بسم1
يقول الشيخ خليل سليمان بعد أن أبان إختلاف التضاد مع من يريدهم مستشرقين ورد الهجوم على من يريدهم حاقدين، وبيّن أن طرقهم ليس طريق أهل الإنصاف والتعقل الذين يدركون الفروقات رغم التشابه العام:
(فإن اعترض علينا معترض منا بقوله تعالى في آخر سورة يوسف: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.. وأن فيها تصديقا لقصة يوسف التي في التوراه فحينئذ نقول لذلك المعترض هذا إن وجد ...: ألا قد ساء فهمك وطاش سهمك.. وكثر وهمك.. وقلّ علمك.. فإن تصديق القرآن إنما هو للذي بين يديه من التوراة المشرفة، لا للأخبار المحرّفة، فأين التوراه الصحيحة، وقد قال تعالى وقوله الحق المبين: {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.)
الآية الجليلة {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إستفاد منها مالك بن نبي إثبات خلو جزيرة العرب وقتها من نسخة كتابية مترجمة للعربية قائلا: (إن القرآن الذي يذكر لنا صدى ما دار من المجادلة بين النبي وبعض أحبار اليهود بالمدينة، يقول مخاطبا هؤلاء: {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}. أفليس هذا دليلا على أنه لم يكن يوجد من يقرأ العبرية من العرب من ناحية، وعلى أنه لم تكن توجد ترجمة عربية للتوراة من ناحية أخرى؟).
لعله لم يغب عن مالك بن نبي إحتمال التعلم، لا قراءة من كتاب، شفاهة، وربما اطلع أيضا على ما ورد في الحديث ((كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلامِ))، فانتقد فرضية إقتباس سورة يوسف من الروايات الكتابية من هذا الجانب أي من ناحيّة إفتراض أن النبي كان ربما قد تعلم أو عُلّم. وهذا ما لم يتطرق إليه الشيخ خليل في كتابه. أما إثبات الفروقات فهذا ما يعرفه العامي والباحث من غير المسلمين و المسلمين. وإثبات هذه الفروقات لا يفيد شيء، ثم إن إثبات إمتياز القرآن من الناحية العقديّة (الإعجاز القرآني) أو الأدبية و الفنيّة ليس في متناول الجميع، وبالتأكيد ليس في متناول من يأخذ قصة يوسف الكتابية و القرآنية على اعتبارهما وثيقتين نصيتين الآن بمعزل عن عقيدة وتاريخ اسلامي و أدب عربي.
هجوم الشيخ خليل سليمان على من يريدهم مختلفين من نفس الملة ليس فيه أي ليونة. ولا أدري كيف أراد الشيخ خليل أن يستنبط تحريف التوراه من الآية {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} ضاربا كل ما قيل فيها من تفسير وأسباب نزول وأحاديث عرض الحائط، ثم لا أفهم كيف أراد أن يوفق بين رمي المختلفين معه بسوء الفهم وطيش السهم من جانب وقوله (إن كلا من القرآن وما عند اليهود يأتي من بعض نبأ الأنبياء بأمور
هي في عمومها متشابهات، فإذا تمعن فيها من يتمعن وجد بين النبأين فروقا كثيرة.) من جانب آخر قصد إثبات نقده لمن كثر وهمهم وقل علمهم في ذهابهم إلى تصديق القرآن للروايات الكتابية، ولا أرى أين نضع الآية المقدسة {وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ولا أين نضع الحديث الشريف ((مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلا تُصَدِّقُوهُمْ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ)).