ابن الشجري
New member
- إنضم
- 18/12/2003
- المشاركات
- 101
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان وله الحمد ثانيا بمحمد والقرآن وله الحمد ثالثا بشهر رمضان ، وصلى الله علي خير من صلى وصام وقام لله الواحد الديان .
وبعد
فنحن في موسم عظيم من مواسم الجد في العبادة واغتنام ساعات العمر .
ولاشك أن تخصيص الأزمان الفاضلة بالاجتهاد في الطاعة أمر محمود انتهجه سلف هذه الأمة رحمهم الله ، وهي مسألة لا اعتبار بخلاف من خالف فيها وأدرجها في البدع الإضافية ، فكما أن هناك أماكن خصها الله بتشريف وتعظيم كبيته سبحانه ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم وغيرهما من الأماكن الفاضلة التي مستند تعظيمها الوحيين الشريفين أو أحدهما ، فكذلك هنالك أوقات خصها الله تعالى بشرف الزمان ، كليلة القدر والليال العشر ويومي عرفة والنحر وشهر رمضان وغيرها من الأزمان والأوقات الفاضلة التي تنبعث فيها همم الصالحين وتشمرعن ساعد الجد والاجتهاد في اغتنامها بكل عمل مشروع ، وإن لرمضان لنفس تنبعث معه الهمم الشريفة للأعمال الفاضلة .
وكل مسلم أدرى بنفسه وبما يجدها فيه من قربة وطاعة فكل إنسان على نفسه بصيرة ، وحيث يرى نشاط نفسه وانشراح صدره لأي باب من أبواب الخير والعمل الصالح ، كل ذلك حسب طاقته وقدرته وانشراح صدره لما وفق له ، فكل ميسر لما خلق له ، والموفق من وفقه الله لمعرفة أبواب الخير وطرقها ولزوم أقربها إلى قدرته وانبعاث همته ، وإنه لملحظ نفيس يجب على المسلم التفطن له والعناية به ومثله معدود في فقه النفس والأولويات والتمييز بين الصالح والأصلح ...، فمن الناس من يفتح عليه في باب الصدقة والبذل والعطاء حتى خشي المأمون يوما أن لا يثاب على صدقة لما وجد من لذة ومسارعة في هذا العمل ، وفي نفس الوقت قد يكون هناك مشمر في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس لديه همة الأول في البذل والعطاء ، وآخر يجد من المعونة في قيام الليل والاستغفار بالأسحار مالا يجدها في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورابع يجد من الإقبال على العلم والتعليم والتعلم والتأليف مالا يجده في باب من أبواب الخير الأخرى ... ، فالكمال عزيز والنقص لازم ونية الخير قد تبلغ بالمؤمن مالا يبلغه بأعماله ، وإذا شعر المؤمن بمعنى العبودية وأن العنت أمامه في كل ميدان يغفل فيه عن هذا المعنى وفق لباب من أبواب الخير يكون منبع سعادته وسروره في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، ورحم الله الإمام أحمد عندما سأله ابنه عبدالله أن يوصيه بوصية تنفعه فأجابه قائلا : يابني استكثر من نية الخير .!
وقبل الشروع في المقصود أود أن أنبه لوجوب التفرقة بين تخصيص هذه الأوقات الفاضلة بالاجتهاد في الطاعات والقربات المشروعة , وبين تخصيصها بإنشاء عبادة مشروعة في أصلها ، فالأول كإطالة قيام الليل في شهر رمضان عن سائر الشهور لمن وفق لقيام الليل ، وكإدامة تلاوة كتاب الله طيلة شهر رمضان كما كانت عادة السلف رحمهم الله فقد كان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان لم يشتغل بغير المصحف .
وأما الثاني فكتخصيص ليلة سبع وعشرين من رمضان بعمرة مثلا , فهذه مسألة فيها نزاع بين أهل العلم ، وكأن الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام يرى بدعية مثل هذا التخصيص ، وتابعه في هذا بعض المعاصرين من أهل العلم .
