفين بحفظ السنة فإننا نجد أنهم لم يكونوا من المتفوقين في الفقه، كما أن الذين اشتغلوا بالفقه لم يكونوا يعدون بين أئمة المحدثين ولهذا استثناءات قليلة ....
وأنا هنا أدعو المشتغلين بالفكر إلى الانفتاح على النصوص والتراث عامة، وأدعو المشتغلين بالحفظ إلى الإصغاء لما يقوله المفكرون

27
العلم هو عبارة عن مسائل جزئية تم تنسيقها على نحو معين لتشكل تخصصا محددا ... وإن المتخصص في أي علم كلما تعمق في تخصصه وجد نفسه يشتغل بمسائل أصغر حجما .... حتى إن في إمكانك أن تقول إن بعضهم يكتب أشياء كثيرة عن (لا شيء).

28
كل واحد منهم ينظر إلى تخلف الأمة من أفق تخصصه ويطرح رؤاه الإصلاحية من أفق ذلك التخصص وهذا واضح.
....
المفكر لا يكتفي بالقول: إن كل جوانب الحياة لدينا متخلفة وتحتاج إلى نهضة، وإن كل الجهات والفئات مسؤولة عن ذلك التخلف

29
... وهذه المعرفة نابعة من فهمه العميق لطبائع الأشياء وسنن الله تعالى في الخلق وفهمه للعلاقات التي تربط بين الجوانب المتعددة للتخلف. ....
أي أن المفكر يرى الجزئي في ضوء الكلي ....
لا يمكن لأهل تخصص أن يضمنوا نتائج جهودهم فيه على نحو مطلق، وذلك بسبب التشابك بين النظم والمجالات المختلفة.

30
العقل البشري لا يستطيع العمل في فضاء مطلق وخال من الثوابت والأطر والمسلمات
....
هناك دائما ثوابت تجاوزت مرحلة النقاش
....
المفكر في أمس الحاجة إلى التمسك بالقيم الإنسانية العليا التي لقيت نوعا من الإجماع على مدى العصور؛ بسبب اتصالها بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، وبسبب تعزيز الرسالات السماوية لمضامينها وتأكيد الخبرات البشرية على ضرورة الانحياز إليها، ومن تلك القيم القيم الثلاث المشهورة: الحق والخير والجمال.
 
31
المفكر المسلم هو مسلم أولا ومفكر ثانيا وهذا يشكل فارقا جوهريا بينه وبين المفكر العلماني أو اللاديني.

32
حكمة الله تعالى اقتضت أن يظل الإنسان محتاجا إلى التفكير والتأمل.
....
أما ما يختلف باختلاف الزمان والمكان مثل شؤون الإدارة والحكم والعلاقات الدولية وتنظيم الحياة الحضرية فإن النصوص فيه قليلة
....
إن من المهم دائما ألا تصطدم اجتهادات المفكر المسلم وأطروحاته بالإجماع أو النصوص الثابتة والصريحة في دلالتها أما المسكوت عنه والمختلف فيه فمجال النظر فيه واسع

34
الدماغ ... ما يقرب من 2% من وزن الجسم وسطيا لكنه يستهلك أكثر من 20% من الطاقة الواردة إلى أجسامنا. هذه الكتلة تتشكل من نحو مئة مليار خلية ولكل خلية عشرة آلاف اتصال مع الخلايا الأخرى
....
ويشير بعض الدراسات إلى أن دماغ الإنسان يعمل بأعلى قدر من الكفاءة حين يكون المرء في / التاسعة والثلاثين من عمره، ثم يبدأ بالتراجع بعد سن الأربعين

35
أما الذاكرة فإنها تبدأ في التراجع في سن مبكرة ربما تكون عند بلوغ الإنسان الخامسة والعشرين من عمره.
....
إذا كان الدماغ وهو شيء محسوس معاين ما زال محاطا بالكثير من الأسرار، فإن العقل وهو شيء معنوي سيظل غارقا في الكثير من الغموض، والذي قد لا نجد له أية نهاية، ولهذا فإن كل ما يقال في هذا الشأن لا يخلو من شيء من التخمين.

36
بعض العلماء ينظرون إلى العقل على أنه مجموعة من الأفكار والمشاعر والعواطف والأحاسيس وما إلى ذلك .. وبعضهم ينظر إليه على أنه ذات مستقلة عليا تتضمن الأفكار والمحاكمات العقلية والمشاعر

37
ويذكر بعض الباحثين اليوم أن بعضا ممن زرعت لهم قلوب طبيعية وصناعية قد تغيرت عواطفهم على نحو جذري مما يدل فعلا على أن القلب اللحمي المادي هو مركز للعواطف والمشاعر .. لكن في اعتقادي أن ما يذكر من ذلك لا يعدو أن يكون عبارة عن حالات فردية هي إلى الشذوذ أقرب، واحتمالات الوهم والخلط في هذه المسائل كبيرة جدا

38
ومن الواضح أن عقولنا كما أشرنا هي عبارة / عن مفاهيم وأفكار وملاحظات وآراء ومشاعر تتشكل على نحو عام من واردات الحواس: السمع والبصر والشم والذوق واللمس

39
إن (الشحادة) فن كامل له أصوله وأدبياته، وله رجاله وفرسانه وخبراؤه!

40
إن علماءنا القدامى نظروا إلى العقل على أنه أداة لإرشاد صاحبه إلى الطريق القويم ... وفي هذا يقول سفيان الثوري: (ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل هو الذي يعرف الخير فيتبعه ويعرف الشر فيتجنبه)، ويقول محمد بن ورد بن نصرويه: العقل أن يغلب حلمك جهلك وهواك، وعن سفيان بن عيينة أنه قال: (لا تنظروا إلى عقل الرجل في كلامه، ولكن انظروا إلى عقله في مخارج أموره) أي في حسن تدبيره لشؤونه.
 
41
وفهم الحقائق يعني أننا نعرف أنفسنا ... وهذا يشكل شرطا مهما لتقدم البشرية وازدهارها وشرطا مهما لتجاوز الكثير من المشكلات التي تعاني منها.

