الفرق في الخطاب القرآني بين ( يا أيها الناس ) و ( يا بني آدم) .

إنضم
17/02/2006
المشاركات
59
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الرياض
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يطرح بعض أهل القرآن سؤالا بين الحين والآخر حول هل هناك فرق في الخطاب القرآني بين قول الله عز وجل (يا أيها الناس) وبين قوله تعالى ( يا بني آدم) ؟
وقد ورد قول الحق تبارك وتعالى : (يا أيها الناس) في عدة آيات منها هذه الآيات التالية:
سورة البقرة الآية ( 21 ) :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"
البقرة - الآية (168 ) : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"
النساء - الآية الأولى : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"
النساء - الآية ( 174) : "يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا"
ومن الآيات التي ورد فيها قول الله تبارك وتعالى:(يا بني آدم):
الأعراف - الآية (26) : "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"
الأعراف - الآية 27 : "يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ"
الأعراف - الآية 31 :" يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".
الأعراف - الآية 35 :" يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"
يس - الآية 60 :"أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"
وباستقراء تلك الآيات نخلص إلى ما يلي:
أولا- الخطاب بصيغة (يا أيها الناس ) هو خطاب عام من ناحية المخاطب وهو خطاب عام من ناحية موضوع الخطاب.
ثانيا- الخطاب بصيغة (يا بني آدم ) هو أيضا عام من ناحية المخاطب ولكنه خاص من ناحية موضوع الخطاب حيث ربط النداء ببني آدم ، وفي هذا بلاغة وحكمة قرآنية لأن موضوع الخطاب يرتبط بشكل مباشر بقصة آدم عليه السلام التي بدأ الله عز وجل ذكرها لنا في القرآن في مواقع متنوعة، بدأ من سورة البقرة الآية (30) في قوله :"وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ".
و موضوع قصة آدم مع أبليس يتمحور حول اغواء أبليس لآدم وزوجه حواء وإخراجهما من الجنة بعد أن نزع عنهما لباسهما ليريهما سؤاتهما، ولذلك جاء الخطاب بصيغة (يا بني آدم ) لتذكير المخاطبين (الذين هم بني آدم) بشكل مباشر بموضوع قصة آدم و إغواء أبليس له ولذلك تتداعى المعاني المرتبطة بتلك القصة في ذهن المخاطب بشكل سريع ومباشر ومحدد .
ثالثا- من بلاغة الخطاب القرآني أن تكون صيغة ( يا بني آدم) في جعل موضوع تلك القصة هو مركز ومحور الخطاب، ثم ليأتي الخطاب العام بصيغة ( يا أيها الناس) ليحيط بتداعيات تلك القصة مما يزيد الخطاب بلاغة اضافية تدعم نص الخطاب في عقل المخاطب ولذلك نجد أن الآيات التي ورد فيها ذكر (يا أيها الناس ) في القرآن الكريم هي أكثر من الآيات التي وردت فيها صيغة (يا بني آدم ).
والله تعالى أعلم.
 
النداء بـ (يا بني آدم) ورد في القرآن الكريم ثماني مرات .
وكل نداء له علاقة بآدم عليه السلام إما من ناحية الخلق أو من ناحية أبنائه في علاقتهم فيما بينهم ، وإما بالإحالة على القصة الأولى وما لابسها من حيثيات .
وينقسم النداء إلى ثلاثة أصناف : الإخبار ، الأمر والنهي ، إقامة الحجة .
أولا : صنف الإخبار المرتبط بآدم عليه السلام من حيث :
ـ الخلق : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ } [الأعراف :172]
ـ أبناء آدم عليه السلام : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }[المائدة:27]
ـ تكريم بني آدم : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }[الإسراء:70]
ثانيا : صنف الأمر والنهي مع الإحالة إلى قصة آدم الأولى :
ـ شكر نعمة اللباس بعد أن نُزع عن آدم وحواء : {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [الأعراف:26]
ـ التحذير من الشيطان الذي أخرج آدم وحواء من الجنة : {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف :27]
ـ الحث على التزين عند كل مسجد مع النهي عن الإسراف (وهي قضية لها علاقة باللباس المرتبط بقصة آدم عليه السلام لأن الشيطان له مدخل للإنسان في هذه القضية ) : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }[الأعراف:31]
ـ الحث على اتباع رسل الله ، تذكيراً بالقول الأول لآدم وحواء في بداية الهبوط إلى الأرض في قوله تعالى : {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:38]:
{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الأعراف:35]
الصنف الثالث : تذكير وتوبيخ وإقامة الحجة على بني آدم على عدم اتباع ما أوصاهم الله به من خلال رسله ، وذلك في شأن عداوة الشيطان لهم ولأبيهم آدم . (وهي قصة لم يتعظ بها كثير من بني آدم مما جعلهم يدخلون نار جهنم ) .

والله أعلم وأحكم
 
وكل نداء له علاقة بآدم عليه السلام إما من ناحية الخلق أو من ناحية أبنائه في علاقتهم فيما بينهم ، وإما بالإحالة على القصة الأولى وما لابسها من حيثيات .


ولكن أليست الآية التّالية "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا "

الحديث فيها من حيث موضوع الخِطاب يُعتبَر خاصّاً ؟
كونه يتحدّث عن الطعام الحلال = علاقة بآدم عليه السلام من ناحية أبناءه (طعامهم كما الآية التي تحدّثت عن لباسهم) ؟
 
الخطاب بـ (يا أيها الناس) خطاب عام للناس كافة وينطبق على الكل . بينما الخطاب بـ (يا بني آدم) هو خطاب خاص ، يُحِيلنا على الحيثيات الملابسة للقصة الأولى .

والله أعلم وأحكم
 
في سورة البقرة - الآية 35 :" وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ "، هذه الآية تتضمن موضوع الأكل وتبين لآدم وزوجه ما أحل لهما أكله في الجنة وهو كل ما فيها فيما عدا (هذه الشجرة ) فهي محرمة عليهما؛ والخطاب في يا أيها الناس هو خطاب عام من ناحية المخاطب كما أنه عام من ناحية موضوع الخطاب ، والآية : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا " هي عامة من ناحية المخاطب وهي أيضا عامة في موضوع الخطاب؛ فالآية لم تخصص ولكنها عممت الأكل مما في الأرض حلالا طيبا.
الجدير بالذكر أن الخطاب بصيغة يا أيها الناس وردت في القرآن الكريم عشرين مرة أما صيغة يا بني آدم باستخدام ياء النداء فقد وردت خمس مرات فقط .
والله تعالى أعلم.
 
عودة
أعلى