والأمة لازالت بخير ماركبت ثبج سنة المطفى صلى الله عليه وسلم واقتفت أثره ، وارتسمت خطاه وعلمت أن الخير في اقتفاء أثره ولزوم هديه ، وأنت ترى كم يلحق أحدهم من العنت والمشقة عند الحيدة عن هذا الطريق ، واجتهاده في باب من أبواب العبادة على غير هدى وبصيرة ، كمن يأت في رمضان بأكثر من عمرة ، فلربما اعتمر بعضهم عنه وعن كافة أسرته ، والعجيب عند حلقه رأسه أو تقصيره تجد أنه يأخذ في كل عمرة جزء يسير من شعره تاركا الجزء المتبقي للعمرة التي تليها كما ذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله رؤيته لمثل هؤلاء ، وهذا الفعل وإن كان لا يخلو من نية خير قد يثاب عليها كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، إلا أن صاحبها قد أوقع نفسه في حرج وعنت ومشقة دخلت عليه من تركه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومادرج عليه أخيار الأمة وأعلامها النبلاء من سلفنا الصالح رحمهم الله ، فلم يأت صلى الله عليه وسلم إلا بأربع عمر أنشأ لكل عمرة منهن سفرة مستقلة ، وكان هذا حال السلف رحمهم الله ، فقد كان الإمام أحمد وغيره من أهل العلم يمضي العام والعامين والثلاثة وأكثر من ذلك دون أن يعتمر ، بل ربما فات أحدهم الحج ولم يستطع أن يأت بحجة الإسلام كابن عبدالبر وابن حزم الأندلسيان رحمهم الله ، ولعل بعد الشقة وقيام المانع والعذر حال دون أدائهم لهذا الركن العظيم .
وقد حدثني المحدث الكبير الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن السعد حفظه الله ، أن أحد شيوخنا الكبار وقد سماه لي ، قام بالحج نيابة عن ابن عبدالبر رحمه الله ، كما قام أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري بالحج عن صاحبه . فجزاهما الله خيرا على وفائهم وحسن تكرمهم .
ولا شك أن ما خلقه الله لنا في هذا العصر من وسائل النقل وسبل الراحة باعثا على أن يستكثر المرء من قصده البيت الحرام لحج أو عمرة ، وهذا فضل من الله تفضل به علينا فله الحمد والمنة .
والعمرة في رمضان فضلها أشهر من أن أعطف القلم بالحديث عنه ، فليس هذا ما دعاني للكتابة والتنبيه .
إنما كان الداعي للكتابة هو غفلة الكثير من الناس وربما شارك في هذا بعض طلاب العلم ، عن النظر إلى الأصلح للقلب الذي هو محل نظر الجبار جل في علاه كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح ، واعتبار قاعدة الموازنة بين المصالح وتقديم الأصلح ، ومعرفة الأولويات والفاضل من المفضول ، وما كان خيره ونفعه قاصرا على صاحبه وبين ماكان نفعه متعديا للآخرين ، والأمر في هذا كله يرتكز في المقام الأول على النيات والله المستعان ، وكما قيل : فكم من قائم محروم ونائم مرحوم ، ورب عمل لايأبه له صاحبه فضلا عن الناس ، يكون سبب نجاة صاحبه وفوزه يوم القيامة ، ( فإماطة الأذى عن الطريق صدقة ، وربما كانت حينا سبب من أسباب دخول الجنة ) **.
أسأل الله لي ولكم من فضله العظيم ، فمدار الأمر في كل هذا على ما تعلق بقلب العامل قبل قالبه .
عليه أحببت أن أذكّر بقاعدة فقهية نافعة ، كان للزمان كما نحن الآن في شهر رمضان داع لذكرها والتنويه بها ، لما رأيت الكثير ممن استرعاهم الله على بعض خلقه تركوا رعيتهم من زوجات وذراري ، وأضاعوا الكثير من الحقوق ، قاصدين البيت العتيق للاعتكاف أو المجاورة ، وربما ضاق بأحدهم الحال والوقت في الانشغال بالمطعم والمشرب وترتيب المسكن واستقبال الوفود من الأقارب والأصحاب ، والأخذ معهم في ماجريّات الحياة ، فلم يغنموا الوقت في الصالحات من الأعمال ، وربما أوقعوا أسرهم من خلفهم في عنت ومشقة ، والأعظم من هذا كله خسارتهم للركن العظيم في أي عبادة بدنية كانت أو قلبية ألا وهو الخشوع والطمأنينة والسكينة والإقبال على الله بقلب خاشع مقبل مطمئن .