42
الشغف بمعرفة الحقائق من صفات المفكرين العظام، حيث إن من الصعب أن نجد مفكرا كبيرا لا يهتم بالحصول على درجة عالية من الوضوح لكل القضايا والمسائل التي يفكر فيها

43
هناك حقائق متفق عليها، وهناك آراء شخصية لأهل العلم، وإن المسيرة العلمية على كل الأصعدة تمضي نحو تمحيص الآراء وتجاوزها في اتجاه بلورة المزيد من الحقائق

43
حين يسود الجهل ويخيم الجمود العقلي يسارع الناس إلى تصديق كل ما يسمعونه ويتلقونه على أنه حقيقة ثابتة ... وهذا ما حدث في كل العلوم دون استثناء.
....
وإن من سنن الله سبحانه وتعالى في هذا الشأن أننا كلما اقتربنا من الشيء الذي نريد رؤيته ومعرفته رأينا مساحات أقل وتفاصيل أكثر، وكلما ابتعدنا عنه رأينا مساحة أكبر وتفاصيل أقل، وهذا ينطبق على المعنويات والماديات.

44
تركيز البحث والفهم والخبرة في موضوعات صغيرة يجعلنا نفهمها بشكل جيد، لكن هذا يحرمنا من فهم شيء مهم هو الامتداد المعرفي لتلك الموضوعات والعلاقات التي تربطها بالعوم الأخرى
....
أما الذي يقرأ في عدد من التخصصات دون أن يهتم بأي منها، فإنه يخوض في حقول معرفية أوسع، ويطلع على معلومات أكثر لكنه يجد نفسه عاجزا عن التحقيق في المسائل الكثيرة التي يطلع عليها، وعاجزا عن الإضافة إلى أي علم يقرأ فيه، بل ربما شكلت قراءاته المتفرقة عقلا مملوءا بالأوهام والمعارف غير الممحصة ولا مدققة، إذن سيكون من المفيد أن يبذل طالب العلم 60% من جهده ووقته في تخصص محدد، وأن يترك 40% من ذلك للقراءة في فضاءات ذلك التخصص وامتداداته، وفي العلوم الشرعية والعامة.

45
الإنسان يملك قدرة فائقة على / تسمية الأشياء بغير أسمائها، وإن ما تملكه اللغة من مرونة وثراء وأساليب يساعد في ذلك مساعدة كبيرة

46
يكفي إدراك الحقيقة والاعتراف بها فضلا وأهمية أنهما يفتحان أمامنا بابا لنقد أنفسنا ومراجعة أخطائنا وتشخيص أدوائنا وعيوبنا، وهذه مهمة المصلحين والدعاة والمفكرين وقادة الرأي. حتى تحررنا الحقيقة فإن علينا أن نتحمل الأوجاع التي تثيرها والانكسارات التي تفضحها.
....
الحقيقة تحررنا بشرط أن نقبل تحريرها، وإلا زادتنا خبالا واضطرابا.

47
مضت سنة الله في خلقه أن يجعل في كل حقيقة من الحقائق الكبرى عناصر غيبية استأثر الله بعلمها وحجبها عن عباده.

52
إننا إذ نفكر نشبه الذي يخض اللبن ليستخرج منه الزبد

54
أنا هنا أدعو القارئ الكريم إلى أن يشحذ ذهنه وخياله وينمي قدرته على التفكيك والتركيب من خلال محاولة بناء عدد كبير من النماذج، ثم عرضها على بعض الأساتذة والزملاء من أجل مناقشتها.

55
وهكذا يكون فن بناء النماذج هو نفسه فن مكافحة العماء والغموض وفن تسهيل الإدراك والقبض على الحقائق.
....
ويأتي المفكر ليوضح أن ما يظن أنه منطقي ليس كذلك، وما يظن أنه مكتمل ومفهوم ليس كذلك

57
المعروف أن الإنسان لم يستخدم سوى جزء يسير من طاقاته وقدراته الذهنية
....
المال الوفير أحيانا يصرف العقل عن الإبداع والبحث عن حلول اقتصادية عن طريق البحث والتطوير ... ومما يستشهد به في هذا السياق ما يذكر من أن علماء وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) حين كانوا يجهزون الرحلات للفضاء الخارجي واجهتهم مشكلة كبيرة هذه المشكلة تتمثل في أن رواد الفضاء لن يستطيعوا الكتابة بالأقلام بسبب انعدام الجاذبية، بمعنى أن الحبر لن ينثال من القلم على الورق، فماذا يفعلون لحل هذه المشكلة؟
قام العلماء ببحوث استمرت عشر سنوات وتم إنفاق أكثر من اثني عشر مليون دولار من أجل تطوير قلم جاف تمكن الكتابة به في حالة انعدام الجاذبية، كما تمكن الكتابة به أيضا على سطح أملس مثل الكريستال، وحين واجه الروس هذه المشكلة حلوها بطريقة بسيطة جدا ومن غير إنفاق أي مال، إنهم قرروا استخدام أقلام الرصاص بدلا من أقلام الحبر!

58
... ابتكروا بديلا للأشعة السينية، هو عبارة عن مروحة إلكترونية قاموا بضبط قوة دورانها بما يناسب وزن الصندوق الفارغ، وتم توجييها إلى خط خروج الصناديق بقسم التسليم، حيث يسقط الصندوق الفارغ من فوق السير من تلقاء نفسه بفعل اندفاع الهواء. إنه حل أقل تكلفة وأيسر بسبب وجود عقل مبدع. وفي الهند تعمل إحدى شركات الحاسب الآلي على تخطي النماذج الحاسوبية السائدة والتي يصعب اقتناؤها على كثير من أبناء الفقراء في العالم، وهذا التخطي سوف يتجسد في حاسب آلي بسيط يلبي الكثير من حاجات طلاب المدارس، ولا يتجاوز ثمنه خمسة عشر دولارا!

59
فإنني لا أتردد في القول: إن عواطفنا وأحاسيسنا هي التي تشكل البنية العميقة لنا، فالإنسان يكون إنسانا ليس على مقدار تفكيره، ولكن على مقدار مشاعره وعواطفه ...
....
ومن المؤسف أن كثيرا من الناس الأذكياء يصدرون حكما فوريا بناء على مشاعرهم، وبعد ذلك يحاولون استخدام ذكائهم في تسويغ ذلك الحكم ودعمه.
....
ولا بد من الإشارة هنا إلى شيء آخر هو أن العواطف والمشاعر ميالة إلى التطرف، فنحن قد نحب شخصا أو شيئا حتى إننا لا / نتصور كيف تستمر حياتنا من غيره، وبعد مدة ننصرف عنه حتى إننا لنعجب من تعلقنا به في السابق.
 
