الفهم العلمي والشرعي لخبر خلق فأر من أبوين ذكرين بدون أُم

إنضم
08/02/2024
المشاركات
37
مستوى التفاعل
6
النقاط
8
العمر
51
الإقامة
مصر، المنصورة
الفهم العلمي والشرعي لخبر خلق فأر من أبوين ذكرين بدون أُم.

يقول الخبر (استطاع العلماء خلق فئران بصحة معقولة من أبوين ذكرين من الفئران دون الحاجة لبويضة الأنثى، ويأمل العلماء تطبيق هذه النتيجة بعد تحسينها على البشر، وبخاصة في مجال الطب التجديدي، ولكن هذا الكشف لا يزال يواجه تحديات كبيرة، فنسبة الفئران التي نجحت في الوصول للولادة ضعيفة وهي 11.8%، وبعد الولادة كانت عقيمة، وماتت جميعها قبل الوصول للبلوغ بسبب عيوب في النمو)، ويمكن مراجعة الخبر على الرابط التالي؛

وهذا الخبر يجعلنا نطرح الأسئلة التالية للنقاش؛

١. هل ما فعله العلماء خلق أم مشابهة لخلق الله؟

٢. هل البشر قادرون على الخلق؟

٣. هل ما فعله العلماء حلال أم حرام؟

هل ما فعله العلماء خلق أم مُشابهة لخلق الله؟

عند الإطلاع على البحث نجد أنهم لم يخلقوا شيء، ولكن شابهوا خلق الله بعد فهم آليات خلق الذُرية في الأرحام، فهناك شروط لخلق الذرية في الثدييات ومنها الإنسان والفئران، وهي كالآتي؛

١. التكاثر جنسي، وفيه لابد من وجود ذكر يعطي الحوين، وأنثى تعطي البويضة، وكلا المشيجين به نصف عدد الكروموسومات للخلايا الجسدية للكائن الحي. وخلق هذه الأمشاج يتم على مرحلتين، الأولى أثناء التكون الجنيني للمخلوق الحي حيث تتحول بعض الخلايا الجنينية الجذعية إلى خلايا جرثومية أولية (PGCs)، والتي تتحول لاحقاً إلى حوينات أو بويضات حسب جنس المولود. وأما المرحلة الثانية فتحدث بعد البلوغ حيث يبدأ تكون الماء الذي يحوي الأمشاج، ماء الذكور من الخصية، وماء الإناث من المبيض.

٢. وجود رحم لزرع الجنين وتغذيته لإكمال التخليق (بعض الثدييات لا رحم لها لأنها تضع البيض في بيئات مناسبة).

٣. لابد من حدوث تكامل بين الجينات الموجودة على كروموسومات الحوين وكروموسومات البويضة ليحدث تخليق صحيح للجنين، فكل صفة شكلية في الجنين يمثلها زوج من الجينات، أحدهما من كروموسومات الحوين، والآخر من كروموسومات البويضة، ولكن ليس بالضرورة أن تكون النسختان نشطتان، فقد تكون نسخة الحوين نشطة، ونسخة البويضة غير نشطة، أو العكس، وذلك لأن بعض الصفات الشكلية تحتاج لنسخة جينية واحدة نشطة سواء من الأب أو من الأم، فإذا حدث تنشيط أو تثبيط للنسختين في نفس الوقت فإن الجين لا يعمل بشكل سليم، ويحدث تشوه في خلقة الجنين. هذا النوع من الوراثة يُعرف بالوراثة الفوق جينية أو اللاجينية، حيث يتم دمغ جينات معينة بمجموعات كيميائية تثبط عمل الجين، وكل جين مدموغ من الحوين أو البويضة لابد أن يقابله جين غير مدموغ (نشط) من الجنس الآخر.

بعد فهم الحقائق السابقة، تمكن العلماء من مُشابهة خلق الله من أجل تخليق جسد فأر من ذكرين بدون بويضات أنثى، وذلك على النحو التالي؛

١. أخذوا خلية جذعية من جلد فأر ذكر فتخلصوا من كروموسوم الذكورة Y، ثم حفزوا تحولها لبويضة كما يحدث تماما عند تكون أمشاج الجنين وهو في بطن أمه، وهذه أحد خصائص الخلايا الجذعية، وهي التحول لأي نوع خلوي بشروط وظروف خاصة.

٢. وضعوا البويضات المستخلصة من الخلايا الجذعية للفأر، ثم لقحوا هذه البويضات بالحوينات المنوية لفأر ذكر آخر، ثم زراعة الأجنة في رحم فأر أنثى.
وعليه فهذه العملية احتاجت لبويضة، فلم يتم التخليق بالكامل من حيوان منوي من كلا الذكرين، كما أنها احتاجت لرحم أنثى، فالذكور لا قدرة لها على الحمل، وعليه فكل ما فعله العلم هو الحصول على البويضة من الذكر بطريقة مشابهة لما يحدث أثناء تكون الأمشاج في اي جنين اثناء الحمل الطبيعي.

