الفوائد المختارة من كتاب: (الجواب الباهر في زُوّار المقابر) لشيخ الإسلام ابن تيمية.

ضيف الله الشمراني

ملتقى القراءات والتجويد
إنضم
30/11/2007
المشاركات
1,508
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
بسم1​
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛ فهذه فوائد مختارة من كتاب: "الجواب الباهر في زُوَّار المقابر" لشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-.
وقد اعتمدتُ في العزو على الطبعة الأولى 1433هـ الصادرة عن دار المنهاج بالرياض.

1. الحق الذي بعث الله به الرسل لا يشتبه بغيره على العارف، كما لا يشتبه الذهب الخالص بالمغشوش على الناقد. (164)
2. إذا مَيّز العالِمُ بين ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وما لم يقله؛ فإنه يحتاج أن يفهم مراده، ويفقه ما قاله، ويجمع بين الأحاديث، ويضمّ كل شكل إلى شكله، فيجمع بين ما جمع الله بينه ورسوله، ويفرّق بين ما فرّق الله بينه ورسوله، فهذا هو العلم الذي ينتفع به المسلمون، ويجب تلقّيه وقبوله، وبه ساد أئمة المسلمين كالأربعة وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين. (165)
3. والنبي صلى الله عليه وسلم يجب علينا أن نحبه حتى يكون أحب إلينا من أنفسنا وآبائنا وأبنائنا وأهلنا وأموالنا، ونعظّمه، ونوقّره، ونطيعه باطنًا وظاهرًا، ونوالي من يواليه، ونعادي من يعاديه، ونعلم أنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته صلى الله عليه وسلم، ولا يكون وليًّا لله بل ولا مؤمنًا ولا سعيدًا ناجيًا من العذاب إلا من آمن به واتّبعه باطنًا وظاهرًا، ولا وسيلة يتوسل إلى الله عز وجل بها إلا الإيمان به وطاعته. (170)
4. والسلام عليه عندقبره المكرَّم جائزٌ؛ لما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)). (172)
5. وحيث صَلّى الرجل وسلّم عليه من مشارق الأرض ومغاربها، فإن الله يوصل صلاته وسلامه إليه؛ لما في السنن عن أوس بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي)) قالوا : كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ - أي صرت رميما - قال : ((إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء)). ولهذا قال صلى الله عليه وسلم { لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني } . رواه أبو داود وغيره . فالصلاة تصل إليه من البعيد كما تصل إليه من القريب . وفي النسائي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام } . وقد أمرنا الله أن نصلي عليه وشرع ذلك لنا في كل صلاة أن نثني على الله بالتحيات ثم نقول : { السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته } . وهذا السلام يصل إليه من مشارق الأرض ومغاربها . وكذلك إذا صلينا عليه فقلنا : { اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد } . (172-174)
6. وكان المسلمون على عهده وعهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي يصلّون في مسجده، ويسلّمون عليه في الصلاة، وكذلك يسلّمون عليه إذا دخلوا المسجد وإذا خرجوا منه، ولا يحتاجون أن يذهبوا إلى القبر المكرَّم، ولا أن يتوجهوا نحو القبر ويرفعوا أصواتهم بالسلام -كما يفعله بعض الحجاج- بل هذا بدعة لم يستحبها أحد من العلماء، بل كرهوا رفع الصوت في مسجده وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلين يرفعان أصواتهما في مسجده ورآهما غريبين فقال : (أما علمتما أن الأصوات لا ترفع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ لو أنكما من أهل البلد لأوجعتكما ضربا . وعذرهما بالجهل فلم يعاقبهما). (174)
7. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما مات دُفِن في حجرة عائشة رضي الله عنها، وكانت هي وحجر نسائه في شرقي المسجد وقبليّه، لم يكن شيء من ذلك داخلًا في المسجد، واستمر الأمر على ذلك إلى أن انقرض عصر الصحابة بالمدينة، ثم بعد ذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان بنحو من سنة من بيعته وُسِّع المسجد، وأدخلت فيه الحجرة للضرورة، فإن الوليد كتب إلى نائبه عمر بن عبد العزيز أن يشتري الحُجَر من مُلّاكها ورثة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهن كن قد توفين كلهن رضي الله عنهن، فأمره أن يشتري الحجر ويزيدها في المسجد، فهدمها، وأدخلها في المسجد، وبقيت حجرة عائشة على حالها، وكانت مغلقة، لا يُمَكَّن أحد من الدخول إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا لصلاة عنده ولا لدعاء ولا غير ذلك إلا حين كانت عائشة في الحياة، وهي توفيت قبل إدخال الحجرة بأكثر من عشرين أو ثلاثين سنة، فإنها توفيت في خلافة معاوية، ثم وَلِي ابنه يزيد، ثم ابن الزبير في الفتنة، ثم عبد الملك بن مروان، ثم ابنه الوليد، وكانت ولايته بعد ثمانين من الهجرة وقد مات عامة الصحابة، قيل: إنه لم يبق بالمدينة إلا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فإنه آخر من مات بها في سنة ثمان وسبعين قبل إدخال الحُجْرة بعشر سنين . (174-175)
8. فإن كل مؤمن يُسَلَّم عليه عند قبره كما يُسَلَّم عليه في الحياة عند اللقاء، وأما الصلاة والسلام في كل مكان، والصلاة على التعيين =فهذا إنما أُمِر به في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي أمر الله العباد أن يصلوا عليه ويسلموا تسليما. (178)
9. لما أدخلت الحجرة في مسجده المفضَّل في خلافة الوليد بن عبد الملك -كما تقدم- بنوا عليها حائطًا، وسَنّموه، وحرفوه؛ لئلا يصلي أحد إلى قبره المكرّم. (182-183)
10. وفي موطأ مالك عنه أنه قال : ((اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، وقد استجاب الله دعوته فلم يتخذ -ولله الحمد- وثنًا كما اتخذ قبر غيره، بل ولا يتمكن أحد من الدخول إلى حجرته بعد أن بنيت الحجرة، وقبل ذلك ما كانوا يمكّنون أحدًا من أن يدخل إليه ليدعو عنده، ولا يصلي عنده، ولا غير ذلك مما يُفعَل عند قبر غيره، لكن من الجهال من يصلي إلى حجرته، أو يرفع صوته، أو يتكلم بكلام منهي عنه، وهذا إنما يُفعَل خارجًا عن حجرته لا عند قبره، وإلا فهو -ولله الحمد- استجاب الله دعوته، فلم يُمَكَّن أحدٌ قط أن يدخل إلى قبره فيصلي عنده أو يدعو أو يشرك به كما فعل بغيره، اتخذ قبره وثنًا، فإنه في حياة عائشة رضي الله عنها ما كان أحد يدخل إلا لأجلها، ولم تكن تمكّن أحدًا أن يفعل عند قبره شيئا مما نهى عنه، وبعدها كانت مغلقة إلى أن أدخلت في المسجد فسدّ بابها وبني عليها حائط آخر، كل ذلك صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يُتَّخذ بيته عيدًا وقبره وثنًا، وإلا فمعلوم أن أهل المدينة كلهم مسلمون، ولا يأتي إلى هناك إلا مسلم، وكلهم معظّمون للرسول صلى الله عليه وسلم، وقبورُ آحاد أمته في البلاد معظّمة، فما فعلوا ذلك ليستهان بالقبر المكرَّم، بل فعلوه لئلا يتخذ وثنًا يعبد ولا يتخذ بيته عيدًا، ولئلا يفعل به كما فعل أهل الكتاب بقبور أنبيائهم. (183-184)