61
... وهو أن نحذر كل الحذر من الأفكار والمفاهيم والتصورات الخاطئة واليائسة والمحبطة والمشوهة، فهي قادرة دائما على جعل مشاعرنا تتجه الوجهة الخاطئة أو تكون سوداوية تعكر حياتنا وتسلبنا الطمأنينة والهناء.

62
وقد أكد بعض الدراسات الحديثة على هذا الصعيد أن المنظومة الوجدانية لدى الإنسان معقدة ومركبة وشديدة المقاومة للتغيير
....
عدد الألياف العصبية المتجهة من المراكز الوجدانية في المخ إلى المراكز المنطقية يفوق كثيرا التي تسير في الاتجاه المعاكس، وهذا يعني أن تأثير الانفعال والوجدان في السلوك والتعليم والمحاكمة العقلية يفوق كثيرا تأثير الأفكار في المشاعر
....
والظاهر أن العاطفة تجعل من نفسها ما يشبه الغشاء أمام عيون العقل، من هنا حذرنا الله تعالى من أن يحملنا بغض بعض الناس على الجور في الأحكام التي نصدرها عليهم

63
ومسألة تأثير العواطف في إصدار الأحكام معروفة في كل الثقافات الحية وهي جزء من التجربة الإنسانية

64
حيث إن من الملموس أن الذين لديهم نوع من الجمود العاطفي تكون عقلياتهم أقرب إلى التصلب، على حين أن الحيوية العاطفية تبعث من يتمتع بها على تقبل بعض وجهات النظر المخالفة لمعتقداته، ومن المعروف أن إحساس الإنسان بالمرح والسعادة يساعده على الوصول إلى أفكار جديدة ومبدعة.

65
ولذا فإن سوء الفهم شيء رائج ومنتشر في كل مكان، وهذا يتطلب من المفكر أن يحاول توضيح طروحاته ومقولاته، كما يتطلب من كل واحد منا أن يحاول التأكد من أنه فهم ما قرأه وسمعه على نحو جيد قبل برمجته في عقله أو إصدار حكم عليه.

66
اللغة وسيلة لتخزين الأفكار والمفاهيم والمعلومات ووسيلة لاسترجاعها من الذاكرة أيضا.

66
ومن الواضح أنه كلما وفقنا لصياغة أفكارنا في تعبيرات جميلة ورصينة ومبدعة كان اختزاننا لها واسترجاعنا إياها يتم بطريقة أسهل، وهكذا فإن الحكم والأمثال والمقولات الأخاذة والمبتكرة تظل على طرف الألسنة وفي متناول اليد، وحين يكون التعبير ضعيفا أو متنافرا، فإن الذي ينتظره هو الغوص في أعماق الذاكرة ثم الضياع الأبدي، ومن وجه آخر فإن منطقية الأفكار وترابطها يجعل استدعاءها من الذاكرة أيسر وأسهل، كما أننا كلما كنا أكثر انتباها وحضورا وقت اختزانها صار الاسترجاع أسهل، والعكس صحيح.

67
وقد كان هيجل من أكثر الفلاسفة الذين اهتموا ببحث العلاقة بين الفكر واللغة، وهو يرى أن التفكير بدون كلمات محاولة عديمة المعنى لأن الكلمة تمنح الفكرة وجودها الأسمى والأصح.
....
علينا أن نعطي لحصيلتنا اللغوية الشخصية المزيد من الاهتمام، فالمتمكن من اللغة يستطيع أن يصل إلى أفكار دقيقة ومنظمة، بل إن المتمكن في اللغة يستطيع أن ينمي اللغة نفسها من خلال إبداعه لأساليب واستخدامات جديدة، ومن خلال إثرائه الصور والتشبيهات المتداولة.

68
ومن هنا فإن الشخص الذكي جدا لو فكر في مسألة من المسائل، وكان أميا أو كانت مهارته اللغوية ضعيفة، فإنه لا يستطيع الاهتداء إلى حل معقد لما يفكر فيه بسبب قصور معرفته باللغة، وإذا فرضنا أنه اهتدى إلى حل عظيم فإنه لا يستطيع التعبير عنه وهذا يشكل خسارة كبيرة جدا للشخص ولأمته، وهكذا نجد أن الجهل باللغة أكبر قاتل للموهبة لأنه يفقرها، بل يجعلها أشبه بالعدم.
....
من هنا نقول إن اللغة ليست عبارة عن رموز ومواصفات فنية لقدرتنا على النطق، وإنما هي أسلوب وتصور وطريقة نظر إلى الحياة والأحياء، وعلى مقدار مهارتنا وحذقنا بها / تتحسن منهجية تفكيرنا.

69
إن المفكر قد يحتاج إلى معرفة معاني عشرين أو ثلاثين ألف كلمة على حين أن الإنسان العادي لا يستخدم أكثر من خمسة آلاف إلى ستة آلاف كلمة. إن القراءة في كتب المفكرين وكبار الروائيين والأدباء والقراءة في دواوين الشعراء العظام .. إن كل ذلك يثري معرفتنا باللغة، ويزيد في سيطرتنا عليها، وإن على الشباب الطامحين لأن يكونوا مفكرين كبارا أن يجعلوا من اكتساب المهارات اللغوية شيئا مهما في تكوينهم المعرفي.

70
الناس في المجتمعات المتعلمة أقل رضوخا لما هو سائد من أفكار ومقالات وعادات، على حين أنهم في المجتمعات التي تغلب عليها الأمية وضحالة المعرفة، يستكينون لما هو عام ومسيطر، ويظهرون نوعا من المباهاة بتلك الاستهانة.

71
ومن الملاحظ في هذا السياق أن الأفكار والمفاهيم والمقولات الأكثر سهولة وسطحية هي التي تظفر بنصيب الأسد من الانتشار والتعميم والتداول، مما يكبح أي فكر عميق لدى الأفراد، ويدفع بالصفوة إلى العمل في مجال خاص ومحدود. هذا يعني أن التيار العريض في المجتمع ليس هو التيار الأكثر علما أو فهما أو صلاحا.

73
... فهم تركيبة العقل الجمعي وفهم أوجه الخلل فيه، ثم البقاء على مسافة محسوبة منه، حيث إن تجاهله على نحو تام مشكلة تشبه مشكلة الاندماج فيه.