والقاعدة تقول : ( أن الفضيلة المتعلقة بذات الفعل مقدمة على الفضيلة الزمانية والمكانية ) .
فالمسلم ينبغي عليه أن يحرص بأن يكون في العبادة حيث كان قلبه ، فلربما فاق مصل في مسجد حيه من ركب الصعب والذلول وجاور البيت الحرام ، وبيان ذلك كله في مضمون هذه القاعدة العظيمة .
فكل فضيلة متعلقة بذات الفعل ، كالخشوع من الصلاة وإن كان في مسجد الحي ، وتلاوة القرآن العظيم بتدبر ، يفوقان في المثوبة والأجر ما لو كانت هذه الصلاة في البيت الحرام مع افتقاد المصلي للخشوع والطمأنينة ، أو قراءة القرآن لأكثر من ختمة دون خشوع ودموع ومسألة وتدبر ، فهنا فضيلة قائمة بذات الفعل وهي الخشوع والطمأنينة ، فإن تعارضت مع الفضيلة المكانية وهي الصلاة في البيت الحرام أو الزمانية وهي المجاورة في هذا الشهر العظيم مثلا ، فالمقدم منهما ماتعلق بذات الفعل لا ماتعلق بشئ خارج عنه .
وزيادة في تجلية الأمر فلو صلى مصل في مكة في مسجد خارج الحرم خلف إمام رق قلبه من قراءته ودمعت عينه واستجمع فكره وقلبه وأقبل على صلاته لكان أفضل من صلاته بين الركن والمقام فاقدا لكل هذا أو أكثره ...
فلو سأل سائل وقال : أنا إن بقيت في بيتي أتلو كتاب الله بتدبر وخشوع وتأمل وبكاء أو تباك وأصلي في مسجد حيي خلف إمام أجد دموعي تسابق تلاوته وخشوعي يضارع طمأنينتي ومع هذا قائم بحق رعيتي وربما لم أجد هذا لو سافرت إلى البيت الحرام وصليت بين الركن والمقام منشغل البال بالأهل والعيال فأي الحالين أفضل وأكمل ، لقلنا له بل بيتك ومسجدك وإمامك فا لزم ، فهنا تواجد فضيلة لها تعلق بذات الفعل ولبه ، وهناك تواجد الفضيلة له تعلق بالمكان أوالزمان ، والمقدم ماكان تعلقه بذات الشئ لا بما كان خارجا عنه .
كانت هذه إلماحة عابرة كمذقة الشارب حول هذه القاعدة ، وإلا فالكلام حولها يطول وكنت سأحرر الكلام فيها وأزينه بكلام أهل العلم ، إلا أني خشيت من فوات مناسبة إيرادها ، فأسرعت بها لهفة للعجلان ، واحتسبت انشغالي بها عن مدارسة القرآن بالموعود عند الواحد الديان ، ولعل لنا من عودة إن شاء الله لبسطها وتحريرها وتزيينها بكلام أهل العلم .
ـــــــــــــــــــــــــــ
إنا لله وإنا إليه راجعون من تسارع الزمان وتصرم الأعمار ، فيعلم الله لقد حال الحول على هذا المكتوب ، وكان شبه منسي على الحاسوب ، حتى استخرجته بنقرة ، فكان أن خرجت زفرة ، وفاضت العبرة ، لما تذكرت من الأهل والأحباب من جمعتني بهم أرمضة ، وغدت منهم دورهم وأوطانهم مقفرة ، وأفتقدناهم في الجمعة والجماعة ، ولم يعد لنا من موعد معهم إلا الساعة ، حتى غدو تحت الجنادل والدثور وحدهم ، بعد أن كنا نسمع أصواتهم ، ونأنس بأشخاصهم ، حال بيننا وبينهم سياج حق ، فقامت لهم معنا حقوق .
