الفوائد المنتقاة من (تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة)

أبو مالك العوضي

فريق إشراف الملتقى المفتوح
إنضم
12/08/2006
المشاركات
737
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
( تأويل مشكل القرآن ) لابن قتيبة

من الكتب الممتعة لابن قتيبة، كعادته في كتبه جميعا، رحمه الله

كنت أنتقر بعض العبارات التي تعجبني في أثناء القراءة، أحببت أن أشارك بها في هذا الملتقى المبارك
 
وترجع أهمية هذا الكتاب إلى أنه من أوائل الكتب التي اهتمت بعلم الوجوه والنظائر، وكذلك علم الاشتقاق وأصول الكلم، سابقا ابن فارس وابن جني وغيرهم، ويبدو لي - والله أعلم - أنه استفاد ذلك من الخليل رحمه الله.

وكذلك اهتم ابن قتيبة بحروف المعاني في القرآن، وبالألفاظ المشكلة

وكذلك اهتم بكثير من أبواب البلاغة كالمجاز والكناية والإضمار، وهذا مفيد جدا لمن أراد أن يدرس تطور علم البلاغة قبل الجرجاني؛ لأن جميع كتب البلاغة التي جاءت بعده تقريبا جرت على طريقته.
 
ص 12
وإنما يعرف فضل القرآن من كثُر نظره واتسع علمه وفهم مذاهب العرب وافتنانها في الأساليب وما خص الله به لغتها دون جميع اللغات؛ فإنه ليس في جميع الأمم أمة أوتيت من العارضة والبيان واتساع المجال ما أوتيته العرب خِصِّيصى من الله لما أرهصه في الرسول وأراده من إقامة الدليل على نبوته بالكتاب فجعله علمه كما جعل علم كل نبي من المرسلين من أشبه الأمور بما في زمانه المبعوث فيه
 
ص 13
فالخطيب من العرب إذا ارتجل كلاما في نكاح أو حمالة أو تحضيض أو صلح أو ما أشبه ذلك لم يأت به من واد واحد، بل يفتنّ، فيختصر تارة إرادة التخفيف ويطيل تارة إرادة الإفهام، ويكرر تارة إرادة التوكيد ويخفي بعض معانيه حتى يغمض على أكثر السامعين ويكشف بعضها حتى يفهمه بعض الأعجمين، ويشير إلى الشيء ويكني عن الشيء.
وتكون عنايته بالكلام على حسب الحال وقدر الحفل وكثرة الحشد وجلالة المقام
ثم لا يأتي بالكلام كله مهذبا كل التهذيب ومصفى كل التصفية بل تجده يمزج ويشوب ليدل بالناقص على الوافر وبالغث على السمين ولو جعله كله نجرا واحدا لبخسه بهاءه وسلبه ماءه.
 
ص 14
ولها [يعني العرب] الإعراب الذي جعله الله وشيا لكلامها وحلية لنظامها وفارقا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين والمعنيين المختلفين كالفاعل والمفعول لا يفرق بينهما إذا تساوت حالاهما في إمكان الفعل أن يكون لكل واحد منهما إلا بالإعراب


ص 17
وقد يكتنف الشيء معان فيشتق لكل معنى منها اسم من أسماء ذلك الشيء كاشتقاقهم من البطن للخميص مبطّن وللعظيم البطن إذا كان خلقة بطين فإذا كان من كثرة الأكل قيل مبطان وللمنهوم بطن وللعليل البطن مبطون.
ويقولون وجدت الضالة ووجدت في الغضب ووجدت في الحزن ووجدت في الاستغناء ثم يجعلون الاسم في الضالة وجودا ووجدانا وفي الحزن وجدا وفي الغضب موجدة وفي الاستغناء وُجدا


ص 17
وللعرب الشعر الذي أقامه الله تعالى لها مقام الكتاب لغيرها / وجعله لعلومها مستودعا ولآدابها حافظا ولأنسابها مقيدا ولأخبارها ديوانا لا يرثّ على الدهر، ولا يبيد على مر الزمان.
وحرسه بالوزن والقوافي وحسن النظم وجودة التحبير من التدليس والتغيير فمن أراد أن يحدث فيه شيئا عسر ذلك عليه ولم يخف له كما يخفى في الكلام المنثور


ص 20
وللعرب المجازات في الكلام، ومعناها طرق القول ومآخذه ففيها الاستعارة والتمثيل والقلب والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والإخفاء والإهار والتعريض والإفصاح والكناية والإيضاح ومخاطبة الواحد مخاطبة الجمع والجميع خطاب الواحد والواحد والجميع خطاب الاثنين والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم وبلفظ العموم / لمعنى الخصوص، مع أشياء كثيرة ستراها في أبواب المجاز إن شاء الله.
وبكل هذه المذاهب نزل القرآن، ولذلك لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شيء من الألسنة كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب الله تعالى بالعربية؛ لأن العجم لم تتسع في المجاز اتساع العرب.


