الفرق بين اللباس والثياب والسرابيل

إنضم
09/01/2008
المشاركات
81
مستوى التفاعل
2
النقاط
8
{ بسم الله الرحمن الرحيم } وبه وبحوله وتوفيقه وهدايته نستعين { اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } [1]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآيات التي ورد فيها ذكر اللباس :
وردت كلمة اللباس بمعنى ما يلبس في ثلاث عشرة مرة :
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ }
{) يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) }
{ ) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)}
{18) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)}
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)}
{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)}
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)}
{ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53}
{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) }
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) }
{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ووردت كلمة الثياب ثماني مرات :
{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) }
{أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}
{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)}
{ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60
{ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)}
ر وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما السرابيل فوردت مرتين :
{سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) }
{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)}
[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[
إذا تأملنا الآيات يتضح لنا يجلاء الفرق بين اللباس والثياب :
فاللباس : هو الذي يخالط ويداخل الإنسان ويستر عورته ففي المادة المخالطة والملابسة والمداخلة والاستعمال للستر فهو أمر لا بد منه ومن المادة يلبسون الحق بالباطل لأنهم يخلطون الحق بالباطل خلطا قويا ستر الحقيقة .
قال ابن فارس : "المادة تدل على مخالطة ومداخلة ومن ذلك لبس الثوب ".
· قال المعجم الوسيط : اللباس ما تستر الجسم
قال أبو زهرة: اللباس ما يستر البدن للرجل والمرأة .