11. والقبر المكرَّم في الحُجْرة إنما عليه بطحاء -وهو الرمل الغليظ- ليس عليه حجارة، ولا خشب، ولا هو مُطَيَّن كما فعل بقبور غيره، وهو صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن ذلك سدا للذريعة، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها؛ لئلا يفضي ذلك إلى الشرك، ودعا الله عز وجل أن لا يتخذ قبره وثنا يعبد، فاستجاب الله دعاءه صلى الله عليه وسلم فلم يكن مثل الذين اتخذت قبورهم مساجد، فإن أحدًا لا يدخل عند قبره ألبتة، فإن من كان قبله من الأنبياء إذا ابتدع أممهم بدعة بعث الله نبيا ينهى عنها، وهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء لا نبي بعده، فعصم الله أمته أن تجتمع على ضلالة، وعصم قبره المكرم أن يتخذ وثنا، فإن ذلك والعياذ بالله لو فُعِل لم يكن بعده نبي ينهى عن ذلك وكان الذين يفعلون ذلك قد غلبوا الأمة، وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى يوم القيامة، فلم يكن لأهل البدع سبيل أن يفعلوا بقبره المكرم كما فُعِل بقبور غيره صلى الله عليه وسلم.(184-185)
12. قد ذكرتُ فيما صنّفتُه من المناسك أن السفر إلى مسجده وزيارة قبره --كما يذكره أئمة المسلمين في مناسك الحج- عملٌ صالح مستحب.(186)
13. وإذا كانت زيارة قبور عموم المؤمنين مشروعة = فزيارة قبور الأنبياء والصالحين أولى; لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم له خاصيّة ليست لغيره من الأنبياء والصالحين، وهو أنّا أُمِرنا أن نصلي عليه وأن نسلّم عليه في كل صلاة، ويتأكّد ذلك في الصلاة وعند الأذان وسائر الأدعية، وأن نصلي ونسلم عليه عند دخول المسجد -مسجده وغير مسجده- وعند الخروج منه، فكل من دخل مسجده فلا بد أن يصلي فيه ويسلم عليه في الصلاة. (188)
14. ويجب الفرق بين الزيارة الشرعية التي سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الزيارة البدعية التي لم يَشرعها بل نهى عنها، مثل اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، والصلاة إلى القبر واتخاذه وثنًا. (189)
15. ولو سافرَ من بلد إلى بلد، مثل أن سافر إلى دمشق من مصر لأجل مسجدها أو بالعكس، أو سافر إلى مسجد قباء من بلد بعيد = لم يكن هذا مشروعًا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، ولو نذر ذلك لم يفِ بنذره باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، إلا خلاف شاذ عن الليث بن سعد في المساجد وقاله ابن مسلمة من أصحاب مالك في مسجد قباء خاصة. ولكن إذا أتى المدينة استحب له أن يأتي مسجد قباء ويصلي فيه لأن ذلك ليس بسفر ولا بشد رحل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا كل سبت ويصلي فيه ركعتين. (191)
16.وقد ذكر أصحاب الشافعي وأحمد في السفر لزيارة القبور قولين : التحريم والإباحة، وقدماؤهم وأئمتهم قالوا : إنه محرم، وكذلك أصحاب مالك وغيرهم، وإنما وقع النزاع بين المتأخرين. (194)
17.فإن الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- في خلافة أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي ومَن بعدهم إلى انقراض عصرهم لم يسافر أحد منهم إلى قبر نبي ولا رجل صالح. (195)
18. ولم يكن أحد من الصحابة يسافر إلى المدينة لأجل قبر النبي صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يأتون فيصلون في مسجده ويسلمون عليه في الصلاة ويسلم من يسلم عند دخول المسجد والخروج منه. (196)
19. ونحن لا نكفر أحدا من المسلمين بالخطأ. (196)
20. وأصل دين الإسلام أن نعبد الله وحده، ولا نجعل له من خلقه ندا ولا كفوا ولا سميا. (198)
21. فزيارة أهل التوحيد لقبور المسلمين تتضمن السلام عليهم والدعاء لهم وهي مثل الصلاة على جنائزهم، وزيارة أهل الشرك تتضمن أنهم يشبّهون المخلوق بالخالق؛ ينذرون له، ويسجدون له، ويدعونه، ويحبونه، مثل ما يحبون الخالق، فيكونون قد جعلوه لله ندا وسووه برب العالمين. (200)
22. فمَنْ أنكرَ شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر= فهو مبتدع ضال. (202)
23.فالدين هو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يؤمر بما أمر به، وينهى عما نهى عنه، ويحب ما أحبه الله ورسوله من الأعمال والأشخاص، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله من الأعمال والأشخاص. (203)