ص 33
وقد غلط في تأويل هذا الحديث قوم فقالوا: السبعة الأحرف وعد ووعيد وحلال وحرام ومواعظ وأمثال واحتجاج.
وقال آخرون: هي سبع لغات في الكلمة.
وقال قوم: حلال وحرام وأمر ونهي وخبر ما كان قبل وخبر ما هو كائن بعد وأمثال
/ وليس شيء من هذه المذاهب لهذا الحديث بتأويل
....
وإنما تأويل قوله صلى الله عليه وسلم نزل القرآن على سبعة أحرف على سبعة أوجه من اللغات متفرقة في القرآن


ص 35
والحرف يقع على المثال المقطوع من حروف المعجم، وعلى الكلمة الواحدة ويقع الحرف على الكلمة بأسرها، والخطبة كلها والقصيدة بكمالها.


ص 36
وقد تدبرت وجوه الخلاف في القراءات فوجدتها سبعة أوجه
أولها الاختلاف في إعراب الكلمة أو في حركة بنائها بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها ....
والوجه الثاني أن يكون الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات / بنائها بما يغير معناها ولا يزيلها عن صورتها في الكتاب ......../
والوجه الثالث أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولا يزيل صورتها ........
والوجه الرابع أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا يغير معناها ...
والوجه الخامس أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها ...
والوجه السادس أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير ....
/ والوجه السابع أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان ....


ص 39
والأسدي يقرأ تِعلمون وتِعلم وتِسود وجوه وألم إِعهد إليكم
والتميمي يهمز والقرشي لا يهمز
 
ص 39
ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة فيه / ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للسان وقطع للعادة فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعا في اللغات ومتصرفا في الحركات كتيسيره عليهم في الدين حين أجاز لهم على لسان رسوله صلى الله عليه أن يأخذوا باختلاف العلماء من صحابته في فرائضهم وأحكامهم وصلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم وطلاقهم وعتقهم وسائر أمور دينهم.


ص 42
كل ما كان منها موافق لمصحفنا غير خارج من رسم كتابه جاز لنا أن نقرأ به وليس لنا ذلك فيما خالفه لأن المتقدمين من الصحابة والتابعين قرأوا بلغاتهم وجروا على عادتهم وخلّوا أنفسهم وسوم طبائعهم فكان ذلك جائزا لهم ولقوم من القراء بعدهم مأمونين على التنزيل عارفين بالتأويل فأما نحن معشر المتكلفين فقد جمعنا الله بحسن اختيار السلف لنا على مصحف هو آخر العرض وليس لنا أن نعدوه كما كان لهم أن يفسروه وليس لنا أن نفسره.
ولو جاز لنا أن نقرأه بخلاف ما ثبت في مصحفنا لجاز أن نكتبه على الاختلاف والزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وهناك يقع ما كرهه لنا الأئمة الموفقون رحمة الله عليهم.


ص 49
ولو أن رجلا كتب في المصحف سورا وترك سورا لم يكتبها لم نر عليه في ذلك وَكْفا إن شاء الله تعالى


ص 51
وكان الحجاج وَكَل عاصما وناجية بن رمح وعلي بن أصمع بتتبع المصاحف وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان ويعطوا صاحبه ستين درهما.


ص 59
منهم رجل ستر الله عليه عند العوام بالصلاح وقربه من القلوب بالدين.
لم أر فيمن تتبعت وجوه قراءته أكثر تخليطا ولا أشد اضطرابا منه
[ذكر المحقق أنه يقصد حمزة الزيات]


ص 86
القرآن نزل بألفاظ العرب ومعانيها ومذاهبها في الإيجاز والاختصار والإطالة والتوكيد والإشارة إلى الشيء وإغماض بعض المعاني حتى لا يظهر عليه إلا اللقن وإظهار بعضها وضرب الأمثال لما خفي.
ولو كان القرآن كله ظاهرا مكشوفا حتى يستوي في معرفته العالم والجاهل لبطل التفاضل بين الناس وسقطت المحنة وماتت الخواطر
ومع الحاجة تقع الفكرة والحيلة ومع الكفاية يقع العجز والبلادة.
....
وكل باب من أبواب العلم من الفقه والحساب والفرائض والنحو فمنه ما يجل ومنه ما يدق ليرتقي المتعلم فيه رتبة بعد رتبة حتى يبلغ منتهاه ويدرك أقصاه ولتكون للعالم فضيلة النظر وحسن الاستخراج ولتقع المثوبة من الله على حسن العناية.


