الفاتيكان والإسلام .. أهي حماقة .. أم عداء له تاريخ ؟ (10)

إنضم
12/08/2005
المشاركات
84
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
د. محمد عمارة : بتاريخ 19 - 10 - 2007
هل يليق بعظيم الفاتيكان أن يقتبس الافتراءات التي تتحدث عن أن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم لم يأت إلا بما هو سييء ولا إنساني وشرير ؟!! ومن ذلك حضه على نشر دينه بالسيف ؟!! .
وإذا كانت "خارطة العالم الإسلامي" تقول: إن أربعة أخماس الأمة الإسلامية لم يدخل بلادها جيش إسلامي فاتح .. ولا عرفت في تاريخها حروباً ولا فتوحات .. وإنما دخلها الإسلام وانتشر فيها بالقدوة والأسوة وتميز منظومة القيم والأخلاق التي جاء بها الإسلام ، والتي حملها إلى هذه البلاد التجار والعلماء والمتصوفة .
كما تقول حقائق تاريخ الفتوحات الإسلامية إن هذه الفتوحات جميعها إنما تمت ضد قوى الهيمنة الاستعمارية والحضارية التي قهرت الشرق واستعمرته ونهبته لعشرة قرون ، بدءا من "الإسكندر الأكبر" [356- 324 ق.م] في القرن الرابع قبل الميلاد إلى "هرقل" [610- 641م] في القرن السابع للميلاد..
وتقول هذه الحقائق ـ كذلك ـ بأن جميع معارك تلك الفتوحات الإسلامية إنما كانت ضد جيوش الاستعمار البيزنطي والفارسي ، ولم تدر معركة واحدة ضد أهل البلاد من الشرقيين.
بل وتقول هذه الحقائق ـ أيضاً ـ إن الشعوب الشرقية قد وقفت مع جيوش الفتح الإسلامي ضد المحتلين البيزنطيين الرومان، لأنها رأت في الفتح الإسلامي تحريرا للأرض والأوطان من النهب الروماني، وتحريرا للشرق من القهر الحضاري البيزنطي .. وتحريراً للمسيحية الشرقية وضمائر أهلها من الاضطهاد الديني ـ بل والإبادة ـ التي مارستها الكنيسة الرومانية ضد النصرانية الشرقية .. وقد وقفت هذه الشعوب الشرقية جميعها مع جيوش الفتح الإسلامي، وهي على دياناتها السابقة على الإسلام.. وقد شهد الأساقفة النصارى الشرقيون ـ ومنهم شهود العيان على هذا الفتح الإسلامي ـ على أن هذا الفتح إنما كان "إنقاذاً" للنصرانية الشرقية ـ التي اضطهدها الرومان ـ وتحريراً للكنائس والأديرة الشرقية ـ التي اغتصبها الرومان ـ وعلى أن هذا الفتح إنما جاء "عقاباً إلهيا" ـ بيد إسلامية ـ للرومان على ظلمهم الذي مارسوه ضد الشرق والشرقيين لعشرة قرون .
* شهد بهذه الحقيقة ـ التي تجاهلها عظيم الفاتيكان ـ الأسقف القبطي "يوحنا النقيوسي".. فقال :
"إن الله ـ الذي يصون الحق ـ لم يهمل العالم، وحكم على الظالمين ولم يرحمهم لتجرئهم عليه، وردهم إلى أيدي الإسماعيليين ـ العرب المسلمين ـ ثم نهض المسلمون وحازوا كل مدينة مصر.
وكان هرقل حزينا .. وبسبب هزيمة الروم الذين كانوا في مدينة مصر، وبأمر الله الذي يأخذ أرواح حكامهم .. مرض هرقل ومات .
وكان عمرو بن العاص [50 ق. هـ ـ 43 هـ / 574 – 664 م] يقوى كل يوم في عمله، ويأخذ الضرائب التي حددها، ولم يأخذ شيئا من مال الكنائس، ولم يرتكب شيئا ما، سلبا أو نهبا، وحافظ عليها [الكنائس] طوال الأيام" .