24. فمَنْ سافرَ إلى المسجد الحرام أو المسجد الأقصى أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فصلى في مسجده ; وصلى في مسجد قباء، وزار القبور كما مضت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم = فهذا هو الذي عمل العمل الصالح، ومن أنكر هذا السفر فهو كافر يُستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
وأما من قصد السفر لمجرد زيارة القبر ولم يقصد الصلاة في مسجده، وسافر إلى مدينته فلم يصل في مسجده صلى الله عليه وسلم ولا سلّم عليه في الصلاة بل أتى القبر ثم رجع = فهذا مبتدع ضال مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولإجماع أصحابه ولعلماء أمته. (203)
25.وعلماء المسلمين قد ذكروا في مناسكهم استحباب السفر إلى مسجده، وذكروا زيارة قبره المكرّم، وما علمتُ أحدًا من المسلمين قال: إنه من لم يقصد إلا زيارة القبر يكون سفره مستحبًّا، ولا قالوا ذلك في قبر غيره . لكن هذا قد يقصده بعض الناس ممن لا يكون عارفًا بالشريعة وبما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، وغايته أن يُعذَر بجهله، ويعفو الله عنه. وأما من يعرف ما أمر الله به ورسوله وما نهى الله عنه ورسوله = فهؤلاء كلهم ليس فيهم من أمر بالسفر لمجرد زيارة قبر، لا نبي ولا غير نبي بل صرّح أكابرهم بتحريم مثل هذا السفر من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم، وإنما قال إنه مباح غير محرم طائفةٌ من متأخري أصحاب الشافعي وأحمد. (206)
26. والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهيٌّ عنها مطلقا ; بخلاف مسجده، فإن الصلاة فيه بألف صلاة، فإنه أُسِّس على التقوى، وكان حُرْمتُه في حياته صلى الله عليه وسلم وحياة خلفائه الراشدين قبل دخول الحجرة فيه حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه والمهاجرون والأنصار والعبادة فيه إذ ذاك = أفضل وأعظم مما بقي بعد إدخال الحجرة فيه، فإنها إنما أدخلت بعد انقراض عصر الصحابة في إمارة الوليد بن عبد الملك، وهو تولى سنة بضع وثمانين من الهجرة النبوية. (209)
27. الصواب الذي عليه عامة علماء المسلمين سلفهم وخلفهم = أنه لا يُحلَف بمخلوق، لا نبي، ولا غير نبي، ولا مَلَك من الملائكة، ولا مَلِك من الملوك، ولا شيخ من الشيوخ، والنهي عن ذلك نهي تحريم عند أكثرهم. (210)
28. والناس يغيب عنهم معاني القرآن عند الحوادث فإذا ذُكِّروا بها عرفوها. (226)
29.والقرآن مَلآن من توحيد الله تعالى، وأنه ليس كمثله شيء . فلا يمثل به شيء من المخلوقات في شيء من الأشياء إذ ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا فيما يستحقه من العبادة والمحبة والتوكل والطاعة والدعاء وسائر حقوقه. (230)
30. لا يَقدر أحد أن ينقل عن إمام من أئمة المسلمين أنه يَستحب السفر إلى زيارة قبر نبي أو رجل صالح، ومَن نقل ذلك فليُخرج نقلَه. (234)
31. والسور المكية أنزلها الله تبارك وتعالى في الدِّين العام الذي بعث به جميع الرسل كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. (237)
32.كان أئمة المسلمين لا يتكلمون في الدين بأن هذا واجب أو مستحب أو حرام أو مباح إلا بدليل شرعي من الكتاب أو السنة . وما دلّا عليه. (239)
33. كان أئمة المسلمين لا يتكلمون في شيء أنه عبادة وطاعة وقربة إلا بدليل شرعي واتباع لمن قبلهم، لا يتكلمون في الدين بلا علم. (241)
34.وقال الأكثرون : زيارة قبور المؤمنين مستحبة للدعاء للموتى مع السلام عليهم. (245)
35. وأما زيارة قبر الكافر فرخص فيها لأجل تذكار الآخرة، ولا يجوز الاستغفار لهم. (246)
