العلمانيّ الحُرّ والقرآنُ الآراميّ..!

محمد كالو

New member
إنضم
30/03/2004
المشاركات
297
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
تركيا
الموقع الالكتروني
www.facebook.com
العلمانيّ الحُرّ والقرآنُ الآراميّ..!


د. محمد محمود كالو
أصدر المستشرق الألماني وبروفيسور اللغات السامية والعربية القديمة (كرستوف لوكسنبرغ) في عام 2000 م كتابه: "قراءة آرامية سريانية للقرآن، مساهمة في فك رموز لغة القرآن الكريم" باللغة الألمانية.
Die syro-aramäische Lesart des Koran: Ein Beitrag zur Entschlüsselung der Koransprache (2000
وترجمت إلى اللغة الأنجليزية عام 2007م، أثار هذا الكتاب جدلاً عالمياً حول تاريخ وفقه اللغة التاريخي والمقارن، وقد تلقّى تغطية كبيرة في وسائل الإعلام الرئيسة وبشكل غير معتاد، حيث يطرح الكتاب نظرية تقول: أن القرآن لم يكن في البداية مكتوباً بصورة كليّة باللغة العربية ولكن بمزيج من العربية والسريانية (السورية القديمة), اللغة المنطوقة والمكتوبة السائدة في الجزيرة العربية خلال القرن الثامن.

وقد قَبِل بعض الأكاديميين نظرية لكسنبرغ بحماس شديد، بل أقام الألماني "فيسنشافتسكولغ" (معهد الدراسات المتقدمة) في برلين عام 2004 مؤتمراً أكاديمياً يركز فيه على نظرية لكسنبرغ، وشُكّلت خلية عمل عالمية للاستمرار في مناقشة هذا الموضوع، لكن كثيراً من المناقشات في المؤتمر كانت ناقدة لهذه النظرية، إلا أن عديد المختصّين أكدوا على أن عمل لكسنبرغ هو عمل قيّم، بل أظهر مؤتمر أقيم عام 2005 في جامعة نوتردام (نحو قراءة جديدة للقرآن) بشكل واضح الازدياد في قبول أسلوب لكسنبرغ.
وفي هذه الأيام انتشر مقال على الشبكة العنكبوتية وفي موقع (مفكر علمانيّ حرّ) بعنوان: {القرآن الآراميّ} ..!
يقول كاتبه فيه:
"كشف علماء اللغات السامية الآرامية السريانية أن القرآن الذي كتب في زمن محمد وعثمان بن عفان بالخط النبطي والحجازي ثم الكوفي الغير منقط ومن غير حركات ولا همزة، إنه كان خليطاً بين السريانية الآرامية وبين العربية .
وقد احتوىت الآيات على الكثير من المفردات السريانية التي تدل على معاني مختلفة تماماً عما تم كتابته فيما بعد التعريب والتنقيط وإضافة الحركات والمد والشدة والهمزة، وقد كان بعض كتبة القرآن والنساخ يجهلون معاني الكلمات السريانية، فعربوها بطريقة خاطئة بغير معناها الحقيقي، أو تركوها على حالها لجهلهم بمعناها، وهناك أدلة كثيرة على هذا سنمرُّ عليها في هذا المقال".