74
وقد دعا القرآن الكريم إلى شيء من هذا التمايز ... {أن تقوموا لله مثنى وفرادى} ... هذه دعوة من الله تعالى لمن يريد الوصول إلى الحقيقة بأن ينعزل بوعيه وجسمه عن الوسط الذي يعيش فيه وعن أفكاره ومفاهيمه ورواسبه ومقولاته، ثم يقوم بالتفكير والتأمل ليرى الأشياء بعيدا عن سلطة الجماهير وسلطة العقل الجمعي القاهر

76
صحيح أن بعض الناس يميز بين الوحي وبين العادات والتقاليد، لكن معظم الناس يتعاملون مع الدين على أنه جزء من ثقافتهم أو يحاولون دمجه في حياتهم العامة

77
كان الناس يظنون أن الإبداع شيء مرادف للذكاء أو العبقرية ...
من الواضح أن الإبداع في شيء أو مجال ما قد لا يتطلب أكثر من التدريب أو التركيز أو مجاهدة النفس / أو التضحية أو الشعور بالمسؤولية.

78
الإبداع هو المجيء بشيء غير مسبوق، والوصول إلى نتائج لم تكن معروفة من قبل

79
لا يصبح الإنسان مفكرا بمعنى الكلمة إلا إذا كان فعلا يمارس الإبداع ...
على من يسير في طريق المبدعين أن يجعل من الإبداع أحد مشاغله الأساسية، عليه أن يقرأ ويتعلم ويناقش ليقول وليكتب وينظّر، وعليه أن يضفي على كل ذلك مسحة إبداعية ذات نكهة شخصية.
 
82
معظم الناس لا يميلون إلى بذل الجهد في استقصاء الإمكانات أو اختبار البدائل ...
الأفكار العظيمة تأتي متأخرة عادة بعد أن نكون قد عصرنا أدمغتنا عصرا، إن الفكرة البديعة لا تكون في الغالب عبارة عن ومضة ذهنية خلابة، وإنما تكون أشبه بنبتة عزيزة تحتاج إلى سقاية ورعاية وحماية حتى تشتد ويكتمل نموها.
....
إن شواهد التاريخ تدل على أن كثيرا من العباقرة والمبدعين كانوا في نظر الجماهير أشخاصا غير طبيعيين

83
إن العاديين من الناس يسألون: من أين نبدأ؟ وأين الطريق؟ أما المبدعون والرواد فإنهم يعلمون أنه ليس أمامهم طريق، فخطاهم هي التي ستشق الطريق!
....
فكاتب الرواية الشهيرة جدا يقرأ حول محاورها وأشخاصها وأحداثها عشرات وأحيانا مئات الكتب المختلفة
....
سئل المخترع الأمريكي الشهير (أديسون) عن السر الذي يقف خلف مخترعات التي تجاوزت الألف، قال: العبقرية 1% موهبة والباقي عرق جبين.

85
إذا سئلت عن الجناحين اللذين يطير بهما الإنسان في آفاق الإبداع لقلت من غير تردد إنهما الاهتمام والتركيز.

87
إن معظم الناس عاديون لأسباب كثيرة، وإن تدهور مستوى التعليم في كل المراحل ووجود عدد قليل جدا من المؤسسات التعليمية / الممتازة، على علاقة وثيقة بضمور الإبداع والاختراع في أمتنا

88
ومن هنا فإني أؤكد وأشدد على أن نختار لأبنائنا أفضل المؤسسات التعليمية المتوفرة وعلى أن ننفق على ذلك بسخاء بالغ، ونعطيه الأولوية على أي مشروعات أو استثمارات أخرى.
....
ومن هنا أقول: إن الإبداع لا يحتاج إلى تحصيل علمي رفيع ومتميز بمقدار حاجته إلى ارتفاع المرء من الاهتمام بالمذاكرة والحفظ والنجاح في الاختبارات إلى مرتبة الفهم والتحليل والاستنباط والتوظيف الجديد للمعرفة المتاحة.

89
طريق المعالي مفروش بالأشواك لكن نهايته سعيدة وعظيمة ومثمرة
الانتباه للأفكار الصغيرة حيث إن عصر الأفكار الكبرى وعصر القادة والعلماء العظام الذين يغيرون مجرى الحياة قد انتهى، وجاء عصر الأفكار والإبداعات الصغيرة التي تتراكم فتغير ببطء معالم الحياة وملامحها
....
المبدع إنسان لماح يحاول التقاط الأفكار العابرة والإشارات السريعة التي تصدر من هنا وهناك
....
حين نسمع أن شركة صينية سجلت عام 2008 ما يزيد على 1700 براءة اختراع في مجال الاتصالات أدركنا أن تلك الاختراعات متناهية الصغر

92
وحين يجد الناقد الاجتماعي صورا متفوقة وخيرة فإنه يعبر عنها ويشجعها كي يرسخها ويمكن لها في الحياة العامة، وكي ينشر روح البشر والاستبشار في نفوس الناس

93
هناك عوامل كثيرة تؤدي إلى وجود مفارقات بين التنظير والتطبيق وبين الاعتقاد والسلوك العملي
....
صناعة المفاهيم هي الشغل الشاغل للمفكر
....
إن امتلاك المرء لعدد كبير من الأفكار والملاحظات حول واقع الأمة والفرص التي أمامها والتحديات التي تواجهها وحول جذور كل ذلك وحول العلاقات التي تربط بين المسارات الحضارية المختلفة هو الذي يرشح العالم والمتخصص لنيل لقب مفكر

96
النقد هو الرئة التي تتنفس بها الأمة، وهو المصباح الذي يضيء لها الطريق، وهو لا يؤذي إلا الحالات المريضة، ولا يتضايق منه إلا من لديهم نوع من الاعوجاج والتفريط!

97
المصلحون يعرفون أنهم إذا لم يتكلموا فقد لا يتكلم غيرهم، وقد يتكلم من يهرف بما لا يعرف، ومن يسيء ويؤذي، ولهذا فإنهم يحملون على كواهلهم هموما لا يشعر بها الكثير من الناس.. الشعور بالمسؤولية هو ذلك الشعور النبيل الذي يحول الصغير إلى كبير والهامشي إلى محوري
 
102
وعندي أن هناك سببا آخر للإعراض عن القراءة وهو يتعلق هذه المرة بسياسات الحكومات في التنمية وتوفير فرص العمل، حيث إننا نجد أن معظم الوظائف لا يتصل بالمعرفة من قريب أو بعيد، ولا يتطلب ممن يشغلها الاستمرار في القراءة والبحث

104
من الثابت أن الأفكار تؤثر على العواطف، فنحن حين نسمع ثناء عاطرا على شخص يتحسن موقفنا الشعوري تجاهه، وحين نتعاطف مع شيء فإن تعاطفنا يحرض العقل على إنتاج الأفكار الإيجابية نحوه

