الفلسفة والفلاسفة 3/3

إنضم
05/05/2003
المشاركات
70
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الموقع الالكتروني
www.toislam.net
تاسعاً: الأدلة على الاستغناء بما جاءت به الرسل عن أفكار الفلاسفة
ما جاءت به الرسل الكرام - عليهم الصلاة والسلام - يغني عن أفكار الفلاسفة، والأدلة على ذلك كثيرة جدّّاً، وإليك طرفاً من ذلك على سبيل الإجمال:
1- أن الرسل جاؤوا بالوحي المعصوم: الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
أما ما جاءت به الفلاسفة فخيالات وظنون، وهوس وضلال.
فمصدر ما جاءت به الرسل هو الوحي، ومصدر ما جاءت به الفلاسفة هو العقل.
2- أن ما جاءت به الرسل من أصول الدين متفق مؤتلف: فهو مثانٍ متشابهٌ يصدِّق بعضه بعضاً، ويدل بعضه على بعض.
بخلاف ما جاءت به الفلاسفة فهو - في أغلبه - متناقض متهافت.
3- أن ما جاءت به الرسل يتلاءم مع الفطرة، بخلاف كلام الفلسفة فهو يعمي الفطر، ويبلد الإحساس.
4- أن ما جاءت به الرسل واضح جلي: يفهمه العالم والعامي، ويدركه العربي والعجمي، والصغير والكبير.
بخلاف كلام الفلاسفة؛ فهو أشبه ما يكون - في أغلبه - بالطلاسم، والرموز.
5- أن ما جاءت به الرسل حق كله: بل لا سبيل إلى الحق إلا عن طريقهم بخلاف ما جاءت به الفلاسفة؛ فهو - في أغلبه - باطل، وما فيه من حق إنما هو ما أخذ من طريق الرسل أو أتباعهم.
6- أن السعادة في الدنيا والآخرة إنما تكون باتباع ما جاءت به الرسل: وأن الشقاء في الدنيا والآخرة إنما يكون بالإعراض عما جاءوا به، ويوم القيامة لن يقال: (ماذا أجبتم الفلاسفة)، وإنما سيقال: [مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ] .
7- أن اتِّباع الرسل خير وبركة واجتماع: وأما اتباع الفلاسفة فشكٌ، وحيرة، وعمى، واضطراب، وافتراق.
8- أن أتْباع الرسل هم أسعد الناس، وأعلم الناس، وأزكى الناس، وأعلاهم رتبة في كل فضيلة: فهذه الأمور تعظم وتزداد بحسب الاتباع، وكل من اتبع الرسل فله نصيب من ذلك بحسبه.
بخلاف أتباع الفلاسفة فهم -وإن أوتوا عقولاً، وفهوماً- فإنهم يعيشون في قلق، وضيق، وضنك.
قال -تعالى-: [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً...] (طه:124).
هذه بعض الأمور التي تؤيد ما ذكر سابقاً، والأدلة النقلية، والعقلية، والفطرية، والواقعية تدل على ذلك.
وسيأتي مزيد بيان لهذه الفقرة في الفقرة التالية.
عاشراً: من أقوال بعض العلماء في ذم الفلسفة، وتعظيم ما جاءت به الرسل
لقد تصدى علماء الإسلام -رحمهم الله- للفلسفة، وبينوا عوارها وزيفها، وبينوا في الوقت نفسه عظم ما جاءت به الرسل من الحق، والهدى، والسعادة.
ويأتي على رأس هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
فهو ممن خَبرَ الفلسفة، وسبر غورها، ورد على الفلاسفة، وبين بطلان ما هم عليه بالدليل النقلي والعقلي.
بل إنه -رحمه الله- استطاع أن يعكس الأمر على خصومه، ويشككهم في معقولاتهم، واستطاع أن يقوم بنفس الدور الذي قام به الفلاسفة حينما كانوا يجرُّون النصوص إلى الفلسفة، فأخذ هو يجرُّ العقل إلى خدمة النقل.
وفي سبيل ذلك اضطر إلى أن يهدم كثيراً من قضايا العقل التي يظنها الناس ضرورية، وأن يقيم مكانها أخرى تتلاءم مع نصوص الشرع الصريحة بحيث لا يُحتاج بإزاء هذه النصوص إلى إنكار أو تأويل.
وقد ألف كتباً في هذا السياق، ومنها: (نقض المنطق)، و(درء تعارض العقل والنقل)، وغيرها.
