الفرق بين : (فلا رفثٌ ، ولا فسوقٌ ) بالرفع ، وبين (فلا رفثَ ولا فسوقَ ) عند ابن تيمية

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
قال رحمه الله تعالى :
[[ "وثبت في الصحيحين أنه قال : "من حج فلم يرفث ولم يفسق ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه "

وهذا على قراءة من قرأ : ( فلا رفثٌ ، ولا فسوقٌ ) بالرفع .

فالرفث اسم للجماع قولاً وعملاً .

والفسوق اسم للمعاصي كلها .

والجدال ـ على هذه القراءة ـ هو المِراء في أمر الحج ، فإن الله قد وضّحه ، وبينه ، وقطع المراء فيه كما كانوا في الجاهلية يتمارون في أحكامه .
وعلى القراءة الأخرى ، قد يفسر بهذا المعنى أيضاً ، وقد فسروها بأن لا يماري الحاج أحداً ، والتفسير الأول أصح ، فإن الله لم ينه المحرم ولا غيره عن الجدال مطلقاً ، بل الجدال قد يكون :

واجباً ،

أو مستحباً ، كما قال تعالى ) وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل: من الآية125)" ،

وقد يكون الجدال محرماً في الحج وغيره كالجدال بغير علم ، وكالجدال في الحق بعد ما تبين .
ولفظ ( الفسوق ) يتناول ما حرمه الله تعالى ، ولا يختص بالسباب ، وإن كان سباب المسلم فسوقاً ، فالفسوق يعم هذا وغيره .
و ( الرفث ) هو الجماع ، وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث ، فلهذا ميز بينه وبين الفسوق " ]]انتهى المقصود من كلامه من منسكه رحمه الله ص : (32-34) ظ.علي العمران .
 
بسم الله

في كلام شيخ الإسلام شيء من الغموض ، ويوضحه ويفصله ما قاله شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره بعد ذكره للاختلاف الوارد في معنى الجدال :

( . وأولى هذه الأقوال في قوله { ولا جدال في الحج } بالصواب , قول من قال : معنى ذلك : قد بطل الجدال في الحج ووقته , واستقام أمره ووقته على وقت واحد , ومناسك متفقة غير مختلفة , ولا تنازع فيه ولا مراء .

وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أن وقت الحج أشهر معلومات , ثم نفى عن وقته الاختلاف الذي كانت الجاهلية في شركها تختلف فيه . ....)
ثم ذكر أن في قول النبي صلى الله عليه وسلم : من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج مثل يوم ولدته أمه "

(دلالة واضحة على أن قوله : { ولا جدال في الحج } بمعنى النفي عن الحج بأن يكون في وقته جدال ومراء دون النهي عن جدال الناس بينهم فيما يعنيهم من الأمور أو لا يعنيهم . وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من حج فلم يرفث ولم يفسق استحق من الله الكرامة ما وصف أنه استحقه بحجه تاركا للرفث والفسوق اللذين نهى الله الحاج عنهما في حجه من غير أن يضم إليهما الجدال .
فلو كان الجدال الذي ذكره الله في قوله : { ولا جدال في الحج } مما نهاه الله عنه بهذه الآية , على نحو الذي تأول ذلك من تأوله من أنه المراء والخصومات أو السباب وما أشبه ذلك , لما كان صلى الله عليه وسلم ليخص باستحقاق الكرامة التي ذكر أنه يستحقها الحاج الذي وصف أمره باجتناب خلتين مما نهاه الله عنه في حجه دون الثالثة التي هي مقرونة بهما . ولكن لما كان معنى الثالثة مخالفا معنى صاحبتيها في أنها خبر على المعنى الذي وصفنا , وأن الأخريين بمعنى النهي الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مجتنبهما في حجه مستوجب ما وصف من إكرام الله إياه مما أخبر أنه مكرمه به إذا كانتا بمعنى النهي , وكان المنتهي عنهما لله مطيعا بانتهائه عنهما , ترك ذكر الثالثة إذ لم تكن في معناهما , وكانت مخالفة سبيلها سبيلهما .

فإذ كان ذلك كذلك , فالذي هو أولى بالقراءة من القراءات المخالفة بين إعراب الجدال وإعراب الرفث والفسوق , ليعلم سامع ذلك إذا كان من أهل الفهم باللغات أن الذي من أجله خولف بين إعرابيهما اختلاف معنييهما , وإن كان صوابا قراءة جميع ذلك باتفاق إعرابه على اختلاف معانيه , إذ كانت العرب قد تتبع بعض الكلام بعضا بإعراب مع اختلاف المعاني , وخاصة في هذا النوع من الكلام . فأعجب القراءات إلي في ذلك إذ كان الأمر على ما وصفت , قراءة من قرأ " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " برفع الرفث والفسوق وتنوينهما , وفتح الجدال بغير تنوين . وذلك هو قراءة جماعة البصريين وكثير من أهل مكة , منهم عبد الله بن كثير وأبو عمرو بن العلاء ....) انتهى مختصراً .

وكلام ابن جرير هذا من أنفس ما يكون من الاستفادة من الحديث في التفسير .
 
عودة
أعلى