ويذكر جملة من الأدلّة أهمها:
1) المستشرق الألماني جيرد بوين (كان رئيساً لمشروع ترميم وفحص المخطوطات القرآنية القديمة المكتشفة في صنعاء في اليمن في عام 1972) ألف كتاباً بعنوان ( قراءة آرامية سريانية للقرآن ) تحت اسم مستعار هو (كريستوف لوكسنبرج) عام 2000، وعمل مساعداً له الأستاذ في المخطوطات العربية القديمة (محمد المسيّح) من المغرب .وقال: إن 25% من كلمات القرآن مبهمة وغامضة أو أساء المفسرون تفسيرها لأنهم لم يفهموا جذورها السريانية الآرامية.
2) المستشرقون المتخصصون مثل" البروفيسور الأمريكي: غبريال صوما، والدكتور إبراهيم مالك الخبير في اللغات الشرقية والذي يجيد اللغة السريانية، والمستشرق الألماني جيرد بوين" يقولون: إن القرآن الأصلي الذي كتب بالخط الحجازي والكوفي الغير منقط والغير مشكل بالحركات والشدّة والهمزة، هو كتاب أقرب للسريانية منه للعربية.
3) يقول المستشرقون: إنّ اسم محمّد؛ هو صفة للمسيح، أو لله، وليس اسماً لمحمد من الأصل، فمحمد تعني: الممجّد المحمود، وهذه صفةٌ لله، وليس للبشر .
4) جاء في مسند الإمام أحمد والمستدرك على الصحيحين، أن النبي محمد طلب من كاتبه زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة السريانية ليترجم له الكتب التي تصله بالسريانية، وقد تعلمها فعلاً، وأن زيداً هو من كتب القرآن الذي كان محمد يمليه عليه، وفي عهد عثمان بن عفان اختير زيد مرة أخرى مع ثلاثة آخرين لإعادة كتابة القرآن الموحد حسب توجيهات عثمان، وقد استعملت الكلمات السريانية ممزوجة مع العربي.
5) جاء في كتاب فتوح البلدان للبلاذري: "اجتمع ثلاثة نفر من طئ ببقعة، وهم مرامر بن مرة، و أسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة، فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية.
6) آثار اللغة السريانية لا زالت باقية في القرآن الحديث، حيث نجد أن كلمة (زكاة وصلاة) تكتب بالهجة السريانية هكذا ( زكوة) و(صلوة) مع ألف قصيرة فوق الواو ، و (رحمان) تكتب ( رحمن)، وفي بداية سورة الفاتحة (بسم الله) وليس (باسم الله) وهذا ما يكتبه و يلفظه السريان بلغتهم واصلها (بشيم الاها).
7) من المصطلحات السريانية الأصل كلمة (أبّاً)، ولم يعرف عمر بن الخطاب ما تعنية كلمة (وفاكهة وأبّاً) في سورة عبس، وكانت (أبّاً) تكتب قبل اختراع الشدة (أبب)، أي يكرر الحرف الباء، وبالسريانية تعني الفاكهة الناضجة وفي العربية لا معنى لها؛ ولهذا لم يفهم عمر بن الخطاب معناها.
8) كلمة (قرآن) هي كلمة سريانية الأصل وليست عربية، فهي مأخوذة من كلمة (قريانا) السريانية، وتعني كتاب القراءات أو الصلوات الكنسية، وتم استعارة هذا الاسم من السريانية ونسب للقرآن لتشابه الوظيفة.
وبعد قراءة هذا المقال السخيف، الواضح ضحالته وسطحيته، والذي يفتقر لأبسط أسس وقواعد البحث العلمي، شرعت في الرد على هذه الشبهات الواهية أصلاً؛ خشية أن يفهم بعض القراء أنه مقال مهمّ.
أولاً: وصف الله تعالى القرآن الكريم بأنه (عربيّ) في أكثر من آية، ومن أصدق من الله قيلاً، كما في قوله تعالى:
- (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل: 103].
- (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين (195) [الشعراء].
- (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: 2].
- (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الزمر: 28].
- (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون) [الزخرف: 3].

ثانياً: اللغة الآرامية والعربية الفصحى هما لسان واحد وجذر لغوي واحد (كما هو معلوم في علم اللسانيات الحديث)، وليست هنالك كلمات آرامية لا معنى لها في الفصحى، ولذلك تجد مفرداتٍ كثيرةً مشتركة بين هذه اللغات في الرسم والنطق، فتجد (السلام) في العربية تساوي (تشالم) في السريانية، و(شالوم) في العبرية.
كما تجد كلمة (آمين) مشتركة بين جميع اللغات السامية، التي جاءت بها رسالات الله تعالى إلى بني الإنسان، فالعرب يقولون: (آمين) بترقيق حرف المدّ، والعجم يقولون: (آمِن) واليهود يقولون: (هامين، آمين) بتفخيم حرف المدّ، والنصارى حسب اللغة السريانية يقولون: (آمين) مع التفخيم.
ومن هنا فمن البديهي أن تكتب الفصحى بالاستناد إلى الأسس الآرامية والسريانية، ولكنها تبقى ألفاظاً عربية فصيحة لها معانيها المعروفة، ومن البديهي أيضاً أن تكون المعاني في الآرامية والسريانية والفصحى واحدة: فهي جميعاً لغة واحدة في مراحل مختلفة من التطور.
ثالثاً: مسألة تعلّم زيد بن ثابت (السريانية) صحيحة، لكن في بعض روايات الحديث (لغة يهود) وفي بعضها (كتاب يهود)، وأوضح النصوص المعبّرة؛ ما أخرجه الترمذيّ في جامعه (2715) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ [الكتابة]
قَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ!) يعني: لا يأمنهم على رسائله.
قَالَ زيدٌ: فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ، حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ.
قَالَ: فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ؛ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ؛ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ؛ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ) [المراسلات].
قال الترمذيّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ).

