أبو عبد المعز
Active member
- إنضم
- 20/04/2003
- المشاركات
- 590
- مستوى التفاعل
- 25
- النقاط
- 28
ما دلالة (بنو اسرائيل) في القرآن؟
هل (اليهود ) أعم أم أخص أم مساو ل (بنواسرائيل)؟
قبل البحث في الموضوع يتعين علينا الإشارة إلى طريقة القرآن في توظيف المعنى المعجمي وبيان تلك الطريقة بمثال توضيحي:
القرآن عربي لا يستعمل المفردة إلا بمعانيها المعجمية المتداولة ، وقد نضيف قيد (زمن النزول) لأن كثيرا من الوحدات المعجمية اكتسبت معاني مستحدثة شائعة لدرجة أن المعاني الأصلية قد أصبحت معها مهملة أو مجهولة بحيث إذا أطلقت المفردة لم يفهم منها إلا المعنى العصري الذي لم يكن من دلالاتها زمن النزول ، مثل كلمة "الذرة":
وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس : 61]
الذين نزلت عليهم الآية فهموا من كلمة ذرة الشيء الصغير والهباء وصغير النمل ، ولا يفهمون منها المعنى الشائع اليوم في الفزياء والكيمياء ولأن القرآن نزل بلسانهم فلا بد من حمل الكلمة على ما يفهمون لا على ما فهمه (ديموقريطس) اليوناني أويفهمه ( نيلز بوهر) الدانماركي! ومن هنا تعلم تهافت الذين ميعوا معنى "إعجاز القرآن" فقالوا إن في الآية إعجازا علميا لأن القرآن أشار إلى قابلية الذرة للانقسام ،وقد كان الظن بالذرة أنها غير قابلة للقسمة، لأن هذا هو معناها الاشتقاقي عند الغرب ATOME...( TOMEتعني جزء، وA تدل على النفي، أي الجزء الذي لا يتجزأ) المتكلمون والفلاسفة العرب ترجموا الكلمة اليونانية [átomos] حرفيا (الجزء الذي لا يتجزأ) وجاء المعاصرون فترجموها (الذرة) اعتباطا ، ونحن لا تهمنا هذه الترجمة فليترجموا بما شاؤوا لكن يهمنا أن يبقى القرآن في مأمن من اعتباطهم فلا يحمل القرآن على أوضاع لغوية هم وضعوها عن حق أو باطل!!
القرآن لا يقصد بالمفردة إلا معانيها المعجمية المتداولة ولكنه عند الاستعمال يكسبها دلالات سياقية خاصة فتصبح تلك الدلالات بحكم العادة والاطراد لا تنفصل عن معانيها الأصلية ...ونوضح هذا النهج القرآني بمثال :
(البشر، الناس، الإنسان، بنو آدم)
هذه الوحدات المعجمية في العربية مترادفات ، فالمرجع فيها كلها إلى كائن واحد ،والقرآن يعتبرها كذلك ،لكنه في الاستعمال يوظفها باعتبارات مختلفة بحيث لا يمكن جعل وحدة مكان أخرى
القرآن يقول:
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود : 119]
ولا يتصور بلاغيا – كما سنرى- أن يقول ( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَبني آدم أَجْمَعِينَ )، لأن العبارة صادمة للحس البلاغي بسبب المفارقة بين شرف الاسم وخزي مصير المسمى!
أ- البشر:
يستعمل القرآن "البشر" للدلالة على الأصل العنصري (التراب ، الطين، الصلصال، الحمأ) فتجد الكلمة ترد في سياق التكوين:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر : 28]
قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر : 33]
وفي سياق الاعتراض على الأنبياء والرسل :
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام : 91]
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا [هود : 27]
قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [إبراهيم : 10]
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء : 94]
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً [المؤمنون : 24]
ووجه الاعتراض أن الأصل المهين لا يليق بالمبعوث من رب العالمين، وهم في هذا الاحتجاج يستندون إلى الأعراف والعادات ، فالسفير المبعوث من لدن كسرى أو قيصرلا بد أن يكون في مظهره ولباسه وموكبه ما يدل على مجد ومكانة من أرسله ...ومن ثم كانت الملائكة المخلوقة من النورأفضل في دور رسل الله من البشر المخلوقين من طين حقير!
ب- بنو آدم:
عندما يخاطب الله البشر"يا بني آدم" فهو يشير إلى انتسابهم إلى آدم، وآدم خلقه بيديه ، ففيه تشريف عظيم ، وأسجد له الملائكة كلهم على مختلف مراتبهم، ففيه تشريف على تشريف ...لذلك تجد في هذا الخطاب ما يدل على التشريف والتفضيل (سنتذكرهذا المعنى عند ما سنتحدث عن بني اسرائيل ) أو التذكير والتحذير من الشيطان عدوهم وعدو أبيهم وسبب هبوطهم من الجنة.....
فمن التشريف:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء : 70]
ومنه :
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف : 26]
لباس بني آدم ذو مصدرعلوي وعورته مستورة عكس بقية الحيونات.
