السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد ، مشايخي الكرام
فقد ذكر ( السايس ) ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره لآيات الأحكام ، أنهم قد أجمعوا على أن الغاية في قوله تعالى (( ثم أتموا الصيام إلى الليل )) هي لإسقاط المغيا ،،،، و أن الغاية داخلة في المغيا في بعض المواضع من القرآن كقوله تعالى (( إلى المرافق )) و قوله تعالى (( و أرجلكم إلى الكعبين ))
فهل يمكن أن نتدارس مسألة دخول الغاية في المغيا و خروجها منها ، على ضوء دراسة أصولية منحصرة
في آيات القرآن الكريم
و بارك الله تعالى فيكم
هناك تفصيل فيه قوة ، و هو أن ما بعد الغاية إن كان من جنس ما قبله فهو داخل فيه ، و إلا فلا ، و مثال الأول قوله تعالى (و أيديكم إلى المرافق ) .
و مثال الثاني : قوله تعالى ( ثم أتموا الصيام إلى الليل )
فهنا إلى لانتهاء الغاية ، بخللاف المثال الأول : فهي بمعنى ( مع ).
و الخلاف تجده منثورا في تضاعيف كتب الفقه ، عند الكلام على آية الوضوء ، و عند الكلام على خيار الشرط ، و توقيته بالليل و النهار و نحوهما ، كقول البائع للمشتري : بعتك هذه بعشرة دنانير ولي الخيار إلى الليل .و في أبواب أخرى كثيرة ..
و لعلي أنقل نصوصا منها :
قال ابن حزم رحمه الله : ( وأما المرافق فإن إلى في لغة العرب التي بها نزل القرآن تقع على معنيين تكون بمعنى الغاية وتكون بمعنى مع قال الله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم بمعنى مع أموالكم فلما كانت تقع إلى على هذين المعنيين وقوعا صحيحا مستويا لم يجز أن يقتصر بها على أحدهما دون الآخر فيكون ذلك تخصيصا لما تقع عليه بلا برهان فوجب أن يجزىء غسل الذراعين إلى أول المرفقين بأحد المعنيين )( المحلى 2/51-52).
و قال ابن قدامة : ( وأكثر العلماء على أنه يجب إدخال المرفقين في الغسل منهم عطاء ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وقال بعض أصحاب مالك وابن داود لا يجب وحكي ذلك عن زفر لأن الله تعالى أمر كمال إليهما وجعلهما غايته بحرف إلى وهو لانتهاء الغاية فلا يدخل المذكور بعده كقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل البقرة ولنا ما روى جابر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء إلى مرفقيه وهذا بيان للغسل المأمور به في الآية فإن إلى تستعمل بمعنى مع قال الله تعالى ويزدكم قوة إلى قوتكم هود أي مع قوتكم ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم النساء و من أنصاري إلى الله آل عمران فكان فعله مبينا وقولهم إن إلى للغاية قلنا وقد تكون بمعنى مع قال المبرد إذا كان الحد من جنس المحدود دخل فيه كقوله نظير هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف ) ( المغني 1/85).
و قال ابن رشد : ( لذلك قال قوم إنه إذا كان الحد من جنس المحدود دخلت الغاية فيه أعني الشيء الذي يدل عليه حرف إلى وإذا لم يكن من جنس المحدود لم يدخل فيه مثل قوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل )( البداية 1/12)
و قال الشوكاني و هو ينتصر للقول بأن المرفقين غير داخلين في المغيا :( ورد بأنه لا إجمال لأن إلى حقيقة في انتهاء الغاية مجاز في معنى مع وقد حقق الكلام في ذلك الرضى في شرح الكافية وغيره فليرجع إليه )( نيل الأوطار 1/176).
و في إحكام الآمدي : ( وأما إلى فهي قد تكون لانتهاء الغاية كقولك سرت إلى بغداد وبمعنى مع كقوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم النساء )( 1/94).
و المسألة
ذاك قول فيه قوة ، و آخر يرى أنها على الإجمال حتى يرد الدليل الخارجي ، المبين لأحد المعنيين ، هل هي بمعنى ( مع ) أم لانتهاء الغاية ؟
و هذا الذي نقلناه لك عن ابم حزم ، و هو ما رجحه إمام المفسرين ابن جرير في تفسيره عند تفسيره لآية الوضوء ، و غيره ، و هذا في نظري أقوى من الأول ، و إن كانت المسألة مشكلة ، تحتاج إلى توسع أكثر ، و العجب أن الاستدلال عليها في كتب أهل العلم يكاد يكون متطابقا ، فهو لا يخرج عن الامثلة التي ذكرنا ، و هي نفسها محل النزاع !! ، و الله أعلم .
جزاك الله تعالى خيرا أيها الشيخ الكريم أبا تيمية ،،،
و تأكيدا لما ذكرتم ـ أي من النقل الأول ـ أنقل لكم هذا من ( حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج في شرح ألفاظ المنهاج للرملي ) في فروع الشافعية ، حيث فيه تأكيد لما تفضلتم بذكره و فيه تمثيل جيد أيضا ، يقول :
(( قوله ( أو إسقاط ما وراءها ) و ذلك بأن يجعل التقدير هنا اغسلوا أيديكم من الأصابع و اتركوا من أعلاها إلى المرافق و الدليل على أن المراد الغسل من الأصابع الحمل على ما هو الغالب في غسل الأيدي أنه من الأصابع و من لازمه أن يكون الترك من الأعلى و بيّن ذلك فعله ـ صلى الله عليه و سلم ـ كما يفهم من قوله : حتى شرع .. إلخ
قوله ( و ضابطه ) حاصل هذا الضابط يرجع إلى أن الغاية إن كانت من جنس المغيا دخلت فيه إلا بقرينة تقتضي خروجها كما يأتي في قراءة القرآن إلى سورة كذا من خروج السورة إن دلت القرينة على خروجها و إلا فتدخل ،، وإن لم تكن من جنسه لا تدخل إلا بقرينة تدل على الدخول . و في شرح البهجة الكبير ما يفيد أن هذا القول مرجوح و أن الراجح عدم دخولها مطلقا إلا بقرينة ... و على الأول لو نذر أن يقرأ القرآن إلى سورة الكهف مثلا أو استأجرا على القراءة إليها وجب قراءتها أيضا ما لم تدل قرينة على إخراجها ، و على كلام شرح البهجة و كلام ابن هشام في المغني لا تدخل السورة ))
و أما بالنسبة لما نقلتم عن ابن حزم فالذي أفهمه أنه لا يفصّل تفصيل اتحاد الجنس و اختلافه ، و إنما يعتبر القرينة الدالة على دخول الغاية في المغيا أو خروجها منها كما سبق و نقل من شرح البهجة ـ هكذا فهمت من كلامه رضي الله عنه ـ و أظن أن هذا هو الرأي الذي ترجحونه ..... طيب .. أليس هناك أصل يرجع إليه عند عدم القرينة ؟
بمعنى أنه لو لم تظهر لنا قرينة على إرادة دخول الغاية أو إرادة عدم دخولها ماذا يكون العمل ؟ هل هو التوقف ؟
و ما دامت المسألة تحتاج إلى تحقيق فهل ألّف فيها بعينها ؟ أو هل من مرجع تعمدها بالبحث ؟ .....