106
إننا لو نظرنا إلى ما تنشره الصحف اليومية تجاه الأحداث المختلفة فإننا سوف نصاب بالفزع، لأن تفسير الصحف الموالية للحكومات للأحداث مباين إلى حد بعيد لتفسير صحف المعارضة، ومن المؤسف أن ما يقال اليوم سوف يصبح جزءا من تاريخ هذه الأمة، وسوف يأتي من يتخذ منه مادة يوظفها في فهم أوضعانا وأحوالنا، مع أننا نعرف أن موضوعية معظم الصحف ليست مرضية بالقدر الكافي، ومن هنا فإن نقد أي شيء مسموع أو مكتوب ينبغي أن يهتم بفهم مصلحة صاحب الكلام في الطرح الذي يطرحه، وإلا فإننا لن نفهم الأمور على الوجه الصحيح.

111
ومن الملاحظ أن كثيرا من المصلحين والدعاة باتوا يركزون / على نحو واسع على مسألة (فقه الواقع) وهذا منهم مؤشر إلى النضج والوعي بمتطلبات المرحلة

113
الجهات الأساسية التي تسهم في رسم الخريطة الإدراكية لدى الشعوب والأفراد ثلاثة: الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام

117
تبسيط الأمور هو الطريق إلى الإخفاق في فهمها!

126
وتذكر اليابان بوصفها نموذجا للدولة التي تقل فيها الفروق بين الدخل بين كبار الموظفين وصغارهم

128
وإن من المحزن أن نقول إن لدينا مئات الملايين من المسلمين الذين يكافحون من أجل الحصول على دولار واحد في اليوم!

129
والحقيقة أنه بمجرد أن تخف الرقابة على طرق جمع الثروة وبمجرد أن يضعف القضاء في تأمين حقوق الناس والدفاع عن المظلومين تتعاظم الثروات غير المشروعة، وتزيد سطوة البغي والعدوان على الضعفاء والمساكين، وليس لهذه القاعدة أي ظاهرة استثنائية.

131
الناس في حالة الخوف لا يسكتون، لكنهم يتحدثون بكل شيء في السر وفي المجالس الخاصة والمحدودة، أما في العلن فيكون نقدهم غامضا وملفوفا ومشوبا / بكثير من الاعتذار ومسبوقا بكثير من المقبلات والمسوغات.

133
... تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2008 حيث إننا نجد أن التقرير تحدث عن الأوضاع في 180 دولة ونجد أنه ليس بين الدول العشر الأولى الأكثر نزاهة أي دولة عربية أو إسلامية ونجد أن أفضل دولة عربية في الشفافية تحتل المرتبة الثامنة والعشرين عالميا، على حين أننا نجد أن أربعا من الدول العربية والإسلامية موجودة في القائمة التي تضم ثماني دول هي الأكثر فسادا في العالم !!

137
الناس كلما درجوا في سلم الحضارة علت الحياةَ العامةَ مسحةٌ أنثوية

139
وقوله صلى الله عليه وسلم (النساء شقائق الرجال) من النصوص التي يستشهد بها اليوم على نحو لم يسبق له مثيل عبر التاريخ الإسلامي.

142
لكن مع هذا نجد أن القوم هناك يجمعون أموالا ضخمة للعمل الخيري، ويكفي القول إن أمريكا صارت تجمع سنويا ما يزيد على مئتي مليار دولار لإنفاقها في وجوه الإحسان، كما أن أعداد المتطوعين هناك تشكل 30% من السكان
....
الواقع في تركيباته المختلفة لا يخضع للمنطق ولا للترابط أو التداعي الحتمي، ولا بد حتى نفهمه على نحو جيد من سعة الأفق والمرونة والتسامح مع المعايير والمؤشرات

143
فنحن حين نجتمع في ندوة لبحث مشكلات التعليم لا نطوف على المدارس حتى نتحدث عن واقعها، وإنما نعود إلى الدراسات والإحصاءات والاستطلاعات المتعلقة بما نود التحاور حوله وهكذا ....
من المهم التأكد من جودة هذه الوسائط ووثاقتها

145
حين قطعت الكهرباء في إحدى المدن الأمريكية الكبرى نشط كثير من الناس في السلب والنهب إلى حدود غريبة جدا، على أن الكهرباء تنقطع في بلدان كثيرة على نحو شبه يومي ولا يترك ذلك خللا يذكر في الأمن.

146
نعم يلام الإنسان في إحدى حالتين:
الأولى إذا لم يستفد من معارف وخبرات عصره كما لو أن طبيبا نصح اليوم بدواء أجريت حوله دراسات كثيرة تدل على عدم جواز وصفه للمرضى.
الثانية: إذا تكلم أو اجتهد الإنسان في علم أو مجال ليس من أهله، ولا يحسنه كما لو أن مهندسا تحدث في أمور شرعية أو طبية أو حقوقية

147
إن من الواضح أن التعميم هو أكبر خطأ نقع فيه أثناء الحكم على الواقع والتاريخ، وعلى الدول والأفراد وعلى كل شيء، وإن من العدل والقيام لله تعالى بالقسط أن نتريث قبل إصدار الأحكام، وأن ندرك ما في الشيء الواحد من وجوه التفاوت.

150
إن مفكري ما بعد الحداثة تلقفوا ما انتهى إليه أنشتاين من أن الثابت الوحيد هو الضوء وأن ما سواه نسبي ليقولوا: إن كل الأشياء وكل القيم والمعايير والأفكار نسبية تختلف قيمتها من شخص إلى آخر ومن زمان إلى زمان ومكان إلى مكان، وهذا يعني التأسيس لزعزعة وإعادة صياغة المقومات والمسلمات العلمية التي تحاول الوصول إلى المزيد من المعارف اليقينية
 
153
إن من سنن الله تعالى في الخلق أن القضايا والمسائل الكلية تتسم في معظم الأحيان بسمة الإطلاق، كما أن القضايا الجزئية والفرعية تتسم بسمة النسبية.

154
أنا لا أبالغ إذا قلت إن ما لا يقل عن 80% من القيم مشترك بين جميع الأمم، حيث لا تجد شخصا سويا يرى في أمور مثل الكذب وعقوق الوالدين والخيانة والقذارة والذل فضيلة، يمكن للمرء أن يثني عليها ويفتخر باتصافه بها.

