عمر المقبل
New member
- إنضم
- 06/07/2003
- المشاركات
- 805
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
لقد تعلمنا من أئمتنا ـ رحمهم الله تعالى ـ سلوك طريق العدل في بيان ما للكتب وما عليها، وممن طبق هذا المبدأ العلامةُ السعدي : حين سئل عن كتاب ابن الجوزي : (ت: 597هـ) المشهور "صيد الخاطر"، وعما في أوائل كتابه من مسائل مشكلة، وأنا أسوق جوابه بطوله لما فيه من بيانٍ منهجي في هذا الباب:
"ابن الجوزي ـ رحمه الله، وغفر له ـ إمام في الوعظ والتفسير والتاريخ، وكذلك هو أحد الأصحاب المصنفين في فقه الحنابلة، ولكنه : خلّط تخليطاً عظيماً في باب الصفات، وتبع في ذلك الجهمية والمعتزلة، فسلك سبيلهم في تحريف كثير منها، وخالف السلف في حملها على ظاهرها، وقدح في المثبتين، ونسبهم إلى البلاهة.
وهذا الموضوع من أكبر أغلاطه، ولذلك أنكر عليه أهل العلم، وتبرّأ منه الحنابلة في هذا الباب، ونزّهوا مذهبَ الإمام أحمد عن قوله وتخبيطه فيه، ومع وذلك فإن له في المذهب كتاب "المذهب" وغيره، وله تصانيف كثيرة جداً، حسنةٌ، فيها علمٌ عظيم، وخيرٌ كثير، وهو معدود من الأكابر الأفاضل، ولكن كل أحد مأخوذ من قوله ومتروك، سوى النبي ج، فكلامه في كتاب "التأويل"، وكلامه في الفصول التي في أول "صيد الخاطر" ـ كما أشرتم إليها ـ([1]) يجب الحذر منها والتحذير، ولولا أن هذه الكتب موجودة بين الناس لكان للإنسان مندوحة عن الكلام فيه؛ لأنه من أكابر أهل العلم وأفاضلهم، وهو معروف بالدين والورع والنفع، ولكن لكل جواد كبوة، نرجو الله أن يعفو عنا وعنه.
وفي "صيد الخاطر" أيضاً أشياء تُنتقد عليه، ولكنها دون كلامه في الصفات، مثل كلامه عن أهل النار، وفي الخوض في بعض مسائل القدر، وأشياء يعرفها المؤمن الذكي، وإننا نأسف على صدورها من قِبَل هذا الرجل الكبير القدر"([2]).
لقد اشتمل كلام الشيخ على ما يمكن جعله منهجاً في الكلام على الكتب والأشخاص، يلخص ذلك فيما يلي:
1.حفظ منزلة العالم، وبيان ما تميز به من العلوم، وما تميزت به مصنفاته.
2.تحديد موضع النقد، سواء في المنهج، أو في كتاب معين، حتى لا يطلق الكلام على عمومه.
3.التفريق بين كتاب انتشر بين الناس، وبين كتاب لم ينتشر وإن كان فيه أخطاء؛ لأن مفهوم كلام الشيخ : أن نشر النقد لكتاب مغمور مما ينشره، وفي السكوت عنه إخماد لمفسدة انتشاره إذا كانت أخطاؤه كثيرة.
ــ الحواشي ـــ
([1]) أي كما أشار إليها السائل.
([2]) "الفتاوى": (57)، المسألة الرابعة والعشرون، ضمن المجموعة الكاملة.