الفرق بين " اليهود" و "بني إسرائيل" في بلاغة القرآن

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
590
مستوى التفاعل
25
النقاط
28
ما دلالة (بنو اسرائيل) في القرآن؟

هل (اليهود ) أعم أم أخص أم مساو ل (بنواسرائيل)؟

قبل البحث في الموضوع يتعين علينا الإشارة إلى طريقة القرآن في توظيف المعنى المعجمي وبيان تلك الطريقة بمثال توضيحي:

القرآن عربي لا يستعمل المفردة إلا بمعانيها المعجمية المتداولة ، وقد نضيف قيد (زمن النزول) لأن كثيرا من الوحدات المعجمية اكتسبت معاني مستحدثة شائعة لدرجة أن المعاني الأصلية قد أصبحت معها مهملة أو مجهولة بحيث إذا أطلقت المفردة لم يفهم منها إلا المعنى العصري الذي لم يكن من دلالاتها زمن النزول ، مثل كلمة "الذرة":

وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس : 61]

الذين نزلت عليهم الآية فهموا من كلمة ذرة الشيء الصغير والهباء وصغير النمل ، ولا يفهمون منها المعنى الشائع اليوم في الفزياء والكيمياء ولأن القرآن نزل بلسانهم فلا بد من حمل الكلمة على ما يفهمون لا على ما فهمه (ديموقريطس) اليوناني أويفهمه ( نيلز بوهر) الدانماركي! ومن هنا تعلم تهافت الذين ميعوا معنى "إعجاز القرآن" فقالوا إن في الآية إعجازا علميا لأن القرآن أشار إلى قابلية الذرة للانقسام ،وقد كان الظن بالذرة أنها غير قابلة للقسمة، لأن هذا هو معناها الاشتقاقي عند الغرب ATOME...( TOMEتعني جزء، وA تدل على النفي، أي الجزء الذي لا يتجزأ) المتكلمون والفلاسفة العرب ترجموا الكلمة اليونانية [átomos] حرفيا (الجزء الذي لا يتجزأ) وجاء المعاصرون فترجموها (الذرة) اعتباطا ، ونحن لا تهمنا هذه الترجمة فليترجموا بما شاؤوا لكن يهمنا أن يبقى القرآن في مأمن من اعتباطهم فلا يحمل القرآن على أوضاع لغوية هم وضعوها عن حق أو باطل!!

القرآن لا يقصد بالمفردة إلا معانيها المعجمية المتداولة ولكنه عند الاستعمال يكسبها دلالات سياقية خاصة فتصبح تلك الدلالات بحكم العادة والاطراد لا تنفصل عن معانيها الأصلية ...ونوضح هذا النهج القرآني بمثال :

(البشر، الناس، الإنسان، بنو آدم)

هذه الوحدات المعجمية في العربية مترادفات ، فالمرجع فيها كلها إلى كائن واحد ،والقرآن يعتبرها كذلك ،لكنه في الاستعمال يوظفها باعتبارات مختلفة بحيث لا يمكن جعل وحدة مكان أخرى

القرآن يقول:

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود : 119]

ولا يتصور بلاغيا – كما سنرى- أن يقول ( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَبني آدم أَجْمَعِينَ )، لأن العبارة صادمة للحس البلاغي بسبب المفارقة بين شرف الاسم وخزي مصير المسمى!



أ- البشر:

يستعمل القرآن "البشر" للدلالة على الأصل العنصري (التراب ، الطين، الصلصال، الحمأ) فتجد الكلمة ترد في سياق التكوين:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر : 28]

قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر : 33]

وفي سياق الاعتراض على الأنبياء والرسل :

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام : 91]

فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا [هود : 27]

قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [إبراهيم : 10]

وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء : 94]

فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً [المؤمنون : 24]

ووجه الاعتراض أن الأصل المهين لا يليق بالمبعوث من رب العالمين، وهم في هذا الاحتجاج يستندون إلى الأعراف والعادات ، فالسفير المبعوث من لدن كسرى أو قيصرلا بد أن يكون في مظهره ولباسه وموكبه ما يدل على مجد ومكانة من أرسله ...ومن ثم كانت الملائكة المخلوقة من النورأفضل في دور رسل الله من البشر المخلوقين من طين حقير!