والآيات واضحة في هذا المعنى :
· { لباسا يواري سوءاتكم } فهذا تعريف للباس ولاحظ كيف قوبل بالذي يكون للزينة الذي عبر عنه بالريش {لباسا يواري سوءاتكم وريشا }.
· { يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا } فواضح من ليريهما سوآتهما أنه لستر العورة .
· { لباس التقوى } فعلم أن ساتر العورات حسي ومعنوي ، فالحسي لباس الثياب ، والمعنوي التحلي بما يبعث على المناب ، فالتقوى يجب أن تكون ملابسة للإنسان لا تفارقه كاللباس ولا تسد مكانها كلمة الثياب .
· ومنه { لباس الجوع والخوف } استعير لقوة الملازمة التي لا تفارقهم ولو قال (ثياب) الجوع والخوف لما أفاد أن الجوع يلابسهم ملابسة لا يفارقهم
· وكذلك { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن }فوجه الشبه شِدة المخالطة وكَثرةِ الملابَسة بهن ، وجُعل كلٌّ من الرجل والمرأة لِباساً للآخرَ لاعتناقهما واشتمال كلَ منهما على الآخر بالليل وهذا المعنى لا يسد مكانه كلمة الثياب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الثياب :
فأحسن من تكلم فيه ابن فارس :
"قال (ثوب) الثاء والواو والباء قياسٌ صحيحٌ من أصلٍ واحد، وهو العَوْدُ والرُّجوع ، يقال ثاب يثُوب إذا رَجَع. والمَثَابةُ: المكان يَثُوب إليه النّاس. قال الله تعالى: { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً } [البقرة 125] والثوب الملبوس محتملٌ أن يكون من هذا القياس؛ لأنّه يُلْبَس ثم يُلبَس ويثاب إليه " اه فهو يثاب إليه مرة بعد أخرى يثاب إليها في اليوم والليلة.
فالثوب سمي بذلك لأنه يثاب إليه ويرجع إليه في اليوم والليلة فيلبس ثم يخلع ثم يلبس فهو يثاب إليها في اليوم والليلة وهكذا ومنه يتضح أنه ليس المراد بالثياب هو ساتر العورة لأن ساتر العورة ليس هذ ا شأنه ، وأيضا إذا تأملنا الآيات التي فيها (الثياب) نجدها استعملت فيما زاد عن ستر العورة فهي:
أ‌- إما أن تستعمل للتجمل أمام الناس
ب‌- أو تستعمل لما يغطي البدن ويحيط به فوق اللباس [2] .
ويؤيد هذا الاشتقاق من الثوب فهو كما قال ابن فارس يلبس مرة بعد أخرى وهذا يناسب ما هو زائد على الأصلي .
ويؤد ه قوله تعالى { ) وَالْقَوَاعِدُ[3] مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
قال البقاعي : يضعن ثيابهن الظاهرة فوق اللباس الساتر وهو ما يغطي من الملحفة
قال الصابوني في روائع البيان : اللطيفة السادسة : قوله تعالى : { أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ } ليس المقصود بذلك أن يضعن جميع ثيابهن وإنما المراد بعضها كالجلباب والرداء وهي الثياب الظاهرة التي لا يفضي وضعها لكشف العورة .
وانظر كيف عبر في حق أهل النار بالثياب وفي أهل الجنة باللباس في قوله تعالى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) }
فالثياب للإحاطة للتعذيب لا لستر العورة فهي تحيط بهم وتلفهم كما يلف اللحاف ، بخلاف لباس أهل الجنة ، فالمراد به أن ما يلابسهم ويلاصق أجسامهم ناعم فهو حرير وسيأتي شرح هذا .
وانظر قوله تعالى { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) }.
فهم لم يستغشوا ملابس ستر العورة
وكذلك { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) }
يتدثرون ويتغطون بها وهم لا يتغطون بساتر العورة .
قال سيد طنطاوي : "{ واستغشوا ثِيَابَهُمْ . . . } أى : جعلوا كالغشاء عليهم ".
وكذلك القرآن فرق بين لباس أهل الجنة وثيابهم :
·فلباسهم الذي يستر العورة من حرير { ولباسهم فيها حرير } ولا شك أن الملابس الحريرية الناعمة هي أحرى أن تكون ملامسة للجسم، مما يعطي راحة وتنعما للإنسان خاصة إذا كان هذا الحرير هو حرير الجنة الذي بلا شك لا يقارن مع حرير الدنيا.
وأما ثيابهم فهي ما يلبس فوق الحرير للزينة فهي من سندس وإستبرق وهما أعلى من الحرير فالسندس : فهو الديباج الرقيق اللطيف ، والديباج : نوع من الحرير المنسوج يتلون ألوانا والإستبرق : ثخين الديباج يوجد له من حسنه بريق كأنه من شدة لمعانه يطلب إيجاده حتى كأنه نور مجرد فهو يبرق ويلمع من البريق على وزن استفعل مثل استعصم على الأصح.
وسيأتي تفصيل هذا أكثر ، المهم أن ساتر العورة لأهل الجنة يستعمل له اللباس من حرير ، والثياب ما يلبس للزينة ويستعمل معها الثياب والسندس والإستبرق .
ـــــــــــــــــــــ
فإن قلت فماذا تفعل بقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)} فقد عبر الثياب لا باللباس ؟ قلت أجاب عن جماعة من المفسرين فقد قال البقاعي :
{ حين تضعون ثيابكم } : أي التي للخروج بين الناس .
وقال محمد طنطاوي : { وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم مِّنَ الظهيرة } أى : وحين تخلعون ثيابكم وتطرحونها في وقت الظهيرة ، عند شدة الحر ، لأجل التخفيف منها وارتداء ثياب أخرى أرق من تلك الثياب ، طلبا للراحة واستعدادا للنوم .
وقال الظلال : ووقت الظهيرة عند القيلولة ، حيث يخلعون ملابسهم في العادة ويرتدون ثياب النوم للراحة .
قال أبو السعود :" أي ثيابَكم التي تلبسونَها في النَّهارِ وتخلعونَها لأجل القَيلولةِ."
فليس المراد خلع جميع ما يلبسه الإنسان بل ما يلبسه أمام الناس ويلبس الملابس الخفيفة التي قد تكشف العورة أو تكون غير ساترة لأن هذا هو المعهود في الأغلب لا التعري التام وهذا من دقائق القرآن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومما يتصل بهذا الموضوع وصف لباس أهل الجنة مرة بحرير ومرة بسندس وإستبرق نذكر الآيات أولا ثم نبين السر في التفريق :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) }
{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) }
{ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) }
{ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لباسهم / الحرير :
{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) }