وقد استطاع أن يوفق بين العقل والنقل، وأن يزيل ما عساه يُتَوهم بينهما من تعارض، وأن يثبت أن المعقولات الصريحة لا تتنافى بأية حال مع المنقولات الصحيحة، وأن كل ما يُتحدث به عن اختلاف بينهما فسببه أحد أمرين:
إما اختلاط في العقل، وإما جهل بالنص[1].
فإليك بعض النقول من كلام ذلك الإمام، وبعد ذلك نَقْلٌ من كلام ابن القيم -رحمهما الله- ومن خلالها يستبين لنا أن ما جاءت به الرسل هو الحق الذي لا مرية فيه، وأن كلام الفلاسفة باطل من أساسه.
كما يتبين من خلال ذلك عظم رسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وبركتها، وبركة أتباعها.
فإلى تلك النُّقول.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
1- (فقد تبين أن أصل السعادة وأصل النجاة من العذاب هو توحيد الله وحده لا شريك له، والإيمان برسله واليوم الآخر، والعمل الصالح)[2].
2- وقال: (من المعلوم أن المعظمين للفلسفة والكلام المعتقدين لمضمونها هم أبعد الناس عن معرفة الحديث، وأبعد عن اتِّباعه من هؤلاء.
هذا أمرٌ محسوس، بل إذا كشفت أحوالهم وجدتهم من أجهل الناس بأقواله -صلى الله عليه وسلم- وأحواله، وبواطن أموره وظواهرها، حتى لتجد كثيراً من العامة أعلم بذلك منهم، ولتجدهم لا يميزون بين ما قاله الرسول وما لم يقله، بل قد لا يفرقون بين حديث متواتر عنه، وحديث مكذوب موضوع عليه، وإنما يعتمدون في موافقته على ما يوافق قولهم، سواء كان موضوعاً أو غير موضوع)[3].
3- وقال: (وما يوجد من إقرار أئمة الكلام والفلسفة وشهادتهم على أنفسهم وعلى بني جنسهم بالضلال، ومن شهادة أئمة الكلام والفلسفة بعضهم على بعض كذلك - فأكثر من أن يحتمله هذا الموضع، وكذلك ما يوجد من رجوع أئمتهم إلى مذهب عموم أهل السنة وعجائزهم كثير، وأئمة السنة والحديث لا يرجع منهم أحد؛ لأن (الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد)، وكذلك ما يوجد من شهادتهم لأهل الحديث بالسلامة والخلاص من أنواع الضلال، وهم لا يشهدون لأهل البدع إلا بالضلال، وهذا باب واسع كما قدمناه)[4].
4- وقال: (وإذا كانت سعادة الدنيا والآخرة هي باتِّباع المرسلين - فمن المعلوم أن أحق الناس بذلك: هم أعلمهم بآثار المرسلين وأتبعهم لذلك؛ فالعالمون بأقوالهم وأفعالهم المتبعون لها هم أهل السعادة في كل زمان ومكان، وهم الطائفة الناجية من أهل كل ملة، وهم أهل السنة والحديث من هذه الأمة؛ فإنهم يشاركون سائر الأمة فيما عندهم من أمور الرسالة، ويمتازون عنهم بما اختصوا به من العلم الموروث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مما يجهله غيرهم أو يكذب به)[5].
5- وقال: (والمقصود: أن ما عند عوام المؤمنين وعلمائهم - أهل السنة والجماعة - من المعرفة والطمأنينة، والجزم الحق والقول الثابت، والقطع بما هم عليه، أمر لا ينازع فيه إلا من سلبه الله العقل والدين)[6].
6- وقال: (وبالجملة؛ فالثبات والاستقرار في أهل الحديث والسنة أضعاف أضعاف أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة؛ بل المتفلسف أعظم اضطراباً وحيرة في أمره من المتكلم؛ لأن عند المتكلم من الحق الذي تلقاه عن الأنبياء ما ليس عند المتفلسف، ولهذا تجد مثل أبي الحسين البصري وأمثاله أثبت من مثل ابن سينا وأمثاله.
وأيضاً تجد أهل الفلسفة والكلام أعظم الناس افتراقاً واختلافاً، مع دعوى كل منهم أن الذي يقوله حق مقطوع به قام عليه البرهان.
وأهل السنة والحديث أعظم الناس اتفاقاً وائتلافاً، وكل من كان من الطوائف إليهم أقرب كان إلى الاتفاق والائتلاف أقرب؛ فالمعتزلة أكثر اتفاقاً وائتلافاً من المتفلسفة؛ إذ للفلاسفة في الإلهيات والمعاد والنبوات، بل وفي الطبيعيات والرياضات، وصفات الأفلاك: من الأقوال - يعني المتفرقة - ما لا يحصيه إلا ذو الجلال)[7].