ص 87
ولو كان كل فن من العلوم شيئا واحدا لم يكن عالم ولا متعلم ولا خفي ولا جلي؛ لأن فضائل الأشياء تعرف بأضدادها فالخير يعرف بالشر والنفع بالضر والحلو بالمر والقليل بالكثير والصغير بالكبير والباطن بالظاهر.
وعلى هذا المثال كلام رسول الله صلى الله عليه وكلام صحابته والتابعين وأشعار الشعراء وكلام الخطباء ليس منه شيء إلا وقد يأتي فيه المعنى اللطيف الذي يتحير فيه العالم المتقدم ويقر بالقصور عنه النقاب المبرز.


ص 90
وقال المازني سألت الأخفش عن حرف رواه سيبويه عن الخليل في باب من الابتداء يضمر فيه ما بني على الابتداء وهو قوله ما أغفله عنك شيئا أي دع الشك، ما معناه؟
قال الأخفش: أنا مذ ولدت أسأل عن هذا
وقال المازني سألت الأصمعي وأبا زيد وأبا مالك عنه فقالوا: ما ندري ما هو
 
ص 122
ولم تكن العرب طرا مع أفهامها وألبابها لتتواطأ على تخيل وظنون ولا كلها أسمعه الخوف وأراه الجبن، فهذا أبو البلاد الطهوي وتأبط شرا وهما من مردة العرب وشياطين الإنس يصفان الغول ويحليانها ويساورانها
وهذا أبو أيوب الأنصاري يأسرها
/ وهذا عمر رضي الله عنه يصارع الجني
وما جاء في هذا أكثر من أن نحيط به


ص 150
والعرب تقول: أخي وأخوك أينا أبطشُ يريدون أنا وأنت نصطرع فننظر أينا أشد؟ فيكني عن نفسه بأخيه لأن أخاه كنفسه.


ص 172
وكان بعض أهل اللغة يأخذ على الشعراء أشياء من هذا الفن / وينسبها فيه إلى الإفراط وتجاوز المقدار، وما أرى ذلك إلا جائزا حسنا على ما بيناه من مذاهبهم
كقول النابغة في وصف سيوف:
تقد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب
ذكر أنها تقطع الدروع التي هذه حالها والفارس حتى تبلغ الأرض فتوري النار إذا أصابت الحجارة
وقول النمر بن تولب في صفة سيف:
تظل تحفر عنه إن ضربت به بعد الذراعين والساقين والهادي
يقول: رسب في الأرض بعد أن قطع ما ذكر، واحتاج أن يحفر عنه ليستخرجه من الأرض


ص 219
وهذا قول الفراء [يعني لا يخاف لدي المرسلون بل غيرهم الخائف إلا من ظلم] وهو يبعد؛ لأن العرب إنما تحذف من الكلام ما يدل عليه ما يظهر، وليس في ظاهر هذا الكلام على هذا التأويل دليل على باطنه.


ص 229
والعرب تقول: عددتك مائةً أي عددت لك، وأستغفر الله ذنبي، قال الشاعر:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل
وشبعت خبزا ولحما، وشربت ورويت ماء ولبنا وتعرضت معروفك، ونزلتك ونأيتك، وبت القوم، وغاليت السلعة، وثويت البصرة، وسرقتك مالا، وسعيت القوم، واستجبتك.


ص 336
وربما جاءت الصفة فأرادوا توكيدها واستوحشوا من إعادتها ثانية لأنها كلمة واحدة فغيروا منها حرفا ثم أتبعوها الأولى.
/ كقولهم عطشان نطشان، كرهوا أن يقولو: عطشان عطشان، فأبدلوا من العين نونا.
وكذلك قولهم: حسن بسن، كرهوا أن يقولوا: حسن حسن، فأبدلوا من الحاء باء، وشيطان ليطان في أشباه له كثيرة.