* وشهد بذلك بطرك المصريين "بنيامين" [39 هـ / 659 م] الذي ظل هاربا من مطاردة الرومان ثلاثة عشر عاماً .. حتى جاء الفتح الإسلامي فأمّنه وأعاده إلى كرسي كنيسته .. وأعاد إليه كنائس رعيته وأديرتهم من الاغتصاب الروماني .. فخطب في "دير مقاريوس" ـ بعد التحرير الإسلامي ـ فقال:
" لقد وجدت في الإسكندرية زمن النجاة والطمأنينة اللتين كنت أنشدهما، بعد الاضطهادات والمظالم التي قام بتمثيلها الظلمة المارقون" .
* ولقد وصف الأسقف "يوحنا النقيوسي" فرح المصريين بانتصار المسلمين على الرومان .. وبهجتهم بتحرير المسلمين للبطرك "بنيامين" ورد الكنائس والأديرة إلى أهلها .. وصف ذلك الذي شهدته عيناه، فقال: " ودخل الأنبا بنيامين بطرك المصريين مدينة الإسكندرية، بعد هربه من الروم في العام 13 ـ أي العام الثالث عشر من تاريخ هروبه ـ وسار إلى كنائسه، وزارها كلها.
وكان كل الناس يقولون: هذا النفي، وانتصار الإسلام، كان بسبب ظلم هرقل الملك ، وبسبب اضطهاد الأرثوذكسيين على يد البابا "كيرس" ـ البطرك المعين من قبل الدولة الرومانية في مصر ـ وهلك الروم لهذا السبب، وساد المسلمون مصر.." .
* كما شهد بذلك الأسقف "ميخائيل السرياني" ـ بعد خمسة قرون من الفتح التحريري الإسلامي ـ فقال في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي : "وهذا هو السبب أن إله الانتقام الذي تفرد بالقوة والجبروت ، والذي يديل دولة البشر كما يشاء فيؤتيها من يشاء .. لما رأي شرور الروم الذين لجأوا إلى القوة فنهبوا كنائسنا، وسلبوا أديارنا في كافة ممتلكاتهم، وأنزلوا بنا العقاب من غير رحمة ولا شفقة، أرسل أبناء إسماعيل من بلاد الجنوب ليخلصنا على أيدهم من قبضة الروم .. ولم يكن كسبا هينا أن نتخلص من قسوة الروم وأذاهم وحنقهم وتحمسهم العنيف ضدنا، وأن نجد أنفسنا في أمن وسلام" .
وهكذا رأي ميخائيل الأكبر ـ بطريق أنطاكية اليعقوبي ـ "أصبع الله في الفتوح العربية حتى بعد أن خبرت الكنائس الشرقية الحكم الإسلامي خمسة قرون" ، كما يقول العالم الإنجليزي توماس أرنولد .
* وشهد على هذا الطابع التحريري للفتح الإسلامي العلامة سير توماس أرنولد [1864 – 1930م] فقال: "إنه من الحق أن نقول: إن غير المسلمين نعموا ـ بوجه الإجمال ـ في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح ، لا نجد لها معادلا في أوروبا قبل الأزمنة الحديثة.
وإن دوام الطوائف المسيحية في وسط إسلامي يدل على أن الاضطهادات التي قاست منها بين الحين والآخر على أيدي المتزمتين والمتعصبين، كانت من صنع الظروف المحلية أكثر مما كانت عاقبة مبادئ التعصب وعدم التسامح" .
* وشهد بذلك ـ أيضا ـ المستشرق الألماني الحجة "آدم متز" [1869 – 1917 م] عندما قال: " لقد كان النصاري هم الذين يحكمون بلاد الإسلام"! .
