الفتح المبين

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
قد خُصَّ شهر رمضان بوقعتين عظيمتين في تاريخ الإسلام ، بل في تاريخ البشرية : الأولى : غزوة بدر . والثانية : فتح مكة : { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } ( الفتح : 27 ) .
هذا الفتح العظيم الذي أنهى الله به الهجرة من مكة إلى المدينة ؛ لأنها صارت دار إسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا " متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها .
هذا الفتح الذي دخل بعده الناس في دين الله أفواجًا ، فقد كانت العرب تنتظر ماذا تصنع قريش ، فلما أسلمت قريش بعد الفتح ، أسلم بعدها قبائل العرب .
قد كان في فتح مكة دروس عظيمة منها : رعاية حق أهل العهد ومن دخلوا في حلف المسلمين ، فكان من شروط صلح الحديبية أنه : من أحب أن يدخل في صلح قريش وعهدهم ، ومن أحب أن يدخل في صلح محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعهدهم . فدخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش . وكان بينهما ثارات في الجاهلية ، ثم إن بني بكر استعانوا بقريش فأعانتهم برجال وسلاح فبيتوا خزاعة وهم آمنون عند بئر الوتير ؛ فقتلوا منهم عشرين رجلا . فكان ذلك نقضا للصلح الذي كان يوم الحديبية ، فعندئذ خرج عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكبا يستنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنشده عمرو فكان مما قال :
يا رب إني ناشـدٌ محـمدًا ... حـلفَ أبينا وأبيه الأتلدا
فانصر هداك الله نصرًا عتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا
إن قريشًا أخلفوك الموعـدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وزعموا أن لست تدعو أحدا ... وهـم أذل وأقل عددا
هـم بيتونا بالوتير هجـدا ... وقتلونا ركعًا وسـجدًا
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يجر رداءه ويقول : " لا نصرت إن لم أنصر بني كعب " .
ثم إن قريشا ندمت على ما فعلت ، فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليستديم العقد ويزيد في الصلح فرجع بغير حاجة ، ثم جهز النبي صلى الله عليه وسلم الجيش وأخفى أمره وقال : " اللهم خذ على أبصار قريش فلا يروني إلا بغتة " . وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة ألاف ، وعسكروا في مر الظهران ( مكان بين مكة والمدينة ، وكانت قريش تتوقع أمرا لما رجع أبو سفيان خائبًا ، فأرسلوا أبا سفيان وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء ليلتمسوا الخبر ، فلما رأوا نارا عظيمة وتساءلوا فيما بينهم واستبعدوا أن يكون ذلك جيش المسلمين ، إذا ببعض حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذونهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويستأمن العباس لأبي سفيان ، ويسلم أبو سفيان ، وجعل له النبي أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن ، وانطلق أبو سفيان فأخبر الناس بذلك ، وقال لهم : إن محمدًا جاءكم بجيش لا قبل لكم به . ودخل النبي  مكة وهو يرجِّع سورة الفتح ، وإنه ليضع رأسه تواضعًا لله تعالى . إنه دخول الفاتح العظيم الذي يعرف حق ربه .
 
عودة
أعلى