الفرق بين النجم والكوكب في اللغة والقرآن وبيان الأسرار البلاغية

إنضم
09/01/2008
المشاركات
81
مستوى التفاعل
2
النقاط
8
هذا البحث : في بيان معنى الكوكب والنجم في اللغة والقرآن ثم بيان الأسرار البلاغية في استعمال كل لفظة ووضعها في مكانها الدقيق { قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض } ثم بيان خطأ المعاصرين في تفسير القرآن بما اصطلح عليه المتأخرون من التفريق بين النجم والكوكب :
أولا : الكوكب :
المادة تدور حول : لمعان الشيء المتجمع أو المتكتل أي مع جَمع وتجمع ولمعنى التجمع قالوا كوكب كل شيء معظمه وأكثره مثل كوكب العشب وكوكب الماء وكوكب الجيش ، والكوكب يسمَّى كوكباً من هذا القياس.
الكوكب : الشيء (النجم) الظاهر البادي جدا المضيء البراق المتلألئ الزاهر المتوقد الحسن المتجلي في الليل والموجب لحصول الزينة في السماء .
قال الراغب : والكواكب: النجوم البادية، ولا يقال: لها كواكب إلا إذا بدت. قال تعالى: {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا}وقال: {كأنها كوكب دري}، {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} {وإذا الكواكب انتثرت.
قال البقاعي: { أحد عشر كوكباً } أي نجماً كبيراً ظاهراً جداً مضيئاً براقاً ولما كان للنيرين اسمان يخصانهما هما في غاية الشهرة ، قال معظماً لهما : { والشمس والقمر }
قال البقاعي:
{الكواكب انتثرت } أي النجوم الصغار والكبار كلها الغراء الزاهرة المتوقدة توقد النار المرصعة ترصيع المسامير في الأشياء المتماسكة .
قال التحقيق : وأما الكوكب فهو النجم باعتبار التظاهر بعظمة وضياء
الأمثل:والكوكب : على ما يبدو أنّ المعنى الحقيقي هو ( النجم المتلألئ ) ، وما دون ذلك معان مجازية استعملت لعلاقة المشابهة .
عندنا قولان في الأصل الذي تدور عليه مادة الكوكب :
القول الأول :
قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري : لمعان الشيء المتجمع أو المتكتل : كالنجم والبياض في سواد العين له عرض نسبي وكبريق الحديد والحصى والنَور ولمعنى التجمع قالوا كوكب كل شيء معظمه مثل كوكب العشب وكوكب الماء وكوكب الجيش والكوكب شدة الحر ومعظمه فهو من تجمع حرارة الشمس أي حدة ضوئها والذي جاء من هذا التركيب في القرآن هو كوكب السماء وجمعه كواكب .
قال التحقيق :(كوكب) الأصل الواحد في المادة : هو ما تجمع ويكون متظاهرا بضياء أو عظمة أو حسن ، وهذه اللغة مأخوذة من العبرية والسريانية والآرامية مضافا إلى تناسب بينها وبين مادة كب ّ بمعنى التجمع ، والفرق بينها وبين النجم أن الكوكب يطلق بلحاظ التظاهر بعظمة من ضياء او غيره والنجم يطلق بلحاظ مطلق ظهور الشيء فيقال نجم النبت والقرن والسن والكوكب : أي طلع وظهر
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ} ، {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)} { ) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)} ، { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّ}
{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)} فالكلمة استعملت في هذه الموارد باعتبار الضياء المتجلي في الليل والموجب لحصول الزينة في السماء ليلا وأنه كالزجاجة المنورة ، ففي { رءا كوكبا } استعملت في قبال ستر الليل والظلمة المحيطة ، وفي { بزينة الكواكب} في مورد كونها زينة في السماء بكونها متلألئة في الليل ويستفاد منها في حدود كونها زينة ف الظاهر ، وفي { الكواكب انتثرت } في مورد انتثارها إذا اختلت المنظومة الشمية وانشقت السماء ، { كوكب دري } تشبه بها الزجاجة التي فيها المصباح في كونها درية ، وفي { أحد عشر كوكبا } يستعار بها عن إخوانه بني يعقوب عليه السلام ، ففي كل من هذه الموارد تلألؤ وضياء وعظمة وزينة وبهذا يظهر لطف التعبير بها في هذه الموارد دون النجم وغيره ، وبهذا يظهر لطف التعبير بها في هذه الموارد دون النجم وغيره .
القول الثاني : اقتصر فيه ابن فارس على معنى من المعنيين السابقين
قال ابن فارس : (كب) الكاف والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على جَمع وتجمع، لا يَشِذّ منه [شيء]. يقال لما تجمَّع من الرَّمل كُباب. قال:
* يُثِيرُ الكُبابَ الجَعْدَ عن مَتْن مَحْمِلِ(9) *
ومنه: كَبَبْتُ الشَّيءَ لوجهه أكُبُّه كَبَّاً. وأكَبَّ فلانٌ على الأمر يفعلُه. وتكبَّبتِ الإبلُ، إذا صُرِعَت من هُزال أو داء. والكَبكبةُ: أن يتدهْوَر الشّيء إذا أُلقِيَ في هُوَّة حتى يستقرَّ، فكأنَّه(10) [تردّد(11)] في الكبِّ. ويقال: جاء متكبكِباً في ثيابِهِ، أي متزمِّلاً ـ ـ ـ فأمَّا قولُهم لنَوْر الرَّوضة كوكب، فذاك على التّشبيه من باب الضياء. قال الأعشى: يُضَاحِكُ الشَّمْسَ منها كوكب شَرِقٌ مُؤزَّرٌ بعميم النَّبْتِ مكتهلُ وكذلك قولهم لبَريق الكَتِيبة: كوكب."
استعمالات المادة :
ما يدل على ضياء :
• وكوكب الروضة : نَوْرها (بفتح النون)
• بالبياض الذي يظهر في سواد العين له عرض نسبي
• ويقال للأمعز (الأرض الحزْنة ذات الحصى والحجارة ) إذا توقد حصاه ضحاءً: مكوكب وكوكب الروضة : نورها
ما يدل على التجمع :
• وكوكب كلّ شيء : معظمه ، مثل كوكب العشب وكوكب الماء وكوكب الجيش يقال لما تجمَّع من الرَّمل كُباب. قال: يُثِيرُ الكُبابَ الجَعْدَ عن مَتْن مَحْمِلِ
• ويقال: جاء متكبكِباً في ثيابِهِ، أي متزمِّلاً. ومن ذلك الكُبَّة من الغَزْل.
• والكبكبة: الجماعة من الخيل. والكَبَّةُ: الزِّحام.
