مجيئ فعل (أطيعوا) قبل لفظ الجلالة (الله) ، وقبل لفظة (الرسول) صلى الله عليه وسلم تدل على أن طاعة الله واجبة ، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة أيضاً ولو استقل الرسول صلى الله عليه وسلم بالتشريع . وهذا دليل على أن السنة النبوية تستقل بالتشريع ، ولا يلزم لطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون هناك دليل تفصيلي من القرآن يدل لهذا التشريع النبوي ، مثل النهي عن الجمع بين البنت وعمتها والبنت وخالتها في النكاح ، والنهي عن أكل لحم الحمر الأهلية .
وعدم تكرار فعل (أطيعوا) قبل (أولي الأمر) دليل على أن طاعتهما مقيدة بطاعة الله سبحانه وتعالى ، وطاعة ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا طاعة لولي الأمر في معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
هذا هو خلاصة هذه المسألة البيانية ، ولو رجعت إلى كلام بعض المفسرين الذين توسعوا في هذه المسألة لازددت معرفة .
قال الطاهر بن عاشور في هذه الآية :
وإنّما أعيد فعل : { وأطيعوا الرسول } مع أنّ حرف العطف يغني عن إعادته إظهاراً للاهتمام بتحصيل طاعة الرسول لتكون أعلى مرتبة من طاعة أولي الأمر ، ولينبّه على وجوب طاعته فيما يأمر به ، ولو كان أمره غير مقترن بقرائن تبليغ الوحي لئلاّ يتوهّم السامع أنّ طاعة الرسول المأمور بها ترجع إلى طاعة الله فيما يبلّغه عن الله دون ما يأمر به في غير التشريع ، فإنّ امتثال أمره كلّه خير ، ألا ترى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا سعيد بن المعلَّى ، وأبو سعيد يصلي ، فلم يجبه فلمّا فرغ من صلاته جاءه فقال له : " ما منَعك أن تجيبني " فقال : «كنت أصلّي» فقال : " ألم يقل الله { يأيّها الذين آمنو استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } [ الأنفال : 24 ] " ؛ ولذلك كانوا إذا لم يعلموا مراد الرسول من أمره ربما سألوه : أهو أمر تشريع أم هو الرأي والنظر ، كما قال له الحباب بن المنذر يوم بدر حين نزل جيش المسلمين : أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نجتازه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال : بل الرأي والحرب والمكيدة . . . الحديث . ولمّا كلّم بريرة في أن تراجع زوجها مُغيثاً بعد أن عَتَقَتْ ، قالت له : أتأمرُ يا رسول الله أم تشفع ، قال : بل أشفع ، قالت : لا أبقى معه .
ولهذا لم يُعَدْ فعل { فُردّوه } في قوله : { والرسول } لأنّ ذلك في التحاكم بينهم ، والتحاكم لا يكون إلاّ للأخذ بحكم الله في شرعه ، ولذلك لا نجد تكريراً لفعل الطاعة في نظائر هذه الآية التي لم يعطف فيها أولو الأمر مثل قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولّوا عنه وأنتم تسمعون } [ الأنفال : 20 ] وقوله : { وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا } [ الأنفال : 46 ] { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } [ النور : 52 ] ، إذ طاعة الرسول مساوية لطاعة الله لأنّ الرسول هو المبلّغ عن الله فلا يتلقّى أمر الله إلاّ منه ، وهو منقّذ أمر الله بنفسه ، فطاعته طاعة تلقّ وطاعةُ امتثال ، لأنه مبلّغ ومنقّذ ، بخلاف أولي الأمر فإنّهم منقّذون لما بلغّه الرسول فطاعتهم طاعة امتثال خاصّة .