ومهما يكن فإن زيد بن ثابت؛ لم يجمع القرآن في زمان أبي بكر رضي الله عنهما؛ لأنّ لغة القرآن كانت سريانية، وإنما لأنه كان متقناً لحفظ القرآن الكريم، ومتقناً للكتابة العربية.
يؤكّد هذا أنّ عثمان بن عفان حين عهد إلى زيد بن ثابت رضي الله عنهما بنسخ القرآن الكريم؛ جعل معه جماعة من قريشٍ، ولم يوكل الأمر إليه وحده.
فقد أخرج البخاري في صحيحه (3506) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: (إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ) فَفَعَلُوا ذَلِكَ.
فهذا نقيض ما زعم المستشرقون المختصون من أنهم توصلوا إليه..!

رابعاً: تمثيلهم على ما ذهبوا إليه من اختلاف الرسم القرآني في بعض الكلمات مثل: (الزكوة، الصلوة، بسم الله) وغير ذلك؛ تمسك بريحٍ، وطمر للرأس كالنعامة في رمال الخديعة..!
فليست العمدة في نقل القرآن العظيم على المصحف المكتوب، بل العمدة على الحفظ، والتلقي من أفواه القرّاء الضابطين والمتقنين، بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولم ينقل لنا إطلاقاً أيّ خلاف بين القراء الكبار حيالَ تلاوةِ أيّ آية من كتاب الله تعالى، سواء كان الرسم (نعمة = نعمت) أو (الصلوة، الزكوة) فالجميع يقرؤونها (الصلاة، الزكاة).

واختلافهم يكون في التحقيق والإمالة والنقل والتسهيل، ومراعاة الوقف، وغير ذلك من أوجه النطق، لكن تبقى الصلاة هي الصلاة لفظاً ومعنى، وتبقى الزكاة، هي الزكاة لفظاً ومعنى، وهكذا.
خامساً: قولهم: إنّ اسم محمّد؛ هو صفة للمسيح، أو لله، وليس اسماً لمحمد من الأصل؛ فيدلّ على منتهى الإسفاف والاستخفاف بعقول المفتونون بما يأتي من المؤسسات الغربية المالكرة.
ومن باب الإلزام؛ سنسوق الآيات التي ذكر فيها اسم الرسول (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم؛ لتستيقن أخي القارئ أنهم حقّاً، يكذبون ولا يستحيون!
قال الله تعالى:
(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصفّ: 6].

فهل يصلح هنا أن تقول: ومبشراً برسول من بعدي اسمه المسيح؟
وقال الله تعالى:
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144].

فهل يقبلون هم أن نقول: ما المسيح إلا رسول قد خلت من قبله الرسل؟
وقال سبحانه وتعالى:
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [الأحزاب: 41].

فكيف يفهمون هذه الآية عبرياً، أم سريانياً؟!
ألا تلاحظون أنّ سياق الآيات لا يمكن أن يدلّ على غير الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهم أنفسهم يرفضون مضامين هذه الآيات.
فالآيات تدلّ دلالةً واضحةً على أنّ (محمّداً) صلى الله عليه وآله وسلم، عبد لله ورسوله، لكنهم هم أنفسهم يرفضون ذلك، فيقولون: المسيح هو الله، أو ابن الله، تعالى الله عن إفكهم علوّاً كبيراً.
سادساً: أمّا عن عدم معرفة عمر رضي الله عنه لمعنى كلمة (الأبّ) في قوله تعالى: (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) [عبس].
فأستبعد صحّة ذلك عن أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه، إذ الآية توضح معناها: (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) أي أنّ من هذه النعم ما تفضّل الله علينا به لأنفسنا، ومنه ما تفضل علينا به لمواشينا.
والرواية واردة من غير طريق عن أنس بن مالك رضي الله عنه، في تفسير الطبريّ وغيره، وليس في الصحاح أيّ طريق منها.
وما ينفرد به أنس بن مالك؛ دون سائر الصحابة؛ فللفقهاء فيه نظر خاصّ؛ لأنه خرف في آخر عمره، وهو من رواة الصحابة، وليس من علمائهم، رضي الله عنهم جميعاً.