ما يجمع الأصلين النور والتجمع :
• «غلام كوكب » : حسن الوجه ممتليء مترعرع متجمع الخلق قال ابن سيده في المخصص : فَإِذا قاربَ الحُلمُ، قيل هُوَ مُراهِقٌ، النَّضر، مُرْهِقٌ كَذَلِك وَقد أَرْهَقَ الحُلَم، ثَابت، وَكَذَلِكَ كَوْكَبٌ، قَالَ الْفَارِسِي، سمي بذلك لِأَنَّهُ أمْلأُ مَا يكونُ وكُلُّ مُعْظَمٍ شيءٍ كَوْكَبٌ،
• وكبريق الحديد والحصى والنَور: بريقه وتوقده ، وكوكب العسكر: ما يلمع فيها من الحديد وهو من أثر تجمع الحرارة
• الكوكب : شدة الحر ومعظمه فهو من تجمع حرارة الشمس أي حدة ضوئها
• وقطرات من الجليد تقع بالليل على الحشيش فتصير مثل الكواكب
الخلاف في اشتقاق كوكب :
وفي اشتقاقهخمسة أوجه وأصول خمسة أصول ثلاثة ثلاثيّة واثنان رباعيّان :
1) أحدها: (وكب ) صدر بكاف زائدة ووزنه (كَفْعَل)
قالوا إنه من مادة " وكب " فتكون الكافُ زائدة ، وهذا القول قاله الشيخ رضي الدين الصَّغاني ونسبه لحذاق النحويين وقول الأصمعي والأزهري ، قال رحمه الله : " حَقُّ كوكب أن يُذكر في مادة " وَكب " عند حُذَّاق النحويين فإنها وَرَدَتْ بكافٍ زائدة عندهم ، إلا أنَّ الجوهريَّ أوردها في تركيب ك و ك ب ، ولعله تبع في ذلك الليثَ فإنه ذكره في الرباعي ، ذاهباً إلى أن الواو أصلية ، فهذا تصريحٌ من الصَّغاني بزيادة الكاف ، وزيادةُ الكاف عند النحويين لا تجوز ، وحروفُ الزيادة محصورةٌ في العشرة (سألتمونبها ) قال أبو حيان ، "وليت شعري مَن حذاق النحويين الذين تكون الكاف عندهم من حروف الزيادة فضلاً عن زيادتها في أول كلمة؟!" ، وقال في كتاب النقد اللغوي: لحمدي عبد الفتاح السيد بدران : قال الأزهري : في مادة (وكب) : "قال الأصمعي : وذكر الليث الكَوْكب في باب الرباعي، ذهب إلى أن الواو أصلية، وهو عند حذاق النحويين كوكب من باب وكب، صدر بكاف زائدة ، فالأصمعي يرفض ما جاء عن الليث من ذكر الكوكب في الرباعي وجعله الواو أصلية، وعنده وعند حذاق النحويين أنه من باب (وكب) صدر بكاف زائدة ومعلوم أن زيادة الكاف الأولى هنا - إن صحت - زيادة لغوية لا صرفية، حيث إن الكاف ليست من حروف الزيادة التي جمعها الصرفيون في قولهم (سألتمونيها)0 قال المعجم الاشتقاقي : "قيل هذا التركيب إنه رباعي والواو أصلية وإنه من وكب أو كوب والكاف زائدة ـ ـ وإضافتي أن معاني الكوكب لا تناسب استعمالات وكب التي من عناصر معناها السواد عكس ما هنا"
2) والثاني : (كوكب) على وزن (فعفل)
أن الكلمة كلها أصول رباعية ، مما كُرِّرَتْ فيها الفاء فوزنها فَعْفَل ك " فَوْفَل " وهو بناءٌ قليل وقد أوردها بعض كتب اللغة في تركيب ك و ك ب ولعله تبع فيه الليث فإنه ذكره في الرباعي ذاهباً إلى أن الواو أصلية
3) والثالث : (كبب) وظاهر قياسه أنّ الواو زائدة والكاف الثّانية في (كَوْكَبٍ) بدل من إحدى الباءين
أنه من مادة : (كبب)فقد ساقها الراغب هناك حيث قال : " والكَبْكَبَةُ تدهور الشيء في هُوَّة يقال : كَبَّ وكَبْكَبَ نحو : كفَّ وكَفْكَفَ ، وصَرَّ الريحُ وصرصر ، والكواكب النجوم البادية " فظاهر هذا السياق أن الواو زائدة والكاف بدل من إحدى الباءين قال السمين الحلبي وهذا غريبُ جداً .أقول وقد أوردها ابن فارس في مادة كبَّ حيث قال : كبَّ أصل صحيح يدل على جمع وتجمع
4) الرابع : (ك ك ب) ووزنه (فَوْعَل)
يرى الجمهور أنه من باب (ككب) على وزن (فوعل ) من باب ما جاء عينه من جنس فائه؛ كـ (دَدَن) إلاَّ أنّه فُرِّق بين الفاء والعين في (كَوْكَبٍ) بحرف علّةٍ زائد ونظيره (قَوْقَل) وهو: ذَكَرُ القَطَا؛ فأصله (ق ق ل) و(لَوْلَب) إن كان عربيّاً- وهو: استدارة الماء عند فم الصُّنْبُور؛ فإنّه من (ل ل ب).
ممن ذهب إلى هذا تاج العروس والمعجم الوسيط والجوهري واطفيش في التيسير ونسبه في كتاب تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم إلى الجمهور
وقال في كتاب النقد اللغوي في تهذيب اللغة للأزهري : وأرجح أن الكوكب (فَوْعَل) من (ككب) والواو زائدة، وهذا الوزن كثير مشهور فى العربية، ذكر له السيوطي أمثلة كثيرة، منها : نَوْفَل وجَوْشَن وحَوْمَل وحَوْصَل
5) القول الخامس : وذهب بعض المستشرقين - ومنهم بروكلمان(4)وبرجشتراسر(5) - إلى أنّه في الأصل (كَبْكَب) (kabkab) كما في الأصول السّاميّة، وأنّه لم يبق على حاله إلاّ في الأمهَرِيَّة؛ فالكوكب فيها: (kabkib) وهو في الأكَدِيَّةِ: (kakkabu) وفي العبريّةِ: (kokab) وهو أقرب إلى العربيّة- وفي السّريانيّة: (kawkba) وفي الحبشية: (kokab).0قال في التحقيق : في العبري كوكاب وفي الآرامي كوكبا وفي السرياني كاوِكبا كاوكابتا ثم قال فهو مأخوذ من العبرية والسريانية والآرامية مضافا إلى تناسب بينها وبين مادة كبَّ بمعنى التجمع " يقول علي هاني : من يدرس أصل اللغات السامية لا سيما ما قال محمد محفل المتخصص بها يعلم أن اللغات السامية من آكادية وسريانية وعبرية هي لغات عربية قديمة سميت لغات سامية مع أنها لهجات للغات عربية قديمة وما العبرية إلا عامية العربية والذي سماها سامية هو مستشرق يهودي ، وعلى أية حال فهي أصول للغة العربية الفصيحة التي نتكلم بها وليست شيئا مغايرا فهي تدلنا على أصل الكلمة ولكن لا يحسن أن نقول هي مأخوذة من لغات أخرى بل هي كلمة تطورت من في لغة واحدة على مر الأزمان حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن .
يقول علي هاني : بالنظر للمواد التي ذكرت نستبعد القول الأول الذي قال إن أصلها (وكب ) لتضعيف العلماء له صرفيا ولعدم مناسبة استعمالاته استعمالات الكوكب فمن عناصر وكب السواد عكس ما هنا" ، وأما بقية الأقوال فهي ذات دلالة مهمة في بيان معنى (كوكب) فهي تدل على المبالغة المفرطة في اللمعان والتجمع والتكتل وهذا مناسب لأحجام الكواكب وتجمعها وتكتلها التي تفوق الأرض بمئات بل ملايين المرات وكذلك بالنسبة لضوئها الهائل وبيان ذلك من حيث الاشتقاق أننا إذا نظرنا لقول الجمهور القائل إن أصله (ك ك ب) ووزنه (فَوْعَل) فالواو زائدة والواو الزائدة تدل على المبالغة في الكب أي التجمع والإضاءة ومما يدلنا على ذلك ما ذكره العلماء في الكوثر قال ابن فارس : "(كثر) الكاف والثاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ خِلاف القِلّة. من ذلك الشَّيء الكثير، وقد كَثُر. ثم يُزَاد فيه للزِّيادة في النّعت فيقال: الكوثر: الرّجلُ المِعطاء. وهو فَوْعلٌ من الكَثْرة. " قال الزمخشري : والكوثر فوعل من الكثرة وهو المفرط الكثرة " قال التحقيق : زيدت الواو في الكوثر لتدل على الزيادة والمبالغة في المعنى "
وكذلك إذا أخذنا برأي من قال إلى أنّه في الأصل (كَبْكَب) نلاحظ المعنى نفسه لأن ما كان من المضعف الرباعي فيه التكرار والمبالغة في (زلزلة ) تكرار (زل) ، وكبكب تكرار (كب) وزحزح تكرار زح قال الراغب : "والتزلزل: الاضطراب، وتكرير حروف لفظه تنبيه على تكرير معنى الزلل فيه، قال: {إذا زلزت الأرض زلزالها}" والتزلزل: الاضطراب، وتكرير حروف لفظه تنبيه على تكرير معنى الزلل فيه، قال: {إذا زلزت الأرض زلزالها}" قال الرازي : " واعلم أن زل للحركة المعتادة وزلزل للحركة الشديدة العظيمة لما فيه من معنى التكرير وهو كالصرصر في الريح ولأجل شدة هذه الحركة وصفها الله تعالى بالعظم فقال إِنَّ زَلْزَلَة َ السَّاعَة ِ شَى ْء عَظِيمٌ" قال ابن عاشور : " وَالزِّلْزَالُ: اضْطِرَابُ الْأَرْضِ، وَهُوَ مُضَاعَفُ زَلَّ تَضْعِيفًا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ"
وقالوا في { زحرح عن النار} الزحزحة إبعاد الشيء وتنحية المستثقل المترامي عن مكانه ومقره وموضعه الثابت فيه وهي تكرار (زح) مثل كبكب ففيها الإزالة عن المكان بتدريج وتكرير فهي إزاحة بعد إزاحة وتنحية بعد تنحية مرة بعد مرة قبل أن تلتهمه النار وتختطفه وهو مشرف على السقوط قال الظلال : "ولفظ «زُحْزِحَ» بذاته يصور معناه بجرسه ، ويرسم هيئته ، ويلقي ظله! وكأنما للنار جاذبية تشد إليها من يقترب منها ، ويدخل في مجالها! فهو في حاجة إلى من يزحزحه قليلا قليلا ليخلصه من جاذبيتها المنهومة! فمن أمكن أن يزحزح عن مجالها ، ويستنقذ من جاذبيتها ، ويدخل الجنة .. فقد فاز .."
قال ابن القيم في تفسيره : ولما كانت الوسوسة كلاما يكرره الموسوس ، ويؤكده عند من يلقيه إليه كرروا لفظها بإزاء تكرير معناها. فقالوا : وسوس وسوسة. فراعوا تكرير اللفظ ليفهم منه تكرير مسماه.
ونظير هذا : ما تقدم من متابعتهم حركة اللفظ بإزاء متابعة حركة معناه ، كالدوران ، والغليان ، والنزوان ، وبابه.