156
علينا أن لا ننسى أن حرمان الإنسان من غرائزه الأساسية نسبي التأثير في سلوكه واهتماماته، فنحن نعرف في تراجم أهل العلم من كان يكابد الجوع في كثير من أيامه، ومع هذا فقد كان له إنتاج علمي غزير.
....
ولهذا فإن الإسلام اهتم على نحو استثنائي بالطرق والوسائل التي تمكننا من تلبية رغباتنا وقضاء حاجاتنا على النحو الصحيح

158
المشكل أن بعض الناس لا يؤمنون بما ذكرناه من كون الكم لا يكون إلا على حساب الكيف وكون الكيف لا يكون إلا على حساب الكم، ويستشهدون على صحة معتقدهم بأمثلة شاذة، وقد سمعت كثيرا من الناس يقولون: إن فلانة لديها عشرة أولاد، وقد ربتهم تربية أفضل بكثير من فلانة التي ليس لديها إلا ثلاثة أولد ... وهذا خطأ في التصور يتبعه فساد في الحكم

162
ولدى بعض الشعوب الإسلامية وغيرها أعراف عجيبة غريبة في مسائل المهر ومن المهم أن ندرك أن كل شعب يحاول أن يضفي المنطقية على أعرافه وتقاليده، ويحاول الوصول إلى أهداف مشروعة بطرق مشروعة وغير مشروعة.

163
نحن بفطرتنا نميل إلى إصدار الأحكام التعميمية والمطلقة لأن مؤونتها أقل، ولأنها تعبر عن وثوقية وتماسك في الرؤية، أما الأحكام والأفكار ذات المسحة النسبية والتفصيلية فإنها تحتاج إلى علم أكثر وجهد أكبر، ويبدو صاحبها وكأنه متردد أو متشكك

167
هكذا نجد أن النسبية الثقافية تساعد فعلا على رؤية كثير من الأمور بطريقة جيدة، كما تساعد على أن نكون أقوم لله بالعدل، وأن نكون أشد موضوعية وصدقا.

169
إذا كان فهم الواقع معقدا وعسيرا، فإن فهم الماضي والوقوف على أسباب وقائعه وأحداثه أشد عسرا وتعقيدا

171
ورحم الله ابن القيم حين قال: الجهل شجرة تنبت فيها كل الشرور
[باختصار وتصرف، ولفظه أطول من هذا في الفوائد]

171
البنية العميقة لعقول البشر هي بنية خرافية

172
ولو تأملنا في وضعنا اليوم حيث ينتشر العلم ويتحسن الوعي فإننا سنجد أنه ليس لدينا ولا عشر النِحَل والمذاهب التي مزقت وحدة الأمة على مدار القرون العشرة الأولى من تاريخ الإسلام
[لعله يقصد الانتشار الواسع لها، وإلا فمعظم الأفكار القديمة ما زالت موجودة ولو بقلة]

172
الخلاصة: العلم يساعد الناس على حل مشكلاتهم والوصول إلى حقوقهم من غير إراقة الدماء، أما الجهل فيدفع الناس إلى الاقتتال الخالي من الرحمة، ليجدوا بعد مدة أنهم أراقوا دماء ولم يحصلوا على الحقوق!

174
الجهل مصدر للخوف والتوهم من أشياء لا يقول بالخوف منها عقل ولا نقل
....
تاريخنا صراع بين المبادئ والظروف الصعبة

177
كان المصلحون على مدار التاريخ الإسلامي يشكون من قلة المربين الجيدين

179
إن الناس مهما كانت درجة معرفتهم متدنية ومهما كان تدينهم سطحيا فإنهم يظلون أقرب إلى الرشد في حسم أمورهم والدراية بمصالحهم.

180
في علم السياسة: كل شيء فردي إذا صار جماعيا صار سياسيا، أي كل نشاط فردي مهما كان نوعه ولو قيام الليل يظل غير مهم إلا إذا تحول إلى نشاط جماعي، فإنه يصبح في نظر الحكومات ذا بعد سياسي، ويصبح بالتالي مقلقا
....
ورحم الله الماوردي [ابن الوردي]
إن نصف الناس أعداء لمن * * * ولي الأحكام هذا إن عدل

181
وذكر بعض الباحثين في حركة الفتوح الإسلامية أنه قد لوحظ بعد انقضاء القرن الأول الهجري أن اهتمام كثير من قادة الجيوش الإسلامية بإسلام أهل البلاد التي دخلوها صار ضعيفا

182
طبيعة السنن و(المطلقات) التاريخية والاجتماعية غير صارمة
....
فهم طبائع الأشياء والسنن الربانية في الخلق يشكل العمود الفقري للتفكير المنهجي الموثوق، وإن من الصعب جدا أن نرى شخصا يمكن أن نطلق عليه لقب مفكر، وهو ضعيف الحساسية نحو هذه القضية.

184
وهكذا العقل ينتج الأخطاء والأوهام والضلالات حين نزوده بمعلومات خاطئة أو مضللة
....
وربما كان أهمها [للمفكر] التغذية المستمرة بالمعلومات والمعارف الجيدة والمتجددة

185
العقل من غير معرفة هباء، وإن لدينا ما لا يحصى من الشواهد التي تشير إلى أن الشاب الذي لديه ذكاء متوسط مع تحصيل علمي ممتاز يستطيع أن يحقق نجاحا أعظم من شاب مفرط الذكاء لكنه غير مهتم ولا متعلم ولا متابع للمعرفة الجيدة. إن العصر الذي نعيش فيه مختلف عن كل العصور، حيث إن التقدم التقني لم يعد يستند إلى وفرة المواد والموارد الطبيعية ... وإنما صار يعتمد على الذكاء الإنساني وعلى المهارات الفنية الراقية

185
والشيء إذا كثر تداوله أو اشتد الطلب عليه فإنه يتعرض للتخليط غير المقصود وللتحريف المقصود
 
186
من المهم أن ننتبه إلى (السياق) الذي تصاغ فيه الأفكار وتساق فيه الأخبار والمعلومات

187
إن ما يخالف الشائع والمألوف حتى يدخل في حيز الغريب والمستهجن يستحق منا وقفة حذر وتأمل، ورحم الله تعالى الإمام أحمد بن حنبل حين قال: اتقوا هذه الغرائب فإن عامتها مناكير

188
اللقاء بأهل العلم والتجربة والخبرة يشكل موردا مهما لاكتساب المزيد من المعارف والخبرات التي قد لا نحصل عليها في الكتب ....
وحبذا لو أن المدارس والجامعات تقوم بالتواصل مع أهل العلم والخبرة والقيادة من أجل ترتيب زيارات لهم من قبل طلابها، فهذا أنفع لهم من كثير مما يقرؤونه، وقد كان من رأي ابن خلدون أن حصول الملكات من طريق المشافهة والمباشرة أشد استحكاما وأقوى رسوخا من التلقي من الكتب.