* ولقد استمرت شهادات الإنصاف للفتوحات الإسلامية ـ من رجال الدين والمؤرخين غير المسلمين ـ حتى القرن العشرين .. فكتب يعقوب نخلة روفيلة [1847 – 1905م] في كتابه [تاريخ الأمة القبطية] يقول: " ولما ثبت قدم العرب في مصر، شرع عمرو بن العاص في تطمين خواطر الأهلين باستمالة قلوبهم إليه، واكتساب ثقتهم به، وتقريب سراة القوم وعقلائهم منه، وإجابة طلباتهم.
وأول شيء فعله من هذا القبيل: استدعاء "بنيامين" البطريرك، الذي اختفي من أيام هرقل ملك الروم، فكتب أمانًا وأرسله إلى جميع الجهات يدعو فيه البطريرك للحضور، ولا خوف عليه ولا تثريب، ولما حضر وذهب لمقابلته ليشكره على هذا الصنيع أكرمه وأظهر له الولاء ، وأقسم له بالأمان على نفسه وعلى رعيته، وعزل البطريرك الذي كان أقامه هرقل، ورد "بنيامين" إلى مركزه الأصلي معززاً مكرماً.
وكان بنيامين موصوفا بالعقل والمعرفة والحكمة حتى سماه بعضهم (بالحكيم) .. وقيل إن عمرا لما تحقق ذلك منه قربه إليه، وصار يدعوه في بعض الأوقات ويستشيره في الأحوال المهمة المتعلقة بالبلاد وخيرها.. وقد حسب الأقباط هذه الالتفاتة منة عظيمة وفضلا جزيلاً لعمرو.
واستعان عمرو في تنظيم البلاد بفضلاء القبط وعقلائهم على تنظيم حكومة عادلة تضمن راحة الأهالي، فقسم البلاد إلى أقسام يرأس كلاً منها حاكم قبطي ينظر في قضايا الناس ويحكم بينهم، ورتب مجالس ابتدائية واستئنافية مؤلفة من أعضاء ذوي نزاهة واستقامة، وعين نوابا من القبط ومنحهم حق التدخل في القضايا المختصة بالأقباط والحكم فيها بمقتضي شرائعهم الدينية والأهلية، وكانوا بذلك في نوع من الحرية والاستقلال المدني، وهي ميزة كانوا قد جردوا منها في أيام الدولة الرومانية.
وضرب [عمرو بن العاص] الخراج على البلاد بطريقة عادلة .. وجعله على أقساط، في آجال معينة، حتى لا يتضايق أهل البلاد.. وبالجملة، فإن القبط نالوا في أيام عمرو بن العاص راحة لم يروها من أزمان.." .
هكذا شهدت هذه الشهادات التي كتبها أقباط ومستشرقون ، منهم من كان شاهد عيان على الفتوحات الإسلامية ، على أن هذه الفتوحات :
* هي التي أنقذت النصرانية الشرقية من الإبادة الرومانية.
* وأعادت الشرعية والعلنية والحرية لهذه النصرانية الشرقية، بعد أن حظرها الرومان وعاملوها باعتبارها هرطقة ممنوعة ، وبعبارة "ميخائيل الأكبر ـ السرياني" : "فإن الإمبراطور الروماني لم يسمح لكنيستنا المونوفيزتية ـ [القائلة بالطبيعة الواحدة للمسيح] ـ بالظهور، ولم يصغ إلى شكاوى الأساقفة فيما يتعلق بالكنائس التي نهبت؛ ولهذا فقد انتقم الرب منه".
* وحررت دور العبادة النصرانية ـ الكنائس والأديرة ـ من الاغتصاب الروماني، لا ليتخذها المسلمون مساجد، وإنما أعادوها إلى النصارى الوطنيين حتى "ليروي أنه خرج للقاء عمرو بن العاص من أديرة وادي النطرون ـ بمصر ـ سبعون ألف راهب، بيد كل واحد عكاز، فسلموا عليه، وأنه كتب لهم كتاباً ـ بالأمان ـ هو عندهم..." .
* وحررت هذه الفتوحات الإسلامية الناس فأشركتهم في حكم بلادهم وأعادت إليهم استقلالهم القانوني .. والقضائي .. والمدني .. الذي حرموا منه طوال قرون الاستعمال الروماني.