ص 248
والباء تزاد في الكلام والمعنى إلقاؤها
كقوله تعالى: {تَنْبُت بالدهن}
[كذا ضبطها المحقق!! وينظر هذا الرابط: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=84206 ]


ص 257
خبرني غير واحد عن الأصمعي أن أبا عمرو بن العلاء وأبا سفيان بن العلاء أسماؤهما كناهما.
وربما كان للرجل الاسم والكنية فغلبت الكنية على الاسم فلم يعرف إلا بها، كأبي سفيان وأبي طالب وأبي ذر وأبي هريرة.
ولذلك كانا يكتبون (علي بن أبو طالب) و(معاوية بن أبو سفيان) لأن الكنية بكمالها صارت اسما، وحظ كل حرف الرفع ما لم ينصبه أو يجره حرف من الأدوات أو الأفعال، فكأنه حين كني قيل: أبو طالب ثم ترك ذلك كهيئته وجعل الاسمان واحدا.


ص 294
وقوله {الآن حصحص الحق ... } هذا قول المرأة، ثم قال يوسف: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} أي ليعلم الملك أني لم أخن العزيز بالغيب.


ص 302
يستعيرون الكلمة فيضعونها مكان الكلمة لتقارب ما بينهما أو لأن إحداهما سبب للأخرى، فيقولون للمطر سماء؛ لأنه من السماء ينزل، ويقولون للنبات ندى لأنه بالندى ينبت


ص 302
كذلك يستعيرون الحرف في الكلمة مكان الحرف فيقولون: مدهته بمعنى مدحته؛ لأن الحاء والهاء يخرجان جميعا من مخرج واحد / ويقولون للقبر جدث وجدف، ويقولون: ثوم وفوم ومغاثير ومغافير لقرب مخرج الفاء من الثاء.


ص 309
وقد كان قوم من المفسرين يفسرون بعض هذه الحروف فيقولون: طه يا رجل، ويس يا إنسان، ونون الدواة، وقال آخر: الحوت
وحم قضي والله ما هو كائن /
وقاف جبل محيط بالأرض.
وصاد بكسر الدال من المصاداة وهي المعارضة.
وهذا ما لا نعرض فيه؛ لأنا لا ندري كيف هو ولا من أي شيء أخذ، خلا صاد وما ذهب إليه فيها.


ص 313
وكل من تحير في أمر قد اشتبه عليه واستبهم أخرجه من الحيرة فيه أن يسأل ويناظر ثم يفكر ويعتبر.


ص 317
وأسماؤها [يعني الأنواء] عندهم الشَّرَطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك والغفر والزبانى والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية وفرغ الدلو المقدم وفرغ الدلو المؤخر والرشا وهو الحوت.
 
ص 336
{فقال هذا ربي} يريد أن يستدرجهم بهذا القول، ويعرفهم خطأهم وجهلهم في تعظيمهم شأن النجوم وقضائهم على الأمور بدلالتها. فأراهم أنه معظم ما عظموا وملتمس الهدى من حيث التمسوا. وكل من تابعك على هواك وشايعك على أمرك كنت به أوثق وإليه أسكن وأركن فأنسوا واطمأنوا.


ص 337
ومثل هذا الحواري حين ورد على قوم يعبدون (بدا) لهم فأظهر تعظيمه وترفيله وأراهم الاجتهاد في دينهم فأكرموه وفضلوه وائتمنوه وصدروا في كثير من الأمور عن رأيه. إلى أن دهمهم عدو لهم خافه الملك على مملكته فشاور الحواري في أمره فقال: الرأي أن ندعو إلهنا – يعني البد – حتى يكشف ما قد أظلنا، فإنا لمثل هذا اليوم كنا نرشحه. فاستكفوا حوله يتضرعون إليه ويجأرون وأمر عدوهم يستفحل وشوكته تشتد يوما بعد يوم. فلما تبين لهم من هذه الجهة أن (بدهم) لا ينفع ولا يدفع، ولا يبصر ولا يسمع، قال: ههنا إله آخر أدعوه فيستجيب، وأستجيره فيجير، فهلموا فلندعه، فدعوا الله جميعا فصرف عنهم ما كانوا يحاذرون، وأسلموا.