إذا نظرنا للآيات الكريمة نلاحظ أمرين مهمين :
أولا : استخدام القرآن الكريم في حق الكفار { ثياب } وفي حق المؤمنين { لباسهم }
والجواب على هذا بناء على ما تقدم أن الذي على الكفار من النار ليست لستر عورتهم بل لبيان إحاطتها بهم وتغطيتها لهم من كل جانب لا كرامة لهم لستر عورتهم
قال السعدي: ليعم العذاب جميع جوانبهم.
وقا ل البقاعي : ثياب سابغة عليهم على مقاديرهم سابغة عليهم .
وأما في حق أهل الجنة فهو اللباس الذي يستر عورتهم فهو من حرير فضلا عن ثياب السندس والاستبرق كما سيأتي فهو لباس كرامة وسيأتي تمام الاجابة وسر التعبير بالجملة الاسمية في النقطة الثانية .
ثانيا : أنه سبحانه لم يقل { لباسهم } سندس وإستبرق بل قال {حرير} وكذلك في سورة فاطر وأما عندما يذكر السندس والإستبرق فلا بد أن يذكر ثيابهم لا لباسهم ؛ لأن اللباس هو ما يلبسه الإنسان لستر العورة ويكون مخالطا وملابسا ومداخلا لللابس فهذا يكون من حرير ، وأما الثياب فهي ما يلبس فوق اللباس مما يكون للزينة ـ وهو المراد هنا ـ فهذا يكون من سندس وإستبرق وهو أعلى من الحرير فهي ثياب منسوجة من حرير يتلون ألوانا براقة للتزين
ولإيضاح الأمر لا بد أن نذكر معنى السندس والاستبرق :
التحقيق في معنى الاستبرق أنه [4]:
ثخين الديباج [والديباج : نوع من الحرير المنسوج يتلون ألوانا ] [5] يوجد له من حسنه بريق كأنه من شدة لمعانه يطلب إيجاده حتى كأنه نور مجرد فهو يبرق ويلمع من البريق[6] على وزن استفعل مثل استعصم .
قال البقاعي : { من إستبرق } وهو ثخين الديباج يوجد فيه من حسنه بريق كأنه من شدة لمعانه يطلب إيجاده حتى كأنه نور مجرد .
قال الطوسي : الديباج الغليظ الذي له بريق
قال ابن كثير : الاستبرق غليظ الديباج وفيه بريق
قال التحقيق للمصطفوي : يطلق على لباس من ديباج يبرق ويلمع منقول من فعل أصله من فعل استبرق أي طلب بتلبسه هذا اللباس البرق واللمعان ثم جعل اسما للمنسوج
قال السمين الحلبي : وهو عربي مشتق من البريق أومعرب اه
قال بعض العلماء : مسمى باستفعل من البريق ففيه بريق وحسن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما السندس : فهو الديباج الرقيق اللطيف .
_____________
ويؤكد ما ذهبت إليه أن أبا السعود رحمه في تفسيره لقوله تعالى { ولباسهم فيها حرير } في سورة الحج عند قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) } غير الأسلوب حيث لم يقل ويلبسون فيها حريراً للإيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غني عن البيان إذ لا يمكن عراؤهم عنه وإنما المحتاج إلى البيان أن لباسهم ماذا بخلاف التحلية فإنها ليست من لوازمهم الضرورية فلذا جعل بيانها مقصوداً بالذات . ولعل هذا هو السر في تقديم بيان التحلية على بيان حال اللباس
قال : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } غُيِّر الأسلوبُ حيثُ لم يقُلْ ويلبسون فيها حريرا _ ـ للإيذانِ بأن ثبوت اللباسِ لهم أمر محقَّقٌ غنيٌّ عن البيان إذ لا يمكن عراؤهم عنْهُ وإنَّما المحتاجُ إلى البيانِ أنَّ لباسَهم ماذا بخلافِ الأساورِ واللؤلؤ فإنَّها ليستْ من اللَّوازمِ الضَّروريَّةِ فجعل بيان تحليتهم بها مقصوداً بالذَّاتِ ولعلَّ هذا هو الباعثُ إلى تقديمِ بيانِ التَّحليةِ على بيانِ حالِ اللِّباس .
فجعل اللباس الذي لستر العورة وكذلك تغيير الأسلوب يؤيده