٣. قبل التلقيح كان لابد من عمل تعديل لنشاط الجينات التي تخضع للدمغ الوراثي في البويضات والحوينات، لضمان التكامل الوراثي بينها، فتكون هناك نسخة جينية نشطة (غير مدموغة) والأخرى مُثبطة (مدموغة)، وذلك لمنع أو تقليل التشوهات الجنينية، كما سبق وبينت أعلاه.

وأظنكم لاحظتم بسهولة أن كل ما سبق من خطوات فيه مُشابهة واضحة لما يفعله الله عند خلق الأجنة في بطون الأمهات، من خلال تعديل الصورة الوراثية (الحمض النووي) التي وهبها الله للمخلوقات الحية، فلم يقم العلم بخلق جسد المخلوق ولا بخلق صورته الوراثية، ولا أنشأ له الرحم، أو نفخ الروح، فقط شابه قوانين الخلق التي قننها رب العالمين، وصدق الله لما قال (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار).

هل البشر قادرون على الخلق؟

والجواب هو (نعم) باعتبار المعنى اللغوي للخلق من حيث الصنعة وتركيب الأشياء مع بعضها أو إنتاج الشيء من الشيء.
وأيضاً الجواب هو (لا) باعتبار المقارنة الحقيقية بين قدرة الله على الخلق وقدرة سواه، فالله خالق لكل شيء على غير مثال سابق، وكانت البداية من عدم، فلم يحتج الله لخلق غيره لكي يخلق أو يشابه الخلق، فتبارك الله أحسن الخالقين.

هل ما فعله العلماء حلال أم حرام؟

أي محاولة لإيجاد الذرية بغير الطريقة التي قدرها الله هي حرام شرعاً، وذلك للأدلة التالية؛

١. هذا الفعل فيه طاعة لأمر الشيطان للبشر بتغيير خلق الله، قال الله (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا).
ومع أن التفاسير لم تذكر شيئاً عن تغيير طريقة الخلق حيث انهم أجمعوا على أن معنى تغيير خلق الله يشمل التغيير الظاهري كالاخصاء والوشم وغيرهما، أو تغيير الباطن بتبديل الفطرة والدين. ولكن بالنظر لكل خلق في القرآن نجد أنه داخل في أمر إبليس بتغيير خلق الله، فالله خلق الظاهر (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) فأقنع إبليس بعض البشر بأن هناك ما هو احسن فغيروا الظاهر بطرق مختلفة، والله خلق الباطن مفطورا لمعرفته (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)، فأقنع إبليس بعض البشر بتغيير فطرتهم الدالة على وجود الخالق فأنكروا وجوده وطلبوا الدليل على أوضح الواضحات، وأيضا خلق الله كل دابة من ماء (والله خلق كل دابة من ماء)، اي من ماء مهين معين ومن خلال زواج ذكر بأنثى، فأمرهم ابليس بتغيير هذه الطريقة ومحاولة استبدالها تارة بالاستنساخ، وأخرى بإيجاد الذرية من ذكرين بلا أنثى، أو من أنثيين بلا ذكر،
وعليه فمعني تغيير خلق الله هو أوسع وأشمل مما ذكره المفسرون والله أعلم.

٢. هذا الفعل هو من المُضاهاة المذمومة والمحرمة لخلق الله وهو من التصوير المُحرم بنص أحاديث رسول الله، وهي كالآتي: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة)، وحديث (يا عائشة أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله)، وحديث (أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله)، وحديث (من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ)، وحديث (كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا تعذبه في جهنم).

فالله وحده هو من له حق خلق وتصوير كل بريئة (ذرية) على وجه الأرض، فقال تعالى (هو الله الخالق الباريء المصور)، فهو الذي خلق الزوج الأول من كل كائن حي، وهو الذي أعطى لكل كائن حي صورته التي يتميز بها عما سواه من الكائنات الحية (الحمض النووي)، وهو سبحانه الذي وضع في هذه الخلقة والصورة القدرة على نقل الصفات الوراثية من الآباء للذرية عبر الأمشاج التي يخلقها الله في الأصلاب ثم يمشجها ويصورها في البطون والأرحام، ولذا فهو الباريء الذي برأ كل بريئة (ذرية)، كصورة مُحسنة من الآباء (وصوركم فأحسن صوركم)، وعلى الصورة التي يشاء (في أي صورة ما شاء ركبك).
فمن أظلم ممن ذهب يشابه خلق الله ليقول للناس أنا أخلق بلا حاجة لله، ولو صدق في قوله لذهب يخلق الزوج الأول من الكائنات الحية، لا أن يشابه خلق الله بتعديل الصور التي أرادها الله، ولذا فأشد الناس عذابا يوم القيامة هم المصورون الذين يشابهون خلق وبرأ وتصوير الله.

اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك، وما كان من خطأ أو سهوٍ، أو زلل، أو نسيان، فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء.

د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر
 
عودة
أعلى