ونظير ذلك : زلزل ، ودكدك ، وقلقل ، وكبكب الشيء. لأن الزلزلة حركة متكررة. وكذلك الدكدكة ، والقلقلة. وكذلك كبكب الشيء : إذا كبه في مكان بعيد ، فهو يكبّ فيه كبا بعد كب كقوله تعالى : 26 : 94 فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ومثله : رضرضه إذا كرر رضّة مرة بعد مرة.
ومثله : ذرذره. إذا ذره شيئا بعد شيء. ومثله صرصر : الباب : إذا تكرر صريره. ومثله : مطمط الكلام : إذا مططه شيئا بعد شيء. ومثله : كفكف الشيء : إذا كرر كفّه ، وهو كثير.
وقد علم بهذا أن من جعل هذا الرباعي بمعنى الثلاثي المضاعف لم يصب. لأن الثلاثي لا يدل على تكرار ، بخلاف الرباعي المكرر"
يقول علي هاني فتبين بما تقدم أن الكوكب تدل على تجمع قوي شديد وإضاءة بالغة سواء أخذنا برأي الجمهور أم بالرأي الأخير وكذلك يقال في القولين الآخرين والله أعلم .

الآيات التي وردت فيها كوكب ، كوكبا ، الكواكب :
1) { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّ}
2) { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
3) { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)}
4) { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ}
5) { ) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)}
1. الآية الأولى :
{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)
السياق وتنكير كوكبا وكلام العلماء يدل على أن الكلام شيء(نجم)ظاهر باد جدا مضيء براق متلألئ زاهر متوقد حسن متجل في الليل حتى اختاره سيدنا إبراهيم لإقامة الحجة على قومه .
قال اطفيش : وخص أَحدهما لقوة ضوئه ـ ـ نظر في ملكوت السماء فرأى كوكبا عظيما ممتازا على سائر الكواكب بإشراقه وجذب النظر إليه- يدل على ذلك تنكير الكوكب- وقد روي عن ابن عباس أنه المشتري الذي هو أعظم آلهة بعض عباد الكواكب من قدماء اليونان والروم ، وكان قوم إبراهيم سلفهم وأئمتهم في هذه العبادة ، وعن قتادة أنه الزهرة .
ابن عاشور :
وأنّ الكوكب كان حين رآه واضحاً في السماء مشرقاً بنوره ، وذلك أنور ما يكون في وسط السماء . فالظاهر أنَّه رأى كوكباً من بينها شديد الضوء . فعن زيد بن علي أنّ الكوكب هو الزهرة . وعن السدّي أنَّه المشتري
قال السعدي:
{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ } أي: أظلم { رَأَى كَوْكَبًا } لعله من الكواكب المضيئة ، لأن تخصيصه بالذكر ، يدل على زيادته عن غيره ، ولهذا -والله أعلم- قال من قال : إنه الزهرة .
قال الميزان بعدما استدل على أنه كوكب الزهرة بعدة أدلى : ـ ـ
على أن الزهرة أجمل الكواكب الدرية وأبهجها وأضوؤها أول ما يجلب نظر الناظر إلى السماء بعد جن الليل وعكوف الظلام على الآفاق يجلب إليها .
و هذا أحسن ما يمكن أن تنطبق عليه الآية بحسب ما يتسابق إلى الذهن من قوله : فلما جن عليه الليل رءا كوكبا قال هذا ربي فلما أفل - إلى أن قال - فلما رءا القمر بازغا " إلخ " حيث وصل ظاهرا بين أفول الكوكب وبزوغ القمر
2. الآية الثانية :
( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) [يوسف : 4]
عبر بالكوكب لأن التركيز على الجسم الظاهر البادي جدا المضيء البراق الحسن المتجلي في الليل وهو أقل ضوء من الشمس والقمر المفسَّرين بالأب والأم ، سيدنا يوسف رآها ساجدة له ، متمثلة في صورة العقلاء الذين يحنون رؤوسهم بالسجود تعظيما. وليس المراد الظهور والارتفاع والبروز والارتفاع والطلوع إلى جهة العلو في السماء حتى يعبر بالنجم ، ولا يشكل أنه كيف عبر عن إخوته بالكواكب مع أنهم فعلوا ما فعلوا بيوسف نقول تأويل الرؤيا كان في وقت توبتهم وبعد قولهم { وإن كنا لخاطئين} وبعد قولهم { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)} والتوبة تجب ما قبلها .
قال البقاعي : { أحد عشر كوكباً } أي نجماً كبيراً ظاهراً جداً مضيئاً براقاً "
وسجود إخوة يوسف عليه السلام فهم منه سيدنا يعقوب عليه السلام أن الله يصطفيه لرسالته ويفوقه على إخوته ، وإنما أُخِّر الشمسُ والقمر عن الكواكب لإظهار مزيتِهما وشرفِهما على سائر الطوالعِ بعطفهما عليهما كما في عطف جبريلَ وميكائيلَ على الملائكة عليهم السلام
3. الآية الثالثة :
( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)
من الواضح جدا أن أحسن تعبير يناسب الزينة هو الكوكب لأنه الشيء (النجم) الظاهر البادي جدا المضيء البراق المتلألئ الزاهر المتوقد الحسن المتجلي في الليل والموجب لحصول الزينة في السماء
والزينة : التحسين للشيء وجعله صورة تميل اليها النفس ، فالله تعالى زين السماء الدنيا على وجه يمتع الرائي لها ، وفي ذلك النعمة على العباد مع ما لهم فيها من المنفعة بالفكر فيها والاستدلال على صانعها .
قال السمعاني: قوله تعالى : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ) أي : بحسن الكواكب وضيائها
قال البقاعي : في قوله : { بزينة الكواكب} أي بالزينة التي للنجوم النيرة البراقة المتوقدة الثابتة في محالها - قارة أو مارة - المرصعة في السماء ترصيع المسامير الزاهرة كزهر النور المبثوث في خضرة الرياض الناضرة ابن عاشور: و { الكواكب } : الكريات السماوية التي تلمع في الليل عَدا الشمس والقمر .
قال ابن الجوزي: والمعنى : زينا السماء الدنيا بأن زينا الكواكب فيها حين ألقيناها في منازلها وجعلناها ذات نور .
4. الآية الرابعة :
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)كوكب دري قرئت ثلاث قراءات :
أ- ودرّيّ : منسوب إلى الدرّ أي : مضيء أبيض متلألىء يشبه الدر لضيائه ونقائه وصفائه ونوره. قال الرازي : قوله : { كأنها كوكب دري } أي ضخم مضيء ودراري النجوم عظامها ، واتفقوا على أن المراد به كوكب من الكواكب المضيئة كالزهرة والمشتري والثوابت التي في العظم الأول . قال الطبرسي : مثل الكوكب العظيم المضئ الذي يشبه الدر في صفائه ونوره ونقائه
قال القرطبي: ويقال للنجوم العظام التي لا تعرف أسماؤها : الدراري .
ب- ودرّىء : بوزن سكيت : يدرأ الظلام بضوئه مأخوذ من درأ يدرأ أي دفع يدفع فهو فعيل من الدرء ، وهو الدفع قال البقاعي : وكوكب دريء : متوقد متلألئ - كان نوره يدفع بعضه بعضاً ". قال أبو عمرو بن العلاء : سألت رجلا من سعد بن بكر من أهل ذات عرق فقلت : هذا الكوكب الضخم ما تسمونه ؟ قال : الدريء ، وكان من أفصح الناس
ت- ودُريء بضم الدال مهموزا مِنْ الدِّرْءِ بمعنى الدَّفْع أي : يدفع بعضُها بعضاً
5. {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)}
قال الراغب : نثر الشيء نشره وتفريقه قال ابن فارس : أصل يدل على إلقاء شيء متفرق ونثر الدراهم وغيرها
قال المصباح : نثرت رميت به متفرقا
قال الليث : النثر : نثرك الشيء بيدك ترمي به متفرقا مثل نثر الجوز واللوز والسكر
قال التحقيق : الأصل الواحد : هو إلقاء أشياء صورة التفرق .
والتعبير بالكواكب مع الانتثار في غاية المناسبة لأنها لامعة مضيئة لامعة متلألئة فتنتثر كما تنتثر حبات اللؤلؤ إذا انقطع سلكها .
قال الآلوسي: { وَإِذَا الكواكب انتثرت } أي تساقطت متفرقة وهو استعارة لإزالتها حيث شبهت بجواهر قطع سلكها وهي مصرحة أو مكنية .
قال الفخر الرازي: قوله : { وإذا الكواكب انتثرت } فالمعنى ظاهر لأن عند انتقاض تركيب السماء لابد من انتثار الكواكب على الأرض
قال البقاعي: ولما كان يلزم من انفطارها وهيها وعدم إمساكها لما أثبت بها ليكون ذلك أشد تخويفاً لمن تحتها بأنهم يترقبون كل وقت سقوطها أو سقوط طائفة منها فوقهم فيكونون بحيث لا يقر لهم قرار ، قال: { وإذا الكواكب } أي النجوم الصغار والكبار كلها الغراء الزاهرة المتوقدة توقد النار المرصعة ترصيع المسامير في الأشياء المتماسكة التي دبر الله في دار الأسباب بها الفصول الأربعة والليل والنهار ، وغير ذلك من المقاصد الكبار ، وكانت محفوظة بانتظام السماء { انتثرت * } أي تساقطت متفرقة كما يتساقط الدر من السلك إذا انقطع تساقطاً كأنه لسرعته لا يحتاج إلى فعل فاعل لقوة تداعيه إلى التساقط .