* كما أعادت العدالة الاجتماعية إلى هذه البلاد، عندما نظمت الضرائب وجعلتها على أقساط .. وفي آجال محددة .. وحصرتها في ضريبتين بعد أن كان المواطن يدفع أربع عشرة ضريبة للرومان!.
* وعاد الطابع الوطني للنصرانية الشرقية وكنائسها ورئاساتها .. فعزل عمرو بن العاص "البطرك ـ الاستعماري" الروماني وأعاد البطرك "بنيامين" إلى كرسي كنيسته الوطنية المصرية.
* وإذا كان المستشرق الألماني الحجة "آدم متز" قد وصف حال النصاري في ظل الدولة الإسلامية فقال : " لقد كان النصارى هم الذين يحكمون بلاد الإسلام".. فإن هؤلاء النصارى قد حرموا حرياتهم المدنية والسياسية والقانونية والقضائية والثقافية واللغوية طوال القرون التي ابتليت بلادهم فيها باستعمار الرومان والبيزنطيين.
* ولذلك كان استقبال شعوب الشرق للفاتحين الإسلاميين كمحررين .. وبعبارة المؤرخ النصراني "جاك تاجر" [1918 – 1952] : " فإن الأقباط قد استقبلوا العرب كمحررين ، بعد أن ضمن لهم العرب ـ عند دخولهم مصر ـ الحرية الدينية، وخففوا عنهم الضرائب .. ولقد ساعدت الشريعة الإسلامية الأقباط على دخولهم الإسلام وإدماجهم في المجموعة الإسلامية، بفضل إعفائهم من الضرائب.. أما الذين ظلوا مخلصين للمسيحية فقد يسر لهم العرب سبل كسب العيش .. إذ وكلوا لهم أمر الإشراف على دخل الدولة".
* وحتى البابا شنودة الثالث [ 1923 - ] بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ـ أكبر كنائس الشرق وأعرقها ـ والذي كتب عن عدل الإسلام وسماحته، وعن عدل الخلفاء والحكام المسلمين مع غير المسلمين .. فقال عن عدل الراشد الثاني عمر بن الخطاب [ 40 ق .هـ - 23 هـ / 584 – 644 م]:
" لقد رأينا في التاريخ الإسلامي أمثلة واضحة للسماحة الإسلامية ، نذكر منها أن الخليفة عمر بن الخطاب حينما اقترب من الموت أوصي من يأتي بعده في الخلافة من جهة أهل الكتاب بأمرين:
الأمر الأول: وفاء العهود التي أعطيت لهم .
والأمر الثاني قال فيه: ولا تكلفوهم فوق ما يطيقون .
. . وحينما كان الوليد بن عقبة واليا على بني تغلب ومن فيهم من نصارى . . ورأى عمر أن الوليد هدد هؤلاء الناس وتوعدهم ، عزله من الولاية حتى لا يلقى بهم شرا .. وهكذا كان المسلمون يسلكون فى العدل بين رعاياهم ، أيا كان مذهبهم .
ولقد انتهت حياة عمر بن الخطاب على الأرض، وانتهت مدة خلافته، ولكن الخير الذي عمله لم يمت بموته إطلاقا، ولا يزال حيا الآن يملأ الآذان ويملأ الأذهان .. ويحيا مع الناس على مدى الأزمان" .
كما تحدث البابا شنودة عن سماحة الخليفة معاوية بن أبي سفيان [ 20ق.هـ - 60 هـ / 603 – 680 م] مع غير المسلمين.. فقال: " لقد كان طبيبه الخاص نصرانياً . . واختار رجلا مسيحيا لكي يؤدب ابنه يزيد .. ويزيد هذا اختار كاهنا مسيحيا لكي يؤدب ابنه خالداً".