189
ويقيد أحد الدارسين أن المدراء [المديرين] يحصلون على ثلثي معرفتهم من الاحتكاك المباشر مع أشخاص آخرين، وعلى ثلثها من الوثائق والحاسبات الآلية.
....
بل إن الإيغال في التخصص يولد لدى صاحبه نوعا من التعصب وضيق الأفق
....
إن المفكر والذي كثيرا ما يكون متخصصا يتأبى على الانغماس في علم محدد، وإنما يسعى دائما إلى توسيع مداركه وآفاق رؤيته من خلال توسيع دوائر اطلاعه، إنه يقرأ في العلوم الشرعية والإنسانية والطبيعية، وينظر في تجارب أهل التجربة

189
إن الغاية الأساسية للمفكر من وراء توسيع دوائر مطالعاته وقراءاته ليست الوقوف على الأرقام المثيرة أو المعلومات الموثوقة والدقيقة، وإنما اكتشاف السنن الربانية في الأنفس والمجتمعات وفي الخلق عامة، لأن الإنسان يمتلك / من صلابة الرؤية وقوة المنهج على مقدار ما يعقل ويكتشف من تلك السنن، ولهذا فإنك تشعر بالذهول وأنت تقرأ لمفكر متمكن حين ترى الحدود الفاصلة بين العلوم تذوب بين يديه وحين تشعر أنه يتحدث إليك عن معان حاضرة غائبة وسهلة ممتنعة ومتماسكة منفتحة

190
إن أعظم النفائس التي سنحصل عليها تلك التي نجدها في غير نظامها [مظانها]، وهذا ما يعيه المفكر بعمق

190
والواقع أننا حين نبحث في فكرة أو قضية من غير فهم تاريخها، فإننا نكون كمن دخل غرفة مظلمة لم يدخلها من قبل

194
هل الكلام الذي يقولونه لنا يعبر عن شيء رأوه أو شيء سمعوه، أو هو عبارة عن تحليل شخصي لهم، أو تحليل شخصي سمعوه من غيرهم، أو هو خليط من هذا وذاك؟

195
علينا أن ننتبه أكثر وأكثر حين تختلط وجهة النظر الشخصية بالمعلومات، وهذا يحدث حين تكون القضية موضع الشرح كبيرة أو معقدة

197
ستأتيك معلومات كثيرة لا علاقة لها بموضوعك أو لا تؤثر في قرارك، حاول حذفها والتخلص منها؛ لأن كثرة المعلومات تربك العقل في التعامل معها، ومما يذكر في هذا السياق أن أحد القضاة نظر في قضية شائكة وطلب وثائق تتعلق بها، فأحضر له مليون وثيقة فطوى ملف القضية وسجل الجريمة ضد مجهول!
....
والحدس ذو طبيعة غامضة، إنه يشبه أن يكون معرفة الإنسان بشيء دون أن يعرف كيف عرفه

200
الطبيعة كما يقولون تكره الفراغ ومن ثم فإن معظم الناس حين يروون ما شاهدوه يحاولون ملء الفراغات الموجودة في معرفتهم بالحادث من خلال التخمين المرتكز على معارفهم وخبراتهم السابقة

201
انتهى عصر البراءة والطيبة وجاء عصر المكر والخداع والتخطيط الملون بألف لون ....
إذن لا بد من الآن فصاعدا من التحرز والتدقيق ومحاولة قراءة ما بين السطور

203
الريادة الثقافية تحمل المثقف مسؤوليات لا يتحملها غيره

204
ومن العجيب أنه كلما كانت الوضعية المعيشية والحضارية أكثر تعقيدا صارت الإمكانات والبدائل أكثر على خلاف ما هو مدرك وشائع

205
وعصرنا هذا بترتيباته السياسية وبتقاسم القوى العظمى للنفوذ فيه وبأبنيته الثقافية المتنوعة يأبى قيام الإمبراطوريات

206
ومن هنا فإن التفكير في إقامة خلافة إسلامية تحكم العالم الإسلامي هو تفكير بعيد عن الواقع

207
إن الدلائل تشير إلى أن الأفكار والمعلومات السطحية والسهلة وغير المدققة بالقدر الكافي هي التي تحظى بالانتشار الواسع

209
لو تأملنا في الحروب التي كانت تشتعل على مدار التاريخ لوجدنا أن كثيرا منها نشأ بسبب الرؤية الزائفة للذات والرؤية الجائرة للآخرين.
 
214
لأن الفكرة حين تحرم من النقد تذبل وتتراجع، إذ إن النقد هو ماء الأفكار وهواؤها

215
الانفتاح شيء مهم للتخفيف من التحيز، فالناس المنغلقون على أنفسهم يظنون أن حياتهم بكل تفاصيلها ما هي إلا نموذج عظيم لما ينبغي أن يكون عليه حال البشرية

216
وإذا كنا نقر بقصور فهمنا لأنفسنا، فإن قصور فهمنا لغيرنا لا شك سيكون أعظم

217
فالبنية العقلية العميقة لبني الإنسان هي بنية خرافية بامتياز، والخرافة سابقة في وجودها على كل من العلم والفلسفة معا ....
تستقي الخرافة وجودها واستمرارها من ذخيرة الأوهام التي يحتفظ بها المجتمع بسبب ما عاناه ويعانيه من جهل مطبق وتخلف سياسي واجتماعي واقتصادي شامل.