1) قال ابن عاشور: والانتثار : مطاوع النثر ضد الجمع وضد الضم ، فالنثر هو رمي أشياء على الأرض بتفرق.
ثانيا : النجم :
النجم :
الأصل في المادة : طلوع الجرم وظهوره ـ أو نتوءه ـ إلى جهة علو من سطح ينضم عليه وكأنه يشقه ويظهر ويطلع من بين ما حوله ويكون هو ناتئا دقيقا بين ما حوله
والنجم : الكوكب الظاهر الطالع إلى جهة علو دقيقا من سطح السماء ينظم إليها وكأنه شقها وظهر وطلع من بين السماء بارزا ناتئا دقيقا بين ما حوله وإذا جمعت النجوم يلاحظ فيها ترتبها ومواقعها ..
وتذكر النجوم في سياقات الاهتداء بها ومواقعها والتسخير والسجود لله تعالى والهوي .
استعمالات المادة في كتب اللغة تدل على ما ذكرناه :
• نجم من النَّبات كل ما طلع وظهر مما لا يقوم على ساق وهو صغاره مقابل الشجر مِن نَجَمَ، إذا طَلَعَ
• ونَجَمَ السِّنُّ والقَرْنُ والنبات والنَّجمُ:: طَلَعَو اعتلا و كل ما طلع وظهر فقد نجم
• وليس لهذا الحديثِ نَجْمٌ، أي أصلٌ ومَطْلِع.
• والنجم : ما نجم من العروق أيام الربيع ترى رءوسها أمثال المسال تشق الأرض شقا
• ومنجم كمنبر : الكعب والعرقوب وكل ما نتأ نجم والناب والقرن والكوكب : طلع
• ونجمت المال عليه: إذا وزعته، كأنك فرضت أن يدفع عند طلوع كل نجم نصيبا، ثم صار متعارفا في تقدير دفعه بأي شيء قدرت ذلك.
أقوال العلماء في أصل مادة نجم ومعاني تصرفاتها :
قال ابن فارس : (نجم) النون والجيم والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على طُلُوعٍ وظهور. ونَجَمَ النَّجمُ: طَلَعَ. ونَجَمَ السِّنُّ والقَرْنُ: طَلَعَا ـ ـ "
قال المعجم الاشتقاقي : والمعنى المحوري : طلوع الجرم ـ أو نتوءه ـ دقيقا من سطح ينضم عليه كنجم النبات وهو صغاره مقابل الشجر ونجوم السماء تبدو دقيقة ، وكالكعب والعرقوب ونحوها مما هو ناتئ دقيق بين ما حوله { والنجم إذا هوى }
قال الراغب نجم: - أصل النجم: الكوكب الطالع، وجمعه: نجوم، ونجم: طلع، نجوما ونجما، ومنه شبه به طلوع النبات، والرأي، فقيل: نجم النبت والقرن، ونجم لي رأي نجما ونجوما، ونجم فلان على السلطان: صار عاصيا، ـ ـ { والنجم إذا هوى} ، وإنما خص الهوي دون الطلوع؛ فإن لفظة النجم تدل على طلوعه " أي لأن أصل النجم الكوكب الطالع.
قال الطوسي ونقله الطبرسي : النجم: الكواكب الطالعة في السماء ، يقال لكل طالع ناجم تشبيها به ، ونجم النجم إذا طلع ، وكذلك السن والقرن .
قال لسان العرب : نجم ينجم نجوما : طلع وظهر ـ ـ وكل ما طلع وظهر فقد نجم
قال في تاج العروس : لنَّجْمُ : الكَوْكَبُ ) الطَّالِعُ ، هَذَا هو الأَصْلُ .
الآية الأولى والثانية :
{ ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأنعام : 97]
{ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} النحل
ذكر النجوم مع الهداية لأن السماء تكون قبل خروج النجوم غفلا فتنجم وتظهر وتطلع لهدايتهم ، فالسماء بدون نجوم لا يمكن الاهتداء بها لكن عندما تتطلع النجوم وتظهر إلى جهة العلوفي سطح السماء بارزة ناتئة دقيقةمن بين ما حولها وتكون على أشكال ، ومواقع معينة كنجم القطب يهتدى بها ، واللفظ المناسب لهذا المعنى هو النجوم لا الكواكب لأنه ليس كلامنا في قوة الإضاءة والتكتل والتجمع بل في طلوعها في سطح السماء عالية ناجمة ظاهرة وفي مواقعها ومواضعها .
قال أبو زهرة: خلق الله تعالى النجوم في السماء وهي ذات أبراج كمطالع الشمس والنجوم ولكل نجم مدار خاص به ، يظهر في إبانه واتجاهه يهدي السائرين في البر ، فيهتدون به ، ويعرفون به أهم متجهون إلى الشرق أم إلى الغرب وهل هم متجهون إلى الشمال أم إلى الجنوب فيهتدون في الحيرة
قال البقاعي: لكم النجوم } أي كلها سائرها وثابتها وإن كان علمكم يقصر عنها كلها كما يقصر عن الرسوخ والبلوغ في علم السير 13 للسيارة منها
قال الطبرسي: ( النجوم لتهتدوا بها ) أي : بضوئها ، وطلوعها ، ومواضعها
قال الأمثل: لو تطلعنا إِلى السماء عدّة ليال متوالية لانكشف لنا أنّ مواضع النجوم في السماء متناسقة في كل مكان ، وكأنّها حبات لؤلؤ خيطت على قماش أسود ، وانّ هذا القماش يسحب باستمرار من الشرق إِلى الغرب ، وكلها تتحرك معه وتدور حول محور الأرض دون أن تتغير الفواصل بينها ، إِنّ الاستثناء الوحيد في هذا النظام هو عدد من الكواكب التي تسمى بالكواكب السيارة لها حركات مستقلة وخاصّة ، وعددها ثمانية : خمسة منها ترى بالعين المجرّدة ، وهي ( عطارد والزهرة ، وزحل ، والمريخ والمشتري ) وثلاثة لا ترى إِلاّ بالتلسكوب وهي ( أورانوس ونبتون وپلوتو ) بالإِضافة إِلى كوكب الأرض التي تجعل المجموع تسعة .
الآية الثانية والثالثة :
(53) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) سورة الأعراف
{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) سورة النحل
هنا لما كان في تسخير الله تعالى الليل والنهار والشمس والقمر واجرام السماء (النجوم) ، ناسب أن يعبر بالنجوم وبيان ذلك يظهر ببيان معنى التسخير ثم بيان أن أنسب كلمة هي النجوم :
بيان معنى التسخير :
التسخير: يكون في أمر يصعب استعماله لولا تذليل الله له ، فهي تشعر بصعوبة المأخذ وبعد المنال لولا قدرته تعالى ، والتسخير أبلغ من الإكراه لأنه يصير بعد ذلك جاريا على مقتضى طبعه بخلاف الإكراه يكون جاريا على خلاف مقتضى طبعه والتسخير يدل على عظيم سلطان الله وشدة قوته تعالى ولم يستعمل إلا في الجمادات كالشمس والقمر والفلك إلا في موضع واحد جمعت الجماد والحيوان فغلب الجماد { وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13} وأما الحيوانات فيستعمل لها التذليل
قال الراغب: التسخير: القهر على الفعل وهو أبلغ من الأكراه فإنه حمل الغير على الفعل بلا إرادة منه على وجه كحمل الرحى على الطحن
قال بعض العلماء : وهو إجراء الشيء على مقتضى غرض ما سخر له قهرا أي : قهر الشئ وتذليله في عمله، فالمسخر هو المقيض للفعل و المذلل والمطوع والميسر
قال أبو السعود : وَسَخَّر لَكُمُ اليل والنهار } ، وفي التعبير عن ذلك التصريف بالتسخير إيماءٌ إلى ما في المسخَّرات من صعوبة المأخذ بالنسبة إلى المخاطبين
قال الآلوسي : { وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر } يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم ، وأرجع بعض المحققين التسخير في المواضع الأربعة إلى معنى التصريف ، وأصله سياقة الشيء إلى الغرض المختص به قهراً ، وذكر أن في التعبير عن ذلك به من الإشعار بما في ذلك من صعوبة المأخذ وعزة المنال والدلالة على عظم السلطان وشدة المحال ما لا يخفى
قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري انقياد بيسر مع عدم مقاومة ويلزم ذلك الخفة وتسخير الله الأرض وما فيها من الشمس والقمر للآدميين هو إجراؤها على ما يوافقهم وأن ينتفعوا بها مختلف وجوه الانتفاع مذللة
بيان سر اختيار النجوم هنا :
قلنا إن النجم : هو الكوكب الظاهر الطالع إلى جهة علو دقيقا من سطح السماء ينظم إليها وكأنه شقها وظهر وطلع من بين السماء بارزا ناتئا دقيقا بين ما حوله وإذا جمعت النجوم يلاحظ فيها ترتبها ومواقعها ...