وتحدث عن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان [ 26- 86 هـ / 646 – 705 م] فقال : " لقد اتخذ يوحنا الدمشقي [55- 122هـ / 675 - 740م ] مستشارا له . . وقد اختار رجلاً معلماً مشهورا اسمه " أطانا سيوس" لكي يؤدب أخاه عبد العزيز . . ولما صار عبد العزيز بن مروان حاكما لمصر أخذ "أطانا سيوس" معه كمستشار له . . ونجد أن الأخطل [19 – 90هـ / 640 – 708 م] كان من الشعراء المسيحيين المشهورين، واندمج فى مجموعة متلازمة مع جرير [28- 110 هـ / 640- 708م] والفرزدق [ 110 هـ / 728 م] واشتهرت هذه المجموعة في العصر الأموي . . وكان الأخطل المسيحي حينما يدخل إلى مساجد المسلمين يقوم المسلمون له إجلاًلا لعلمه وأدبه ، كما يروي التاريخ الإسلامي" .
كذلك يشهد البابا شنودة للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك [ 71 – 125 هـ / 690- 743 م] فيقول: "إنه ابتنى للبطريرك فى أيامه بيتا إلى جوار قصره، وكان يستمع منه إلى صلواته وعظاته".
ويشهد ـ كذلك ـ للعصر العباسي، فيقول عن أبى جعفر المنصور [136 - 158هـ / 753 - 774م] : " إن طبيبه الخاص كان مسيحيا اسمه " جرجس بن بختيشوع" ، وكان الخليفة هارون الرشيد [149 – 193 هـ / 766 – 809 م] يقول للناس: من كان منكم له حاجة عندي فليكلم فيها جبرائيل؛ لأني لا أرد له طلبا .. وكان يوحنا مشهورا من أيام الرشيد إلى أيام المتوكل [ 206 – 247 هـ / 821 – 681 م] ، وكان هؤلاء الخلفاء يدعونه إلى موائدهم، وما يأكلون شيئا إلا في حضرته .. وكان حنين بن إسحق من أشهر الأطباء في العصر الإسلامي ، حتى قيل عنه إنه أبوقراط عصره وجالينوس دهره . وحنين بن إسحق هذا تعلم الفقه على يد الإمام أحمد بن حنبل [164 – 241 هـ / 780 - 855م ] وكذلك اللغة على يد سيبويه [ 148 – 180 هـ / 765 – 796 م ] ونبغ في اللغة العربية نبوغا عظيماً.." .
كما شهد البابا شنودة للدولة الطولونية، ومؤسسها أحمد بن طولون [ 220 – 270 هـ / 834 ـ 884م] "الذي كان من المحبين للأقباط كثيرا، والذي اختار مسيحيا لكى يبنى له مسجده .. واختار مسيحيا لكي يبنى القناطر وكثيرا من منشآته . . وكان يذهب كثيرا لزيارة دير القصير، وكان على صلة وثيقة برهبانه هناك . . فلقد كانت الأديرة المصرية دائما مجالاً لالتقاء الخلفاء والولاة، وكانوا يحبونها ويقضون فيها الكثير من الوقت، ويصادقون رهبانها وأساقفتها" .
كما شهد البابا شنودة للدولة الإخشيدية، ومؤسسها محمد بن طغج الإخشيد [ 268 – 334 هـ / 882 – 946 م] "الذي كان يبنى الكنائس بنفسه وتولى ترميمها" .
كما شهد البابا شنودة للدولة الفاطمية .. فقال: " ولا أستطيع أن أذكر مقدار اهتمام الخلفاء الفاطميين بالكنائس وبنائها وترميمها.." .
ثم يختم البابا شنودة شهادته للتاريخ الإسلامي والسماحة الإسلامية، فيقول : " كما تولى الخلفاء والحكام إقامة الوحدة الوطنية ورعايتها .." .

http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=39851&Page=1&Part=10
 
الفاتيكان والإسلام (11)

الفاتيكان والإسلام (11)

بقلم : د. محمد عمارة : بتاريخ 20 - 10 - 2007
هل قرأ عظيم الفاتيكان هذه الشهادات ـ التاريخية والمعاصرة ـ على هذه الحقائق.. قبل أن يفترى على الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم فرية الانتشار بحد السيف؟!..
