يـُخطأ كثير من عامّة الناس حين يظنون بأن الإيمان هو مجرد اعتقاد الجنان دون نطقٍ باللسان وعملٍ بالأركان، ثم بَنَوْ على هذا التّصوّر الأعوج لمفهوم الإيمان شيئا آخر لا يَقِلّ خطورة عن الأول، ألا وهو التساهل في ترك الواجبات وفعل المحرمات بحجّة: قلبي سليم أو صافي - على حدِّ تعبيرهم -، ومنشأ هذا الانحراف كله هو الفهم الخاطئ لقول ربنا تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة الشعراء: 88 _ 89].
فَلِسان حال كثير من المسلمين اليوم ومَقَالهم: مادام أن الله اشترط القلب السليم للأمن من خزي يوم القيامة، فلا تضرني طاعة ولا تنفعني معصية بعد ذلك أبدا.
وهنا ثلاثة أمور: الأول: معنى القلب السليم في الآية للعلماء فيه أقوال، فقد فُسِّر بـــ: الأول: سالم من الدنس والشرك، الثاني: أنْ يعلم أن الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، الثالث: حيي يشهد أن لا إله إلا الله. {الرابع: يعني: من الشرك. الخامس: هو القلب الصحيح، وهو قلب المؤمن؛ لأن قلب [الكافر و] المنافق مريض، السادس: هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن إلى السنة. [تفسير القرآن العظيم : 149/6]. بتصرف.
الثاني: هنا سؤال جوهري ومهم للغاية؛ ألا وهو: لماذا خصّ الله عز وجل القلب بالذِّكر هنا دون غيره، الجواب: قال الإمام القرطبي: « وخصَّ القلب بالذكر، لأنه الذي إذا سلم سلمت الجوارح، وإذا فسد فسدت سائر الجوارح». [الجامع لأحكام القرآن: 114/13].
الثالث: في الآية بيانٌ لعظم شأن القلب وتفخيمٌ لمنزلته، وليس فيها على الإطلاق ما يدل على ترك المحاسبة على العمل والتزهيد من أمره، بل الحساب على الأعمال والمجازاة عليها تُستفاد من نصوص أخرى، كمثل قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7-8]. وقوله: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)} [الطور: 16] والنصوص في هذا الباب كثيرة جدّا.
الرابع: صاحب القلب السليم لا يزكي نفسه ويدَّعي بأن قلبه سليم، لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)} [المؤمنون: 60]. ويقول سبحانه: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)} [النجم: 32].
وختاما أقول: إن القلب السليم لا يعني الجسد المريض. لأن سلامة القلب تستلزم سلامة الجوارح من الإصرار على المعاصي واستقامتها على الطاعات، وكما كان يقول الشيخ الألباني: الظاهر عنوان الباطن.
والله أعلم
فَلِسان حال كثير من المسلمين اليوم ومَقَالهم: مادام أن الله اشترط القلب السليم للأمن من خزي يوم القيامة، فلا تضرني طاعة ولا تنفعني معصية بعد ذلك أبدا.
وهنا ثلاثة أمور: الأول: معنى القلب السليم في الآية للعلماء فيه أقوال، فقد فُسِّر بـــ: الأول: سالم من الدنس والشرك، الثاني: أنْ يعلم أن الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، الثالث: حيي يشهد أن لا إله إلا الله. {الرابع: يعني: من الشرك. الخامس: هو القلب الصحيح، وهو قلب المؤمن؛ لأن قلب [الكافر و] المنافق مريض، السادس: هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن إلى السنة. [تفسير القرآن العظيم : 149/6]. بتصرف.
الثاني: هنا سؤال جوهري ومهم للغاية؛ ألا وهو: لماذا خصّ الله عز وجل القلب بالذِّكر هنا دون غيره، الجواب: قال الإمام القرطبي: « وخصَّ القلب بالذكر، لأنه الذي إذا سلم سلمت الجوارح، وإذا فسد فسدت سائر الجوارح». [الجامع لأحكام القرآن: 114/13].
الثالث: في الآية بيانٌ لعظم شأن القلب وتفخيمٌ لمنزلته، وليس فيها على الإطلاق ما يدل على ترك المحاسبة على العمل والتزهيد من أمره، بل الحساب على الأعمال والمجازاة عليها تُستفاد من نصوص أخرى، كمثل قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7-8]. وقوله: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)} [الطور: 16] والنصوص في هذا الباب كثيرة جدّا.
الرابع: صاحب القلب السليم لا يزكي نفسه ويدَّعي بأن قلبه سليم، لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)} [المؤمنون: 60]. ويقول سبحانه: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)} [النجم: 32].
وختاما أقول: إن القلب السليم لا يعني الجسد المريض. لأن سلامة القلب تستلزم سلامة الجوارح من الإصرار على المعاصي واستقامتها على الطاعات، وكما كان يقول الشيخ الألباني: الظاهر عنوان الباطن.
والله أعلم