7- وقال: (من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال، ويمتازون عنهم بما ليس عندهم؛ فإن المنازع لهم لابد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقاً أخرى، مثل المعقول، والقياس، والرأي، والكلام، والنظر والاستدلال، والمحاجة، والمجادلة، والمكاشفة، والمخاطبة، والوجد والذوق، ونحو ذلك، وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتُها وخلاصتها؛ فهم أكمل الناس عقلاً، وأعدلهم قياساً، وأصوبهم رأياً، وأسدُّهم كلاماً، وأصحهم نظراً، وأهداهم استدلالاً، وأقومهم جدلاً، وأتمهم فراسة, وأصدقهم إلهاماً، وأحدُّهم بصراً ومكاشفة، وأصوبهم سمعاً ومخاطبة، وأعظمهم وأحسنهم وجداً وذوقاً.
وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر الأمم، ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل.
فكل من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أحدُّ وأسد عقلاً، وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال، وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم كذلك ممتعين؛ وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوي الإدراك ويصححه، قال -تعالى-: [وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى](محمد:17)، وقال:[وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (68)] (النساء)[8].
8- وقال في اقتضاء الصراط المستقيم: (فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وبما جاء به من البينات والهدى، هداية جلَّت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عموماً، ولأهل العلم منهم خصوصاً من العلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علماً وعملاً الخالصة من كل شوب إلى الحكمة التي بعث بها لتفاوتا تفاوتاً يمنع معرفة قدر النسبة بينهما، فلله الحمد كما يحب ربنا ويرضى، ودلائل هذا وشواهده ليس هذا موضعها)[9].
9- وقال ابن القيم: (فلو قيس ما عند جميع الأمم من معرفة وعلم وبصيرة إلى ماعندهم لم يظهر له نسبة إليه بوجه ما، وإن كان غيرهم من الأمم أعلم بالحساب والهندسة، والكمَّ المتصل والكمَّ المنفصل، والنبض والقارورة، والبول والقسطة، ووزن آلاتها، ونقوش الحيطان، ووضع الآلات العجيبة، وصناعة الكيمياء، وعلم الفلاحة، وعلم الهيئة وتسيير الكواكب، وعلم الموسيقى والألحان، وغير ذلك من العلوم التي هي ما بين علم لا ينفع وبين ظنون كاذبة، وبين علم نَفْعُه في العاجلة، وليس من زاد المعاد)[10].
10- وقال ابن القيم -رحمه الله-: (ولهذا رام فلاسفة الإسلام الجمع بين الشريعة والفلسفة كما فعل ابن سينا والفارابي وأضرابهما، وآل الأمر بهم إلى أن تكلموا في خوارق العادات والمعجزات على طريق الفلاسفة المشائين، وجعلوا لها أسباباً ثلاثة: أحدها: القوى الفلكية، والثاني: القوى النفسية، والثالث:القوى الطبيعية، وجعلوا جنس الخوارق جنساً واحداً، وأدخلوا ما للسحرة، وأرباب الرياضة والكهنة وغيرهم مع ما للأنبياء والرسل في ذلك، وجعلوا سبب ذلك كله واحداً، وإن اختلفت بالغايات، والنبي قصده الخير، والساحر قصده الشر!.
وهذا المذهب من أفسد مذاهب العالم، وأخبثها، وهو مبني على إنكار الفاعل المختار، وأنه -تعالى- لا يعلم الجزئيات، ولا يقدر على تغيير العالم، ولا يخلق شيئاً بمشيئته وقدرته، وعلى إنكار الجن، والملائكة، ومعاد الأجسام.
وبالجملة فهو مبني على الكفر بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر)[11].




[1] انظر إلى باعث النهضة الإسلامية - ابن تيمية السلفي ص52.
[2] نقض المنطق ص176.
[3] المصدر السابق ص81-82
[4] نقض المنطق ص21.
[5] نقض المنطق ص24.
[6] نقض المنطق ص43.
[7] نقض المنطق ص43.
[8] نقض المنطق ص 7،8.
[9] الاقتضاء 1/64.
[10] هداية الحيارى ص234، وانظر ما بعدها إلى ص249 ففيها كلام عظيم حول هذا المعنى.
[11] مفتاح دار السعادة ص119، وانظر ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان لابن الوزير.
 
عودة
أعلى