وإذا كان الرجل قد جهل هذا التراث الشرقي القديم .. والحديث .. والمعاصر .. فلماذا تجاهل الكتابات الغربية الحديثة التي أنصفت الفتوحات الإسلامية .. وأعلنت أن الانتشار الإسلامي إنما تم سلمًا ، بل وحتى دون وجود "مؤسسة دعوية تبشيرية" تقوم على نشر الإسلام !..
لقد قال "جورج سيل" [1697 - 1736 م ] ـ وهو مترجم القرآن إلى الإنجليزية ـ : " لقد صادفت شريعة محمد ترحيبا لا مثيل له في العالم .. وإن الذين يتخيلون أنها انتشرت بحد السيف إنما ينخدعون انخداعا عظيما".
* وقال العلامة "سير توماس أرنولد": " إن الفكرة التي شاعت أن السيف كان العامل فى تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق .. إن نظرية العقيدة الإسلامية تلتزم التسامح وحرية الحياة الدينية لجميع أتباع الديانات الأخرى .. ولقد قيل إن "جستنيان" [ 483- 565 م] ـ الإمبراطور الروماني ـ أمر بقتل مائتي ألف من القبط فى مدينة الإسكندرية، وإن اضطهادات خلفائه قد حملت كثيرين على الالتجاء إلى الصحراء.
وقد جلب الفتح الإسلامي إلى هؤلاء القبط حياة تقوم على الحرية الدينية التى لم ينعموا بها من قبل ذلك بقرن من الزمان .. ويظهر أن حالة القبط في الأيام الأولى من حكم المسلمين كانت معتدلة نوعا ما.
وليس هناك شاهد من الشواهد على أن ارتدادهم عن دينهم القديم ودخولهم في الإسلام على نطاق واسع كان راجعا إلى اضطهاد أو ضغط يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم الحديثين . . بل لقد تحول كثير من هؤلاء القبط إلى الإسلام قبل أن يتم الفتح، حين كانت الإسكندرية ـ حاضرة مصر وقتئذ ـ لا تزال تقاوم الفاتحين ، وسار كثير من القبط على نهج إخوانهم بعد ذلك بسنين قليلة.." .
* بل وأثبت هذا العلامةـ سير توماس أرنولد ـ أن المسيحية الغربية هي التي انتشرت بالسيف والعنف !! .
ـ فقد فرض "شارلمان"[742 - 814م ] التعميدات المسيحية على السكسونيين الوثنيين بحد السيف .
ـ وفي الدانمرك استأصل الملك "كنوت" Cnut [995 ـ 1035م ] الوثنية من ممتلكاته بالقوة والإرهاب.
ـ وجماعة إخوان السيف Bretheren of Sword وغيرهم من الصليبيين، الذي أدوا رسالتهم بالسيف والنار في تنصير الروسيين الوثنيين .
ـ ولقد فرض فرسان Ordo Fratram Miliuechris المسيحية على شعب ليفونيا فرضا .
ـ وفي 1699م وجه "فالنتين" Valentyn إلى رجوات Rajas جزيرة أمبوينا Amboyna مرسوما يأمرهم فيه بإعداد طائفة معينة من الوثنيين لتعميدهم إذا ما طاف بهم راعي الكنيسة . . وربما حل الاضطهاد والتنصير الإجباري محل الدعوة الهادئة إلى "كلمة الله".
ـ وفي فيكن Viken (القسم الجنوبي من النرويج ) كان الملك "أولاف ترايجفيسون" Olaf trygvesson [963ـ 1000م] يقوم بذبح هؤلاء الذين أبوا الدخول في المسيحية، أو بتقطيع أيديهم وأرجلهم، أو بنفيهم وتشريدهم .. وبهذه الوسائل نشر الدين في "فيكن" بأسرها.
ـ ووصية القديس لويس [ 1214 – 1270 م] تقول: "عندما يسمع الرجل العامي أن الشريعة المسيحية قد أسيء إلى سمعتها، فإنه ينبغي ألا يذود عن تلك الشريعة إلا بسيفه، الذي يجب أن يطعن به الكافر فى أحشائه طعنة نجلاء" !