ب- بنو آدم:

عندما يخاطب الله البشر"يا بني آدم" فهو يشير إلى انتسابهم إلى آدم، وآدم خلقه بيديه ، ففيه تشريف عظيم ، وأسجد له الملائكة كلهم على مختلف مراتبهم، ففيه تشريف على تشريف ...لذلك تجد في هذا الخطاب ما يدل على التشريف والتفضيل (سنتذكرهذا المعنى عند ما سنتحدث عن بني اسرائيل ) أو التذكير والتحذير من الشيطان عدوهم وعدو أبيهم وسبب هبوطهم من الجنة.....

فمن التشريف:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء : 70]

ومنه :

يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف : 26]

لباس بني آدم ذو مصدرعلوي وعورته مستورة عكس بقية الحيونات.

ومنه:

يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف : 31]

ليس مستورا فقط بل مطالب بالزينة والاعتناء بالمظهر الخارجي لتكون صورته الخارجية حاكية عن رتبته في الكون، وقوله "عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" قمين بأن يجعل من التزين هاجسا يوميا فعليه مراعاة هندامه خمس مرات في اليوم على الأقل!

ومن التحذير:

يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف : 27]

ومنه:

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس : 60]

ج- الناس:

خطاب الناس بصيغة الجمع يكون في الغالب في سياق التكليف والدعوة إلى قيام المجتمعات الإنسانية على أسس من الدين الصحيح وشرع من الله منزل

كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا، فارعها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه...
كذلك الخطاب يا أيها الناس والفرق في التخصيص والتعميم:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة : 21]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة : 168]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء : 1]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات : 13]

د- الإنسان:

الخطاب بالجمع مناسب للتجمعات الإنسانية والخطاب بالمفرد مناسب للماهية وتركيبة الإنسان الداخلية

الخطاب بالمفرد يأتي غالبا (إن لم يكن مطردا) بالتقريع والكشف عن الصفات الذميمة في تركيبة الإنسان النفسية والخلقية

أول ما ذكر الانسان في المصحف في سورة النساء:

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء : 28]

آخر ما ذكر في سورة العصر:

إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر : 2]

وما بين الضعف والخسران ورد حقل معجمي هائل يصف سلبيات الإنسان فهو يَئُوسٌ – كَفُورٌ - ظَلُومٌ – كَفَّارٌ- خَصِيم - عجول- قتور-جهول-قنوط- هلوع ....(لاحظ هيمنة صيغة المبالغة فعول)

وللقرآن مناهج في التقريع :

1-

يشفع صفة بأخرى:

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم : 34]

وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب : 72]

لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت : 49]

2-

يخرج الصفات بصيغ المبالغة

وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا [الإسراء : 67]

وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا [الإسراء : 100]

وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا [الإسراء : 83]

ج-

يؤكد الجملة

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى [العلق : 6]

د-

الجمع بين صيغة المبالغة والتوكيد

إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات : 6]

هذا الإنسان هو نفسه ابن آدم ولكن شتان بين الاعتبارين .....

المخاطبون جنس واحد وتغيير الاسماء لا يدل على اختلاف المسمى إنما القرآن يراعي المقام وجهة الاعتبار:

فإن كان المقام بيانا للتركيبة العنصرية فهو بشر

وإن كان المقام تشريفا كان المقال "يا بني آدم"

وإن كان المقام تكليفا كان المقال " يا أيها الناس"

وإن كان المقام تقريعا كان المقال "يا أيها الإنسان"

وعلى هذا الأساس فقط سنرى الاختلاف الاعتباري بين" يهود" و"بني إسرائيل".
 