ص 346
وذلك أنهم ظنوا أن الله لا ينشر الموتى ولا يقدر على جمع العظام البالية، فقال: بلى فاعلموا أنا نقدر على رد السلاميات على صغرها، ونؤلف بينها حتى يستوي البنان. ومن قدر على هذا فهو على جمع كبار العظام أقدر.
ومثل هذا رجل قلت له: أتراك تقدر على أن تؤلف هذا الحنظل في خيط؟ فيقول لك: نعم وبين الخردل
 
ص 374
وأكثر ما تأتي الأسماء من فَعِلَ يفعَل على فَعِل كقوله وجل يوجل فهو وجل وفزع يفزع فهو فزع.
وربما جاء على فاعل نحو علم يعلم فهو عالم
وربما جاء منه على فعل وفاعل نحو صدي يصدى فهو صد وصاد.
كذلك تقول: عبِدَ يعبَد فهو عبِد وعابد، قال الشاعر:
وأعبَد أن تُهجى تميمٌ بدارم


ص 402
يستوحش كثير من الناس من أن يلحقوا بالأنبياء ذنوبا، ويحملهم التنزيه لهم صلوات الله عليهم على مخالفة كتاب الله جل ذكره واستكراه التأويل، وعلى أن يلتمسوا لألفاظه المخارج البعيدة بالحيل الضعيفة التي لا تخيل عليهم أو على من علم منهم أنها ليست لتلك الألفاظ بشكل ولا لتلك المعاني بلِفق.


ص 403
فنحن نقول: عصى وغوى كما قال الله تعالى، ولا نقول: آدم عاص ولا غاو؛ لأن ذلك لم يكن عن اعتقاد متقدم ولا نية صحيحة كما تقول لرجل قطع ثوبا وخاطه قد قطعه وخاطه، ولا تقل: خائط ولا خياط حتى يكون معاودا لذلك الفعل معروفا به.


ص 406
والمفاعلة تكون من اثنين ...
وقد تكون المفاعلة من واحد فتقول: غاضبت من كذا أي غضبت، كما تقول: سافرت وناولت وعاطيت الرجل وشارفت الموضع وجاوزت وضاعفت وظاهرت وعاقبت.


ص 426
في هذه السورة [الجن] إشكال وغموض: بما وقع فيها من تكرار (إن) واختلاف القراء في نصبها وكسرها، واشتباه ما فيها من قول الله تعالى وقول الجن، فاحتجنا إلى تأويل السورة كلها.
 
ص 485
الرُوح والرِيح والرَوح من أصل واحد اكتنفته معان تقاربت فبُني لكل معنى اسم من ذلك الأصل وخولف بينها في حركة البنية.
والنار والنور من أصل واحد، كما قالوا: المَيْل والميَل وهما جميعا من مال، فجعلوا الميَل بفتح الياء فيما كان خلقة فقالوا: في عنقه ميَل وفي الشجرة ميل وجعلوا الميْ بسكون الياء فيما كان فعلا فقالوا: مال عن الحق ميلا وفيه ميل علي أي تحامل.
وقالوا: اللسَن واللسْن واللِسن، وهذا كله من اللسان، فاللسَن جودة اللسان، واللسْن العذل واللوم، ويقال: لسنت فلانا لسْنا أي عذلته وأخذته بلساني، واللِسن اللغة يقال لكل قوم لسن.
وقالوا: حَمل الشجرة بفتح الحاء وحَمْل المرأة بفتح الحاء، وقالوا لما كان على الظهر حِمل والأصل واحد.


ص 531
وجرُّ العرب بها [الآن] يفسد عليه هذا المذهب؛ لأنهم إذا جروا ما بعدها جعلوها كالمضاف للزيادة، وإنما هي (لا) زيدت عليها الهاء، كما قالوا: ثم وثمة.
وقال ابن الأعرابي في قول الشاعر (العاطفون تحين ما من عاطف): إنما هو (العاطفونه) بالهاء، ثم تبتدئ فتقول: (حين ما من عاطف) فإذا وصلته صارت الهاء تاء. وكذلك قوله: (وصلينا كما زعمته) ثم تبتدئ فتقول: لاتا، فإذا وصلته صارت الهاء تاء، وذهبت همزة الآن.
قال: وسمعت الكلابي ينهى رجلا عن عمل فقال: حسبك تلان. أراد حسبكه الآن، فلما وصل صارت الهاء تاء.


ص 543
أو
... وربما كانت بمعنى واو النسق
كقوله: {فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا} يريد عذرا ونذرا. وقوله {لعله يتذكر أو يخشى} وقوله {لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا} أي لعلهم يتقون ويحدث لهم القرآن ذكره.