ـ وفي المجر أرغم الملك "شارل روبرت" جميع رعاياه ـ من "الباشغردية" ـ بعد 1340 م على اعتناق المسيحية ـ بعد أن كانوا مسلمين ـ أو مغادرة البلاد .
ـ وفي 1703 م أباد الأسقف ـ الحاكم ـ "دانيال بيتروفتش" D. petrovich في الجبل الأسود جميع المسلمين الذين لم يتحولوا عن الإسلام إلى المسيحية .. في ليلة عيد الميلاد ! .
ـ وفي روسيا فرض ملكها "فلاديمير" Vladimir 988م النصرانية على جميع رعاياه ـ سادة وعبيدا .. أغنياء وفقراء ـ فسيقوا جميعا إلى التعميد بمجرد اعتناق الملك للمسيحية .. ولم ينفتح باب الحرية الدينية فى روسيا إلى 1905م ! . . وكانت عقوبة التحول عن المسيحية التجريد من الحقوق المدنية، والسجن ـ مع الأشغال الشاقةـ ما بين ثماني وعشر سنوات !
ـ وفي الحبشة جعل الملك "سيف أرعد" [1342ـ 1370 م] الإعدام عقوبة للمسلمين الذين يرفضون التحول إلى المسيحية .. أو النفى من بلادهم ! .. وكذلك صنع ملكها "جون" الذي أجبر 1880م ما يقرب من خمسين ألفا من المسلمين على التعميد! .. كما أجبر نصف مليون من قبائل الجلا على اعتناق المسيحية! .
***
فأي الدينين ـ الإسلام . . أم المسيحية ؟ ـ هو الذي انتشر بالسيف يا عظيم الفاتيكان وتلك هي الشهادات الغربية التي تحكى ـ بالوقائع ـ كيف كانت العقلانية هي سر انتشار الإسلام ؟ وكيف كان السيف هو أداة انتشار المسيحية .. وخاصة فى أوروبا .. وفي موطنك ـ بروسيا ـ على وجه التحديد كان السيف والنار أداة نشر المسيحية من قبل جماعة "إخوان السيف" ! .. أي أن أجدادك ـ يا عظيم الفاتيكان ـ قد أجبروا على اعتناق المسيحية بالإكراه . . وتحت تهديد السيف والنار!.
فهل يجوز لمثلك ـ أو لغيرك ـ مع هذه الشهادات الغربية الادعاء بأن الإسلام قد انتشر بالسيف . . ونسبة هذا " الوهم والافتراء" إلى نبي الرحمة . . رسول الإسلام . . محمد عليه الصلاة والسلام ؟ !..
***
* ثم . . لمَ لمْ يتفكر ويتعقل عظيم الفاتيكان ـ وهو دارس ومدرس للفلسفة الإغريقية ـ كيف يجتمع انتشار الإسلام بالسيف مع بقاء كل المذاهب والكنائس النصرانية والكنس اليهودية ـ وحتى الديانات الوضعية ـ فى الشرق الإسلامي وفي الدولة الإسلامية عبر تاريخ الإسلام ؟ !
لقد صدر عن "المعهد الوطني للدراسات الديموجرافية" ـ في فرنسا الكاثوليكية ـ كتاب [المسيحيون واليهود فى التاريخ الإسلامي العربي والتركي] ليثبت ـ بالحقائق والأرقام والإحصاءات ـ أن نسبة المسلمين بين رعية الدولة الإسلامية وشعوبها ـ في مصر والمشرق العربي وفارس ـ بعد قرن من الفتوحات الإسلامية وقيام الدولة الإسلامية، لم تتعد 20% من السكان !!.. فأين كان هذا السيف الإسلامي الذي يزعمون أنه كان السبيل لانتشار الإسلام؟ .. والذي يفترونه على رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام ؟! .