المعتبر في اسم ( بنو اسرائيل) أمران :

- مقوم النسب

- وميزة المسار التاريخي (أو الحضاري)

ولا عبرة بالمقومات الأخرى من دين أو وطن أو اجتماع...

فإذا أطلق القرآن على جماعة اسم "بني إسرائيل" فلا بد أن ينتهي نسبها إلى النبي يعقوب ، كيف والقرآن قد أسس مبدأ عاما لا ينسب بموجبه فرد أو جماعة إلا لآبائهم- إن عرفوا- :

ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب : 5]

ولا يمكن للقرآن أن يدعو فردا أو جماعة لغير آبائهم...

ليس في اسم ( بنو اسرائيل) ما يدل على دين أو معتقد فهو محايد من هذه الجهة : القرآن يسمي الصالحين منهم بني اسرائيل ولا ينزع عنهم الاسم عندما يكذبون الأنبياء ويقتلونهم ويقتلون معهم من يامر بالقسط من الناس...( بنو اسرائيل) فضلهم الله على العالمين ، ( بنو اسرائيل) لعنوا على ألسنة أنبيائهم ، الاسم يتناولهم جميعا ، ولا يبحث عن الفرق بين الاعتبارين في الاسم ولكن في ما يسند إلى الاسم....

ولا دلالة في الاسم على موطن أيضا فقد كانوا أسرة في البدو ثم دخلوا مصرفي عهد يوسف فكونوا هناك "جالية أجنبية" ، ثم فرضت عليهم وضعية استثنائية في سيناء (التيه) ، ثم كونوا مملكة قوية في الارض المباركة في عهد داود وسليمان ، ثم خرب الله مملكتيهم ،وسلط عليهم البابليين ، فأخذوهم سبيا ، ثم شتتهم الله على وجه الأرض ...لكن اسم ( بنو اسرائيل) لازم لهم في كل الأحوال والأوضاع يخاطبهم الله به في حال كفرهم وإيمانهم وفي حال اجتماعهم وتفرقهم وفي حال عزتهم وذلهم...فالنظر في الاسم إلى النسب فحسب.
 
- المعتبر في اسم اليهود شيء واحد :هو العقيدة ، ولا دلالة في الاسم على سلالة أو نسب ، فقد يكون اليهود من بني إسرائيل (وهو الغالب ) وقد يكونون من غيرهم ، فكل من اختار عقيدتهم فهو يهودي مثلهم ، ولا يشترط أن ينتهي نسبه إلى الأسباط.. ومن أمثلة ذلك في عصرنا : جماعة الفلاشا (أو يهود الفلاشا) معظمهم حالياً من أصول أثيوبية وقد سمحت لهم الدولة اليهودية في فلسطين بالهجرة إليها والاندماج في مجتمعها ...

قال تعالى :

وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [البقرة : 135]

واضح أنه لا يمكن في الآية وضع "بني إسرائيل " مكان "هودا" لأن النسب لا يدخل في نطاق إرادة الإنسان واختياره، فلا يشاء أن يكون ابن فلان أو لا يكونه، فالنسب مفروض عليه فرضا وما كانت الدعوة إلى اليهودية معقولة إلا لأنها معتقد وقيم، والإنسان له اختيار في اتباع ما يشاء منها ...

ولعل الآية قد جمعت كل عقائد أهل الأرض في الرباعي المعدود:

اليهودية- النصرانية- ملة إبراهيم الحنيفية (الإسلام) – والشرك

ووجه الجمع يضبطه التقسيم العقلي : فأديان الناس إما توحيد وإما شرك، ودين التوحيد إما خالص أصيل ( الإسلام ) وإما شابه التحريف والتزييف (اليهودية والنصرانية)

وكون اليهودية دينا وليس نسبا يترتب عنه أمر هام وهو جواز وصف أنبياء ورسل بني إسرائيل بالإسرائليين (اعتبارا للنسب) ولكن لا يجوز بحال أن يقال عنهم يهود فهو طعن فيهم بل كفر صريح كما سنبين بحول الله.
 