فالنجوم : فهيا ارتفاع وبروز بعد الاختفاء بدون أن تسقط مع هذا الارتفاع مع ما فيها من مصالح كثيرة لهم من جعلها على نظام دقيق و ترتيب معين من الاهتداء وغيره ، ناسب أن يذكر معه التسخير والانقياد له سبحانه لأن هذا الطلوع بعد الخفاء ثم الإدبار والهوي بعد الطلوع آية دالة على قدرته تعالى ما كانت لتكون لولا تسخيره تعالى ، يدل على ذلك السياق الذي ذكرت فيه مع الإتيان بالليل والنهار على سبيل الاستمرار ثم جعل الليل يغشى النهار ثم الشمس والقمر وحركتهما وضياؤهما ، فضلا عن إمساك النجوم أن تسقط مع ارتفاعها وعلوها كما قال تعالى { والسحاب المسخر بين السماء والأرض } وكذلك استعمال النجوم التي فيها الظهور والعلو مع بأمره في غاية الدقة ، فأنسب تعبير له أن يعبر بالنجم الذي ينجم ويطلع ويرتفع ثم يدبر لا الكوكب الذي التركيز فيه على قوة الإضاءة والتجمع
. قال الخازن : معنى التسخير التذليل وقال الزجاج وخلق هذه الأشياء جارية في مجاريها بأمره وقال المفسرون : يعني بتسخيرهن تذليلهن لما يراد منها من طلوع وغروب وسير ورجوع إذ ليس هي قادرات بأنفسهن وإنما هن يتصرفن في متصرفاتهن على إرادة المدبر لهن الحكيم في تدبيرهن وتصريفهن على ما أراد منهن
قال اطفيش : ( مُسَخَّرَاتٍ ) حال من الثلاثة أَى مذللات لما خلقن له من طلوع وأُفول وحركات ورجوع ، وهى حال مقدرة إذّا تم خلقهن طاوعن فيما خلقهن له ، أَو مقارنة أَى يقترن خلقهن بعدم التعاصى عن الخلق فكل جزء مطاوع لخلقه
قال الآلوسي:
{ والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ } أي خلقهن حال كونهن مذللات تابعات لتصرفه سبحانه فيهن بما يشاء غير ممتنعات عليه جل شأنه كأنهن مميزات أمرن فانقدن فتسمية ذلك أمراً على سبيل التشبيه والاستعارة ، ويصح حمل الأمر على الإرادة كما قيل أي هذه الأجرام العظيمة والمخلوقات البديعة منقادة لإرادته ، ومنهم من حمل الأمر على الأمر الكلامي وقال : إنه سبحانه أمر هذه الأجرام بالسير الدائم والحركة المستمرة على الوجه المخصوص إلى حيث شاء ، ولا مانع من أن يعطيها الله تعالى إدراكاً وفهماً لذلك بل ادعى بعضهم أنها مدركة مطلقاً ، وفي بعض الأخبار ما يدل على أن لبعضها إدراكاً لغير ما ذكر
قال الظلال : كذلك هذه الشمس والقمر والنجوم . . إنها كائنات حية ذات روح ! إنها تتلقى أمر الله وتنفذه ، وتخضع له وتسير وفقه . إنها مسخرة ، تتلقى وتستجيب ، وتمضي حيث أمرت كما يمضي الأحياء في طاعة الله !
ومن هنا يهتز الضمير البشري
الآية الخامسة :
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}
يقال في هذه الآية ما قيل في الآيتين السابقتين ويزاد هنا أن السجود مناسب جدا لمعنى النجم الذي هو الكوكب الظاهر الطالع إلى جهة علو من سطح السماء وكأنه شقها وظهر وطلع من بين السماء بارزا ناتئا يناسبه أن هذا الذي يرتفع يسجد لله تعالى سجودا يعلمه الله تعالى
قال ابن كثير:
وقوله : { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ } : إنما ذكر هذه على التنصيص ؛ لأنها قد عُبدت من دون الله ، فبين أنها تسجد لخالقها ، وأنها مربوبة مسخرة { لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
قال البقاعي : ولما ذكر ما يعم العاقل وغيره ، أتبعه بأشرف ما ذكر مما لا يعقل لأن كلاًّ منهما عبد من دون الله أو عبد شيء منه فقال : { والشمس والقمر والنجوم } من الأجرام العلوية فعبد الشمس حمير ، والقمر كنانة ، والدبران تميم ، والشعرى لخم ، والثريا طيىء وعطارداً أسداً ، والمرزم ربيعة - قاله أبو حيان .
الآية السادسة :
( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) [الصافات : 88]
نظر عليه السلام في النجوم كنظرهم ، لانهم كانوا يتعاطون علم النجوم ، فأوهمهم أنه يقول بمثل قولهم ، فقال عند ذلك . إني سقيم ، فتركوه ظنا منهم أن نجمه يدل على سقمه ،
والنظر في النجوم قائم على النظر في النجم الذي يطلع منها ويغرب أو يكون على وضعية معينة ، ولهذا قيل للمنجم منجم لأنه ينظر فيما يطلع منها ولا يقال له مكوكب ، وانظر التعبير بـ(في) الدالة على التعمق في النظر والتدبر والتأمل .
قال البيضاوي : { فنظر نظرة في النجوم } فرأى مواقعها واتصالاتها ، أو في علمها أو في كتابها ، ولا منع منه مع أن قصده إيهامهم وذلك حين سألوه أن يعبد معهم .
ابن جزي - 741هـ : الثاني : أن قومه كانوا منجمين وكان هو يعلم أحكام النجوم فأوهمهم أنه استدل بالنظر في علم النجوم أنه يسقم ، فاعتذر بما يخاف من السقم عن الخروج معهم . قال البقاعي: { فنظر نظرة } أي واحدة { في النجوم * } حين طلبوا منه أن يخرج معهم إلى عيدهم لئلا ينكروا تخلفه عنهم موهماً لهم أنه استدل بتلك النظرة على مرض باطني يحصل له ، لأنهم ربما أنكروا كونه مريضاً إذا أخبرهم بغير النظر في النجوم لأن الصحة ظاهرة عليه
قال الآلوسي: وهذا من معاريض الأفعال نظير ما وقع في قصة يوسف عليه السلام من تفتيش أوعية إخوته بني علاته قبل وعاء شقيقه فإن المفتش بدأ بأوعيتهم مع علمه أن الصاع ليس فيها وأخر تفتيش وعاء أخيه مع علمه بأنه فيها تعريضاً بأنه لا يعرف في أي وعاء هو ونفياً للتهمة عنه لو بدأ بوعاء الأخ .
الآية السابعة :
{ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) }
الطمس : إزالة الأثر والصورة بالمحو ومنه طمس العين أي: أزلنا ضوأها وصورتها و تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة كما يطمس الأثر ، وطمست الكتاب : إذا محوت سطوره ، وطمست الريح ربع الحىّ: إذا محت رسومه
قال أبو السعود : وأصلُ الطمسِ محوُ الآثارِ وإزالةُ الأعلام.
قال ابن فارس : الطاء والميم والسين أصلٌ يدلُّ على محوِ الشيء ومسحِهِ.
قال الراغب في مفرداته: - الطمس: إزالة الأثر بالمحو.
من الواضح جدا أن الطمس لا بد أن يستعمل مع النجم ، لأن النجم والنجم : الكوكب الظاهر الطالع إلى جهة علو دقيقا من سطح السماء ينظم إليها وكأنه شقها وظهر وطلع من بين السماء بارزا ناتئا دقيقا بين ما حوله .
فهذه النجوم التي تطلع في السماء كنقط بارزة وناتئة في السماء كالعيون في السماء تطمس وتسوى ببقية السماء ويزال ضوؤها وصورتها حتى تعود ممسوحة كما يطمس الأثر فالنجوم التي تطلع في السماء كنقط وعيون فتمحى وتسوى ببقية السماء .
قال ابن عطية : و «طمس النجوم » : إزالة ضوئها واستوائها مع سائر جرم السماء .
قال البقاعي : { فإذا النجوم } أي على كثرتها { طمست } أي أذهب ضوؤها بأيسر أمر فاستوت مع بقية السماء ، فدل طمسها على أن لفاعله غاية القدرة.