إن وقائع التاريخ الإسلامي وحقائقه ـ وهى وقائع وحقائق . . وليست نظريات ـ تقول:
* إن الدعوة الإسلامية قد مكثت بمكة ثلاثة عشر عاما ـ أي أكثر من نصف عمر هذه الدعوة ـ يتحمل أهلها كل صنوف العذاب والتعذيب والحصار والفتنة فى الدين، دون أية مقاومة مادية لهذا العذاب والتعذيب . . بل إن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم كان يدعو للذين ينزلون به وبالمؤمنين هذا العذاب فيقول : "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" !! .
* وإن الهجرة الإسلامية من مكة إلى المدينة ـ_ وكذلك الهجرات التي سبقتها إلى الحبشة ـ كانت تهجيرا قسريا واضطراريا ، وإخراجا من الديار ـ وليست خروجا طوعيا ـ وإنها قد تقررت وتمت عندما بلغ التآمر الوثني ذروته، بقرار ملأ قريش وصناديد الشرك أن يسجنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقتلوه، أو يخرجوه من وطنه (وإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) [الأنفال: 30] .. وجميعها خيارات تعني "الإعدام" .. فالسجن إعدام معنوي . . وكذلك الإخراج من الديار إعدام بالحرمان من المجال الحيوي للحياة !
* وإن الدولة الإسلامية ـ تحت القيادة النبوية ـ إنما مارست القتال دفاعا عن الدين ضد الذين فتنوا المسلمين في دينهم (والْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ) [البقرة: 191] ، وضد الذين استفزوا المسلمين فأخرجوهم من ديارهم .. والإخراج من الديار معادل للقتل والإعدام ( ولَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ) [ النساء: 66].
ولذلك، جاء الإذن بالقتال صدا للعدوان الذي مارسه المشركون، ورفعا للظلم الذي وقع بالمسلمين المظلومين (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [الحج: 40،39] .. بل وانحصر هذا القتال الإسلامي فى صد هذا العدوان على الدين والوطن فقط لا غير (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ الَذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً واللَّهُ قَدِيرٌ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (7) لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ (8) إنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وظَاهَرُوا عَلَى إخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ومَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الممتحنة : 7 – 9].
* وفى هذا القتال الدفاعي ـ الذي دارت أغلب معاركه حول "المدينة" عاصمة الدولة الإسلامية ـ دفاعا عن الدين والوطن ضد المشركين ـ الذين زحفوا للعدوان عليهما ـ سن الإسلام دستورا أخلاقيا للقتال ـ قبل أربعة عشر قرنا من معرفة البشرية لمواثيق أخلاقيات القتال ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اغزوا باسم الله، فى سبيل الله، تقاتلون من كفر بالله [أي من المشركين المعتدين ـ لا تغلٌّوا [أي لا تخونوا] ولا تغدروا، ولا تمثلوا [أي لا تمثلوا ببدن الخصم بعد قتله ] ولا تقتلوا وليدا " ، "ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان" رواه مالك في "الموطأ" .. ومسلم في الصحيح.
ولقد صاغ الراشد الأول أبو بكر الصديق [51 ق. هـ ـ 13هـ / 573ـ 634م ] هذا الدستور لأخلاقيات القتال فى وصاياه العشر لقائد جيشه "يزيد بن أبى سفيان" [ 18هـ / 639 م] وهو ذاهب إلى الشام لتحرير أرضها وشعبها من الاستعمار الروماني، فقال له :
"إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذروهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له . . وإني موصيك بعشر:
1 ـ لا تقتلن امرأة..
2 ـ ولا صبيا..
3 ـ ولا كبيرا هرما..
4 ـ ولا تقطعن شجرا مثمرا..
5 ـ ولا تخربن عامرا..
6 ـ ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة..
7 ـ ولا تحرقن نخلا..
8 ـ ولا تفرقّنه ..
9 ـ ولا تغلل..
10 ـ ولا تجبن .. " رواه مالك في "الموطأ" .


http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=39882&Page=1&Part=10
 
عودة
أعلى