وقال الآلوسي في سورة الإنسان :
في قوله تعالى { عاليهم ثياب سندس خضر } وربما تشعر الآية بأن تحتها ثيابا أخرى اه [7]
{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) }
وبهذا الفهم للفرق يتضح لنا سر إعاد السندس والاستبرق بعد ذكر الحرير :
{ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) }
فالحرير الذي ذكر أولا هو لباسهم لستر العورة كما صرحت الآيات السابقة { ولباسهم فيها حرير } وأما السندس والإستبرق فهي ثياب للتزين فلا تكرار ويظهر بهذا حسن ذكر وحلوا أساور من فضة فالكل من قبيل الزينة وهذا نجده في جميع مواضع ذكر السندس والاستبرق فهو يذكر مع لبس الأساور أو مع التزويج بالحور :
{ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) }
{ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ }
وبهذا نفهم أن الآية التي في سورة الإنسان ترقت من وصفهم بلبس الحرير إلى لبس السندس والاستبرق كما ترقت في وصف ما يمزج به شرابهم من الكافور إلى الزنجبيل إلى { وسقاهم ربهم شرابا طهورا }
قال الآلوسي عند { ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا } : ولعل ذكر يسقون هنا دون يشربون لأنه الأنسب بما تقدمه من قوله تعالى : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ } [ الإنسان : 15 ] الخ ويمكن أن يكون فيه رمز إلى أن هذه الكأس أعلى شأناً من الكأس الأولى
وقال أبو السعود في تفسير { وسقاهم رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً }: هو نوعٌ آخرُ يفوقُ النوعينِ السالفينِ كما يرشدُ إليهِ إسنادُ سقيهِ إلى ربِّ العالمينَ ووصفُه بالطَّهوريةِ قال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد يقول قائل : قال تعالى { { يلبسون من سندس وإستبرق }فقد ذكر الفعل { يلبسون } مع السندس والاستبرق
فأقول هذا لما ذكره صاحب البكريات أن اللباس له فعل [لبس يلبس ] أما الثياب فليس له فعل بل يستعار له الفعل [لبس ] فنجد يلبسون مع الثياب كما في
{ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا }
{ { يلبسون من سندس وإستبرق }
لأن الثياب لا فعل لها واللباس يدل على مخالطة ومداخلة وملابسة فمعنى اللباس الاسم أخص من يلبس الفعل فالاسم لا يطلق إلا على ستر العورة أما الفعل يلبس فيطلق على ستر العورة ويستعار للتلبس بالثياب وإدخالها ومخالطتها كما في الفرق اللهو الاسم ويلهو الفعل كما بينه صاحب المنار وبهذا يظهر الجواب كذلك عن هاتين الآيتين :
{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) }
{ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) }ْ
[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[
أما السرابيل فوردت مرتين :
{سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) }
فالسرابيل جمع سربال فهو القميص السابغ [8]من أي جنس كان سواء من القطن والكتان والصوف وغيرهما وسرابيل الحرب كالدرع ونحوها والسربال لإفادة الوقاية والحماية من الحر والبرد وإصابات السلاح فلا هو لباس لستر العورة ولا هو ثياب للتزين أو التغطي بل هو لما ذكر من الوقاية والحماية وأما قوله سبحانه في أهل النار سرابيلهم من قطران فهذا من باب التهكم بهم فإن السربال للحماية وهم ما يحميهم عذاب قال ابن الهائم في التبيان في غريب القرآن : يجعل لهم القطران لباسا ليزيد في حر النار فيكون ما يتوقى به العذاب عذابا