218
وقد لاحظ علماء الاجتماع أن انتشار الخرافة يتسع كلما زادت درجة الجهل والقهر والعجز وفقد الثقة بالنفس ....
لا يكون العلم علما إلا إذا كان عالميا

219
ويدل بعض الدراسات على أن (50%) من الخطوط العميقة في شخصية الطفل يتم رسمه في السنة الأولى وحين يبلغ السادسة يكون (80%) من تلك الخطوط قد تم رسمه بالفعل

220
التفكير عملية شاقة جدا ولو خيرت كثيرا من الناس بين أن يجلس الواحد منهم ساعة يفكر فيها في أمر وبين أن يمشي تلك الساعة لاختار المشي

222
إن المطلوب ممن يتحدث في التاريخ أو الفقه أو الطب مثلا أن لا يقارن نفسه بمن حوله من العامة، إنما عليه أن يقارن نفسه بأهل الاختصاص الذي يتحدث أو يحاضر أو يكتب فيه، لأن الحكم الصحيح على ما يقوم به محصور فيهم

223
ولهذا فإن الإحصاءات والأرقام والتقارير المتخصصة والمقارنة هي التي تساعدنا على إصدار الأحكام الرشيدة وينبغي أن نحتكم إليها كلما أردنا القيام بذلك

225
وإن معظم المسلمين في المراحل التاريخية كانوا يهتمون بصيام رمضان أكثر من اهتمامهم بالصلاة

226
مع هذا العرض يتضح لنا أن مسألة (الالتزام الأخلاقي) مسألة معقدة غاية التعقيد ويتبين لنا أن تحسين مستوى التزام الناس بالأخلاق الفاضلة لا يتم بمجرد النص أو / تحسين مستواهم الاقتصادي أو الارتقاء بحصيلتهم المعرفية .. إن المسألة أعقد من ذلك بكثير وتبسيطها وتبسيط مثيلاتها من المسائل المركبة، هو من المطبات الكثيرة التي يقع فيها كثير من المثقفين فضلا عن غيرهم.

229
مضت سنة الله تعالى في هذا الكون بأن تظل أجزاء منه ملفوفة بالغموض ....
وتمضي الأيام والسنين ونحن نردد أفكارنا في المجالس ظانين أنها تتأبى على الذبول مهما تقادمت، وهذا أحد أكبر الأوهام / التي يقع فيها كثير من الناس

230
وتتحول الأفكار التي يتكرر طرحها على نحو جامد إلى ما يشبه خردوات التاريخ، لتؤشر على أن صاحبها بات يفكر لزمان سابق على زمانه.
....
(70%) من القراء في أوروبا يقرأون من أجل التسلية والتخلص من الفراغ
....
ومن هنا فإن المطلوب هو توفير وضعية حضارية يقرأ فيها كثير من الناس من أجل الفائدة والارتقاء بمستواهم الثقافي
....
40% من الوظائف في الغرب يحتاج إلى ذلك

233
ولم تبذل الحكومات جهودا واضحة في دعم المؤلفين أو دعم صناعة النشر

234
يمكن القول إنه كلما درج الناس في سلم الحضارة والمدنية أكثر اتسع المجال الحيوي للمرأة، وصار لها / سطوة أكبر في حياة الأسرة، ومن هنا نلاحظ أن نفوذ المرأة في المدينة أقوى من نفوذها في القرية، ونفوذها في القرية أقوى من نفوذها في البادية

235
إن فهم التداعيات والارتباطات الثقافية والمنطقية يحتاج إلى الخيال الخصب مع العمق في معرفة الطبيعة البشرية وطبائع الأشياء، لكن ما نحصل عليه آنذاك من صقل للوعي لا يقدر بثمن.

237
إن اهتمامات الإنسان تلخص فعلا رؤيته للحياة وتترجم مشاعره على نحو دقيق وجميل
....
فالواحد من أهل العلم والهمم العلية يبحث عن ساعة إضافية في اليوم كي يتقدم خطوة نحو أهدافه العظيمة

238
ومن خلال المقارنة نطلع على الكثير من الميزات والكثير من أوجه القصور، أما المقارنة بين فكرتين فهي في الغالب غير مفيدة، وأنت ترى أن كل دساتير العالم تشتمل على مبادئ وحقوق عظيمة ورائعة، ولا تبدو الفوارق الحقيقية إلا إذا نظرنا إلى / أوضاع الدول التي تملك أروع الدساتير.

243
للعصف الذهني أساليب كثيرة تصل إلى ما يزيد على مئة أسلوب، واليابانيون أكثر الشعوب تفننا في العصف الذهني.

244
وإذا رجعنا إلى التاريخ وجدنا عددا كبيرا جدا من الأفكار والمشروعات التي طورها أشخاص لا تعرف عنهم عبقرية نادرة أو تفوق ذهني خارق، لكن كانوا يملكون ثقة عظيمة بأنفسهم ونظرة إيجابية قوية لذواتهم. إن النظرة الإيجابية للذات تحرض الدماغ على بذل جهود استثنائية، كما أن التفاؤل بإمكانية الحصول على شيء قيم يبعث في الإنسان روح الاستمرار والصبر على معاناة التفكير.

247
إن من المعروف أن المفكر يتكون بطريقة تلقائية وغير مقصودة، فالباحث من خلال جهوده الحثيثة في القراءة والتأمل والبحث والكتابة والحوار يصبح مع الأيام صاحب رؤية خاصة وطرح متميز وليس هناك أي آلية واضحة ومقننة للوصول إلى ذلك.

248
كما أنني آثرت الطرح اللين والبعيد عن الجزم والصرامة، وهذا مع أنه يظهر الكاتب وكأنه غير واثق من منهجيته، فإنه سيظل أفضل من القطع وتقديم المفاهيم على أنها ناضجة ونهائية.
 
انتهت الفوائد المنتقاة من هذا الكتاب القيم
والحمد لله رب العالمين
 
شكر الله لك أخي إتحافاتك الجميلة وانتقاءاتك المميزة، ومهم جدا مطالعة هذا النوع من الكتب بين وقت وآخر.
والدكتور عبد الكريم -وفقه الله- مميز بالاعتماد على التفكير إلى أقصى مستوى، وقراءة كتبه معينة على كسب هذه الصفة المهمة، ومن أجملها (إشراقة آية) ليت أحداً يتكرم بالتعريف به أو الانتقاء منه.
 
فوائد رائعة، بارك الله فيك يا أبا مالك وفي أستاذي الدكتور عبدالكريم بكار وفقه الله .
حقاً إن مثل هذه الكتب جديرة بالعناية من طلاب العلم ، وقد انتفعتُ بقراءة أمثال هذه الكتب مبكراً ، فكم استفدتُ من كتب الدكتور محمد الراشد ، ومحمد قطب ، ومحمود شاكر ، ومحمد محمد حسين ، وأنور الجندي ، وأحمد أمين من قبلهم ، جزاهم الله جميعاً كل خير .
 
بارك الله فيكم ..
فوائد جلية من كتاب مميز للدكتور بكار ..
جزيتم خيرا
 
عودة
أعلى