الآية الثامنة :
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)}
الانكدار فيه ثلاثة أقوال :
القول الأول :
انكدر عليهم القوم جاءوا حتى انصبوا عليهم ، انكدار الطائر من الهواء انقضاضه نحو الأرض ، انكدر البازي : إذا نزل بسرعة على ما يأخذه ،
إذا الكرام ابتدروا الباع بدر *** تقضي البازي إذا البازي كسر
داني جناحيه من الطود فمر *** أبصر خربان فضاء فانكدر
وقال أبو عبيدة : انصبت كما تنصب العقاب إذا انكسرت
ابن عطية: و «انكدار النجوم » : هو انقضاضها وهبوطها من مواضعها
قال البقاعي: { وإذا النجوم } أي كلها صغارها وكبارها { انكدرت } أي انقضّت فتهاوت وتساقطت وتناثرت حتى كان ذلك كأنه بأنفسها من غير فعل فاعل في غاية الإسراع ، أو أظلمت ، من كدرت الماء فانكدر
هذا رأي الجمهور : واختاره مجاهد وقتادة والربيع بن خيثم ابن عباس في إحدى روايتين والطبري وابن كثيرو القرطبي وزاد المسير ومكي و الزمخشري و الآلوسي والفخر الرازي وأبو حيان والزمخشري و أبو السعود وابن عطية و البيضاوي و السمين الحلبي و الصابوني والفراء و الواحدي والسمعاني و البغوي والطبرسي و ابن الجوزي وأبو عبيدة و ابن جزي و الخازن الجلالين الشوكاني واطفيش و الشنقيطي و حسنين مخلوف.

القول الثاني : { وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ } انكدر : زال صفاؤه أي تغيرت ، من كدرت الماء فانكدر خلاف الصَّفْو، فالانكدار ما قابل الخلوص والصفاء ويجمعها الخروج عن الحالة الطبيعية ويقولون: "خُذْ ما صَفَا ودع ما كَدَر"
الجبائي والمنتخب وإحدى روايتين عن ابن عباس :
القول الثالث : الجمع بين القولين :
تناثرت وانفلتت وتغيرت عن هيئتها من اللمعان والظهور
الجمع بين القولين
السعدي وسيد طنطاوي والشنقيطي والأمثل والظلال وقدمه ابن عاشور وأجازه ثانيا البقاعي والميزان
قال الشنقيطي:قيل : انكدرت انصبت ، وقيل : تغيرت من الكدرة ، وكلَّها متلازمة ولا تعارض . ويشهد للأول قوله تعالى : { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } يشهد للثاني : { فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ } ، لأنَّها إذا تناثرث وذهبت من أماكنها وتغير نظامها ، فقد ذهب نورها وطمست .
} قال سيد طنطاوي : أى : تناثرت وتساقطت وانقلبت هيئتها من اللمعان والظهور ، إلى الميل نحو الظلام والسواد .
الأمثل - ...هـ :«انكدرت » : من ( الإنكار ) ، بمعنى السقوط والتناثر ، واشتق من ( الكدورة ) ، وهي السواد والظلام ، ويمكن جمع المعنيين في الآية ، لأنّ النجوم في يوم القيامة ستفقد إشعاعها وتتناثر وتسقط في هاوية الفناء ، كما تشير إلى ذلك الآية ( 2 ) من سورة الانفطار : ( وإذا الكواكب انتثرت ) ، والآية ( 8 ) من سورة المرسلات : ( وإذا النجوم طمست ) ".
يقول علي هاني سواء أخذنا بالرأي الأول أم الثاني فهو المناسب جدا للنجوم فعلى الأول يناسب الظهور في النجوم لأن النجم الكوكب الظاهر الطالع إلى جهة علو وهذا يناسبه انعكاس الأمر، فينكدر ويسقط كما يسقط الطائر الجارح عند انقضاضه نحو الأرض على فريسته ولاحظ انفعل كأنه بأنفسها من غير فعل فاعل في غاية الإسراع لأن من طبعه السقوط للولا امساك الله لها بالجاذبية وغيرها قبل يوم القيامة بخلاف كورت لأنه ليس من مقتضى الشمس لم يستعمل صيغة انفعل ،
وإذا قلنا بالقول الثاني : فنقول فيها ما قلنا في قوله تعالى { وإذا النجوم طمست }



{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ}
1) القول الأول :
المعنى الحقيقي للطرق فالطارق هو في الأصل اسم فاعل من الطرق بمعنى الضرب بوقع شديد أي الضرب بشدة ضربا يسمع له صوت ومنه المطرقة
ثم انقسموا على رأيين :
أ- الرأي الأول
قالوا المرد النجوم الراديوية ومن أهمها نجوم نيترونية شديدة التضاغط والمعروفة باسم النجوم النابضة التي ترسل بموجاتها إلى الأرض فتطرق سماءها كما يطرق الطارق على الباب ، وهو نجم يمثل مرحلة مهمة في نهاية النجوم العملاقة يعرف باسم النجم النيوتروني يدور حول محوره بسرعة فائقة مصدرة سيولا من موجات راديوية تتابع كالطرقات المتلاحقة التي تثقب صمت السماء وهي تصل إلينا وهي تدق بطرقاتها المتلاحقة وهذا رأي جماعة من المعاصرين : منهم الشيخ زغلول النجار وطارق سويدان وراتب النابلسي
ب- الرأي الثاني : قالوا سمي بذلك لأنه يطرق الجن مسترقي السمع فيبدد شملهم أي يصكهم من طرق الباب ضربه ليفتح المسألة ويطرق
أدخله البقاعي في عموم المراد وأجازه الزمخشري والنسفي والرازي
2) :القول الثاني :حملوه على الكوكب البادي بالليل لأن الطارق الآتي ليلا
قال الآلوسي : والطارق وهو في الأصل اسم فاعل من الطرق بمعنى الضرب بوقع بشدة يسمع لها صوت ومنه المطرقة والطريق لأن السابلة تطرقها ، ثم صار في عرف اللغة اسما لسالك الطريق لتصور أنه يطرقها بقدمه واشتهر فيه حتى صار حقيقة ثم اختص بالآتي ليلا لأنه في الأكثر يجد الأبواب مغلقة فيطرقها ثم اتسع في كل ما يظهر بالليل كائنا ما كان حتى الصور الخيالية البادية فيه والعرب تصفها بالطروق، والمراد به ههنا عند الجمهور الكوكب البادي بالليل" اهـ ولا شك أنه طارق عظيم الشأن رفيع القدر
وانقسموا على ثلاثة آراء :
الرأي الأول : قالوا المراد جنس النجوم الآتية ليلا
فالطارق : النجم ؛ لأنه يطلع بالليل ، وما أتاك ليلا فهو طارق وهو اسم جنس لكل ما يظهر ويأتي ليلاً يعني النجوم كلها لأن طلوعها بالليل شبه ظهوره بالليل بعد خفائه بالنهار بحدوث المرء عليك ليلا أقسم ربنا بالسماء وبالطارق الذي يطرق ليلاً من النجوم المضيئة ، ويخفى نهارا ، وكلّ ما جاء ليلاً فقد طرق ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح : نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا 14 أي : يأتيهم فجأة بالليل . وفي الحديث الآخر المشتمل على الدعاء : " إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن "
وهذا رأي الجمهور : الحسن والفراء و الطبري وقتادة و الطوسي و الواحدي والبغوي و ابن عطية وابن الجوزي وابن قتيبة و البيضاوي و ابن جزي و الخازن وأبو حيان و ابن كثير والجلالين والظلال والراغب و سيد طنطاوي و حسنين مخلوف والطباطبائي والصابوني .
قال الراغب : والطارق: السالك للطريق، لكن خص في التعارف بالآتي ليلا، فقيل: طرق أهله طروقا، وعبر عن النجم بالطارق لاختصاص ظهوره بالليل
قال الرضي : فحقيقة الطارق هو الإنسان الذي يطرق ليلا. فلما كان النجم لا يظهر إلا فى حال الليل حسن أن يسمّى طارقا.
ــــــــــــــــــــــ
الرأي الثاني : خصوها ببعض النجوم
• محمد بن الحسن قال : هو زحل قال القرطبي : وذكر له أخبارا ، اللّه أعلم بصحتها .
• وقال ابن زيد : وقال ابن زيد : أراد نجماً مخصوصاً : وهو زحل ، ووصفه بالثقوب ، لأنه مبرز على الكواكب وعنه أيضا أنه الثريا ، عبر عنه أولاً بوصف عام ثم فسره بما يخصه تفخيماً لشأنه لعلو مكانه ..
• وروي عن ابن عباس : هو الجدي ..
• قال دروزة : أقسم بالسماء والنجم الثاقب الطارق بالليل ، ذي الخطورة بين النجوم : بأن كل نفس عليها رقيب
• اختار الخصوص : دروزة و محمد بن الحسن و ابن زيد و وروي عن ابن عباس.