ص 556
تعال
........ ثم إن العرب لكثرة استعمالهم إياها صارت عندهم بمنزلة هلم، حتى استجازوا أن يقولوا للرجل وهو فوق شرف: تعال، أي اهبط، وإنما أصلها الصعود
 
ومن كلامه الذي ينتمي لعلم الاشتقاق:

ص 139
وأصل هذا أن من عثر بشيء وهو غافل نظر إليه حتى يعرفه فاستعير العثار مكان التبين والظهور، ومنه يقول الناس: ما عثرت على فلان بسوء قط أي ما ظهرت على ذلك منه.


ص 344
وأصل التزكية الزيادة ومنه يقال: زكا الزرع يزكو إذا كثر رَيعه وزكت النفقة إذا بورك فيها، ومنه زكاة الرجل عن ماله؛ لأنها تثمر ماله وتنميه. وتزكية القاضي للشاهد منه؛ لأنه يرفعه بالتعديل والذكر الجميل.


ص 351
وأصل الهَزْم الكسر، ومنه قيل للنقرة في الأرض هَزْمة أي كسرة، وهزمت الجيش أي كسرتهم، وتهزمت القربة أي انكسرت.


ص 416
وأصل الفيء الرجوع
.......
وأصل السجود التطأطؤ والميل


ص 441
أصل قضى حَتَم
........
ثم يصير الحتم بمعان
........ / ....... وهذه كلها فروع ترجع إلى أصل واحد


ص 443
أصل هدى أرشد


ص 445
أصل الأمة الصنف من الناس والجماعة
........
ثم تصير الأمة الحين .... كأن الأمة من الناس القرن ينقرضون في حين فتقام الأمة مقام الحين
ثم تصير الأمة الإمام والرباني ... لأنه ومن اتبعه أمة فسمي أمة لأنه سبب الاجتماع
وقد يجوز أن يكون سمي أمة لأنه اجتمع عنده من خلال الخير ما يكون مثله في أمة، ومن هذا يقال: فلان أمة وحده، أي هو يقوم مقام أمة.
/
.......
والأمة الدين ........ والأصل أنه يقال للقوم يجتمعون على دين واحد أمة فتقام الأمة مقام الدين


ص 452
ولا أرى أصل هذا الحرف [القنوت] إلا الطاعة؛ لأن جميع هذه الخلال من الصلاة والقيام فيها والدعاء وغير ذلك يكون عنها.


ص 464
السبب أصله الحبل
ثم قيل لكل شيء وصلت به إلى موضع أو حاجة تريدها سبب


ص 467
أصل الظلم في كلام العرب وضع الشيء في غير موضعه


ص 484
الحرج أصله الضيق. ومن الضيق الشك، كقول الله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرج منه} أي شك؛ لأن الشاك في الشيء يضيق صدرا به.


ص 495
وهذا [يعني الكرم] وإن اختلف فأصله الشرف


ص 502
الأخذ أصله باليد ثم يستعار في مواضع
فيكون بمعنى القبول ....
ويكون بمعنى الحبس والأسر....
/ والأخذ التعذيب


ص 507
وأصل الخلق التقدير


ص 508
الرجم أصله الرمي ... ثم يستعار فيوضع موضع القتل .......
ويوضع موضع الشتم؛ لأن الشتم رمي ....
ويوضع موضع الظن ...
والرجم اللعن والطرد ...


ص 510
وأصل هذا كله [يعني السعي] المشي والإسراع


ص 515
وهذا كله وإن اختلف فأصله واحد [يعني الأمر]
ويكنى عن كل شيء بالأمر؛ لأن كل شيء يكون فإنما يكون بأمر الله، فسميت الأشياء أمورا؛ لأن الأمر سببها


ص 551
ويقال: فلان جارم أهله أي كاسبهم وجريمتهم.
ولا أحسب الذنب سمي جرما إلا من هذا؛ لأنه كسب واقتراف
 
انتهت الفوائد المنتقاة من هذا الكتاب القيم، والحمد لله رب العالمين.
 
بارك الله فيكم أبا مالك على هذه الاختيارات ، وقديماً قالوا : اختيار الرجل قطعة من عقله . وقد أبنت في اختيارك عن عقلك الوقاد وفقك الله .
وأما الطبعة فما إخال أبا مالك - وقد خبرته - ينقل إلا من طبعة البابي الحلبي التي حققها السيد أحمد صقر رحمه الله .
 
جزاكم الله خيرا يا شيخنا الفاضل

وهي الطبعة الثانية مكتبة دار التراث، 1973، وهي السنة التي ولدت فيها (ابتسامة)
 
زادك الله من علمه يا أبا مالك ......
وننتظر المزيد ....
 
عودة
أعلى