سابعاً: أما مسألة أصل كلمة (قرآن) فمن حيث الاشتقاق وعدمه هي مسألة خلافية، وإن كنتُ أرى أنها مشتقة من (قرأ) بمعنى جمع وأظهر وتلا معاً؛ لأن طبيعة القرآن كذلك، فبداية نزوله: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وعلى هذا الجمهور من العلماء من اللغويين وأهل التفسير، ولكنهم اختلفوا في المشتق منه، فقال الأشعري: بأنه مشتق من (قَرَنَ)، بمعنى ضم، وقال الفراء: بأنه مشتق من القرائن، جمع قرينة؛ لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضاً، ويشابه بعضها بعضاً، وعلى هذين الرأيين فالقران غير مهموز، ونونه أصلية، لأنه من (قرن). وهذان الرأيان فيهما ضعف.
أما رأي جمهور العلماء، ومنهم ابن فارس صاحب (مقاييس اللغة)، بل هو يرى أن «(قرى) و (قرأ) بمعنى واحد، وهو يدل على جمع واجتماع، ومن ذلك القرية، سميت بذلك لا جتماع الناس فيها، ويقولون: قريت الماء في المقراة، جمعته... ويقولون: ما قرأت هذه الناقة سلىً كأنه يراد (أنها ما حملت قط... قال ومنه القرآن، كأنه سمي به لجمعه ما فيه من الأحكام والقصص وغير ذلك». [مقاييس اللغة 5/78-79].
ويرى الراغب الأصفهاني في (المفردات) أن القرآن في الأصل مصدر، مثل الكفران والرجحان، وهو بمعنى القراءة.
ويرى بعض العلماء أن (القرآن) مشتق من قرأ بمعنى أظهر وألقى، لا بمعنى جمع.
ولذلك يقول الزركشي: "وقال بعض المتأخرين: لا يكون القرآن وقرأ بمعنى جمع، لقوله تعالى: (إن علينا جمعه وقرآنه) فغاير بينهما، وإنما مادته (قرأ) بمعنى (أظهر أو بيّن) ".

وهناك من قال: بأن القرآن غير مشتق وهو قول شيخ الشافعي إسماعيل بن قسطنطين، وقد ذكر ذلك عنه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (2: 62) الطبعة القديمة، قال الشافعي: "... وقرأت على إسماعيل، وكان يقول: القرآن اسم، وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت، ولو أُخِذ من قرأت؛ لكان كل ما قرئ قرآنًا، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل .
يهمز قرأت، ولا يهمز القرآن {وإذا قرأت القرآن} يهمز قرأت، ولا يهمز القرآن". انتهى.

وأخيراً: أختم بقول الحقّ سبحانه وتعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8].
 
"وما ينفرد به أنس بن مالك؛ دون سائر الصحابة؛ فللفقهاء فيه نظر خاصّ؛ لأنه خرف في آخر عمره، وهو من رواة الصحابة، وليس من علمائهم، رضي الله عنهمجميعاً."
الدكتور الكريم . من قال بهذا من العلماء ؟ بل أنس بن مالك رضي الله عنه من الصحابة الذين دعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالبركة ، والخرف نقيضها . وتمنيت لو أحسنت اختيار اللفظ في تعبيرك عن ذلك الصحابي الجليل رضي الله عنه .
وهو كذلك من علماء الصحابة ، ولو جمعت كتب الرومي جميعها ما وزنت حديث واحد رواه ذلك الصحابي الجليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بالنسبة للرواية التي تقول أن عمر رضي الله عنه لم يعرف كلمة أب ، ما المشكل فيها ؟
من جمع العربية كلها ؟ العربية بحر ، وقيل لم يجمع العربية إلا نبي .

أليس الأولى في الرد أننا لا نقر قول الكفار ثم نبني عليه لنرد؟ ولا يصح أن تهدم بيتك لتبني بطوبه سوراً لفناء ذلك البيت .
بارك الله فيكم وفي علمكم .
 
أخي عبد الله الأحمد الفاضل
بارك الله فيكم على هذه الملاحظات

أقصد أن أنس بن مالك رضي الله عنه عاش أكثر من مائة سنة وهي مرحلة عادة ما يخرف فيه الإنسان، وللفقهاء نظر في ما انفرد به الصحابي وخاصة إذا كان مخالفاً لغيره.
واعتمدت على أنه لم يكن من الصحابة حيث لم يذكره أبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (المتوفى: 476هـ) في طبقات الفقهاء.
أما بالنسبة للرواية التي تقول أن عمر رضي الله عنه لم يعرف كلمة (أبَّا)، فإنني لا أعتقد صحتها لأنها تخالف العقل والواقع، إذ كيف لا يعرف أمير المؤمنين عمر معنى كلمة (أبَّا) وهي مفسرة وواضحة المعنى من خلال سياق الآية..!

 
عودة
أعلى