• الرأي الثالث : أجازوا الوجهين أن يكون للجنس أو العهد أي نجم معين قال أبو السعود : والمرادُ ههنا الكوكبُ البادِي بالليلِ أما عَلى أنَّه اسمُ جنسٍ أو كوكبٌ معهودٌ
• أبو السعود والآلوسي والشوكاني وابن عاشور
الثاقب :
قال ابن عاشور : والثقب : خرق شيء ملتئم ، وهو هنا مستعار لظهور النور في خلال ظلمة الليل . شبه النجم بمسمار أو نحوه ، وظهورُ ضوئه بظهور ما يبدو من المسمار من خلال الجسم الذي يثقبه مثل لَوح أو ثَوب . وأحسب أن استعارة الثقب لبروز شعاع النجم في ظلمة الليل من مبتكرات القرآن ولم يرد في كلام العرب قبل القرآن . وقد سبق قوله تعالى : { فأتبعه شهاب ثاقب } في سورة الصافات ( 10 ) ، ووقع في تفسير القرطبي } : والعرب تقول اثقُب نارك ، أي أضئها ، وساق بيتاً شاهداً على ذلك ولم يعزه إلى قائل .
قال ابن فارس : ثقب) الثاء والقاف والباء كلمةٌ واحدة، وهو أن ينفُذَ الشيء. يقال ثقَبْتُ الشيءَ أثقُبُه ثَقْباً. والثَّاقب في قوله تعالى: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق 3]. قالوا: هو نجم ينفُذ السَّمواتِ كلَّها نورُه(4). ويقال ثَقَبْت النار إذا ذَكَّيْتَها، وذلك الشيء ثُقْبَةٌ وذُكْوَة. وإنما قيل ذلك لأنّ ضوءها ينفُذ.
قال الزمخشري في الأساس : ث ق ب : ثقب الشيء بالمثقب، وثقب اللألُ الدر، ودر مثقب، وبه سمي المثقب ومن المجاز: كوكب ثاقب ودرِّىء: شديد الإضاءة والتلألؤ، كأنه يثقب الظلمة فينفذ فيها ويدرؤها
قال الراغب : - الثاقب: المضيء الذي يثقب بنوره وإضاءته ما يقع عليه. قال الله تعالى: {فأتبعه شهاب ثاقب} [الصافات/10]، وقال الله تعالى: {وما أدراك ما الطارق *** النجم الثاقب} [الطارق/2 - 3]، وأصله من الثقبة .

الحاصل : الثاقب : المضيء المتوقد الشديد الإضاءة كأنه يثقب بضوئه وشعاعه الظلمة ويدرؤها ويثقب الهواء شبه بالمثقب الذي يثقب ويخرق شيئا ملتئما ، وهو هنا مستعار لظهور النور في خلال ظلمة الليل . شبه النجم بمسمار أو نحوه ، وظهورُ ضوئه بظهور ما يبدو من المسمار من خلال الجسم الذي يثقبه مثل لَوح أو ثَوب . كأنه يثقب الظلمة فينفذ فيها
• فإن كان المراد بالنجم الجنس : فالمعنى والسماء ونجومها الثاقبة للظلام ، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء المضيئة المتوقدة الشديد الإضاءة كأنها تثقب بضوئها وشعاعها الظلمة فتنفذ فيها قال القشيري : والمعظم على أن الطارق والثاقب اسم جنس أريد به العموم 12 ، كما ذكرنا عن مجاهد . "
• وإن أريد العهد : فالمعنى والسماء والنجم الثاقب للظلام النافذ من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء المضيئ المتوقد الشديد الإضاءة كأنه يثقب بضوئه وشعاعه الظلمة فينفذ فيها
القول الثاني : أنه الذي يرى به الشيطان فيثقبه أي ينفذ فيه ويحرقه قاله السدي
القول الثالث : الجمع بينهما : قال عكرمة : هو مضيء ومحرق للشيطان
قال البقاعي : ثم زاده تهويلاً بتفسيره بعد إبهامه مرة أخرى بقوله تعالى : { النجم الثاقب * } أي المتوهج العالي المضيء كأنه يثقب الظلام بنوره فينفذ فيه ، يقال : أثقب نارك للموقد 14 ، ــ ـ ، أو يثقب الشيطان بناره إذا استرق السمع ، والمراد الجنس أو معهود 15 بالثقب وهو زحل ، عبر عنه أولاً بوصف عام ثم فسره بما يخصه تفخيماً لشأنه لعلو مكانه .
• الترجيح :
• إذا نظرنا إلى إيرادِه عندَ الإقسامِ به بتخصيصه بالذكر بعد القسم بالسماء عموما ثم بإيراده بوصفٍ مشتركٍ بينه وبين غيرِه ، ثم الإشارةِ إلى أنَّ ذلكَ الوصفَ غيرُ كاشفٍ عن كنِه أمرِه بتعظيمه بـ{وما أدرك ما الطارق }. . وكأنه أمر وراء الإدراك والعلم . ثم يحدده ويبينه بشكله وصورته بتفسيرِه بالنجمِ الثاقبِ من تفخيمِ شأنِه وإجلالِ محلِّه بما لا يَخْفى ما يشعر أن المراد به نجم خاص لا عموم النجوم .
• العلاقة بين القسم والمقسم عليه واضحة فالمعنى والسماء ونجومها الثاقبة للظلام ، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء . ويكون لهذه الإشارة إيحاؤها حول حقائق السورة وحول مشاهدها
إن أردنا أن نحدد هل الطارق حقيقة الطرق أم الآتي ليلا ؟ لكل قول من القولين مرجحات وإن كنت أرى الجمع بينهما ؟
يرجح قول الذين قالوا إنه الآتي ليلا :
أولا : أنه قول جمهور المفسرين من العلماء .
ثانيا : هو متناسب مع كلمة نجم لأن النجم والنجم : الكوكب الظاهر الطالع إلى جهة علو دقيقا من سطح السماء ينظم إليها وكأنه شقها وظهر وطلع من بين السماء بارزا ناتئا دقيقا بين ما حوله وإذا جمعت النجوم يلاحظ فيها ترتبها ومواقعها ..
والطارق : فالطارق : النجم ؛ لأنه يطلع بالليل ، وما أتاك ليلا فهو طارق وهو اسم جنس لكل ما يظهر ويأتي ليلاً يعني النجوم كلها لأن طلوعها بالليل شبه ظهوره بالليل بعد خفائه بالنهار بحدوث المرء عليك ليلا أقسم ربنا بالسماء وبالطارق الذي يطرق ليلاً من النجوم المضيئة ، ويخفى نهارا ،
فالنجم فيه الغيبة ثم الظهور والارتفاع والطارق كذلك لأنه الآتي ليلا شبه ظهور النجم بعد خفائه بالنهار بحدوث المرء ليلا
ثالثا : التناسب في كلمة ثاقب لمعنى النجم على تفسير النجم فهم يفسرون الثاقب : بالمضيء المتوقد الشديد الإضاءة كأنه يثقب بضوئه وشعاعه الظلمة ويدرؤها ويثقب الهواء شبه بالمثقب الذي يثقب ويخرق شيئا ملتئما ، وهو هنا مستعار لظهور النور في خلال ظلمة الليل . شبه النجم بمسمار أو نحوه ، وظهورُ ضوئه بظهور ما يبدو من المسمار من خلال الجسم الذي يثقبه مثل لَوح أو ثَوب . كأنه يثقب الظلمة فينفذ فيها
• لاحظ قولهم شبه النجم بسمار يبدو من خلال الجسم يثقبه هذا هو المطابق تماما لما قالوه في معنى النجم أنه الطالع إلى جهة علو دقيقا من سطح السماء ينظم إليها وكأنه شقها وظهر وطلع من بين السماء بارزا ناتئا دقيقا بين ما حوله ، وهذا يفسر لنا السر في عدم التعبير بالكوكب وهذا دقيقة من دقائق القرآن التي تدل على أن الذي انزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض وقارن هذا بعبارة الزمخشري في تفسير الثاقب تدركه ، لأنه لو عبر بالكوكب لكان التركيز على قوة الأضاءة والظهور بمظهر حسن جالب لكن التعبير بالنجم هنا يعطي الظهور بعد الخفاء ويعطي صورة شيء يشق ويظهر ويطلع من بين الظلام بارزا ناتئا دقيقا من بين ما حوله وهو يناسب جواب القسم تماما { إن كل نفس لما عليها حافظ } يشق أستارها ويطلع على كل أعمالها و ما تخفيه حيث يجعل النفس أنها ليست أبداً في خلوة وإن خلت فهناك الحافظ الرقيب عليها حين تنفرد من كل رقيب ، وتتخفى عن كل عين ، وتأمن من كل طارق . هنالك الحافظ الذي يشق كل غطاء وينفذ إلى كل مستور . كما يطرق النجم الثاقب حجاب الليل الساتر . . وصنعة الله واحدة متناسقة في الأنفس وفي الآفاق
• واما الذين فسروا الطرق بالطرق الحقيقي من المعاصرين فنجدهم يقولون : سمي ثاقبا لأنه يثقب صمت صفحة السماء بنبضاتها السريعة المترددة وموجاتها الراديوية الخاطفة " ولا يفسرونها بما فسر به الجمهور لأنهم يفسرون النجم الثاقب بالنجوم النيوترونية التي تتدنى شدة الإضاءة فيها إلى واحد من ألف من شدة أضاءة الشمس في النجوم المنكدرة وتنتهي بالطمس الكامل والإظلام .
