الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
وبعد، ففي إطار البحث عن الفرق بين النصب واللغوب ، وكذا دلالة اللغوب في القرآن الكريم أحاول بهذه المقاربة أن ألامس جزءا من الموضوع :
أولا : النصب غير اللغوب وذلك بدليل قوله تعالى : {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }[فاطر:35]
ثانيا : الله نفى عن نفسه الإعياء من جراء خلق السموات والأرض ، بقوله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[الأحقاف:33]
كما أنه نفى أي شيء من اللغوب مهما قل جراء خلق السموات والأرض : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }[ق:38]
نفي الإعياء في آية ، ونفي أي أثر من اللغوب في آية أخرى يؤكد أن اللغوب جزء من الإعياء .
هذا الطرح يمكن أن نعضده بما جاء في المعجم اللغوي لمادة (لغب) في اللسان العربي .
ورد في تاج العروس أن اللغْب يطلق على : ما بين الثنايا من اللحم ـ الريش الفاسد ـ الكلام الفاسد ـ الضعيف الأحمق ـ السهم الفاسد (لم يحسن بريه) .
وإذا لاحظنا فالجامع بين هذه الأمور هو الضعف وعدم الاكتمال . فبداية الإعياء هو اللغوب . أي النزر اليسير من الإعياء .
كما أننا يمكن كذلك أن نلتجئ إلى خارجيات النص ، وأعنى به هنا السياق الاجتماعي الذي يتلخص في سبب نزول الآية 38 من سورة ق : من أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألت عن خلق السموات والأرض . فعندما أجابهم قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد ؟ قال : ثم استوى على العرش ، قالوا : قد أصبت لو تممت ثم استراح ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ، فنزلت : {ولقد خلقنا السموات والأرض .....فاصبر على مايقولون } الآية .
من خلال ما تقدم يتبين أن اللغوب هو بداية الإعياء وقليله ، وقد نفاه الله عن نفسه ، تأكيدا لنفي الإعياء في حقه تعالى .
قال الآلوسي (ت:1270هـ) في تفسيره : "{ مِن لُّغُوبٍ } تعب ما فالتنوين للتحقير " وجاء في الجلالين في تفسير الآية 35 من سورة فاطر : " (الذي أحلنا دار المقامة) الإقامة (من فضله لا يمسنا فيها نصب) تعب (ولا يمسنا فيها لغوب) إعياء من التعب لعدم التكليف فيها وذكر الثاني التابع للأول للتصريح بنفيه "