حق الدعاء بالرحمة والمغفرة والصدقة ...، إني لأتذكر في ساعة كريمة بعض من فقدتهم ، فيكون أول ما أذكر حاجتهم لتأدية حقهم علي من رحم أو أخوة أو مودة أو وفاء ... ، بالدعاء لهم فما أحوجهم والله لأنفاس إخوانهم المؤمنين ، والجزاء من جنس العمل .
وكم أزدري يعلم الله من يتحدث عن والديه أو أحدهما أو عزيز عليه بعد فقده ، ثم تراه يأتي بذكره متشدقا دون ترحم أو استغفار ، عندها أظن به قلة وفائه وزيف معدنه .
سنة كاملة مضت ،،، فهل تركتنا أم نحن تركناها ، أمّا هي فقد أبلت فينا بلاء حسنا ، وعملت فينا بكل معول لها ، وما أكثرها وأكثر أوصابها وأكدارها ، أمّا نحن ففريقان غانم وغارم فنعوذ بالله من المأثم والمغرم .
وإني يعلم الله مذ عهدت الصيام وعقلت شهر رمضان ماعلمت أنه مرعلى كما بين رمضاننا هذا ورمضان العام ، فما زالت الكثير من أحداث رمضان العام راسخة في الذهن كأنما تفصلنا عنها أيام . وإن في هذا لعبرة لنا جميعا فقد تسارع الزمان بشكل مخيف ، فلم تعد الأعمار بالأعمار وإن كان الليل هو الليل والنهار هو النهار ، فياسعادة من اغتنم أنفاس عمره في عمل صالح وبادر بما يحب قبل أن يبادر بما لا يحب .
إليك مولاي سف عبرتي ، على أن بدت شيبتي ، ولم أفق بعد من غيبتي
إليك ألقيت معاقد الآثام من عنقي ، فتقبلني على ماكان مني
فوعزتك وجلالك ماعهدت منك إلا كل جميل
أذنب وتغفر ، وأخطى وتعفو ، وأجحد وتشكر
وأنت القوي الغني المهيمن الكريم الرحمن الرحيم
فالحمد لك مولاي إذ شرفتني برداء العبودية
والحمد لك مولاي إذ كسوتني من سترك الجميل
فيا أعظم من سوئل ويا أكرم من أعطى ويا أفضل من وهب ويا أرحم من رحم
ويا أصدق من وعد
نسألك وأنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
أن ترحم أمواتنا وأموات المسلمين وأن تملأ عليهم قبورهم نورا ورحمة
وأن تتجاوز عنهم وترفع درجتهم وتكرم نزلهم
وأن ترحمنا رحمة من عندك لا تغادرنا حتى نلقاك وأنت راض عنا
وإني لأرجو الله حتى كأني أرى بجميل الظن ما الله صانع
اللهم ارزقنا صدق التوكل عليك وحسن الظن بك
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وسلم
إليك ألقيت معاقد الآثام من عنقي ، فتقبلني على ماكان مني
فوعزتك وجلالك ماعهدت منك إلا كل جميل
أذنب وتغفر ، وأخطى وتعفو ، وأجحد وتشكر
وأنت القوي الغني المهيمن الكريم الرحمن الرحيم
فالحمد لك مولاي إذ شرفتني برداء العبودية
والحمد لك مولاي إذ كسوتني من سترك الجميل
فيا أعظم من سوئل ويا أكرم من أعطى ويا أفضل من وهب ويا أرحم من رحم
ويا أصدق من وعد
نسألك وأنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
أن ترحم أمواتنا وأموات المسلمين وأن تملأ عليهم قبورهم نورا ورحمة
وأن تتجاوز عنهم وترفع درجتهم وتكرم نزلهم
وأن ترحمنا رحمة من عندك لا تغادرنا حتى نلقاك وأنت راض عنا
وإني لأرجو الله حتى كأني أرى بجميل الظن ما الله صانع
اللهم ارزقنا صدق التوكل عليك وحسن الظن بك
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وسلم