وإليك بعض من أقوال العلماء في السربال :
قال محمد طنطاوي في الوسيط :
والسرابيل : جمع سربال وهى كل ما يتسربل به : أى يلبسها الناس للتستر والوقاية كالقمصان والثياب والدروع وغيرها . أى : وجعل لكم من فضله وكرمه ملابس تتقون بها ضرر الحر وضرر البرد ، وملابس أخرى هى الدروع وما يشبهها - تتقون بها الضربات والطعنات التى تسدد إليكم فى حالة الحرب .
قال في البكريات للسيد محمد وسيم البكري :
فقد وردت لإفادة الوقاية والحماية من الحر والبرد وإصابات السلاح في القتال
قال التحرير والتنوير : وَالسَّرَابِيلُ: جَمْعُ سِرْبَالٍ، وَهُوَ الْقَمِيصُ يَقِي الْجَسَدَ حَرَّ الشَّمْسِ، كَمَا يَقِيهِ الْبَرْدَ. وَالسَّرَابِيلُ الَّتِي تَقِي الْبَأْسَ: هِيَ دُرُوعُ الْحَدِيدِ. وَلَهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْقَمِيصِ الدِّرْعُ، وَالسِّرْبَالُ، وَالْبَدَنُ.
قال أبو زهرة : السربال القميص الذي يلاصق أجسامهم ويسيغها ولا يترك فراغا بينه وبينها . وتقدم كلام ابن الهائم
تنبه : تقدم أن ذكر السرابيل في حق أهل النار تهكم ويزداد التهكم بذكر القطران :
قال التحرير : وَالْقَطِرَانُ: دَهْنٌ مِنْ تَرْكِيبٍ كِيمْيَاوِيٍّ قَدِيمٍ عِنْدَ الْبَشَرِ يَصْنَعُونَهُ مِنْ إِغْلَاءِ شَجَرِ الْأَرْزِ وَشَجَرِ السَّرْوِ وَشَجَرِ الْأُبْهُلِ- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ وَبَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ- وَهُوَ شَجَرٌ مِنْ فَصِيلَةِ الْعَرْعَرِ. وَمِنْ شَجَرِ الْعَرْعَرِ بِأَنْ تُقْطَعَ الْأَخْشَابُ وَتُجْعَلَ فِي قُبَّةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى بَلَاطٍ سَوِيٍّ
وَفِي الْقُبَّةِ قَنَاةٌ إِلَى خَارِجٍ. وَتُوقَدُ النَّارُ حَوْلَ تِلْكَ الْأَخْشَابِ فَتَصْعَدُ الْأَبْخِرَةُ مِنْهَا وَيَسْرِي مَاءُ الْبُخَارِ فِي الْقَنَاةِ فَتَصُبُّ فِي إِنَاءٍ آخَرَ مَوْضُوعٍ تَحْتَ الْقَنَاة فيتجمع منهماء أَسْوَدُ يعلوه زبد خاثر أَسْوَدُ. فَالْمَاءُ يُعْرَفُ بِالسَّائِلِ وَالزَّبَدُ يُعْرَفُ بِالْبَرْقِيِّ. وَيُتَّخَذُ لِلتَّدَاوِي مِنَ الْجَرَبِ لِلْإِبِلِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَوْصُوفٌ فِي كُتُبِ الطِّبِّ وَعِلْمِ الْأَقْرَبَاذِينِ.
وَجُعِلَتْ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ لِأَنَّهُ شَدِيدُ الْحَرَارَةِ فَيُؤْلِمُ الْجِلْدَ الْوَاقِعَ هُوَ عَلَيْهِ، فَهُوَ لِبَاسُهُمْ قَبْلَ دُخُولِ النَّارِ ابْتِدَاءً بِالْعَذَابِ حَتَّى يَقَعُوا فِي النَّارِ-.
قال القاسمي : { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } تشبيه لهم بأكره ما يوجد منظراً عند العرب ، وهو الإبل الجربى التي تطلى بالقطران . وإعلام بأن لهم أعظم ما ينال الجلد داء وهو تقرحه بالجرب . وأخبث ما يكون دواء لقبحه لوناً وريحاً ، وهو القطران ، فإنه أسود منتن الريح .
قال الزمخشري : تطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل ، وهي القمص لتجتمع عليهم الأربع : لذع القطران ، وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح ، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين .

[1] تنبيه : استفدت كثيرا في هذا البحث من كتاب البكريات للسيد محمد وسيم البكري جزاه الله خيرا مع تعديلات وزيادات كثيرة فتح الله بها أرجو من الله سبحانه السداد ثم بعد الانتهاء وجدت بحثا في النت لأخ جزائري اشترك معي في بعض النتائج فأخذت منه جملتان جزاه الله خيرا

[2] وهذا أحسن من قول البكريات الثياب: [ للستر والتغطية والتزيين فأما الستر فيدل عليه { فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن { لأن الآية وردت في رفع الإثم عن العجائز اللائي لا يرجون نكاحا ولا يرغبن ]

[3] انظر الفرق بين القعود والجلوس في الرازي في تفسير { في مقعد صدق } فهو أحسن من تكلم في ذلك

[4] أخذا من كلام المحققين ونظرا في اللغات العربية القديمة التي يسمونها سامية وأخذ الفارسية أو اشتراكها معها في كلمات كثيرة

[5] قال الآلوسي في الفرق بين الحرير والديباج : والسندس قال ثعلب ما رق من الديباج وقيل ما رق من ثياب الحرير والفرق أن الديباج ضرب من الحرير المنسوج يتلون ألواناً


[6] وبهذا نعرف سر آخر في جعل البطائن من إستبرق غير ما ذكره العلماء ، فقد ذكروا أن ذكر البطائن فيه تنبه على أن الظهائر أعظم فإذا كان حال البطانة هذا فما ظنك يظهائرها ، أقول ونضيف إلى هذا أن البطائن تكون منيرة براقه من الداخل براقة ببريق قوي خارج من داخلها وهو منظر رائع خلاب
وأنقل لك بعض كلام العلماء ليتضح معنى الآية :
قال ابن كثير : فنبه على شرف الظهارة بشرف البطانة. وهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى.
قال الآلوسي : عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } من ديباج ثخين قال ابن مسعود : أخبرتم بالبطائن فكيف بالظهائر ، وقيل : ظهائرها من سندس ، وعن ابن جبير من نور جامد ، وفي حديث من نور يتلألأ وهو إن صح وقف عنده .
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير : وَالْبَطَائِنُ: جَمْعُ بِطَانَةٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْبَطْنِ ضِدِّ الظَّهْرِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ عَنِ الْأَسْفَلِ. يُقَالُ لِلْجِهَةِ السُّفْلَى: بَطْنٌ، وَلِلْجِهَةِ الْعُلْيَا ظَهْرٌ، فَيُقَالُ: بَطَنْتُ ثَوْبِي بِآخَرَ إِذَا جَعَلَ تَحْتَ ثَوْبِهِ آخَرَ، فَبِطَانَةُ الثَّوْبِ دَاخِلُهُ وَمَا لَا يَبْدُو مِنْهُ، وَضِدُّ الْبِطَانَةِ الظِّهَارَةُ بِكَسْرِ الظَّاءِ،فَالْبِطَانَةُ: هِيَ الثَّوْبُ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الْفِرَاشِ وَالظِّهَارَةُ: الثَّوْبُ الَّذِي يُجْعَلُ فَوْقَ الْبِطَانَةِ لِيَظْهَرَ لِرُؤْيَةِ الدَّاخِلِ لِلْبَيْتِ فَتَكُونُ الظِّهَارَةُ أَحْسَنُ مِنَ الْبِطَانَةِ فِي الْفِرَاشِ الْوَاحِدِ.
وَالْعَرَبُ كَانُوا يَجْعَلُونَ الْفِرَاشَ حَشِيَّةً، أَيْ شَيْئًا مَحْشُوًّا بِصُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ لِيفٍ لِيَكُونَ أَوْثَرَ لِلْجَنْبِ ـ ـ
فَإِذَا وَضَعُوا عَلَى الْحَشِيَّةِ ثَوْبًا أَوْ خَاطُوهَا بِثَوْبٍ فَهُوَ الْبِطَانَةُ، وَإِذَا غَطَّوْا ذَلِكَ بِثَوْبٍ أَحْسَنَ مِنْهُ فَهُوَ الظِّهَارَةُ.
فَالْمَعْنَى هُنَا: أَنَّ بَطَائِنَ فُرُشِ الْجَنَّةِ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ فَلَا تَسْأَلُ عَنْ ظَهَائِرِهَا فَإِنَّهَا أَجْوَدُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا ثوب فِي الثِّيَابِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا أَنْفَسُ مِنَ الْإِسْتَبْرَقِ الْبَطَائِنِ بِالذِّكْرِ كِنَايَةً عَنْ نَفَاسَةِ وَصْفِ ظَهَائِرِ الْفُرُشِ.

[7] هذا مع ما ذكره العلماء من أسرار استعمال عاليهم دون فوقهم فقد ذكروا أن مادة العلو تدل على الرفعة والشرف والسمو كما يقال فلان من علية القوم { في جنة عالية } { كلمة الله هي العليا } { وكذلك الفوقية قد لا تقتضي الملابسة كما { السماء فوقهم } { فوقهم الطور }


[8] نص البقاعي على هذا فقال السربال القميص السابغ ويؤيده المدود في اللفظ السربال وأنها تكون دروعا وقول أبي عمرة السربلة ثريدة رويت دسما فهي كثيرة الدسم
 
جزاكم الله خيرا على هذه الدراسة القيمة.
وفي مقالة "ثياب - لباس" لباسم سعيد البسومي، زيادة بيان فقال: اللباس قيل فيه "ينزع عنهما لباسهما" فكلمة النزع تبين لصوق اللباس بالجسد، واما الثياب فقد قيل فيها "يضعن ثيابهن، تضعون ثيابكم" لان الفعل "يضع" ايسر على الانسان من الفعل "نزع".
 
عودة
أعلى