ومنه:
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف : 31]
ليس مستورا فقط بل مطالب بالزينة والاعتناء بالمظهر الخارجي لتكون صورته الخارجية حاكية عن رتبته في الكون، وقوله "عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" قمين بأن يجعل من التزين هاجسا يوميا فعليه مراعاة هندامه خمس مرات في اليوم على الأقل!
ومن التحذير:
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف : 27]
ومنه:
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس : 60]
ج- الناس:
خطاب الناس بصيغة الجمع يكون في الغالب في سياق التكليف والدعوة إلى قيام المجتمعات الإنسانية على أسس من الدين الصحيح وشرع من الله منزل
كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا، فارعها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه...
كذلك الخطاب يا أيها الناس والفرق في التخصيص والتعميم:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة : 21]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة : 168]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء : 1]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات : 13]
د- الإنسان:
الخطاب بالجمع مناسب للتجمعات الإنسانية والخطاب بالمفرد مناسب للماهية وتركيبة الإنسان الداخلية
الخطاب بالمفرد يأتي غالبا (إن لم يكن مطردا) بالتقريع والكشف عن الصفات الذميمة في تركيبة الإنسان النفسية والخلقية
أول ما ذكر الانسان في المصحف في سورة النساء:
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء : 28]
آخر ما ذكر في سورة العصر:
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر : 2]
وما بين الضعف والخسران ورد حقل معجمي هائل يصف سلبيات الإنسان فهو يَئُوسٌ – كَفُورٌ - ظَلُومٌ – كَفَّارٌ- خَصِيم - عجول- قتور-جهول-قنوط- هلوع ....(لاحظ هيمنة صيغة المبالغة فعول)
وللقرآن مناهج في التقريع :
1-
يشفع صفة بأخرى:
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم : 34]
وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب : 72]
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت : 49]
2-
يخرج الصفات بصيغ المبالغة
وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا [الإسراء : 67]
وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا [الإسراء : 100]
وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا [الإسراء : 83]
ج-
يؤكد الجملة
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى [العلق : 6]
د-
الجمع بين صيغة المبالغة والتوكيد
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات : 6]
هذا الإنسان هو نفسه ابن آدم ولكن شتان بين الاعتبارين .....
المخاطبون جنس واحد وتغيير الاسماء لا يدل على اختلاف المسمى إنما القرآن يراعي المقام وجهة الاعتبار:
فإن كان المقام بيانا للتركيبة العنصرية فهو بشر
وإن كان المقام تشريفا كان المقال "يا بني آدم"
وإن كان المقام تكليفا كان المقال " يا أيها الناس"
وإن كان المقام تقريعا كان المقال "يا أيها الإنسان"
وعلى هذا الأساس فقط سنرى الاختلاف الاعتباري بين" يهود" و"بني إسرائيل".
هل (اليهود ) أعم أم أخص أم مساو ل (بنواسرائيل)؟
قبل البحث في الموضوع يتعين علينا الإشارة إلى طريقة القرآن في توظيف المعنى المعجمي وبيان تلك الطريقة بمثال توضيحي:
القرآن عربي لا يستعمل المفردة إلا بمعانيها المعجمية المتداولة ، وقد نضيف قيد (زمن النزول) لأن كثيرا من الوحدات المعجمية اكتسبت معاني مستحدثة شائعة لدرجة أن المعاني الأصلية قد أصبحت معها مهملة أو مجهولة بحيث إذا أطلقت المفردة لم يفهم منها إلا المعنى العصري الذي لم يكن من دلالاتها زمن النزول ، مثل كلمة "الذرة":
وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس : 61]
الذين نزلت عليهم الآية فهموا من كلمة ذرة الشيء الصغير والهباء وصغير النمل ، ولا يفهمون منها المعنى الشائع اليوم في الفزياء والكيمياء ولأن القرآن نزل بلسانهم فلا بد من حمل الكلمة على ما يفهمون لا على ما فهمه (ديموقريطس) اليوناني أويفهمه ( نيلز بوهر) الدانماركي! ومن هنا تعلم تهافت الذين ميعوا معنى "إعجاز القرآن" فقالوا إن في الآية إعجازا علميا لأن القرآن أشار إلى قابلية الذرة للانقسام ،وقد كان الظن بالذرة أنها غير قابلة للقسمة، لأن هذا هو معناها الاشتقاقي عند الغرب ATOME...( TOMEتعني جزء، وA تدل على النفي، أي الجزء الذي لا يتجزأ) المتكلمون والفلاسفة العرب ترجموا الكلمة اليونانية [átomos] حرفيا (الجزء الذي لا يتجزأ) وجاء المعاصرون فترجموها (الذرة) اعتباطا ، ونحن لا تهمنا هذه الترجمة فليترجموا بما شاؤوا لكن يهمنا أن يبقى القرآن في مأمن من اعتباطهم فلا يحمل القرآن على أوضاع لغوية هم وضعوها عن حق أو باطل!!