36. والعلماء المتنازعون كل منهم يحتج بدليل شرعي ويكون عند بعضهم من العلم ما ليس عند الآخر. (246)
37. الزيارة إذا تضمّنت أمرا محرما من شرك أو كذب أو ندب أو نياحة وقول هجر = فهي محرمة بالإجماع. (246)
38. والنوع الثاني : زيارة القبور لمجرد الحزن على الميت، لقرابته أو صداقته؛ فهذه مباحة، كما يباح البكاء على الميت بلا ندب ولا نياحة. (247)
39. وأما النوع الثالث : فهو زيارتها للدعاء لها، كالصلاة على الجنازة، فهذا هو المستحب الذي دلّت السنة على استحبابه. (247)
40. فكثير من الناس إذا رأى قريبه وهو مقبور ذكر الموت واستعد للآخرة. (247)
41. فزيارة القبور للدعاء للميت من جنس الصلاة على الجنائز، يُقصَد فيها الدعاء لهم، لا يقصد فيها أن يدعو مخلوقا من دون الله، ولا يجوز أن تتخذ مساجد ولا تقصد لكون الدعاء عندها أو بها أفضل من الدعاء في المساجد والبيوت. (247)
42. والصلاة على الجنائز أفضل باتفاق المسلمين من الدعاء للموتى عند قبورهم، وهذا مشروع بل فرض على الكفاية متواتر متفق عليه بين المسلمين. (248)
43.والذي تدل عليه الأدلة الشرعية أن نحمل المطلق من كلام العلماء على المقيد ونفصّل الزيارة إلى ثلاثة أنواع : منهي عنه، ومباح، ومستحب، وهو الصواب. (249)
44. وكره مالك لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك. (258)
45.الصحابة رضوان الله عليهم خير قرون هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، وهم تلقوا الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، ففهموا من مقاصده صلى الله عليه وسلم وعاينوا من أفعاله وسمعوا منه شفاهًا ما لم يحصل لمن بعدهم، وكذلك كان يستفيد بعضهم من بعض ما لم يحصل لمن بعدهم. (260)
46. بحسب قلة علم الرجل يضله الشيطان، ومن كان أقل علمًا قال له ما يعلم أنه مخالف للشريعة خلافًا ظاهرًا، ومن عنده علم بها لا يقول له ما يعلم أنه مخالف للشريعة ولا مفيدا فائدة في دينه ; بل يضله عن بعض ما كان يعرفه، فإن هذا فعل الشياطين، وهو وإن ظن أنه قد استفاد شيئا فالذي خسره من دينه أكثر. (264-265)
47. الصحابة خير القرون وأفضل الخلق بعد الأنبياء، فما ظهر فيمن بعدهم مما يظن أنها فضيلة للمتأخرين ولم تكن فيهم؛ فإنها من الشيطان، وهي نقيصة لا فضيلة، سواء كانت من جنس العلوم أو من جنس العبادات أو من جنس الخوارق والآيات أو من جنس السياسة والملك، بل خير الناس بعدهم أتبعهم لهم. (268)
48. فالوجوب والندب والإباحة والاستحباب والكراهة والتحريم لا يثبت شيء منها إلا بالأدلة الشرعية. (271)
49.والأدلة الشرعية مَرجعها كلها إليه صلوات الله وسلامه عليه؛ فالقرآن هو الذي بلغه، والسنة هي التي علّمها، والإجماع بقوله عُرِف أنه معصوم، والقياس إنما يكون حجة إذا عَلِمنا أن الفرع مثل الأصل، وأن علة الأصل في الفرع، وقد عَلِمنا أنه صلى الله عليه وسلم لا يتناقض فلا يحكم في المتماثلين بحكمين متناقضين، ولا يحكم بالحكم لعلّة تارة ويمنعه أخرى مع وجود العلة إلا لاختصاص إحدى الصورتين بما يوجب التخصيص. (271)
50. استُحِب لكل من دخل المسجد أن يسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وكذلك إذا خرج يقول: بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك. فهذا السلام عند دخول المسجد كلما يدخل يغني عن السلام عليه عند القبر، وهو من خصائصه، ولا مفسدةَ فيه. (293)
51. والسلام عليه في الصلاة أفضل من السلام عليه عند القبر، وهو من خصائصه، وهو مأمورٌ به. (294)
52.عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، وله خصوص الأمر [بالاقتداء] به وبأبي بكر حيث قال : ((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر )). فالأمر بالاقتداء أرفع من الأمر بالسنة كما قد بُسِط في مواضع. (296)