ما اليهودية؟

اليهودية ليست دينا سماويا كما هو شائع بين الناس- إذ يقولون الديانات السماوية الثلاث - ولا النصرانية أيضا ،ولا شك أن جمع الدينين مع الإسلام تحت مقولة "الدين السماوي" لا يخلو من تدليس وتلبيس...ونحن لا يهمنا حكم الناس وإنما يهمنا حكم الله الذي يقول :

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [آل عمران : 19]

وينبغي أن يفهم المركب الظرفي "عِنْدَ اللَّهِ" بمعنى الابتداء والانتهاء معا ...

فعلى اعتبار الانتهاء لا يقبل الله في الآخرة إلا الإسلام ومن جاء بغيره كان خاسرا:

وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران : 85]

وعلى اعتبار الابتداء لا يوحي الله لأحد من الرسل إلا بالإسلام ، مهما كان عصر هذا الرسول ومهما كان قومه...فما أوحى الله لموسى إلا الإسلام وما أوحى - بعده بقرون - لعيسى إلا الإسلام نفسه، وليست اليهودية والنصرانية إلا صنيع الإنسان ...وتجد في التنزيل غاليا العطف بين المفهومين:

وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُم [البقرة : 111]

وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ [البقرة : 113]

وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة : 120]

وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا [البقرة : 135]

أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة : 140]

مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران : 67]

وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة : 18]

صحيح إن اليهودية في الأصل من الوحي السماوي لكن الناس أفسدوا الأصل بالآليات الثلاث المعروفة :

1-آلية الحذف (أو الكتمان)

2- آلية التحريف والتأويل (تحريف اللفظ وتأويل المعنى)

3-ألية الزيادة (أو الكذب على الله)

باختصار أنزل الله الإسلام وحوله الأحبار والكهان والرهبان إلى يهودية أو نصرانية ، إي إلى ملتين غير مقبولتين عند الله...

وهنا يجب تصحيح الترتيب التاريخي الشائع إذ يقولون ظهرت اليهودية أولا ثم المسيحية ثم الإسلام ...بل الإسلام أولا ثم اليهودية والنصرانية ، كما تعلم ابنك أيام الأسبوع فتقول له: الجمعة أولا ثم السبت ثم الأحد!!
 
ولأمر ما لم يرد في التنزيل بتاتا عقيدة أو جماعة منسوبة – لفظا- للمسيح فلا تجد فيه "مسيحية" ولا "مسيحيون" ، ذلك لأن الكتاب لا يأتيه الباطل من أي جهة كانت، فلو قال "مسيحية" لصححها ولو قال "مسيحيون" لزكاهم، لأن المسيح حق والمنسوب إلى الحق حق مثله ، فكيف يصحح الله عقيدة التثليث وكيف يزكي من يقول بالصلب والفداء! وللدلالة على هذا الباطل يستعمل القرآن نصرانية ونصارى.

ولكي يزيل القرآن الحكيم كل التباس بشأن ادعاء أصالة اليهودية والنصرانية تجده يبدأ من الجذر ويتتبع المجرى إلى المنبع فيحسم المسألة في الزهراوين :

في سورة البقرة يجمع اسراءيل عليه السلام ابناءه وهو على فراش الموت ليسمعهم الوصية الأخيرة:

أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة : 133]

وفي سورة آل عمران يجتمع المسيح بالحواريين:

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران : 52]

اليهودية إذن مقطوعة الصلة بإسرائيل وبنيه الاثني عشرة

والنصرانية مقطوعة الصلة بالمسيح وحوارييه الاثني عشرة (هذا عدهم عند النصارى)

كلهم مسلمون ، وبدعتا النصرانية واليهودية ما ظهرتا إلا من بعدهم، فجعلهم يهود ونصارى قلة عقل كما قالوا عن الخليل وسفههم الله في دعواهم:

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [آل عمران : 65]
 
عودة
أعلى