المرجحات لقول الذين يقولون المراد الطرق الحقيقي من المعاصرين :
• أولا : أن حقيقة الطرق في الأصل الضرب بشدة ضرباً يسمع له صوت وأما الطرق بمعنى الإتيان ليلا فهو معنى مجازي وحمل اللفظ على الحقيقة أولى
• ثانيا : أننا عهدنا في اللفظ القرآني أن اللفظ يشير للمعنى وهذا من أدق أوجه الإعجاز القرآني نحو { اثاقلتم } { زلزلت} وهنا من يقرأ سورة الطارق يرى الطرق يسمع من خلال اللفظ قال سيد قطب : "جاء في مقدمة هذا الجزء أن سوره تمثل طرقات متوالية على الحس . طرقات عنيفة قوية عالية ، وصيحات بنوّم غارقين في النوم . . تتوالى على حسهم تلك الطرقات والصيحات بإيقاع واحد ، ونذير واحد . « اصحوا . تيقظوا . انظروا . تلفتوا . تفكروا . تدبروا . إن هنالك إلهاً . وإن هنالك تدبيراً . وإن هنالك تقديراً . وإن هنالك ابتلاء . وإن هنالك تبعة . وإن هنالك حساباً وجزاء . وإن هنالك عذاباً شديداً ونعيماً كبيراً . . » . .وهذه السورة نموذج واضح لهذه الخصائص . ففي إيقاعاتها حدة يشارك فيها نوع المشاهد ، ونوع الإيقاع الموسيقي ، وجرس الألفاظ ، وإيحاء المعاني ومن مشاهدها : الطارق . والثاقب . والدافق . والرجع . والصدع .
• ومن معانيها : الرقابة على كل نفس : { إن كل نفس لما عليها حافظ } . . ونفي القوة والناصر : { يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر } . . والجد الصارم : { إنه لقول فصل وما هو بالهزل والوعيد فيها يحمل الطابع ذاته : { إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً . فمهل الكافرين أمهلهم رويدا )
• ثالثا : أن جماعة من المفسرين المتقدمين شعروا بأن المراد بالطارق الطرق الحقيقي لكنهم لم يجدو ا طرقا تفسر به الآية إلا أن يقولوا لأنه يطرق الجني ويصكه .
يقول علي هاني : إن الظاهر من الآيات أنها لا تريد كل النجوم ولكنه نجم معين أو نوع من النجوم ذو إضاءة شديدة غير عادية وأنه يثقب بضوئه السماء كأنه مسمار ويخترق المسافات ليصل إلى الأرض وأن له ولا شك أنه يطرق ليلا وهو مع ذلك له طرق وصوت شديد كأنه طرقات الباب ولكنه ليس النجم الذي فسر به المعاصرون لأن أوصافه لا تنطبق على الآية وأدل دليل على ذلك أنهم فسروه بنجوم ذهب ضوؤها وهو لا نطبق على ثاقب لأن الثاقب هو ما فسر به الجمهور ويدل عليه قوله تعالى { إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) فالثاقب هناك شديد الإضاءة ثاقب فعلا للشيطان وليس المراد أنه ثاقب لصمت السماء فلا بد أن نبحث عن هذا النجم وهو نجم عظيم لقوله تعالى { وما أدراك ما الطارق } والله أعلم بالصواب
وبما تقدم انكشف السر في استعمال كل لفظ في مكانه الدقيق وبقيت بعض الآيات التي لم أذكرها خوفا من التطويل يدرك السر منها بأدنى تأمل نحو { والنجم إذا هوى } { فلا أقسم بمواقع النجوم } قال التحقيق : { والنجم إذا هوى } فالنجم في مقابل الهوي فإنه يمايل إلى سفل كما أن النجم ظهور إلى علو . .
هل المراد بالنجوم والكواكب واحد أم هما سيئان متغايران ؟
الظاهر من كلام جمهور العلماء أن الماصدق لهما واحد أ ي ما ينطبق عليه اسم النجوم والكواكب واحد وإنما الفرق في المفهوم أي المدلول اللفظي ، فالشيء المسمى بالكوكب والنجم واحد لكن ينظر إليه من حيثيات مختلفة فإن نظر إليه من حيث قوة الإضاءة والجمال أنه باد جدا مضيء براق متلألئ حسن متجل في الليل موجب لحصول الزينة سميت كواكب وإن نظر إليها من حيث إنها تظهر وتطلع إلى جهة علو دقيقا من سطح السماء ينظم إليها وكأنه شقها وظهر وطلع من بين السماء بارزا ناتئا دقيقا بين ما حوله ـ يعبر بالنجوم فهي تذكر في هذا السياق وفي سياق السجود لله والهوي والتسخير
ويرجحه قوله تعالى { وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)} فمن الواضح أنه أراد أنه سخر كل جسم سماوي دون المضيء بذاته خاصة
وكذلك { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)} المراد ذهاب هذه الأجسام كلها لا إدبار المضيء بذاته خاصة
وكذلك يقال في { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)} وفي { فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8)} { 1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)}
قال البقاعي في تفسير : " وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ : "ولما كان التأثير في الأعظم دالاًّ على التأثير فيما دونه بطريق الأولى ، أتبع ذلك قوله معمماً بعد التخصيص : { وإذا النجوم } أي كلها صغارها وكبارها { انكدرت }"
وقال في تفسير { وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}: "أي النجوم الصغار والكبار كلها الغراء الزاهرة المتوقدة توقد النار المرصعة ترصيع المسامير في الأشياء المتماسكة التي دبر الله في دار الأسباب بها الفصول الأربعة والليل والنهار ، وغير ذلك من المقاصد الكبار ، وكانت محفوظة بانتظام السماء " اهـ
هذا الاتحاد في الماصدق والاختلاف في المفهوم أعني أنه يراد بهما شيء واحد ولكن ينظر إليها من حيثيات مختلفة إذا جمعت النجوم وجمعت الكواكب كما في { والنجوم مسخرات } { زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وإن إفرد الكوكب والنجم وأريد به العهد أو نوع من النجوم والكواكب في نحو { كوكب دري } فهنا قطعا يراد به جسم معين كبير ضخم شديد الإضاءة متميز في السماء أو نوع معين متصف بصفات لا يشاركه غيره ، وكذلك يقال { النجم الثاقب} على رأي فيه .
بيان خطأ المعاصرين في تفسير القرآن بمصطلح متأخر :
من المعلوم أن الاصطلاح اتفاق جماعة من العلماء أو الناس على استعمال لفظة لمعنى معين كاصطلاح النحاة في اطلاق الكلام على اللفظ المركب المفيد بالوضع فهي الاصطلاح لا يمكن أن نفسر به الكلام اللغوي الذي هو أعم وهكذا نقول هنا
فقد عرف الاتحاد الفلك الكوكب بأنه جرم سماوي يدور في مدار حول نجم أو بقايا نجم في السماء وهو كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديرا بفعل قوة جاذبيته ولكنه ليس ضخما بما يكفي لدرجة حدوث اندماج نووي حراي
قال بعض المعاصرين :
النجوم: هي أجرام كبيرة الحجم مشعة بذاتها تقوم بإنتاج الطاقة من خلال تفاعلات نووية تجري في باطنها وتؤدي إلى صدور كميات هائلة من الطاقة ضمن كامل مجال الطيف الكهرطيسي..
الكوكب: هو جرم لا يصدر الطاقة بذاته ويدور حول نجم بشكل منتظم شكله أقرب إلى الكرة ويمتلك ما يكفي من الكتلة لتنظيف الفضاء المحيط حوله من الأجرام الأخرى..
وهذا الاصطلاح مخالف لما اصطلحوا عليه في عام 2006
وعلى كل حال هو لا يعدو أن يكون اصطلاحا اصطلحوا عليه فلا يجوز بحال ان نفسر القرآن الكريم به لا سيما وهو مخالف للاستعمال العربي والقرآني تماما ، يوضحه ما تقدم في البحث لا سيما { رءا كوكبا } فلا شك أن السياق وتنكير كوكبا وتفسير الآية يدل على أنه جسم مضيء شديد الإضاءة جدا بارز لا أنه يعكس ضوء غيره فعلى تعريفهم كان يجب أن يقول رءا نجما ، وكذلك في { كوكب دري }و{ زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } كان يجب أن يقال نجم دري بقية الأمثلة تتضح مما تقدم في البحث فتفسيرهم أولا مخالف للغة مخالف للاستعمال القرآني في مواضع عدة مما تقدم ، ثم هو تفسير بشيء اصطلح عليه اصطلاحا متغيرا ففي أول هذا القرن اصطلحوا على شيء والآن اصطلحوا على شيء آخر فهو لو كان اصطلاحا ثابتا لما جاز التفسير به فكيف وهو اصطلاح متغير، فموضوع أنه يضيء بنفسه أو لا قد يستدل عليه بأدلة أخرى { جعل الشمس ضياء والقمر نورا } وأن القمر يذكر بعد الشمس دائما أو بغير ذلك من الأدلة أما أنه من لفظ نجم وكوكب فلا والله تعالى الموفق والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
 
عودة
أعلى