القرآن لا يقصد بالمفردة إلا معانيها المعجمية المتداولة ولكنه عند الاستعمال يكسبها دلالات سياقية خاصة فتصبح تلك الدلالات بحكم العادة والاطراد لا تنفصل عن معانيها الأصلية ...ونوضح هذا النهج القرآني بمثال :
(البشر، الناس، الإنسان، بنو آدم)
هذه الوحدات المعجمية في العربية مترادفات ، فالمرجع فيها كلها إلى كائن واحد ،والقرآن يعتبرها كذلك ،لكنه في الاستعمال يوظفها باعتبارات مختلفة بحيث لا يمكن جعل وحدة مكان أخرى
القرآن يقول:
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود : 119]
ولا يتصور بلاغيا – كما سنرى- أن يقول ( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَبني آدم أَجْمَعِينَ )، لأن العبارة صادمة للحس البلاغي بسبب المفارقة بين شرف الاسم وخزي مصير المسمى!
أ- البشر:
يستعمل القرآن "البشر" للدلالة على الأصل العنصري (التراب ، الطين، الصلصال، الحمأ) فتجد الكلمة ترد في سياق التكوين:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر : 28]
قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر : 33]
وفي سياق الاعتراض على الأنبياء والرسل :
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام : 91]
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا [هود : 27]
قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [إبراهيم : 10]
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء : 94]
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً [المؤمنون : 24]
ووجه الاعتراض أن الأصل المهين لا يليق بالمبعوث من رب العالمين، وهم في هذا الاحتجاج يستندون إلى الأعراف والعادات ، فالسفير المبعوث من لدن كسرى أو قيصرلا بد أن يكون في مظهره ولباسه وموكبه ما يدل على مجد ومكانة من أرسله ...ومن ثم كانت الملائكة المخلوقة من النورأفضل في دور رسل الله من البشر المخلوقين من طين حقير!
ب- بنو آدم:
عندما يخاطب الله البشر"يا بني آدم" فهو يشير إلى انتسابهم إلى آدم، وآدم خلقه بيديه ، ففيه تشريف عظيم ، وأسجد له الملائكة كلهم على مختلف مراتبهم، ففيه تشريف على تشريف ...لذلك تجد في هذا الخطاب ما يدل على التشريف والتفضيل (سنتذكرهذا المعنى عند ما سنتحدث عن بني اسرائيل ) أو التذكير والتحذير من الشيطان عدوهم وعدو أبيهم وسبب هبوطهم من الجنة.....
فمن التشريف:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء : 70]
ومنه :
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف : 26]
لباس بني آدم ذو مصدرعلوي وعورته مستورة عكس بقية الحيونات.
ومنه:
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف : 31]
ليس مستورا فقط بل مطالب بالزينة والاعتناء بالمظهر الخارجي لتكون صورته الخارجية حاكية عن رتبته في الكون، وقوله "عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" قمين بأن يجعل من التزين هاجسا يوميا فعليه مراعاة هندامه خمس مرات في اليوم على الأقل!
ومن التحذير:
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف : 27]
ومنه:
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس : 60]
ج- الناس:
خطاب الناس بصيغة الجمع يكون في الغالب في سياق التكليف والدعوة إلى قيام المجتمعات الإنسانية على أسس من الدين الصحيح وشرع من الله منزل
كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا، فارعها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه...
كذلك الخطاب يا أيها الناس والفرق في التخصيص والتعميم:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة : 21]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة : 168]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء : 1]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات : 13]
د- الإنسان:
الخطاب بالجمع مناسب للتجمعات الإنسانية والخطاب بالمفرد مناسب للماهية وتركيبة الإنسان الداخلية
الخطاب بالمفرد يأتي غالبا (إن لم يكن مطردا) بالتقريع والكشف عن الصفات الذميمة في تركيبة الإنسان النفسية والخلقية
أول ما ذكر الانسان في المصحف في سورة النساء:
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء : 28]
آخر ما ذكر في سورة العصر:
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر : 2]
وما بين الضعف والخسران ورد حقل معجمي هائل يصف سلبيات الإنسان فهو يَئُوسٌ – كَفُورٌ - ظَلُومٌ – كَفَّارٌ- خَصِيم - عجول- قتور-جهول-قنوط- هلوع ....(لاحظ هيمنة صيغة المبالغة فعول)
وللقرآن مناهج في التقريع :
1-
يشفع صفة بأخرى:
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم : 34]
وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب : 72]
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت : 49]
2-
يخرج الصفات بصيغ المبالغة
وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا [الإسراء : 67]
وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا [الإسراء : 100]
وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا [الإسراء : 83]
ج-
يؤكد الجملة
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى [العلق : 6]
د-
الجمع بين صيغة المبالغة والتوكيد
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات : 6]
هذا الإنسان هو نفسه ابن آدم ولكن شتان بين الاعتبارين .....
المخاطبون جنس واحد وتغيير الاسماء لا يدل على اختلاف المسمى إنما القرآن يراعي المقام وجهة الاعتبار:
فإن كان المقام بيانا للتركيبة العنصرية فهو بشر
وإن كان المقام تشريفا كان المقال "يا بني آدم"
وإن كان المقام تكليفا كان المقال " يا أيها الناس"
وإن كان المقام تقريعا كان المقال "يا أيها الإنسان"
وعلى هذا الأساس فقط سنرى الاختلاف الاعتباري بين" يهود" و"بني إسرائيل".