53. ونحن مأمورون باتباعه صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن نصدّقه في كل ما أخبر به، ونطيعه في كل ما أوجبه وأمر به، لا يتم الإيمان به إلا بهذا وهذا، ومن ذلك أن نقتدي به في أفعاله التي يُشرَع لنا أن نقتدي به، فما فعله على وجه الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة نفعله على وجه الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة وهو مذهب جماهير العلماء، إلا ما ثبت اختصاصه به . فإذا قَصد عبادة في مكان = شُرِع لنا أن نقصد تلك العبادة في ذلك المكان. (300-301)
54.عامة العلماء على أن الجمعة لا تُصلَّى في السفر، ليس في ذلك إلا نزاع شاذ. (302)
55. فما فعله [النبي] على وجه التقرّب = كان عبادة تفعل على وجه التقرّب، وما أعرض عنه ولم يفعله مع قيام السبب المقتضي = لم يكن عبادة ولا مستحبا، وما فعله على وجه الإباحة من غير قصد التعبّد به = كان مباحا. ومن العلماء من يستحب مشابهته في هذا في الصورة، كما كان ابن عمر يفعل، وأكثرهم يقول : إنما تكون المتابعة إذا قصدنا ما قصد، وأما المشابهة في الصورة من غير مشاركة في القصد والنية = فلا تكون متابعة . فما فعله على غير العبادة = فلا يستحب أن يفعل على وجه العبادة، فإن ذلك ليس بمتابعة، بل مخالفة. (303)
56. والأعمال تفضل بنيات أصحابها وطاعتهم لله تعالى وما في قلوبهم من الإيمان بطاعتهم لله. (305)
57. لا نجاة لأحد من عذاب الله ولا وصول له إلى رحمة الله إلا بواسطة الرسول : بالإيمان به، ومحبته، وموالاته، واتباعه. وهو الذي ينجيه الله به من عذاب الدنيا والآخرة، وهو الذي يوصله إلى خير الدنيا والآخرة. فأعظم النعم وأنفعها نعمة الإيمان، ولا تحصل إلا به صلى الله عليه وسلم، وهو أنصح وأنفع لكل أحد من نفسه وماله، فإنه الذي يخرج الله به من الظلمات إلى النور، لا طريق له إلا هو، وأما نفسه وأهله فلا يغنون عنه من الله شيئا . (307-308)
58. وهو دعا الخلق إلى الله بإذن الله . قال تعالى : { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا }، والمخالف له يدعو إلى غير الله بغير إذن الله. ومن اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه إنما يدعو إلى الله ورسوله.
وقوله تعالى: { بإذنه } أي بأمره وما أنزله من العلم كما قال تعالى : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } فمن اتبع الرسول دعا إلى الله على بصيرة أي على بينة وعلم يدعو إليه بمنزل من الله، بخلاف الذي يأمر بما لا يعلم أو بما لم ينزل به وحيا، كما قال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير } . (308)
59. { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا }. قال أبو محمد عبد الحق بن عطية في تفسيره : أخبر الله تعالى أن هؤلاء المعبودين يطلبون التقرّب إليه والتزلّف إليه، وأن [هذه] حقيقة حالهم، والضمير في {ربهم} للمبتغين أو للجميع، و {الوسيلة} هي: القربة وسبب الوصول إلى البُغية، وتوسّل الرجل: إذا طلب الدنو والنيل لأمرٍ ما، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الله لي الوسيلة)) الحديث . وهذا الذي ذكره ذكر سائر المفسرين [ نحوه إلا أنه ] برز به على غيره فقال : { أيهم } ابتداء، وخبره:{ أقرب} و {أولئك} يُراد بهم المعبودون، وهو ابتداء، وخبره:{يبتغون}، والضمير في {يدعون} للكفار، وفي {يبتغون} للمعبودين . والتقدير نظرهم و[وُكْدهم] { أيهم أقرب}، وهذا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث الراية بخيبر : (فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها) أي: يتبارون في طلب القرب. قال رحمه الله: وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله .
ولقد صدق في ذلك، فإن الزجّاج ذكر في قوله: {أيهم أقرب} وجهين كلاهما في غاية الفساد، وقد ذكر ذلك عنه ابن الجوزي وغيره، وتابعه المَهْدوي والبَغَوي وغيرهما، ولكن ابن عطية كان أقعد بالعربية والمعاني من هؤلاء، وأخبر بمذهب سيبويه والبصريين، فعَرف تطفيف الزجاج مع علمه رحمه الله بالعربية وسبقه ومعرفته بما يعرفه من المعاني والبيان. وأولئك لهم براعة وفضيلة في أمور يبرزون فيها على ابن عطية، لكن دلالة الألفاظ من جهة العربية هو بها أَخْبر، وإن كانوا هم أخبر بشيء آخر من المنقولات أو غيرها . (311-314)
60. وليس لأحد من الخلق وسيلة إلى الله تبارك وتعالى إلا بوسيلة الإيمان بهذا الرسول الكريم وطاعته. (315-316)
61.وسُكنى المدينة النبوية هو أفضل في حق من تتكرر طاعته لله ورسوله فيها أكثر . (316)
62. وأما ما يظنه بعض الناس من أن البلاء يندفع عن أهل بلد أو إقليم بمن هو مدفون عندهم من الأنبياء والصالحين، كما يظن بعض الناس أنه يندفع عن أهل بغداد البلاء [بقبور] ثلاثة: أحمد بن حنبل، وبشر الحافي، ومنصور بن عمار، ويظن بعضهم أنه يندفع عن أهل الشام بمن عندهم من قبور الأنبياء، الخليل وغيره عليهم السلام، وبعضهم يظن أنه يندفع البلاء عن أهل مصر بنفيسة أو غيرها، أو يندفع عن أهل الحجاز بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البقيع أو غيرهم = فكل هذا غلو مخالف لدين الإسلام، مخالف للكتاب والسنة والإجماع. (318-319)
63. وقد ضمن [الله] لكل من أطاع الرسول أن يهديه وينصره، فمن خالف أمر الرسول استحق العذاب، ولم يغنِ عنه أحد من الله شيئا. (320)
64. فطاعة الله ورسوله = قطب السعادة وعليها تدور. (322)
65. ومكة نفسها لا يُدفع البلاء عن أهلها ويُجلب لهم الرزق إلا بطاعتهم لله ورسوله. (322)
66. فالمساجد والمشاعر إنما تنفع فضيلتها لمن عمل فيها بطاعة الله عز وجل، وإلا فمجرد البقاع لا يحصل بها ثواب ولا عقاب، وإنما الثواب والعقاب على الأعمال المأمور بها والمنهي عنها. (322-323)
67. والمقام بالثغور للجهاد أفضل من سكنى الحرمين باتفاق العلماء. (323)

68. فبحسب توحيد العبد لله وإخلاصه دينه لله يستحق كرامة الشفاعة وغيرها . (325)
69. ومن ظن أن أرضا معينة تدفع عن أهلها البلاء مطلقًا؛ لخصوصها أو لكونها فيها قبور الأنبياء والصالحين = فهو غالط، فأفضل البقاع مكة وقد عذّب الله أهلها عذابًا عظيمًا، فقال تعالى : {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}. (326)
70. أصل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأس المعروف هو التوحيد، ورأس المنكر هو الشرك. (327)
71.فمن كان النصر على يديه = كان له سعادة الدنيا والآخرة، وإلا جعل الله النصر على يد غيره، وجازى كل قوم بعملهم، وما ربك بظلام للعبيد.
72. وَعد الله أنه لا يزال هذا الدين ظاهرًا، ولا يظهر إلا بالحق، وأنه مَن نكل عن القيام بالحق استبدل مَن يقوم بالحق، فقال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير }، وقال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}. (327-328).

(تمّت بحمد الله)

إعداد: ضيف الله بن محمد الشمراني
المدينة المنورة - ليلة السبت: 1 /6 / 1436هـ

 
عودة
أعلى